حبل الله
الخلط بين المهمة الدينية والولاية السياسية عند الشيعة

الخلط بين المهمة الدينية والولاية السياسية عند الشيعة

يزعم الشيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يترك أمته دون وصي وإمام يقودها ويقيم شرع الله فيها، وهم يرون أن هذه المهمة كفيلة بحفظ الدين من الضياع والاندثار، وكأن الدين لا تقوم له قائمة إلا بدولة ترعاه وتلزم الناس به، يقولون هذا بالرغم من أن الأنبياء جميعا لم يسع أحد منهم إلى السلطة أو الملك ، ولم تكن تلك مهمة أحدهم.

لقد عرض على خاتم النبيين أن يكون ملكا للعرب في بداية البعثة، لكنه رفض، بالرغم من إمكانية أن يبدأ الدعوة وهو ملك.

إن مهمة الأنبياء الأساسية هي تبليغ رسالة الله تعالى إلى البشر دون إكراه أو إغراء بثراء أو مكانة، ولا شك أن النبي المتجرد عن السلطة والملك تتحقق له الدعوة المجردة عن المنافع، لذا لم يُطلب منهم أن يكونوا ملوكا وقادة لأممهم (بالمعنى السياسي)، ولم ينازع أحد منهم مَلِكا في ملكه، بل كان عنوان دعوتهم:

﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ ‌عَلَيْهِ ‌مِنْ أَجْرٍ ﴾ (الفرقان 57، الشعراء 109، 145، 174، 180، الأحزاب 19)

إلا إذا بايعهم الناس على السمع والطاعة بمحض إرادتهم وسعي منهم، حتى إن غالبية الأنبياء والرسل لم يتولوا مهمة الرئاسة ولم يعرف عن نبي أنه سعى إليها.

ومن الشواهد على ذلك أن الله تعالى أرسل موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون لأجل الإصلاح فحسب، وليس للانقلاب عليه، قال الله تعالى:

﴿اذْهَبْ أَنْتَ ‌وَأَخُوكَ ‌بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي. اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ (طه: 42-44)

وقد عمل يوسف عليه السلام تحت إدارة ملك مصر عندما رشحه الملك لمنصب الوزارة بالرغم من أنه نبي مبعوث من قبل الله تعالى:

﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ‌أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي، فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ. قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ. وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ، نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ، وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: 54-56)

وقد طلب بنوا إسرائيل من نبي لهم أن ينصب عليهم ملكا يقودهم، والغريب أن الله تعالى لم يختر ذلك النبي ليكون ملكا عليهم بل اختار رجلا آخر اسمه طالوت الذي كان جديرا بالمُلك أكثر من النبي، كما جاء في قوله تعالى:

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ … وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ ‌لَكُمْ ‌طَالُوتَ مَلِكًا﴾ (البقرة: 246-247)

الآية التالية واضحة الدلالة في الفصل بين النبوة والملك:

﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ ‌وَجَعَلَكُمْ ‌مُلُوكًا﴾ (المائدة: 20)

إن لم تكن النبوة لازمة للملك فمن باب أولى أن لا تكون الإمامة في الدين لازمة له.

ولأن الملك ليس مطلبا دينيا لم ترد نصوص في القرآن تبين شكلا لنظام الحكم، عدا عن تلك النصوص التي تأمر من يلي أمر الناس بالتشاور معهم بغض النظر عن مستوى تلك الولاية:

﴿‌وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (آل عمران: 159)

والعدل فيهم:

﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا ‌بِالْعَدْلِ﴾ (النساء: 58)

والحكم بينهم بما أنزل الله تعالى:

﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ (المائدة: 48)

ولو أراد الله تعالى نظاما معينا للحكم لنص عليه في كتابه ولبينه للناس:

﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ ‌نَسِيًّا ﴾ (مريم: 64)

ولما لم يوجد مثل هذا النص فهمنا أن هذه المسألة تجري بتشاور المسلمين وبيعتهم لمن يرضونه إماما:

﴿وَأَمْرُهُمْ ‌شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى: 38)

ونحن نعلم – مثلاً – بأن عملية التنصيب التي جرت مع الخلفاء الراشدين بعضها يختلف عن البعض الآخر، فما جرى من تنصيب للخليفة الأول يختلف عما جرى مع الخليفة الثاني، وهما غير ما حدث مع الثالث، وكذا إن ما جرى مع الثلاثة مختلف عما جرى مع الرابع. ولم تكن جميع صور التنصيب السابقة قائمة على مبدأ الشورى، كما أن الأخيرة التي حدثت بفعل قرار الخليفة الثاني لم تكن بين جميع المؤمنين ولا جميع أهل الحل والعقد، وكذا يقال بخصوص البيعة حيث لم تحدث على وتيرة واحدة، وبالتالي لا توجد هناك آليات ثابتة ومفصلة للتنصيب. والحال ذاته ينطبق على ما يتعلق بطبيعة العلاقة التي تحكم الحاكم بالمحكوم، ونعلم كم الفارق بين الطريقة التي سار عليها الخليفتان الأول والثاني، وبين ما أحدثه الخليفة الثالث من تغيير[1].

أما بخصوص فكرة الشيعة عن الخلافة فمن الواضح أنه بالرغم مما ظهر من نزاع بين الصحابة بعد النبي حول الخلافة إلا أنه لم يرد عنهم أي ذكر للوصية والنص عليها، ولا يعقل أن المهاجرين والأنصار تجاهلوها بإجماع، خصوصاً وإن خسارة الأنصار أمام المهاجرين يوم السقيفة يجعلهم في أمس الحاجة لتوظيف مثل هذا السلاح إن كان موجوداً، كما أن الإمام علياً هو الآخر لم يحتج بالنص على حقه في الخلافة، بل روي أنه احتج على حقه تبعاً لاعتبارات فضله في الإسلام ومكانته من النبي[2].

وأيضاً فأن تنازله عن حقه في الخلافة ومبايعته لغيره وقبوله أن يرضى كواحد من أعضاء الشورى المرشحين للخلافة بعد عمر بن الخطاب من غير اعتراض يتعلق بالنص – سوى ما كان يذكّر به من مناقبه – رغم ما آلت إليه النتيجة من عدم اختياره للحكم، كل ذلك يجعل أمر الوصية في الخلافة مستبعداً.

هذا بالإضافة الى الروايات التي دلت على ما أبداه من مرونة فائقة عند إلحاح الناس عليه بالبيعة بعد مقتل عثمان، حيث فضّل أن يكون لهم وزيراً من أن يكون عليهم أميراً، وكما جاء في (نهج البلاغة) قوله:

“دعوني والتمسوا غيري .. واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أُصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولَعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزير خير لكم مني أميراً[3]

لكنه مع ذلك استجاب إلى رغبة الناس بعد إلحاح منهم، فقد روي عنه أنه قال:

“فأقبلتم أليّ إقبال العوذ المطافيل على أولادها، تقولون : البيعة البيعة ! قبضت كفي فبسطتموها، ونازعتكم يدي فجاذبتموها “[4].

وروي عنه أنه قال أيضاً: ‹‹والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها”[5]

ولا شك أن المرونة التي أبداها الإمام علي لا تتسق مع مبدأ التعيين والوصية. وينطبق هذا الأمر على ما حدث لولده الحسن الزكي حين صالح معاوية وتنازل له عن أمر الخلافة. بل إن علياً في بعض ما روي عنه لا يضفي على الخلافة التحديد اللاهوتي (الكهنوتي) ولا الشخصي، بل رأى أن لها شروطاً إسلامية عامة[6]

يدل على ذلك ما روي عنه أنه قال:

“قد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل.. ولا الجاهل .. ولا الجافي .. ولا الحائف للدول.. ولا مرتشي في الحكم .. ولا المعطل للسنة “[7]

وكذا قوله رضي الله عنه في رسالة له إلى معاوية:

‹‹إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فأن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى”[8]

كما ورد عنه قوله في خطبة له:

“أيها الناس إن أحق الناس بهذا الأمر – الخلافة – أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه”[9]

كل ما سبق من أدلة القرآن والنقول الموافقة له تدل صراحة على نفي الإمامة بالمعنى السياسي المراد لدى الشيعة، بل كذلك ينفي معناها اللاهوتي/الكهنوتي المضفى عليه صفة التعيين المنزل كرديف للنبوة.

*ما ورد أعلاه هو جزء من مقالة الشيعة في ميزان القرآن ولقراءة المقالة كاملة يرجى الضغط على العنوان المرفق؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  يحيى محمد، الفكر الإسلامي والفهم المقصدي والتعبدي للدين، مجلة الحياة الطيبة، عدد 15، 2004م

[2]  يحيى محمد، الحديث الشيعي ومشكلة العقيدة ، موقع فهم الدين

[3]  صبحي الصالح، نهج البلاغة، منشورات دار الهجرة، قم، الطبعة الخامسة، 1412هـ، خطبة رقم 92

[4]  المصدر السابق، خطبة رقم 137

[5]  المصدر الساق، خطبة رقم 205

[6]  يحيى محمد، الحديث الشيعي ومشكلة العقيدة ، موقع فهم الدين

[7]  نهج البلاغة، خطبة رقم 131

[8]  المصدر السابق، كتاب 6

[9]  المصدر السابق، خطبة رقم 173

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.