السؤال: السلام عليكم.. ما هي أهمية الإشهاد على الطلاق؟ وهل يقع الطلاق بدون إشهاد؟ وهل من الممكن أن تبينوا لنا منهجكم في الفتاوى والمراجع العلمية لذلك؟ وجزاكم الله خيرا
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله.
يشترط الإشهاد في الطلاق، لأنَّه حل لميثاق غليظ قد تم بالإشهاد عليه فينتهي به، ولو نظرنا إلى الآيات المتعلقة بالموضوع يتبيَّن أن الشاهدين شرط في كل مرة من مرات الطلاق، قال الله تعالى:
«فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا» (الطلاق، 2).
ويمكن للزوج الرجوع في أثناء العدة، لكن بشرط أن تكون نيته الإصلاح. كما دلَّ على ذلك قوله تعالى:
«وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا» (البقرة، 2/228).
ولا يجوز الرجوع بنية جلب الضرر عليها لذا جاء شرط إشهاد الشاهدين في كل مرة من مرات الطلاق ليعرفا نية الزوج. قال الله تعالى:
«وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (البقرة، 2/231).
ويقرر الشاهدان أن الزوج قام بإرجاع زوجته بنية الإصلاح. كما قررته الآية الثانية من سورة الطلاق المذكورة أعلاه.
ويفهم من اشتراط الشاهدين لصحة وقوع الطلاق أنه لا يقع بدونهما، لأن كل مشروط لا يصح وقوعه إلا بتحقق شرطه، فمثلا الوضوء شرط لصحة الصلاة، فإن صلى شخص بدون وضوء فصلاته غير معتبرة، وهكذا الطلاق قد عُلق وقوعه على شرط الإشهاد.
أما منهجنا في الإفتاء فقائم على منهج الله تعالى في بيان الحكمة من كتابه، وهو أن آيات الكتاب يفصل بعضها بعضا، ذلك أن الله تعالى قد بين وفصل كتابه بنفسه ولم يجعل ذلك لأحد من خلقه، ولم يترك لنا نحن البشر سوى تدبر الآيات لاستخراج الحكمة في كل مسألة.
والحكمة مصدر للنوع من الحكم وتعني الحكم الصحيح. وإذا استعملت كالاسم فمعناها الحكم الصحيح أو القدرة التي يستطيع الإنسان أن يصدر بها حكما صحيحا. والأنبياء والذين اتبعوهم يحكمون بكتاب الله تعالى. قال الله تعالى:
«كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ» (سورة البقرة 213).
وقد أمر الله تعالى نبيه الخاتم أن يحكم بين الناس بمقتضى الكتاب بقوله تعالى:
«وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْك… أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ» (سورة المائدة 49-50).
وليست الحكمة خاصة بالأنبياء، بل تُعطى للناس كذلك. قال تعالى:
«يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ» (سورة البقرة، 2 / 269). « وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ» (سورة لقمان، 31 / 12). ولا نجد في القرآن الكريم ما يدل على نبوة لقمان.
وقد بين الله تعالى طريق الوصول إلى الحكمة أي الحكم الصحيح. قال الله تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا» (سورة النساء، 4 / 105).
والطريقة التي بينها الله تعالى للوصول إلى الحكمة موجودة في القرآن الكريم. قال الله تعالى:
«الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِير، أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ» (سورة هود 1-2).
الآية المحكمة هي التي تبين الحكم موجزا ؛ ويفصلها الله تعالى في آية أخرى. ومن أجل ذلك انقسمت الآيات إلى المحكمات والمتشابهات. وقد جعل الله تعالى بين المحكمات والمتشابهات المفصِّلات مماثلة؛ حيث يتشكل من هذه المماثلة النظام الثنائي. ويطلق على الآيات المماثلة للمحكمات؛ المتشابهات.
وكون القرآن الكريم مفصلا يراد به أن كل آية ترتبط بالمحكم فتفصله، ويشكل المحكم مع مفصله وحدة واحدة من القرآن، وعليه يكون بيان وتوضيح الكتاب. كما يدل عليه قوله تعالى:
«كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» (سورة فصلت 3).
وهكذا يبيِّن الكتابُ كلَّ ما أراده الله تعالى منا، وبهذا يتم الوصول إلى الحكمة المركوزة فيه. قال الله تعالى:
«وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ» (سورة النحل 89).
ولا يمكن الوصول إلى الحكمة إلا بتلك الروابط التي جعلها الله تعالى بين الآيات.
*وللتعرف على تفصيلات منهجنا في بيان الأحكام ننصح بزيارة قسم (أصول فقه القرآن) على موقعنا من خلال الرابط التالي https://www.hablullah.com/?cat=5