حبل الله
العلاقة مع غير المسلمين

العلاقة مع غير المسلمين

أ.د عبد العزيز بايندر

قال الله تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (الممتحنة، 60 8-9).

ففي هاتَيْن الآيتَيْن الكريمتَيْن وضع الله تعالى دستور العلاقات ما بين المسلمين وغير المسلمين بشكلٍ دقيقٍ، وحتى تبقى العلاقة مع غير المسلمين قائمة على التعاون والسلم  فقد اشترطت الآيتان السابقتان على غير المسلمين عدم إخلالهم بما نطلق عليه بلغة عصرنا (الخطوط الحمراء) وهي ثلاثة:

1.                     أن لا يقاتلوا المسلمين في دينهم.

2.                     أن لا يسعوا لإخراجهم من ديارهم.

3.                     أن لا يظاهروا من يحاول إخراجهم من ديارهم.

فإن تجاوزا خطا من تلك الخطوط الحمراء تنتهى العلاقة معهم.

قال الله تعالى: «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (التوبة، 9 / 5).

يزعم البعض أنّ هذه الآية هي الأساس في العلاقة مع غير المسلمين. ولكنّها في الحقيقة إخطارٌ لمشركي مكة الذين نكثوا صلح الحديبية ولم يراعوا الشروط المذكورة في عقد الصلح. وقد أُمهلوا بعد فتح مكة سنة كاملة، ثم زيد عليها أربعة أشهر. ولا يطبق مثل هذا الحكم إلا في الأحداث المماثلة لتلك الحادثة. ولا يجوز حمل الآية على غير ما ذكر.

الأذى من غير المسلمين

قال الله تعالى: «لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» (آل عمران، 3 / 186).

وقد ندب الله عباده إلى الصبر واحتمال الأذى في سبيل الله، واعتبر ذلك من صور التقوى، وأخبر أنّ ذلك من عزم الأمور، ولم يأمر الله تعالى في مثل هذه الحالة بقتال المشركين؛ لأن الأذى أو السب لا يُعتبر إخلالا بتلك الخطوط التي توجب قتالهم.

وقد لاقى النّبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه أذى كثيرا من المنافقين الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، ولكنّه صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين صبروا على أذاهم. ونقرأ في هذا الموضوع قوله تعالى: «إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ؛ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ؛ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ؛ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ؛ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ؛ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ؛ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ؛ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ» (المنافقون، 63 / 1-8).

عن زيد بن أرقم قال خرجنا مع النّبي صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة فقال عبد الله بن أبي لأصحابه لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله، فاجتهد يمينه ما فعل، قالوا كذب زيدٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فوقع في نفسي مما قالوا شدة حتى أنزل الله عز وجل تصديقي في «إذا جاءك المنافقون»[1].

وعلى الرغم من أن تصرفات ابن سلول قد بلغت من السوء ما بلغت، إلا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يحسن إليه المعاملة، والسبب في ذلك أن الرجل لم يتجاوز أحد الخطوط الحمراء الثلاثة كما بينتها الآية. وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطريق الأمثل في معاملة هؤلاء والمتمثِّلِ في قول الحق، فهو أكثر ما يزعجهم. فإظهار أخطائهم وحسن معاملتهم بعد ذلك سيظهر ضعفهم وسيقتنع العامة في أنهم يستحقون العقاب، وهذا الرأي العام كفيل بعزلهم ، وانفضاض الأنصار من حولهم؛ وهذا ما نفهمه من الآيات؛ فقد أدّى حسن معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبيّ بن سلول إلى إسلام كثير ممن حوله.

قتل من ارتد عن الدين وشتم النبي صلى الله عليه وسلم

وقوله تعالى في الآية السابقة: «بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا» يبين بوضوح أنّ هؤلاء ارتدوا عن الدّين. وبالرغم من وجود كثير من مثل هذه الآية إلا أن المذاهب اتفقت على قتل المرتد بالرغم من أن الآية لا تحتوي على حكم غير أخذ الحذر، كما أنهم اتفقوا أيضا – بدون أي دليل يستندون إليه – على قتل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم[2].

كما ترى فإنّ الاتفاق على قتل المرتد خلافا لنصوص القرآن الكريم مدعاة لتسليط الضوء على التحديات التي تواجهنا وعلى رأسها إرجاع المسلمين إلى نهج القرآن الكريم[3].

 


[1]  صحيح البخاري عند تفسير قوله تعالى: «إذا جاءك المنافقون».

[2]  الفقه الإسلامي وأدلته لوهبة الزحيلي، الطبعة الثالثة دمشق 1409 / 1989، ج. 6 / ص. 184.

[3]  لمزيد من المعلومات حول موضوع الردة وحكمها انظر مقالة جمال احمد نجم (الردة عن الإسلام وحكمها) على موقعنا http://www.hablullah.com/?p=1242

تعليق واحد

  • السلام عليكم ورحمة الله
    في الحقيقة أود أن أشكركم على هذا الموضوع القيم في زمن كثر فيه الاقاويل المضللة التي تبعد عن الاسلام أكثر مما تقرب. فجازكم الله عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.