السؤال:
يقول المولى عز وجل عن اليهود ﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ، وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64] . صدق الله العظيم .
هل نفهم من هذا النص الكريم أن الله تعالى يطفئ الحروب التي يوقد نارها اليهود بسبب ما ألقاه في قلوبهم من العداوة والبغضاء؟
إذا كان الجواب بالإيجاب أرجو التكرم بالإيضاح مع سرد وقائع تاريخية .
جزاكم الله خيرا .
الجواب:
الآية الكريمة التي ذكرتها من سورة المائدة (آية 64) تتحدث عن حال اليهود وعلاقتهم ببعضهم البعض وبالآخرين. يخبرنا الله تعالى أنه ألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وأنهم كلما أشعلوا نارًا للحرب أطفأها الله تعالى، ويسعون في الأرض فسادًا، والله لا يحب المفسدين.
الفهم المستنبط من الآية:
- العداوة والبغضاء بين اليهود تجعلهم في خلاف دائم وتنافر مستمر، ما يؤثر على قدرتهم على الاتحاد والتعاون بشكل فعال.
- إطفاء الله للحروب: يمكن فهم هذه العبارة بأن الله سبحانه وتعالى يتدخل لإطفاء نيران الحروب التي يشعلونها، سواءً كان ذلك بشكل مباشر بإحداث أحداث تعيق خططهم. أو من خلال تأثير العداوة والبغضاء التي بينهم، ما يؤدي إلى فشل مخططاتهم، وغالبًا ما تكون هذه العداوات سببًا في ضعفهم وتفككهم.
وقائع تاريخية تدعم هذا الفهم:
- فترة ما بعد النبي سليمان عليه السلام
بعد وفاة النبي سليمان عليه السلام انقسمت مملكة اليهود إلى قسمين، وقد دارت معارك وصراعات كثيرة بينهما، مما أدى إلى تسهيل هزيمتهم أمام البابليين عام 587 قبل الميلاد ، وقد أدى الغزو البابلي إلى تدمير مملكتهم بشكل كامل وسبي من بقي منهم حيا إلى بابل.
- الفترة الرومانية وما قبلها:
اليهود كانوا في صراع مستمر مع القوى المحيطة بهم، وداخليًا كانوا ممزقين بين فئات مختلفة مثل الصدوقيين والفريسيين. هذا التمزق الداخلي كان أحد الأسباب التي أدت إلى تدمير مملكتهم مرة أخرى على أيدي الرومان في عام 70 للميلاد. حيث لم يستطع اليهود التوحد لمواجهة هذا التهديد الخارجي. - الثورات اليهودية ضد الرومان:
بين عامي 66 و135 للميلاد، قام اليهود بثورات متعددة ضد الحكم الروماني، أبرزها ثورة بار كوخبا. ولكن هذه الثورات فشلت في النهاية، وكثيرًا ما كانت الخلافات الداخلية من بين العوامل التي ساهمت في هذا الفشل. - العصور الوسطى:
خلال العصور الوسطى، كان اليهود ينتقلون من بلد إلى آخر بسبب الاضطهاد، ولم يكن بإمكانهم تكوين قوة موحدة أو مجتمع مستقر، وفي كثير من الأحيان، كانت هناك انقسامات داخلية بينهم مما زاد من ضعفهم. - القرن العشرين والحركة الصهيونية:
حتى في القرن العشرين، وعلى الرغم من احتلالهم لأرض فلسطين بمساندة من القوى الاستعمارية وإنشاء دولة لهم سموها “إسرائيل”، ظلت هناك خلافات كبيرة بين الفصائل اليهودية المختلفة (العلمانيين والدينيين، اليمينيين واليساريين). هذه الخلافات أثرت على سياساتهم الداخلية والخارجية، وأحيانًا تؤدي إلى زعزعة استقرارهم.
الخلاصة:
إطفاء الله لنيران الحرب التي يوقدها اليهود، كما جاء في الآية، يمكن أن يُفهم على أنه نتيجة للعداوة والبغضاء التي بينهم، مما يجعلهم غير قادرين على تحقيق أهدافهم العدوانية بشكل فعال. التاريخ اليهودي مليء بالأمثلة التي توضح كيف أن الخلافات الداخلية وعدم التوحد قد أدت إلى ضعفهم وتفككهم أمام أعدائهم.
هذا الفهم يساعدنا على رؤية حكمة الله سبحانه وتعالى في تدبير الأمور، وكيف أن العداوة والبغضاء يمكن أن تكون سببًا في إفشال خطط العدوان والفساد. وصدق الله تعالى إذ يقول:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: 81]
وقد حذر الله تعالى المؤمنين من التفرق والتنازع لما له من أثر في الهزيمة والضياع، كما جاء في قوله تعالى:
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، وَاصْبِرُوا، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46] .