الإمساك والسحر

الإمساك والسحر

أ‌.              د. عبدالعزيزبايندر

وقت الإمساك من الموضوعات الشائكة في عالمنا الإسلامي، حيث نلاحظ أن التقويم الرمضاني الذي تصدره السلطات المختصة في كثير من بلدان المسلمين لا تتفق مع دخول وقت الفجر الصادق، وقد تجد في بعض البلدان الإمساك مترافقا مع دخول الفجر الكاذب وهو ما يناقض القرآن والسنة. وللحاجة الملحة في تصحيح هذا الأمر، قام وقف السليمانية بجهود علمية وفلكية كبيرة من أجل وضع تقويم رمضاني يتوافق فيه الإمساك مع طلوع الفجر الصادق. وقد كان رد الفعل في تركيا على هذه الجهود جيدا، إلا أن الأمر لا يخلو من المعترضين الذين يتولد اعتراضهم أساسا من حب البقاء على المعتاد حتى لو كان خطئا، أو لعدم فهم الأمر جيدا. وعدم معرفة الدوافع التي ألجأتنا لهذا العمل الضخم الذي استغرق سنوات من البحث والرصد والتدقيق.

وفي أحد الدروس العلمية حصل حوار بين فضيلة الشيخ عبد العزيز بايندر وأحد الحضور حول هذا الموضوع وإليكم نصه: 

ملاحظة: كنينا الرجل (بالحاج) وفضيلة الأستاذ عبد العزيز بايندر (بالشيخ)   

الحاج: حل شهر رمضان المبارك ولديك ادعاءات/آراء مختلفة فيما يتعلق بالإمساك؛ فهل يمكن أن تتحدث اليوم عنها؟

الشيخ: هل تعرف ما هو الإمساك؟ وكيف يكون الأفق عنده؟

الحاج: أتذكر قول الله تعالى: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ» (البقرة، 2 / 187). وحين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود يحرم على الصائم الأكل والشرب والجماع. والإمساك اسم لهذا الوقت.

الشيخ: اسمع يرحمك الله! كلمة الفجر تعني الشق والإنفجار والتفتح[1]. وما الذي انشق هنا؟

 الحاج: أعرف أنها استنارة الأفق الشرقي؛ ولكن لم يخطر على بالي الإنشقاق.

الشيخ: بين آخر الليل وطلوع الفجر وقت يقال له وقت السحر.وهو في كلام العرب اختلاط سواد الليل ببياض أول النهار، لأن في هذا الوقت يكون مخاييل الليل ومخاييل النهار.[2] ثم يبدأ الضوء الأحمر يشق الأفق. وأعرض عليك صورة تشرح تلك الحالة:

وقت السحر – الفجر الكاذب

 قال الله تعالى بيانا لهذا الوقت: «فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» (الأنعام، 6 / 96).

والصبحفيكلامالعربهوالحمرة.[3]  فقولهتعالى: «فَالِقُالإِصْبَاحِ» يعنيالأضواء البيضاء والحمراء في الأفق التي تختلط مع الظلام من أول النهار.[4] وجاءبيانالرسولصلىاللهعليهوسلمعلىالنحوالتالي: “ليسالفجرالمستطيلفيالأفقولكنهالمعترضالأحمر“.[5]

الحاج: يظهر في الصورة أن الأفق قد استنار جيدا؛ فكيف يمكن أن نقول عنه فجر كاذب؟

الشيخ: قيل عنه الفجر الكاذب لأن الناس كانوا يظنون أنه الفجر الصادق. وهناك شيء آخر أريد أن أخبرك عنه؛ وهو أنه يكون في كل يوم ثلاث طلوعات وثلاث غروبات. الطلوعات: الفجر الكاذب، والإمساك، والشمس. ويبدأ الإمساك بالطلوع الثاني. وهو رأي مشترك بين جميع المذاهب الفقهية.[6]

الحاج: إذاً نفهم من الآية أن الله تعالى سمح للمؤمنين بِالطَّعَامِ والشَّرابِ وَمُبَاشَرَةِ نِسَائِهِمْ حَتَّى الفَجْرِ (أَيْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ضِيَاءُ الصُّبْحِ مِنْ سَوادِ اللَيْلِ). حسنا، فما هو الخيط الأبيض والخيط الأسود؟

الشيخ: حين يستنير الأفق الشرقي جيدا يظهر في الأسفل شريط أسود وفي الأعلى شريط أبيض. كما في الصورة. وحين يتبين الشريط الأبيض جيدا يدخل وقت الإمساك.

وقت الإمساك  – الفجر الصادق

الحاج: فهمت الآن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه: “ صلى الفجر حين برق الفجر، وحرم الطعام على الصائم.“[7]

الشيخ: وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا يَهِيدَنَّكُمْ السَّاطِعُ الْمُصْعِدُ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الْأَحْمَرُ”.[8]

الحاج: حملت أمس من موقعكم www.suleymaniyevakfi.org  إمساكية قونيا[9] ورأيت أن وقت السحر فيها هو وقت الإمساك في إمساكية قونيا التي صدرت عن وزارة الديانة، وبحسب ما ورد في الإمساكية التي صدرت من وقفكم  فإننا زدنا في صوم  رمضان كل يوم ما يقرب من اربعين دقيقة في السنة الماضية، وقد زاد في هذه السنة ليصل إلى سبعين دقيقة.

الشيخ: كنا نقول أربيعين دقيقة على الأقل حتى يتعود الناس. وقد بينا فيه جميع القياسات يرجى المراجعة إليها إذا طلب الأمر ذلك.

الحاج: سأرجع إليها إن شاء الله. وكذلك رأيت في التقويم الذي صدر من وقف السليمانية عبارة (آخر وقت صلاة العشاء) فما المقصود بها؟ أليس وقت صلاة العشاء حتى الفجر؟

الشيخ: سنتحدث عنه وعن ثلاث غروبات في الأسبوع القادم إن شاء الله.