لفظ “التصوف” والصوفية لم يكن معروفا في صدر الإسلام وإنما هو محدث بعد ذلك أو دخيل على الإسلام من أمم أخرى، وقد نشأ التصوف في بلاد الإسلام على يد عُبَّادِ البصرة نتيجة لمبالغتهم في الزهد والعبادة ثم تطور بعد ذلك.
وقد كثرت الآراء حول أصل الصوفية، وما توصل إليه بعض الكتاب المعاصرين – أن التصوف قد تسرب إلى بلاد المسلمين من الديانات الأخرى كالديانة الهندية والبوذية، وكذلك كان للرهبانية في الديانة النصرانية تأثير على ظهور الصوفية في بلاد المسلمين، ومما يشير إلى هذا ما نقله أبو الشيخ الأصبهاني عن ابن سيرين أنه قال: ”إن قوما يتخيرون لباس الصوف يقولون إنهم يتشبهون بالمسيح ابن مريم، وهَدْيُ نبينا أحب إلينا”. فهذا يعطي أن التصوف له علاقة بالديانة النصرانية!!
ويبدو أن تأثير الرهبنة المسيحية في الصوفية واضح، إذ أنّ التأثير لم يكن مجرد صدفة، فقد انتشر المسلمون فاتحين لبلاد كان فيها الرهبان يلبسون الصوف وهم في أديرتهم منقطعين لهذه الممارسة على امتداد الأرض التي حررها الإسلام بالتوحيد.
عند التعمق في تعاليم علماء الصوفية سواء المتقدمين منهم أو المتأخرين، وننظر في أقاويلهم المنقولة عنهم أو المأثورة في كتبهم القديمة والحديثة، فإننا نرى بونا شاسعا بين تلك الأقاويل وبين تعاليم القرآن والسنة، وكذلك لا نرى لها جذورا في سيرة نبيا الكريم صلى الله عليه وسلم، ولا في سيرة أصحابه الكرام، بل نراها مأخوذة مقتبسة من رهبنة المسيحية والبرهمية الهندوكية وتنسك اليهودية وزهد البوذية.
إن التصوف أسوأ كيد ابتدعه الشيطان ليسخِّرَ معه عبادَ الله في حربه على الله ورسله، إنه قناع المجوس الذي يتراءى بأنه رباني، بل إنّ التصوف قناع لكل عدو أراد أن يحرف الناس عن الدين الحق. فتش في قلوبهم، فلن تجد غير برهمية أو بوذية أو زرادشتية أو مانوية أو ديصانية، ستجد أفلاطونية وغنوصية، تجد فيه يهودية ونصرانية ووثنية جاهلية. ويظهر مما تقدم أن الصوفية دخيلة على الإسلام، يظهر ذلك في ممارسات المنتسبين إليها – تلك الممارسات الغريبة على الإسلام والبعيدة عن هديه، وإنما نعني بهذا من كان هذا حالهم من متأخري الصوفية حيث كثرت وعظمت شطحاتهم.
موقف الصوفية من العبادة والدين
للصوفية – خصوصا – المتأخرين منهم منهج في الدين والعبادة يخالف المنهج الحق، ويبتعد كثيرا عن الكتاب والسنة. فهم قد بنوا دينهم وعبادتهم على رسوم ورموز واصطلاحات اخترعوها، وهي تتلخص فيما يلي:
1- قصرهم العبادة على المحبة، فهم يبنون عبادتهم لله على جانب المحبة، ويهملون الجوانب الأخرى، كجانب الخوف والرجاء، كما قال بعضهم: “أنا لا أعبد الله طمعا في جنته ولا خوفا من ناره” – ولا شك أن محبة الله – تعالى – هي الأساس الذي تبنى عليه العبادة. ولكن العبادة ليست مقصورة على المحبة كما يزعمون، بل لها جوانب وأنواع كثيرة غير المحبة كالخوف والرجاء والذل والخضوع والدعاء إلى غير ذلك، فهي كما قال ابن تيمية: ”اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة”.
ولهذا يقول بعض السلف: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد.
وقد وصف الله رسله وأنبياءه، بأنهم يدعون ربهم خوفا وطمعا، وأنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه، وأنهم يدعونه رغبا ورهبا.
ولهذا قد وجد من المتأخرين من بالغ في دعوى المحبة حتى أخرجه ذلك إلى نوع من الرعونة[2] والدعوى التي تنافي العبودية، وكثير من السالكين سلكوا في دعوى حب الله أنواعا من الجهل بالدين، إما من تعدي حدود الله، وإما من تضييع حقوق الله. وإما من ادعاء الدعاوى الباطلة التي لا حقيقة لها، والذين توسعوا من الشيوخ في سماع القصائد المتضمنة للحب والشوق واللوم والعذل والغرام كان هذا أصل مقصودهم، ولهذا أنزل الله آية المحبة محنة يمتحن بها المحب، فقال: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله». [آل عمران، الآية: 31].
فلا يكون محبّا لله إلا من يتبع رسوله، وطاعة الرسول ومتابعته لا تكون إلا بتحقيق العبودية، وكثير ممن يدعي المحبة يخرج عن شريعته وسنته صلى الله عليه وسلم ، ويدعي من الخيالات ما لا يتسع هذا الموضوع لذكره، حتى يظن أحدهم سقوط الأمر – وتحليل الحرام له، وكثير من الضالين الذين اتبعوا أشياء مبتدعة من الزهد والعبادة على غير علم ولا نور من الكتاب والسنة وقعوا فيما وقع فيه النصارى من دعوى المحبة لله مع مخالفة شريعته وترك المجاهدة في سبيله ونحو ذلك.
فتبيّن بذلك أن الاقتصار على جانب المحبة لا يُسمّى عبادة بل قد يؤول بصاحبه إلى الضلال بالخروج عن الدين.
2- الصوفية في الغالب لا يرجعون في دينهم وعبادتهم إلى الكتاب والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما يرجعون إلى أذواقهم وما يرسمه لهم شيوخهم المبتدعين، والأذكار والأوراد المبتدعة، وربما يستدلون بالحكايات والمنامات والأحاديث الموضوعة لتبرير ما هم عليه، بدلا من الاستدلال بالكتاب والسنة. هذا ما ينبني عليه دين الصوفية.
ومن المعلوم أن العبادة لا تكون عبادة صحيحة إلا إذا كانت مبنية على ما جاء في الكتاب والسنة. لكنهم يتمسكون في الدين الذي يتقربون به إلى ربهم بنحو ما تمسك به النصارى من الكلام المتشابه والحكايات التي لا يعرف صدق قائلها، ولو صدق لم يكن معصوما، فيجعلون متبوعيهم وشيوخهم شارعين لهم دينا، كما جعل النصارى قسيسيهم ورهبانهم شارعين لهم دينا...
ولما كان هذا مصدرهم الذي يرجعون إليه في دينهم وعباداتهم، وقد تركوا الرجوع إلى الكتاب والسنة صاروا أحزابا متفرقين. كما قال تعالى: «وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله». [الأنعام، الآية: 153].
فصراط الله واحد، لا انقسام فيه ولا اختلاف عليه، وما عداه فهو سبل متفرقة تتفرق بمن سلكها، وتبعده عن صراط الله المستقيم، وهذا ينطبق على فرق الصوفية فإن كل فرقة لها طريقة خاصة تختلف عن طريقة الفرقة الأخرى. ولكل فرقة شيخ يسمونه شيخ الطريقة يرسم لها منهاجا يختلف عن منهاج الفرق الأخرى، ويبتعد بهم عن الصراط المستقيم. وهذا الشيخ الذي يسمونه شيخ الطريقة يكون له مطلق التصرف وهم ينفذون ما يقول ولا يعترضون عليه بشيء. حتى قالوا: المريد مع شيخه يكون كالميت مع غاسله. وقد يدعي بعض هؤلاء الشيوخ أنه يتلقى من الله مباشرة ما يأمر به مريديه وأتباعه.
3- من دين الصوفية التزام أذكار وأوراد يضعها لهم شيوخهم فيتقيدون بها، ويتعبدون بتلاوتها، وربما فضلوا تلاوتها على تلاوة القرآن الكريم، ويسمونها ذكر الخاصة.
وأما الذكر الوارد في الكتاب والسنة فيسمونه ذكر العامة. فقول ”لا إله إلا الله” عندهم هو ذكر العامة، وأما ذكر الخاصة, فهو الاسم المفرد: الله؛ وذكر خاصة الخاصة (هو).
ومن زعم أن هذا -أي قول لا إله إلا الله- ذكر العامة وأن ذكر الخاصة هو الاسم المفرد، وذكر خاصة الخاصة (هو) أي الاسم المضمر فهو ضال مضل. واحتجاج بعضهم على ذلك بقوله: «قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون». [الأنعام، الآية: 91]. من أبين غلط هؤلاء، بل من تحريفهم للكلم عن مواضعه، فإن الاسم – الله – مذكور في الأمر بجواب الاستفهام في الآية قبله، وهو قوله: «من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس». إلى قوله: «قل الله» أي الله هو الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى.
فالاسم – الله – مبتدأ خبره دل عليه الاستفهام، كما في نظائر ذلك. تقول: من جارك؟ فيقول: زيد. وأما الاسم المفرد مظهرا ومضمرا فليس بكلام تام، ولا جملة مفيدة، ولا يتعلق به إيمان ولا كفر ولا أمر ولا نهي، ولم يذكره أحد من سلف الأمة، ولا شرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يعطي القلب نفسه معرفة مفيدة، ولا حالا نافعا، وإنما يعطيه تصورا مطلقا لا يحكم فيه بنفي ولا إثبات.
وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر بالاسم المفرد وبـ: ”هو” في فنون من الإلحاد وأنواع من الاتحاد، وما يذكر عن بعض الشيوخ في أنه قال: أخاف أن أموت بين النفي والإثبات، حال لا يقتدى فيها بصاحبها، فإن في ذلك من الغلط ما لا خفاء فيه، إذ لو مات العبد في هذه الحال لم يمت إلا على ما قصده ونواه، إذ الأعمال بالنيات، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتلقين الميت لا إله إلا الله. وقال: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)، ولو كان ما ذكره محظورا لم يلقن الميت كلمة يخاف أن يموت في أثنائها موتا غير محمود. بل كان ما اختاره من ذكر الاسم المفرد، والذكر بالاسم المضمر أبعد عن السنة، وأدخل في البدعة، وأقرب إلى إضلال الشيطان، فإن من قال: يا هو يا هو، أو هو هو، ونحو ذلك لم يكن الضمير عائدا إلا إلى ما يصوره قلبه، والقلب قد يهتدي وقد يضل.
4- غلو المتصوفة في الأولياء والشيوخ خلاف عقيدة التوحيد الذي هو دين جميع الأنبياء والمرسلين. فإن عقيدة التوحيد موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه قال الله تعالى: «إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون». [المائدة، الآية: 55]. وقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء». [الممتحنة، الآية: 1].
وأولياء الله هم المؤمنون المتقون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ويجب علينا محبتهم والاقتداء بهم واحترامهم – وليست الولاية وقفا على أشخاص معينين. فكل مؤمن تقي هو ولي لله عز وجل، وليس معصوما من الخطأ، هذا معنى الولاية والأولياء، وما يجب في حقهم في الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى. أما الأولياء عند الصوفية فلهم اعتبارات ومواصفات أخرى، فهم يمنحون الولاية لأشخاص معينين من غير دليل من الشارع على ولايتهم، وربما منحوا الولاية لمن لم يعرف بإيمان ولا تقوى، بل قد يعرف بضد ذلك من الشعوذة والسحر واستحلال المحرمات، وربما فضلوا من يدعون لهم الولاية على الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، كما يقول أحدهم:
مقام النبوة في برزخ *** فويق الرسول ودون الولي
ويقولون: إن الأولياء يأخذون من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول، ويدعون لهم العصمة.
وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع فيظن في شخص أنه ولي لله، ويظن أن ولي الله يقبل منه كل ما يقوله، ويسلم إليه كل ما يقوله. ويسلم إليه كل ما يفعله، وإن خالف الكتاب والسنة. فيوافق ذلك الشخص. ويخالف ما بعث الله به رسوله الذي فرض على جميع الخلق تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر. وهؤلاء مشابهون للنصارى الذين قال الله فيهم: «اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلهـا واحدا، لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون». [التوبة، الآية: 31].
وفي المسند وصححه الترمذي عن عدي بن حاتم في تفسير هذه الآية، لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم، عنها، فقال: ما عبدوهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحلوا لهم الحرام، وحرموا عليهم الحلال، فأطاعوهم. وكانت هذه عبادتهم إياهم. وتجد كثيرا من هؤلاء: في اعتقاد كونه وليّا لله، أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة، مثل أن يشير إلى شخص فيموت أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها، أو يمشي على الماء أحيانا أو يملأ إبريقا من الهواء، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته، أو يخبر الناس بما سُرق لهم أو بحال غائب لهم أو مريض أو نحو ذلك. وليس في هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله.
بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته للرسول صلى الله عليه وسلم، وموافقته لأمره ونهيه. أي ننظر لنعرف هل هو مؤمن أو هو شيطان. لا، لنتخذه وليا.
وكرامات أولياء الله أعظم من هذه الأمور. وهذه الأمور الخارقة للعادة، وإن كان قد يكون صاحبها وليّا لله، فقد يكون عدوّا لله، فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين، وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين، فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله.
بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دلّ عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن، وبحقائق الإيمان الباطنة، وشرائع الإسلام الظاهرة. مثال ذلك أن هذه الأمور المذكورة وأمثالها قد توجد في أشخاص ويكون أحدهم لا يتوضأ ولا يصلي الصلوات المكتوبة، بل يكون ملابسا للنجاسات معاشرا للكلاب، يأوي إلى الحمامات والقمامين والمقابر والمزابل، رائحته خبيثة لا يتطهر الطهارة الشرعية ولا يتنظف.
فإذا كان الشخص مباشرا للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان، أو يأوي إلى الحمامات والحشوش[3] التي تحضرها الشياطين، أو يأكل الحيات والعقارب والزنابير وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان، أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات ويتوجه إليها أو يسجد إلى ناحية شيخه، أو يلابس الكلاب أو النيران أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة أو يأوي إلى المقابر ولا سيما مقابر الكفار، أو يكره سماع القرآن وينفر عنه، ويقدم عليه سماع الأغاني والأشعار، ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن، فهذه علامات أولياء الشيطان، لا علامات أولياء الرحمن ...
ولم يقف الصوفية عند هذا الحد من منح الولاية لأمثال هؤلاء بل غلوا فيهم حتى جعلوا فيهم شيئا من صفات الربوبية، وأنهم يتصرفون في الكون، ويعلمون الغيب. ويجيبون من استغاث بهم بطلب ما لا يقدر عليه إلا الله. ويسمونهم الأغواث والأقطاب والأوتاد فيهتفون بأسمائهم في الشدائد، وهم أموات أو غائبون، ويطلبون منهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات، وأضفوا عليهم هالة من التقديس في حياتهم، وعبدوهم من دون الله بعد وفاتهم، فبنوا على قبورهم الأضرحة وتبركوا بتربتهم، وطافوا بقبورهم، وتقربوا إليهم بأنواع النذور، وهتفوا بأسمائهم في طلباتهم، هذا منهج الصوفية في الولاية والأولياء.
5- من دين الصوفية الباطل تقربهم إلى الله بالغناء والرقص، وضرب الدفوف والتصفيق. ويعتبرون هذا عبادة لله.
أصبح الرقص الصوفي الحديث عند معظم الطرق الصوفية في مناسبات الاحتفال بموالد بعض كبارهم أن يجتمع الأتباع لسماع النوتة الموسيقية التي يُكِّون صوتَها أحيانا أكثر من مائتي عازف من الرجال والنساء، وكبار الأتباع يجلسون في هذه المناسبات يتناولون ألوانا من شرب الدخان، وكبار أئمة القوم وأتباعهم يقومون بمدارسة بعض الخرافات التي تنسب لمقبوريهم، وقد انتهى إلى علمنا من المطالعات أن الأداء الموسيقي لبعض الطرق الصوفية الحديثة مستمد مما يسمى ”كورال صلوات الآحاد المسيحية”.
ومن المعلوم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلاثة المفضلة، لا بالحجاز ولا بالشام، ولا باليمن ولا مصر، ولا المغرب ولا العراق ولا خراسان من أهل الدين والصلاح والزهد والعبادة من يجتمع على مثل سماع المكاء والتصدية، لا بدف ولا بكف، ولا بقضيب وإنما أحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية. قال: الشافعي رحمه الله: خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه (التغبير) يصدون به الناس عن القرآن، وقال يزيد بن هارون: ما يغبر إلا فاسق، ومتى كان التغبير؟ ... وسئل الإمام أحمد فقال: أكرهه ومن كان له خبرة بحقائق الدين وأحوال القلوب ومعارفها وأذواقها ومواجيدها عرف أن سماع المكاء والتصدية لا يجلب للقلوب منفعة ولا مصلحة، إلا وفي ضمن ذلك من الضرر والمفسدة ما هو أعظم منه فهو للروح كالخمر للجسد، ولهذا يورث أصحابه سكرا أعظم من سكر الخمر فيجدون لهم أكثر وأكبر مما يحصل لشارب الخمر، ويصدّهم ذلك عن ذكر الله وعن الصلاة أعظم مما يصدهم الخمر، ويوقع بينهم العداوة والبغضاء أعظم من الخمر.
كما أن الرقص لم يأمر الله به ولا رسوله، ولا أحد من الأئمة، بل قد قال الله في كتابه: «واقصد في مشيك واغضض من صوتك». [لقمان، الآية: 19]. وقال «وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا». [الفرقان، الآية: 63] أي بسكينة ووقار، وإنما عبادة المسلمين الركوع والسجود.
وأما قول القائل هذه شبكة يصاد بها العوام فقد صدق. فإن أكثرهم إنما يتخذون ذلك شبكة لأجل الطعام والتوانس على الطعام، كما قال الله – تعالى -: «يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله». [التوبة، الآية: 34].
ومن فعل هذا فهو من أئمة الضلال الذين قيل في رؤوسهم: «ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا. ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا». [الأحزاب، الآيتان: 67 – 68].
وأما الصادقون منهم فهم يتخذونه شبكة، لكن هي شبكة مخرقة، يخرج منها الصيد إذا دخل فيها، كما هو الواقع كثيرا، فإن الذين دخلوا في السماع المبتدع في الطريق ولم يكن معهم أصل شرعي شرعه الله ورسوله، أورثهم أحوالا فاسدة..
فهؤلاء الصوفية الذين يتقربون إلى الله بالغناء والرقص يصدق عليهم قول الله – تعالى : «الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا». [الأعراف، الآية: 51].
6- ومن دين الصوفية الباطل ما يسمونه بالأحوال التي تنتهي بصاحبها إلى الخروج عن التكاليف الشرعية نتيجة لتطور التصوف، فقد كان أصل التصوف، كما ذكره ابن الجوزي: رياضة النفس، ومجاهدة الطبع، بردِّه عن الأخلاق الرذيلة، وحمله على الأخلاق الجميلة، من الزهد والحلم والصبر، والإخلاص والصدق. وعلى هذا كان أوائل القوم، فلبس إبليس عليهم في أشياء، ثم لبس على من بعدهم من تابعيهم، فكلما مضى قرن زاد طمعه في القرن الثاني، فزاد تلبيسه عليهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التّمكن، وكان أصل تلبيسه عليهم أن صدّهم عن العلم وأراهم أن المقصود العمل، فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات، فمنهم من أراه أن المقصود من ذلك ترك الدنيا في الجملة، فرفضوا ما يصلح أبدانهم، وشبهوا المال بالعقارب. ونسوا أنه خلق للمصالح وبالغوا في الحمل على النفوس حتى إنه كان فيهم من لا يضطجع، وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غير أنهم على غير الجادة، وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري، ثم جاء أقوام فتكلموا لهم في الجوع والفقر والوساوس والخطرات وصنفوا في ذلك؛ مثل الحارث المحاسبي، وجاء آخرون فهذبوا مذهب الصوفية وأفردوه بصفات ميزوه بها من الاختصاص بالمرقعة والسماع والوجد والرقص والتصفيق. ثم مازال الأمر ينمى، والأشياخ يضعون لهم أوضاعا ويتكلمون بمواقعاتهم – وبعدوا عن العلماء ورأوا ما هم فيه أو في العلوم حتى سموه العلم الباطن، وجعلوا علم الشريعة العلم الظاهر، ومنهم من خرج به الجوع إلى الخيالات الفاسدة فادعى عشق الحق والهيمان فيه. فكأنهم تخايلوا شخصا مستحسن الصورة فهاموا به.
وهؤلاء بين الكفر والبدعة، ثم تشعبت بأقوام منهم الطرق ففسدت عقائدهم. فمن هؤلاء من قال بالحلول، ومنهم من قال بالاتحاد، ومازال إبليس يخبطهم بفنون البدع حتى جعلوا لأنفسهم سننا.
وسئل ابن تيمية عن قوم داوموا على الرياضة مرة فرأوا أنهم قد تجوهروا، فقالوا لا نبالي الآن ما علمنا، وإنما الأوامر والنواهي رسوم العوام، ولو تجوهروا لسقطت عنهم، وحاصل النبوة يرجع إلى الحكمة والمصلحة، والمراد منها ضبط العوام، ولسنا نحن من العوام، فندخل في حجر التكليف لأنا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة.
فالجواب على ذلك أنه لا ريب عند أهل العلم والإيمان أن هذا القول من أعظم الكفر وأغلظه، وهو شر من قول اليهود والنصارى. فإن اليهودي والنصراني آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض. وأولئك هم الكافرون حقّا، كما أنهم يقرون أن لله أمرا ونهيا، ووعدا، ووعيدا، وأن ذلك متناول لهم إلى حين الموت، هذا إن كانوا متمسكين باليهودية والنصرانية المبدلة المنسوخة، وأما إن كانوا من منافقي أهل ملتهم كما هو الغالب على متكلميهم ومتفلسفتهم كانوا شرّا من منافقي هذه الأمة، حيث كانوا مظهرين للكفر ومبطنين للنفاق فهم شر ممن يظهر إيمانا ويبطن نفاقا.
والمقصود أن المتمسكين بجملة منسوخة فيها تبديل خير من هؤلاء الذين يزعمون سقوط الأمر والنهي عنهم بالكلية، فإن هؤلاء خارجون في هذه الحال من جميع الكتب والشرائع والملل، لا يلتزمون لله أمرا ولا نهيا بحال، بل هؤلاء شرٌّ من المشركين والمتمسكين ببقايا من الملل كمشركي العرب الذين كانوا متمسكين ببقايا من دين إبراهيم، عليه السلام، فإن أولئك معهم نوع من الحق يلتزمونه. وإن كانوا مع ذلك مشركين، وهؤلاء خارجون عن التزام شيء من الحق بحيث يظنون أنهم قد صاروا سدى لا أمر عليهم ولا نهي. ومن هؤلاء من يحتج بقوله: «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين». [الحجر، الآية: 99].
ويقول: معناها اعبد ربك حتى يحصل لك العلم والمعرفة، فإذا حصل ذلك سقطت العبادة، وربما قال بعضهم: اعمل حتى يحصل لك حال، فإذا حصل لك حال تصوفي سقطت عنك العبادة، وهؤلاء فيهم من إذا ظن حصول مطلوبه من المعرفة والحال استحل ترك الفرائض وارتكاب المحارم. وهذا كفر . فأما استدلالهم بقوله تعالى: «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين». [الحجر، الآية: 99]. فهي عليهم لا لهم قال الحسن البصري: ”إن الله لم يجعل لعمل المؤمنين أجلا دون الموت”، وقرأ قوله: «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين». [الحجر، الآية: 99]. وذلك أن اليقين هنا الموت وما بعده باتفاق علماء المسلمين، وذلك مثل قوله: «مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ». [المدثر، الآيات: 42 – 47] فهذا قالوه وهم في جهنم، وأخبروا أنهم كانوا على ما هم عليه من ترك الصلاة والزكاة والتكذيب بالآخرة، والخوض مع الخائضين، حتى أتاهم اليقين. ومعلوم أنهم مع هذا الحال لم يكونوا مؤمنين بذلك في الدنيا، ولم يكونوا مع الذين قال الله فيهم: «وبالآخرة هم يوقنون». [البقرة، الآية: 4]. وإنما أراد بذلك أنه أتاهم ما يوعدون وهو اليقين...
فالآية تدل على وجوب العبادة على العبد منذ بلوغه سن التكليف عاقلا إلى أن يموت. وأنه ليس هناك حال قبل الموت ينتهي عندها التكليف كما تزعمه الصوفية.
معلومات عن موقع حبل الله
http://www.hablullah.com/
موقعٌ يَهدف إجمالا إلى استنباط ما في القرآن على أنه المَصدَرُ الأولُ والآخِرُ، وتأتي السنةُ تابعةً له غيرَ مستقلةٍ عنه بإصدار حكم شرعي. كما أن هذا الموقع لا يَجعل مذهبا أو قَولا لعالم مهما كان علمُه وتقواه مَرجَِعا في تقرير حكمٍ شرعي الدكتور عبد العزيز بايندر تركيا
التصوف هو أساس الديانة المسلمانية Müslümanlık التي اختلقَتْها جماعةٌ من … في تركستان حوالى 1200م… إن الله تعالى قد أثبت في كتابه العزيز اسمَ هذا الدين الجليل بقوله: “إن الدين عند الله الإسلام”، وقال تعالى: “ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبَلَ منه وهو في الآخرة من الخاسرين”. ولا شك أن “الديانة المسلمانية Müslümanlık” هي ديانة مختلقةٌ خرافيةٌ لا تمتّ بصلة إلى الإسلام. لقد ألّفَ العلاّمَةُ الشيخ فريد صلاح الهاشمي كتابًا بعنوان “الدين الذي أنزله الله في القرآن أهو الإسلام أو المسلمانية؟” عليكم بقراءة هذا الكتاب القّيم والتأمل في نفاصيله يرحمكم الله.
عدنان عبد المهيمن الأماسي Adnan PAKSOY
أسطنبول- تركيا