الأسواق العالميّة والمحلّيّة التي تتشكل في الحج
هنا يتمّ التركيز على المصالح الشخصيّة التي سيراها من يأتي للحج، يروى عن عبد الله بن عبّاس قوله: “كان الناس يبيعون ويشترون قبل بداية الحجّ في منى وعرفة وسوق ذي المجاز والأسواق الأخرى”[1] كان يقام سوق “عكاظ” بالقرب من عرفة منذ اليوم الأوّل من ذي الحجّة إلى اليوم العشرين[2] كما كان يقام سوق “ذو المجاز” من اليوم الأوّل من ذي الحجة إلى اليوم التاسع، وبعد ذلك كانت تبدأ مناسك الحج بالذهاب إلى منى[3]. هذه الأسواق استمرّ إعمالها بعد الإسلام أيضاً. وكان أوّل سوق تُرك هو سوق عكاظ، حيث لم يُعمل به في زمن الخوارج (129 ه ) وترك تماماً بعد ذلك[4].
في عصور ازدهار تلك الأسواق كان يُتاجر فيها وتُقرأ الأشعار وتلقى الخطب، وكان محمد (صلّى الله عليه وسلّم) ينضمّ إلى هذه الأسواق، وقد استمرّ انضمامه إليها بعد نبوّته أيضاً. وكان يقابل الناس الذين يأتون إلى الأسواق وجهاً لوجهٍ[5] لدعوتهم إلى دين الله تعالى. وفي هذا الموسم أيضاً تمّت بيعتا العقبة؛ حيث بايع بعضُ المدنيّين الذين أسلموا نبيَّنا صلى الله عليه وسلم. وكان الخليفة عمر بن الخطّاب يجمع ولاته في الحرم في هذا الموسم ويحاسبهم أمام الناس[6]. وكان الذين عندهم شكاوى يقدمونها، وكانوا يحاكَمون أمام الخليفة إن اقتضى الأمر ذلك.
والسنة القمرية أقصر من السنة الشمسية بأحد عشر يوما. وهذا يكون سببا لتوافق موسم الحج في كل شهرين من شهور السنة الشمسية خمس مرات أو أكثر. وإن فرضنا أن مدة موسم الانتاج الزراعي لكل منطقة في العالم تقدَّر بشهرين لسنحت الفرصة مرة واحدة في كل موسم خلال ست سنوات تقريبا لإخراج تلك المنتجات خارج الأسواق المحلية والمناطقية والذهاب بها إلى مكة وتعريفها للناس الذين يأتون من كافة أنحاء العالم. وهذا يسهم بتطور التجارة الدولية بدرجة كبيرة.
قال الله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} (المائدة 5/ 97) وشهر رجب الذي يأتي بعد شهر محرّم بستّ شهورٍ يُعتبر من الأشهر الحرم أيضا، وفي هذا الشهر تنشأ الفرصة لتصدير البضائع إلى الأسواق التي تؤسّس في كلّ أنحاء العالم وبيعها.
وفقاً للآية الثامنة والعشرين من سورة الحج التي فسّرناها في الأعلى فإنّ الذين يأتون لأداء الحجِّ يضحّون أضحية عيد الأضحى أيضاً، وقد ضحّى نبيّنا في حجّة الوداع؛ من تلك الأضاحي بقرةً لزوجاته. وحينما أوتي باللحم لأمّنا عائشة قالت : ما هذا؟ قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ) [7] فالذي ضحّاه نبيّنا عن نسائه هو أضحيّة عيد الأضحى، ولأنه لا توجد أضحيّة باسم أضحية الحج.
لم يقل أيّ مذهبٍ بأنّه من حجّ فيلزمه أن يضحّي. لكنه من لم يسكن في مكّة إذا اعتمر قبل الحج فيجب عليه أن يضحّي، فإن لم يستطع فيصم ثلاثة أيامٍ في مكّة وسبعة أيّام بعد عودته إلى بلده. ولا يوجد غير هذا أضحيةٌ باسم أضحية الحجّ (البقرة 2/ 196) ولزوم ذبح الأضاحي هناك يقتضي تأسيسَ سوقٍ كبيرٍ للأنعام. وهذا مؤشّرٌ على أنّ تجارة الأنعام تحتل مكاناً هامّاً إلى جانب المنتجات التجاريّة الأخرى.
للمزيد حول الموضوع يُنصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر بعنوان (الأشهر الحُرُم والكعبة والحجّ والأضحية) على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=2910
[1] أبو داوود، السنن، المناسك 7، رقم الحديث 1734.
[2] جواد علي، تاريخ العرب قبل الإسلام، ج. 711، س.377 ودوامه. نشر بدعم من جامعة بغداد، ولا يوجد التاريخ.
[3] جواد علي، تاريخ العرب قبل الإسلام، ج.711،س. 375.
[4] إبراهيم جانان، ترجمة الكتب الستّة وشرحها، نشريّات آكجاغ: 3/288-289.
[5] جواد علي، تاريخ العرب قبل الإسلام، ج.711, س.382.
[6] هيئة برئاسة حقّي دورسون، تاريخ الإسلام الكبير، ج.2، س.179، ودوامه. إسطنبول 1992.
[7]البخاري، الأضاحي، 3.
أضف تعليقا