حبل الله
الميثاق الغليظ الذي تأخذه النساء من أزواجهن

الميثاق الغليظ الذي تأخذه النساء من أزواجهن

السؤال:

ما هو الميثاق الغليظ الذي تأخذه النساء من أزواجهن.. رغم أن الميثاق هو شيء يجب أن يكون واضحًا ومتفقًا عليه بشكل جدي، ويكون من طرف الرجل فقط، يعني بأنه غير متبادل.

وبالتالي فمن غير المنطقي أن يكون هو المودة والرحمة كما قرأت على بعض الصفحات والمواقع.

الجواب:

إن المودة والرحمة من آياته تعالى جعلهما بين الزوجين، وهو _كما ذكرت السائلة_ متبادل من كلا الطرفين، ولذا جاء التعبير (وجعل بينكم) في قوله تعالى:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الرّوم (21).

أما بالنسبة للميثاق الغليظ الذي أخذته الزوجة من زوجها فله معنى آخر، حيث نستطيع فهمه من خلال تدبر كلمة الميثاق في كتاب الله تعالى التي تعود إلى الجذر اللغوي (وثَّق) الذي يعني التشديد والتأكيد على الرباط، ومنه (توثيق العقود) الذي يضمن الحقوق لأصحابها بعيدًا عن التلاعب أو التهاون بها، وكذلك (توثيق الموضوع) أي الإتيان بالأدلة والبراهين على صحته، ومنه (الثقة) التي تمنح الشعور بالأمن والاطمئنان، وكذلك الميثاق يعني القانون الذي يتضمن مبادئ وقواعد تقوم عليها العلاقات لتنظيم وتحديد المسؤولية بين الأفراد، ويترتب على الميثاق _عادة_ شروط جزائية وعقوبات عند نقضه.

وعند تلاوة الآيات التي تحدثت عن الميثاق نجد كل هذه المعاني متحققة، ومثال ذلك ميثاقه تعالى الذي أخذه على النبيين في قوله:

﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا. لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ، وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ الأحزاب (8)

يشتمل ذلك الميثاق على مسؤولية الرسل والأنبياء تجاه أقوامهم، كما يشتمل على إقرار هؤلاء القوم وتعهدهم بتنفيذه.

وإذا وُصف الميثاق بالغليظ فإنه يعني التشديد على عظمه وأهميته وأنه يترتب على نقضه الجزاء الشديد في الدنيا والآخرة، وهذا ما بيًّنه تعالى في إلحاق العقاب ببني إسرائيل لنقضهم ميثاقهم:

﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ النساء (154)

ومن هنا فالميثاق الغليظ الذي أخذته النساء على أزواجهن يتمثل فيما أوجبه تعالى لهن في كتابه من الحقوق والمسؤوليات الملقاة على عاتق الزوج سواء في حال قيام الزوجية أو حتى عند الفراق:

  • فميثاقه تعالى في النكاح يبدأ من التعارف ودخول البيت من بابه وعدم الدخول بنية اتخاذ الأخدان أو السفاح واشتراط إذن الأهل، مرورًا بالحقوق المالية المتمثلة في الإنفاق الذي يدخل تحته الصداق عاجله وآجله وتكاليف الزواج وتأمين المسكن المناسب وتأثيثه ونفقة الزوجة، وقد بين الله تعالى ذلك كله في قوله:

﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ…﴾ النساء (34)

بالإضافة إلى الحقوق المعنوية المتمثلة بالإحصان والرعاية للجوانب النفسية والجسدية التي لخصت في قوله تعالى:

﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ البقرة (228)

  • وميثاقه تعالى في الفراق يبدأ من لحظة الخوف من النشور ومحاولة استمالة المرأة: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ…﴾ النساء (34) مرورًا بالشقاق وتدخِّل الأهل للإصلاح: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا…﴾ النساء (35) وصولًا إلى عدد مرات الطلاق وما يترتب عليه من عدم عضل المرأة للذهاب ببعض حقوقها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا، وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ…﴾ النساء (19) وعدم إخراج الزوجة من بيتها في العدة وضمان حقوقها من نفقة المتعة والسكنى:

﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا ‌تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1] 

كل هذه الحقوق التي ذكرت مفصلة في كثير من الآيات قد ذكرها الله تعالى مجملة في قوله:

﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ البقرة (231).

أحد بنود هذا الميثاق أنه إذا أراد الرجل استبدال زوج بأخرى أن يعطيها كامل حقوقها – إن رفضت البقاء معه لزواجه من أخرى – والذي بدأ من الآية قبلها حين قال تعالى:

﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا، أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ النساء (20)

ثم ذكر تعالى مستنكرًا أنه كيف للرجل أن يقع في هذا الإثم والبهتان بعد أن استحل هذه المرأة بعد أن أخذت منه الميثاق الغليظ :

﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ النساء (21)؟!

وختامًا:

إن ميثاقه تعالى في النكاح والطلاق بمثابة القانون الذي يحفظ للزوجة حقوقها، وقد حذر من أن تُتخذ هذه الآيات على سبيل التلاعب أو الاستهانة:

﴿وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ البقرة (231)

وقد بيَّن سبحانه ما يترتب على نقض هذا الميثاق (تعدي حدوده):

﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ… تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ البقرة (229).

ذلك الميثاق الذي وثقه تعالى في كتابه – حتى لو غفل عن تدوينه الأهل – وهو موثق ببرهان منه جل وعلا ليوثق روابط الأسرة ويحفظ للبيوت كرامتها، ويدعم الثقة بين الزوجين إذ أن الرجل/الزوج الذي يتمسك بميثاقه تعالى هو الرجل الذي يوثق فيه ويؤتمن على البيوت والأعراض، وهو الذي يمسك بالمعروف أو يسرح بالإحسان كما أمره ربه جل وعلا في ميثاق الزواج والفراق: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾

والمؤمن الحق هو الذي يتذكر ميثاقه تعالى في كل حركة وسكنة في تعاملاته وسلوكياته في حياته، امتثالًا لأمره جل وعلا:

﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ المائدة (7)

والمؤمن يستجيب لربه وما أنزله من الحق ليكون من: ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾ الرعد (20).

الباحثة: شيماء أبو زيد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.