لقاء مع فضيلة أ.د عبد العزيز بايندر
أجرى الحوار: الصحفي،
طلعت تشفتجي (Talat Çiftçi)
مقدمة:
سيكون أساس التعليم الديني هو تعلم منهج الحكمة التي تمكن من إنتاج الحلول من آيات القرآن الكريم. إن جوهر تعليم الحكمة هو أن نتعلم آيات الكتاب مع الآيات المخلوقة في الكون كله.
في الأسابيع الأخيرة ، كنت أكتب مقالات حول قضايا التعليم والتوظيف في بلادنا. وعلى خلفية الاهتمام المتزايد ، أواصل مقابلة الخبراء المتميزين الذين لديهم آراء قيمة للغاية حول هذا الموضوع. اليوم سنجري محادثة مع صديقي القديم البرفسور عبد العزيز بايندر حول التعليم الديني في القرن الحادي والعشرين.
طلعت: أستاذي الفاضل: كشف العالم الإسلامي عن حضارة تمتد من الصين إلى الأندلس (إسبانيا) ، تلك الحضارة التي اتخذِت كمثال في أوروبا. في الواقع ، كان الطلاب من مختلف البلدان الأوروبية يذهبون إلى الأندلس من أجل التعليم. الإسلام دين يبرز فيه التعليم ويتمجد فيه مفهوم المعرفة؛ لأن وصيته الأولى هي “اقرأ”. يتحدث (فرانز روزنتال)[1] عن كيفية إثراء مفهوم المعرفة في العالم الإسلامي في كتابه “انتصار المعرفة”. ويوضح أنه خاصة في الفترة الأولى التي بدأ فيها الإسلام بالانتشار ، كان للمعرفة والتعليم مكانة مهمة للغاية. فهل لك أن تخبرنا عن منهج الإسلام في المعرفة؟
بايندر: لم يسبق لنبينا أن قرأ أو كتب كتابًا في حياته (العنكبوت 29/48). الآية الأولى النازلة: حوت الأمر “اقرأ!” وعندما تلقى نبينا هذا الأمر كان الشيء الوحيد الذي يمكن أن يقرأه هو الآيات التي خلقها الله ، أي الكائنات. لقد علَّم الله تعالى آدم المعلومات عن الكائنات في السماء والأرض كتابةً (البقرة 2/31 ، العلق 96 / 1-5). الذي علَّم الكتابة هو الله ، وأول من تعلمها هو آدم. كان مستوى المعرفة مرتفعًا جدًا في زمن آدم وأحفاده. لقد عرف قوم نوح كيف خُلقت السموات السبع طبقة تلو طبقة ، وكان بإمكانهم رؤية النظام الشمسي والقمر بالعين المجردة (نوح 71 / 15-16).
آيات الله تنقسم إلى قسمين آيات مخلوقة وآيات منزلة. كل كائن هو آية من آيات الله تعالى. إن أهم دليل على معرفة أن الآيات المنزلة هي من عند الله تعالى هي الآيات المخلوقة. قال الله تعالى:
﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ (القرآن) الْحَقُّ، أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: 53]
طلعت: يفهم من هذه الآية أن هناك وحدة كاملة بين عالم الأحياء والدين. فهل يمكننا القول أنه يجب تعلم العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والكيمياء والأحياء وقوانين الطبيعة جنبًا إلى جنب مع التعليم الديني؟
بايندر: هناك علاقة وثيقة بين قوانين الطبيعة وبين الدين الحق. ذلك أن دين الله هو تطبيق القوانين والقواعد الصالحة في الطبيعة على حياة الإنسان. قال الله تعالى:
﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30]
طلعت: في ضوء هذه المعلومات، ما هو النهج الذي يجب أن يكون عليه التعامل مع القرآن؟
بايندر: كتاب الله هو الشكل المكتوب لتلك القوانين الموجودة في الخلق. وقد وضع الله في القرآن كغيره من الكتب التي أنزلها طريقة تسمى الحكمة، بحيث يتم الوصول إلى المعلومات الصحيحة بهذه الطريقة. إحدى الآيات ذات الصلة هي:
﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [فصلت: 3]
وكلمة القرآن تعني مجموعة من الآيات. القرآن كله يشكل مجموعة عظيمة. هناك مجموعات لا حصر لها يتم تشكيلها من خلال الجمع بين الآيات المتعلقة بكل موضوع، حيث يمكن تحقيق نتائج دقيقة بعد إنشاء هذه المجموعات مع أشخاص يعرفون اللغة العربية والموضوع المدروس جيدًا، لكن أصغر خطأ يمكن أن يؤدي إلى نتائج خاطئة. لذلك ، فإن الاستنتاجات التي يتم التوصل إليها يجب أن تبقى مفتوحة دائمًا للنقاش.
الذِّكر من المفاهيم المشتركة بين الآيات المخلوقة وبين الآيات المنزلة. يتم الحصول على الذكر، الذي يعني المعلومات الصحيحة التي يجب أخذها في الاعتبار ، من الكتب السماوية وكذلك من الكائنات (الأنبياء 21/24). قبل أن يصبح إبراهيم عليه السلام نبيًا، تساءل مستنكرا على قومه : ﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: 80] . لا يمكن أن يكون الذكر في أذهان أولئك الذين ليس في أيديهم كتاب إلهي سوى المعرفة الصحيحة المستمدة من الطبيعة.
طلعت: يشير مفهوم الذكر هنا إلى المعرفة التي يمتلكها المجتمع. تُستخدم هذه المعرفة في تصميم وتصنيع أشياء غير الموجودة في الطبيعة أصلا كالهواتف أو السيارات أو الطائرات. كيف ننظر إلى العلاقة بين الدين والعلم من منظور منهج الحكمة؟
بايندر: أنزل الله الكتاب والحكمة على جميع أنبيائه (آل عمران 3/81) ، وقد علَّم كلُّ نبي الحكمةَ لأمته (البقرة 2/129 ، 151). والحكمة هي منهج الوصول إلى المعلومات الصحيحة من الآيات التي أنزلها الله والآيات التي خلقها. وهذه هي النقطة التي يلتقي فيها الدين والعلم. إن المستوى الذي وصل إليه العلم والتكنولوجيا اليوم ضعيف للغاية مقارنة بالمستوى الذي وصل إليه الشخص الذي كان يعرف المعلومات المستمدة من الكتاب المنزل على سليمان عليه السلام. فبينما كانت بلقيس ملكة سبأ وصاحبة العرش العظيم (النمل 27/23) قادمة من اليمن مع حاشيتها إلى سليمان عليه السلام ، قال سليمان عليه السلام لمساعديه:
﴿قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: 38]
﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: 40]
والكتاب الذي تعلم منه ذلك الشخص طريقة جلب الأشياء البعيدة هو الكتاب الذي نزل على سليمان (آل عمران 3/81 ، النساء 4/163 ، الأنعام 6 / 84-89). ذلك الكتاب كما جميع الكتب المنزلة لها محتوى مشترك مع القرآن (المائدة 5/48). باستخدام منهج الحكمة فإنه يمكن الوصول إلى تلك المعلومات التي توصل لها ذلك الشخص بل وأكثر منها.
طلعت: اليوم ، عدد براءات الاختراع التي تم الحصول عليها في العالم الإسلامي أقل من عدد البراءات التي حصلت عليها كوريا الجنوبية وحدها. لماذا يتخلف المسلمون في هذا الصدد؟
بايندر: السبب الرئيسي هو أن المسلمين نسوا منهج الحكمة، الذي هو علم إيجاد الحلول من القرآن، وأصبحوا غير قادرين على حل المشاكل أو التقدم في المجالات العلمية.
طلعت: من هذا المنطلق يظهر التمييز بين العلوم الدينية وبين العلوم الطبيعية في العالم الإسلامي. في الواقع ، فإن كثيرا من المدارس الدينية تزيل المواد العلمية كالرياضيات والهندسة والفيزياء من مناهجها الدراسية، في المقابل ترى الكثير من المدارس الرسمية لا لا تعطيها الأهمية اللازمة للعلوم الإسلامية أو أنها لا تدرسها أصلا، والأهم من ذلك وجود الفصل النفسي بين المجالين، فحتى في المدارس والجامعات التي تدرس العلوم الدينية والعلمية لا تجد إقامة الروابط بين المجالين. لكنكم تحاولون باستمرار لفت أنظار الناس إلى العلاقة الوثيقة بين الدين والعلم، ومن الأمثلة على ذلك مناقشاتكم المستمرة في مسألة أوقات الصلوات، حيث إنكم ذهبتم إلى القطب الشمالي لرصد حركة الليل والنهار لهذا الغرض، وأبديتم ملاحظات علمية دقيقة. فهل حاولتم تطبيق منهج الحكمة هناك؟
بايندر: بالطبع. ما نقوم به مع فريق من الخبراء الفيزيائيين وعلماء الفضاء هو إيجاد وجمع الآيات القرآنية المتعلقة بأوقات الصلاة وقراءتها مع الآيات التي خلقها الله. ذهبنا إلى المنطقة القطبية لرؤية الآيات التي خلقها الله تعالى هناك، وقد رأينا أشياء كثيرة، وحددنا أوقات الصلاة في تلك المنطقة بالتفصيل من الآيات التي نزلت وتلك التي خلقت. إحدى الآيات القرآنية ذات الصلة هي:
﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾ [الإسراء: 12]
يعرف معظمنا أن وجود الشمس دليل على النهار وأن غيابها دليل على الليل. لكن هذه الآية علمتنا أن الشمس ليست علامة لليل أو النهار. العبارة التالية من الآية مهمة جدا: ” فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً”، ذلك أنها علمتنا أن الظلام لن يكون دائمًا مؤشرًا على الليل، وبالتالي فإن هناك ليالي بيضاء أيضًا.
بالإضافة إلى ذلك ، لا توجد آية تعتبر الشمس مؤشرا على النهار، ومن هنا علمنا أنه ستكون هناك ليالي مشمسة في الصيف ونهار بدون الشمس في الشتاء. وقد جمعنا ما تعلمناه من الآيات القرآنية مع ملاحظاتنا في الطبيعة (الآيات المخلوقة). وبعد فحص الموازين المتعلقة بالليل والنهار وتدبر الآيات القرآنية التي تبين خصائص الليل والنهار ، فهمنا كيف يمكن ملاحظة أوقات الصلوات في كل مكان بالعين المجردة، وقد قمنا بإنجاز تقويم عالمي وفقًا لذلك.
خلافًا للاعتقاد السائد ، فإن فترة الصيام في سفالبارد[2] ، وفي 21 يونيو الذي هو أطول أيام السنة حيث لا تغرب الشمس لفترة طويلة في الصيف، لا تصل فترة الصيام إلى 15 ساعة. الآن يمكن للمقيمين هناك مراقبة مواقيت الصيام والصلاة بأنفسهم.
طلعت: من المهم جدًا بيان إمكانية ملاحظة أوقات الصلوات بالقرب من القطبين. ما نوع نموذج التعليم الذي تعتقد أنه ضروري لتطبيق منهج الحكمة؟
بايندر: لقد أعطى الله لكل شخص خصائص لا يمتلكها الآخرون، وشجع الناس على التنافس في الأعمال الصالحة ليكونوا في المقدمة (المؤمنون 23 / 57-62). لهذا السبب، هناك حاجة إلى نظام تعليمي يسمح للجميع باكتشاف وتطوير قدراتهم في بيئة حرة دون تمييز بين النساء والرجال والشباب وكبار السن والأغنياء والفقراء. هذا هو النظام الذي اعتمده أنبياء الله تعالى. لقد كان مسجد نبينا محمد (عليه السلام) مفتوحًا للجميع. كان لكل فرد الحق في الحضور إلى هناك، والمشاركة في تعلم الكتاب والحكمة ، وطرح جميع أنواع الأسئلة بحرية كاملة، والاعتراض عند الضرورة (الأحزاب 33/36 ، الممتحنة 60/12). وفي الوقت نفسه كان كل منهم يقوم بعمله اليومي دون انقطاع.
لكن في نظام التعليم المعتمد في أيامنا هذه من المدرسة الابتدائية إلى الجامعة ، لا تتاح للطلاب الفرصة لاختبار المعلومات التي يتلقونها بشكل عملي ومن ثم الانتقال إلى مجال يناسب قدراتهم متى أرادوا.
طلعت: هل يمكنك توضيح المفهوم أكثر قليلاً من خلال إعطاء أمثلة على المشكلات التي نواجهها عندما نبتعد عن منهج الحكمة؟
بايندر: لقد تم تأليه علماء الدين بإعطائهم سلطة شرح وتفصيل دين الله تعالى ومن ثم باعتقاد العامة أنهم لا يخطئون، وهكذا وقع العالم الإسلامي في مستنقع الشرك. في هذه البيئة ، كان رجال الدولة يؤلَّهون أيضًا بزعم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:
«مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي»[3]
منذ أن وصلت الأمور إلى هذه النقطة ، تم قبول أن الشخص الذي يميل إلى الأذى ، أي لا يتصرف بشكل طبيعي ، يجب أن يُقتل بأمر من رئيس الدولة[4]، كما يمكن للشخص المفوض من قبل رئيس الدولة أن يقتل من لا يحب سلوكه دون الحاجة إلى قرار قضائي. وعلى سبيل المثال ، يُذكر أن ذا الفقار آغا ، الذي كان مسؤولا أمنيا في ولاية محمد باشا قد قتل أكثر من 4000 مشتبه به بيديه[5]. ومثل هذا كثير في تاريخ المسلمين
طلعت: وصفت منهج الحكمة وذكرت كمثال عليه أعمالك في تثبيت وقتي الإمساك والإفطار ومواقيت الصلاة في القطبين. فهل يُدرَّس منهج الحكمة في المدارس الدينية أو في كليات الشريعة والعلوم الإسلامية؟ وماذا يفعل طلاب العلوم الإسلامية الذين يريدون تعلم الحكمة؟
بايندر: الهدف من إنشاء المدارس الدينية وكليات الشريعة هو تأهيل رجال الدين ليقوموا بوظائف معينة لا لئن يكونوا علماء ربانيين. يتخرج هؤلاء دون أن يتعلموا الكتاب والحكمة ، بل يعلمونهم الدين الذي أنتجته المذاهب. ويعترف الجميع أنه لا يمكن أن توجد في الإسلام فئة مثل رجال الدين أو الرهبان. ذلك أن كل مسلم خادم لدينه. فمن حق كل مسلم أن يتعلم الكتاب والحكمة، والطريقة المثلى أن يتم تعليم الكتاب والحكمة في المساجد المفتوحة للجميع، كما فعل نبينا الكريم. وبما أن كل شخص يتعلم دينه من القرآن فإنه سيرى باستمرار العلاقة بين الآيات المنزلة والآيات المخلوقة ، فلا يفكر حينئذ حتى في فصل الدين عن العلم. وميزة هذا التعليم أنه يوجه الجميع إلى العلوم الطبيعية، لا سيما طلاب الشريعة الذين يقع على عاتقهم الاهتمام بالعلوم الطبيعية المتعلقة بمجالات دراستهم.
طلعت: ماذا تفعل لتوضيح مفهوم الدين في القرآن؟
بايندر: حضرت العديد من اللقاءات والندوات وشاركت في الكثير من المؤتمرات العلمية في أوروبا وروسيا وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان والولايات المتحدة وغيرها بهدف شرح الدين بحسب ما جاء في القرآن الكريم. ولأنه آية منزلة من الله تصدقها الآيات المخلوقة والقوانين الكونية فلا يمانع أحد من الاستماع إليه. ونتيجة لذلك وقعنا العديد من اتفاقيات التعاون. والبيانات التالية الواردة في اتفاقية التعاون التي وقعناها مع جامعة توبنغن الألمانية توضح الكثير:
“مصدر العلم هو الكتاب الذي خلقه الله ، أي الطبيعة. وإذا استعمل الكتاب الذي أنزله الله في هذا المجال فسيحدث تطور في العلم يفوق الخيال، وبالتالي ستكون هناك فرص لإجراء البحوث من خلال الحوار والمنافسة في الأعمال الجيدة”.
طلعت: يتم التحدث في العديد من الدول حول العالم عن الكيفية التي ستشكل بها أجهزة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي والروبوتات المستقبل. ويحاول الكثيرون التنبؤ بعدد المهن التي ستتأثر بهذه التطورات. ووفقا لذلك يجري تصميم أنظمة تعليمية جديدة. وأنتم تقومون أيضًا بنشر إنتاجكم العلمي والمعرفي على شبكة الإنترنت بعدة لغات. فكيف سيتأثر التعليم الديني بهذه التطورات التكنولوجية في المستقبل؟
بايندر: أكبر فائدة للتطورات التكنولوجية أنها تقود الناس إلى التساؤل والبحث عن الحقيقة. فاليوم، هناك تمرد واضح ضد التسليم الأعمى في التعليم الديني، لم يعد الشباب يصدقون ما يسمعونه من علماء التقليد في القنوات التلفزيونية وغيرها من المنابر العلمية. إنهم يبحثون في كل موضوع باستخدام الفرص التي توفرها التكنولوجيا. وقد بدأ أصحاب النوايا الحسنة في اتباع الدين بحسب تعاليم القرآن. بما أن هذا الاتجاه يدفع المسلمين إلى قراءة الآيات التي نزلت مع الآيات التي خلقت، فمن الواضح أنه ستكون هناك تطورات جيدة للغاية.
الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع هي: بدون قراءة الآيات التي أنزلها الله والتي خلقها معًا ، لا يمكن أن يكون هناك تعليم ديني حقيقي.
طلعت: شكراً جزيلاً لكم فضلية أ.د عبد العزيز على تخصيصكم الوقت لمشاركة آرائكم القيمة. وأرجو أن ننهي حديثنا بكلماتكم الأخيرة حول التربية الدينية للقرن الجديد.
بايندر: يمكننا أن نلخص الموضوع كما يلي: سيكون أساس التعليم الديني في المستقبل هو تعلم منهج الحكمة التي تمكن من إنتاج الحلول من آيات القرآن. إن جوهر تعليم الحكمة هو أن نتعلم معًا آيات الكتاب والآيات الكونية المخلوقة. بهذا المعنى، يجب أن يُنظر إلى تعليم الحكمة على أنه واجب الجميع. بعبارة أخرى ، فإن التعليم الديني في المستقبل ليس مهمة يجب تفويضها إلى رجل الدين. وأولئك الذين يريدون التعمق في هذا الموضوع يجب أن يتم تدريبهم كخبراء في العلوم الطبيعية في كليات الشريعة والعلوم الإسلامية. ومن الضروري إنشاء مراكز النخبة التي يعمل فيها باحثون مجهزون بالمعرفة والمهارات الحديثة.
أود أن أعبر للقراء الكرام ، وخاصة للشباب ، أنهم عندما يتعلمون كتاب الله والحكمة معًا فإن حجارة البيت ستثبت في مكانها. وبهذه الطريقة سيتخلصون من الخرافات والتشويهات التي تسبب البلبلة الفكرية، وسيفهمون الدين الحقيقي الذي ارتضاه الله تعالى لنا. أتمنى أن يكون المستقبل جيدًا لقرائنا وللعالم الإسلامي بأسره.
انتهى الحوار
الترجمة إلى العربية: د. جمال نجم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] فرانز روزنتال أو روزنثال ( بالإنجليزية : Franz Kurt W. Rosenthal) ، ولد في برلين بألمانيا لعائلة يهودية بتاريخ 31 أغسطس عام 1914 والتحق بجامعة هومبولت (Humboldt-Universität zu Berlin) في برلين عام 1932م حيث درس الحضارات واللغات الشرقية بها. درس اللغة العربية وألف العديد من الكتب كان من أبرزها (انتصار المعرفة: مفهوم المعرفة في إسلام العصور الوسطى) المصدر (ويكيبيديا).
[2] إحدى الجزر النرويجية التي تقع في المحيط المتجمد الشمالي، وهي أقرب الأماكن المأهولة إلى القطب الشمالي.
[3] صحيح البخاري (9/ 61 ط السلطانية)
[4] عمر نصوحي بيلمن ، قاموس الحقوق الإسلامية والاصطلاحات الفقهية، المجلد الثالث ، ص 309 ، فقرة 15).
[5] Asesbaşı, TDV, İslam Ansiklopedisi