النظام الديمقراطيُّ هو في الأصل نظامٌ كهنوتي ثيوقراطيٌّ، لأنَّه يؤلِّه الدَّولة، والاختلافُ الوحيد عن الثيوقراطيَّة أنَّ الحُكم لا يكون فيه باسم الله تعالى، والحقُّ أنَّه فرقٌ مُهِمٌّ إذ لا يُستغلُّ الدِّينُ في تحقيق المكاسب السياسيَّة والسُّلطويَّة.
لقد جادل الفرنسيُّون ضدَّ الثيوقراطيَّة الباباويَّة حتى تخلَّصوا منها لكنَّهم وقعوا في ثيوقراطيَّةٍ جديدةٍ تجسَّدت بتعظيم الشخصيَّة الاعتباريَّة للدَّولة، والدولة يُمثِّلُها موظَّفوها الكبار حيث أُعطيت لهم الحصانةُ القانونيَّة، كما أُعطيَ حقُّ التشريع للمجالس النيابيَّة لتسُنَّ القوانين بالأغلبيَّة. وغالباً ما يتمُّ انتخابُ هؤلاء النوَّاب بسبب قوَّة الدعاية الانتخابيَّة التي يُغطِّيها _في العادة_ الأثرياءُ وأصحابُ رأس المال، والنتيجةُ أنَّ هؤلاء النوَّاب المدينين لمَنْ أوصلوهم قبَّةَ البرلمان سيعملون على تشريع القوانين التي تُناسب الأثرياء، فتتكرَّسُ غلبةُ الرأسماليَّة وتُهمَلُ الطَّبقاتُ الفقيرةُ، فيزدادُ الأثرياءُ ثراءً كما يزداد الأشقياءُ شقاءً ، ومهما كانت تلك القوانينُ جائرةً بحقِّ الضُّعفاء والمحرومين فإنَّهم لا يملكون السبَّيلَ للاعتراض على مُقرَّرات الثيوقراطيَّة الجديدة.
خالِقُ البَشَر وفطرتهم وناظمُ قوانين التطوَّر والتغيير هو اللهُ تعالى، والدِّين الذي أُمِرْنا باتباعه هو دينُه وشريعتُه. يقول اللهُ تعالى:
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم،30)
بحسب الآية فإنَّ الدِّين هو الفطرة، وهو القانون الطبيعيُّ الذي تنسجم فيه الموجوداتُ، وتشويهُ الدِّين كتشويه الطَّبيعة بجامع التسبُّب بتعاسة الإنسان، وعندما يتبرَّأُ النَّاسُ من الدِّين الباطل ويتَّبعوا الدِّينَ الحقَّ فإنَّ الدَّولةَ لا ينبغي أن تتنازع مع الله بالتشريع واستعباد النَّاس، وإنَّما تكون كالشَّمس والهواء النقيِّ والماءِ الصفيِّ لا تُفرِّقُ بين مواطنيها بحسب أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم، وإنَّما هي خادمةٌ للمُجتمع ووسيلةٌ لتنظيم شؤونه حيث تُقدِّمُ خدماتِها لمواطنيها دون تمييز.
للمزيد حول الموضع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر المعنونة بـ (مقام الخليفة والكهنوت) على الرابط التالي:
أضف تعليقا