السؤال:
هل السنة جزء من الوحي؟ فهناك آية تقول: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) أي أن علينا اتباع الرسول فيما أعطى وفيما نهى، و كذلك آية: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) والتي تؤكد أن كل ما كان ينطق به الرسول هو وحي من الله. وقد ذكر في القرآن قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) أي أن الذكر _وهو الوحي_ محفوظ من الله تعالى، فهل هذا يشمل السنة مع القرآن؟ وجدت في موقعكم دعوى بإنكار الأحاديث والروايات التي لا يوجد لها أساس في القرآن، لكن بناء على الآيات السابقة أليست تلك الأحاديث من الوحي الذي يجب اتباعه وليست من الهوى؟ ما يحيرني في هذا الموضوع هو مسألة قتل المرتد؛ ففي القرآن لم يذكر قط أي أمر بقتل من ارتد عن الإسلام بل ذكر أن العقاب عقاب آخرة فقط، لكن يوجد حديث يقول بقتل المرتد. أرجو الرد وتوضيح موقفكم في عرض الفتاوى، وهل مرجعكم القرآن والسنة أم لديكم وجهه نظر أخرى؟
الجواب:
نشكر السائل الكريم على هذا السؤال القيم، وكما يقال فإن السؤال الجيد هو مفتاح للإجابة الجيدة.
إن الآيات التي ساقها السائل على وجوب اتباع كل ما ورد عن نبينا الكريم باعتباره وحيا هو توصيف خاطئ لكيفية التعاطي مع الحديث النبوي، ويمكنني تلخيص الرد عبر ثلاث نقاط:
الأولى: أن أحاديث النبي ليست وحيا من الله تعالى، وإنما هي فهم النبي للقرآن الكريم وتطبيقه إياه. فلو قرأنا الآيات المتعلقة بالوحي إلى خاتم النَّبيِّين (الذي هو بمعنى إنزال الرسالة) نجد أنَّه مخصوصٌ بالقرآن دون غيره، كقوله تعالى:
﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: 19]
﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [يوسف: 3]
﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى: 7]،
لذلك لا يصحُّ أن يُطلق الوحي _بهذا المعنى_ على غير القرآن الكريم.
أما أقوال النَّبي وأفعاله المتعلقة بأمور الدين فهي التَّطبيق العمليُّ للقرآن الكريم، وهي الحكمة المستقاة منه، وقد تعلَّم نبيُّنا الحكمةَ المنزلة مع الكتاب، أي الأحكام والمواعظ والعبر التي يمكن التوصل إليها من خلال الربط بين الآيات وإيجاد المناسبات فيما بينها، وفق المنهج الذي علَّمه الله إياه المشار إليه بقوله تعالى:
﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: 1]
والذي علم نبيَّنا الكريم الحكمة هو جبريلُ عليه السلام كما أورده تعالى:
﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ [النجم: 4-5] .
وفي استنباط الأحكام من القرآن الكريم قال الله تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم:
﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا﴾ [النساء: 105].
فجميع أقواله _عليه الصلاة والسلام_ وتطبيقاته المتعلِّقة بتبليغ الرِّسالة هي حكمةٌ مستنبطةٌ من القرآن الكريم.
نفهم مما سبق أن أقوال النَّبي وأفعاله ليست وحيا كالقرآن، بل هي ما تعلَّمه من القرآن. وهذا يقتضي بالضرورة عدم استقلالية الحديث النبوي عن القرآن.
الثانية: الحكمة التي تعلَّمها نبينا الكريم ظهرت بأقواله وأفعاله، وهذا يقتضي أن يكون ما رُوي عنه من أمور الدين يعكس جوهر القرآن، لذا ينبغي أخذ الحديث إلى جانب القرآن وعلى ضوئه؛ وبهذه الطريقة نستطيع بسهولة أن نميَّز الحديث الصَّحيح من الضعيف نظرا لتناقل الحديث النبوي عبر الأجيال بالآحاد، حيث لا يُدرى على وجه القطع من أصاب في النَّقل ومن أخطأ، أو من حفظ ومن نسي، أو من صدق ومن كذب. وتعد الأحاديث التي تنص على قتل المرتد إحدى الأمثلة التي يجب ردها لمخالفتها القرآن الكريمة جملة وتفصيلا[1] .
الثالثة: التفريق بين مصطلح الرسول ومصطلح النبي
التفريق بين مصطلحي النبي والرسول ضروري للتأكيد على أن الطاعة المطلقة تكون للرسول بصفته مبلغا عن ربه[2] أي أن الطاعة تكون لرسالة الله تعالى، أما عندما يتعلق الأمر بالطاعة لشخص النبي بصفته البشرية كقائد للجماعة المؤمنة فيكون الأمر مقيدا بالمعروف كما أوردته سورة الممتحنة:
﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الممتحنة: 12]
فما أمرنا الله تعالى بطاعته مطلقا هو ما جاء به الرسول وهو القرآن الكريم، ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يسم رسولا إلا لأنه يحمل رسالة الله تعالى إلى الخلق، لذلك فإن كل الآيات التي أمرت بالطاعة المطلقة للرسول قصد منها طاعة ما بلغه عن ربه من كتاب الله تعالى.
*وللمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالات المتعلقة كما يلي:
هل تُعدُّ أحاديث النَّبيِّ من الوحي https://www.hablullah.com/?p=3032
متى تكون الرواية عن النبي حجة ملزمة https://www.hablullah.com/?p=5191
مصطلح السنة بحسب القرآن والتراث https://www.hablullah.com/?p=5877
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] جمال نجم، الردة عن الإسلام وحكمها_ موقع حبل الله
[2] النبي والرسول وضرورة التفريق بين المصطلحين، موقع حبل الله