السؤال:
السلام عليكم و رحمة الله، بداية و قبل طرح سؤالي أسأل الله أن يوفقكم على ما تسعون إليه من مساعدة الناس وتفقهيهم في دينهم .
و اللهم انصر إخواننا في فلسطين و كل الدول الإسلامية والمسلمين أينما حلوا و ارتحلوا، طلبي من حضرتكم هو علاج للخوف، منذ بداية الحرب ضد فلسطين وكلما انتشرت إلى أن وصلت اليوم إلى ما هي عليه أعجز عن فعل أي شيء حتى لا أستطيع التفكير في مستقبلي لأن بداخلي خوفًا من وقوع حرب عالمية أقول أن ما يحصل سيشتد و سيصبح حربًا كبرى رغم أن بلدي آمن وهذا سيجعلني غير قادرة على تحقيق أحلامي بالسفر والدراسة والعمل .لا أعرف سبب هذا الخوف و أرجو مساعدتكم و شكرا.
الجواب:
نشكر السائلة الكريمة على ثقتها في موقعنا، نسأل الله تعالى أن يوفقها وإيانا وإياكم إلى ما يحب ويرضى، ونسأل الله تعالى أن ييسر لنا الطريق لإعانتهم والوقوف بجانبهم بكل ما أوتينا من قوة مادية ومعنوية.
أما بالنسبة لشعور الخوف الذي تشعر به فمما لا شك فيه أنه وفي ظل ما يدور من حروب وهجمات شرسة على إخواننا وأهلنا في فلسطين وفي كثير من البلدان العربية والإسلامية هو شعور طبيعي، والخوف من أولى مراتب الابتلاء:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ البقرة (155)
بل إن الغريب ألا يحدث الخوف من المؤمنين على أنفسهم وتجاه بعضهم البعض، وخاصة أنه يقع على فئة مستضعفة تخلى عنهم قادة رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وهم ينتسبون إلى الإسلام ظلمًا وزورًا فهم كــــ ﴿الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ المائدة (41)
ومن هنا فلا ضير من الشعور بالخوف والقلق، وقد زلزلت القلوب من قبل بما فيهم الرسول المؤيد بوحي السماء:
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ، أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ البقرة (214)
ولكن إيمانه وأصحابه هو الذي جعلهم صامدين أمام الأحزاب:
﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ الأحزاب (11)
وإن غدًا لناظره قريب ووعده تعالى بالنصر سيتحقق على الرغم من سوء ما وصلنا إليه إلا أنها إشارة إلى اقتراب النصر ولو بعد حين حتى ولو تخلى البشر فإن رب البشر وعده الحق:
﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ الأحزاب (22)
أما بالنسبة لكيفية التغلب على هذا الخوف فكيفينا تدبر الآيات الربانية على جميع المستويات، فهناك الآيات القرآنية التي رأينا فيها كيف نصر الله تعالى رسله وعباده المؤمنين في كل زمان ومكان، وكذلك نرى آياته تعالى البشرية في هؤلاء القوم العزل من السلاح والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان المتحزب ضدهم إخوانهم المتخاذلين قبل أعدائهم والقذائف تحيط بهم من كل مكان وهم يوارون جثث وأشلاء قتلاهم ثم يرفعون أيديهم المغسولة بدماء أهليهم بإشارة النصر يتمنون مكان من استشهد منهم.
وهم يرددون آيات النصر وأناشيد العزة ولم يرفع واحد منهم راية الاستسلام أو اليأس وتراهم مستبشرين باللحاق بمن قضوا نحبهم يقينًا منهم بقول أصدق القائلين:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ آل عمران (170).
وعلينا أن ننظر إلى هؤلاء الأطفال الذين تهدمت مدارسهم يجلسون بأجساد هزيلة أضعفها الحزن والجوع على أنقاض وركام بيوتهم وهم يحملون دفاترهم المبللة بالدموع على آبائهم وأمهاتهم ويمسكون أقلامهم التي تلونت بدماء جراحهم بأنامل باردة ويرددون خلف المعلم بأصوات شاحبة وهم يدرسون بجانب الخيام التي تقتلعها رياح الغدر والخسة ويغلب صوت القنابل والمدافع صوت معلميهم ومعلماتهم!!
ألا تأخذنا مشاعر الدهشة والعجب كيف يسعى مثل هؤلاء إلى طلب العلم وكيف لم تمت الرغبة فيه مع كل من مات؟! كيف يحلم مثلهم بغدٍ وهم لا يأمنون للدقيقة التي يعيشونها؟! وكيف لم تحطم أمانيهم بحطام منازلهم ومدارسهم وقد تطالهم قذيفة في اللحظة التي يسمعون فيها المعلم ليرقد الجميع تلامذة وأساتذة بجوار تلك الدفاتر والأقلام التي تسطر استشهادهم وتحث الناجين منهم على استكمال الحياة والحلم والدعاء بالنصر على أعدائهم!
فوالله إن في ذلك لآية منه تعالى الذي شد من أزرهم وربط على قلوبهم وإن فيه لعبرة بالالتجاء بأمنه سبحانه لكل خائف وعبرة بالصبر لكل بائس كما قال تعالى:
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا، فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ، وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ آل عمران (13).
فما بالنا نحن؟ أليس الأولى بنا ألا يعوق طلبنا للعلم وتحقيق أحلامنا وسفرنا ما يحدث بعيدا عنا؟! وأن نؤمن به ونتوكل عليه ليقيننا أنه:
﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ التوبة (51)؛
إذ أنه لو تأملنا قليلًا فليست الحروب وحدها مصدر الخوف والقلق من تحقيق الأحلام والسفر عبر الأقطار، فالزلازل والأعاصير والفيضانات تجتاح البلدان التي تحسب نفسها بعيدة عن البلاء جزاء ابتعادها عن خالقها وإفسادها كمن قيل فيهم:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ النحل (112).
ومن هنا لو سمح المؤمن أن تسيطر مشاعر عليه الخوف والحزن ولم يفوض أمره إلى خالقه ومدبر شؤونه فلن يبرح فراشه ولن يأكل ولن يفعل في حياته شيئًا ، حتى لو فعل ذلك فليس بمأمن من الموت أو القتل فلا فرار من أمر الله تعالى إن وقع مصداقًا لقوله:
﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ، قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ النساء (78)
فلا يحتاج الموت والقتل إلى حروب وصواعق وقذائف وإنما يحتاج إلى الاستعداد له بالعمل الصالح والصبر على البلاء:
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ الأنبياء (35)
وختامًا:
علاج الخوف هو اللجوء لمن بيده تأمين الخوف: ﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ قريش (4) واللجوء إليه سبحانه يتمثل في الصبر والدعاء وإقامة الصلاة والوقوف بين يديه تعالى بقلب منيب متوكل خاشع امتثالًا لأمره:
﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ، وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ البقرة (45)
وكذلك بالعمل الصالح والتمسك بتعاليم الكتاب لإصلاح البال مصداقًا لقوله:
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ محمد (2)
فإن فعل المؤمن ذلك فلن يستطيع الشيطان أن يتسلل إلى قلبه يملأه بالخوف من الغد أو من الغير:
﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ آل عمران (175)
فالغد بيد صاحبه:
﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ لقمان (34
والغير مهما بلغت قوته فهو سبحانه ذو القوة المتين:
﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ، وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ الزمر (36)
وسوف يمضي المؤمن ساعيًا في تحقيق آماله وأحلامه مسافرًا في طلب العلم والعمل الصالح قائلًا في نفسه:
﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ غافر (44)
والمؤمن يتيقن من تحقق وعده ربه للمؤمنين بالتمكين في الأرض وتبديد الخوف:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا، وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ النّور (55)
فاتباع الهدى هو الطريق الوحيد للنجاة من الخوف والحزن، وهو أول درس تلقاه أبونا آدم وزوجه عند خروجهما من الجنة قَالَ جَلَّ في عُلاه:
﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا، فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ البقرة (38)
الباحثة: شيماء أبو زيد