السؤال:
ماذا عن السامري؟ يقال إنه الدجال الذي سيظهر آخر الزمان، وأن سيدنا موسى عليه السلام قال له: “إنك لك موعدا” ولم يعاقبه على عمل العجل لبني إسرائيل وتركه وقال له لا مساس!. فلماذا تركه دون عقاب؟ وما هي قبضة الرسول التي أخذها السامري ؟وما الذي بصره السامري ولم يبصره غيره ؟
وشكرا
الجواب:
سؤالك عن السامري من الأسئلة التي أثارت اهتمام العلماء والمفسرين، وسأجيب عليه وفق ما ورد في القرآن الكريم وبحسب أصول تفسير القرآن بالقرآن.
أولًا: هل السامري هو الدجال؟
السامري هو مثال على أولئك الذين عرفوا الحق وحادوا عنه وأضلوا الناس اتباعا للهوى، وبالرغم من كون السامري أعلم الناس بشريعة موسى إلا أنه آثر الضلال على الهدى، وكان له تأثير على قومه للدرجة أنهم لم يسمعوا لنصح هارون عليه السلام. فلا علاقة لهذا الرجل بما يسمى (الدجال الذي سيظهر آخر الزمان)، وإنما هو أحد الدجالين الكثيرين الذين تزخر بهم جميع الأزمنة.
ثانيًا: لماذا لم يعاقب موسى عليه السلام السامري مباشرة؟
عندما رجع موسى عليه السلام إلى قومه ورأى أنهم عبدوا العجل الذي صنعه السامري، واجه أخاه هارون ثم واجه السامري مباشرة، كما ورد في الآيات:
﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ﴾ [طه: 95]
فأجاب السامري مبررًا فعلته بأنه رأى أمرًا لم يره غيره:
﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴾ [طه: 96]
فكان عقاب موسى له كما يلي:
- ﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ﴾ [طه: 97]
أي أن موسى عليه السلام عاقبه بالعزلة، فصار السامري منبوذًا لا يستطيع أحد الاقتراب منه، وقيل إنه أصيب بمرض يجعله يهرب من الناس، وقيل إن الناس كانوا ينفرون منه. - ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ ﴾ [طه: 97]
أي أن هناك عذابًا ينتظره يوم القيامة. - حرق العجل: لم يكتفِ موسى عليه السلام بعقاب السامري، بل قام بحرق العجل المصنوع من الذهب وتفتيته وإلقائه في البحر، ليُبطل الفتنة التي أحدثها السامري.
﴿وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا﴾ [طه: 97]
ثالثًا: ما هي “القبضة من أثر الرسول” التي أخذها السامري؟
السامري قال: “ ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ [طه: 96] والتفسير المشهور لهذه الآية أن السامري رأى أثرًا من جبريل عليه السلام عندما جاء ليهلك فرعون، فأخذ قبضة من التراب الذي وطأته قدم جبريل، وكان لهذا التراب تأثير غريب، إذ عندما ألقاه السامري على العجل المصنوع من الذهب، صار له خوار كأنه حيّ، مما زاد من فتنة بني إسرائيل. وهذا التفسير غريب جدا لأنه جعل من الروايات الإسرائيلية حكما على النص القرآني.
لكننا إذا تدبرنا سياق الآية سنجد أن أثر الرسول هو الرسالة التي نزلت على موسى عليه السلام، حيث استطاع السامري أن يعلم منها الكثير، وقد عبر عما أخذه بالقبضة للدلالة على أمرين اثنين:
الأول: تمكنه من العلم الذي أخذه حتى صار به خبيرا.
الثاني: أنه أخذ من العلم ما يلزمه لتحريفه وإضلال الناس به.
لم يكد موسى يمضي لميقات ربه حتى شرع السامري بالعمل على محو أثر النبوة من نفوس بني إسرائيل، وقد علم أنَّ قوم موسى قد أُشربوا في قلوبهم العجل ففطن إلى أنَّ أسهل الطرق لإضلالهم هو صناعة العجل ليعبدوه:
﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ [طه: 96]
فما هو أثر الرسول؟ تجيب الآية 84 من ذات السورة على هذا السؤال:
﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى. قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ [طه: 83-84]
يمكن ملاحظة الرابطة بين عبارة (عَلَى أَثَرِي) وعبارة (أَثَرِ الرَّسُولِ) والمقصود في الحالتين أثر موسى عليه السلام أي (الرسالة).
يقول الشعراوي في تفسيره: “الرسول جاء لِيُبلِّغ شرعاً من الله، وهذا هو أثره الذي يبقى من بعده. فيكون المعنى: قبضتُ قبضة من شرع الرسول، وهي مسألة الإله الواحد الأحد المعبود، لا صنمَ ولا خلافه. وقوله تعالى: {فَنَبَذْتُهَا} أي: أبعدتُها وطرحتها عن مُخيِّلتي، ثم تركتُ لنفسي العنان في أن تفكر فيما وراء هذا. بدليل أنه قال بعدها {وكذلك سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} أي: زيَّنتها لي، وألجأتني إلى معصية. فلا يقال: سوَّلَتْ لي نفسي الطاعة، إنما المعصية أن يأخذ شيئاً من أثر الرسول (الوحْي) الذي جاء به من الله، ثم يطرحه عن منهجه ويُبعده عن فِكْره، ثم يسير بِمَحْض اختياره”[تفسير الشعراوي].
والهدف من مثل هذه الاتهامات هو الطعن بالأنبياء ونزع القدوة عنهم، وكأنهم يريدون القول إذا كان النبي يعبد الصنم فلم لا نعبده، وإن كان يزني فلم يُحرَّم علينا الزنا، وإن كان يشرب الخمر فلماذا نمتنع عنه! وهكذا يمكنهم تحليل تلك الأعمال المنسوبة إليهم زورا وبهتانا.
رابعًا: ما الذي أبصره السامري ولم يبصره غيره؟
- قيل إن السامري رأى جبريل عليه السلام، بينما لم يره بنو إسرائيل، وقد ذكرنا أن هذا تفسير غريب لا يمكن قبوله، إذ ليس لغير النبي أن يرى أمين الوحي جبريل عليه السلام.
- فما أبصره السامري هو الطريقة التي يمكنه بها إضلال بني إسرائيل باختيار العجل لهم ثم اتهامه موسى عليه السلام بأنه يقبل عبادتهم له.
يمكنني تلخيص ما سبق كما يلي:
- لا علاقة بين السامري والدجال الذي يزعم أنه سيظهر آخر الزمان.
- عاقب موسى عليه السلام السامريَّ بجعله منبوذًا ووعده بالعذاب يوم القيامة.
- القبضة التي أخذها كانت من أثر موسى الرسول عليه السلام، والمعنى أنه أخذ علما عظيما جعل بني إسرائيل يثقون به.
- السامري أبصر أمورًا لم يدركها غيره، مثل التحريف المقصود لأقوال موسى وصناعة العجل، مما مكّنه من صنع الفتنة.
*وللمزيد حول هذا الموضوع ننصح بالاطلاع على مقالة د. جمال نجم ( قتل النبيين والنبوة)