الباحث: آيدن ملايم[1]
الترجمة إلى العربية: د. جمال نجم
مقدمة:
يمكننا أن نرى أشخاصًا لهم دور وتأثير معين على كل مرحلة من مراحل التاريخ ، لكن الأجيال اللاحقة لا تتناول تلك الشخصيات بطريقة مجردة. سيكون عمر رضي الله عنه أحد هؤلاء الأشخاص المؤثرين الذين تم منحهم الدور الذي يريده اللاحقون ، وفي هذه الدراسة ، نحاول أن نشرح دور عمر على مسرح التاريخ ، وتأثيره ، وفوائد ومضار الأدوار التي نُسبت إليه لاحقًا.
وصل إلينا عبر الرواية معلومات عن بعض الصحابة الرائدين وأعمالهم. ومن هؤلاء الصحابة ، الذين وردت عنهم مئات الأخبار والعديد من المعلومات الإيجابية والسلبية ، هو عمر.
حياة عمر ودخوله الإسلام
يروى أن عمر ولد عام 581م في مكة المكرمة. حيث ينتمي إلى قبيلة بني مخزوم، واسم والده خطاب ووالدته فاطمة بنت هاشم[2].
ويروى أنه كان في شبابه من رعاة الإبل ثم اشتغل بالتجارة.
هناك روايتان مختلفتان في إسلامه، وهما بإيجاز كما يلي:
بينما كان المشركون المكيون يعقدون اجتماعات فيما بينهم لمناقشة ما يمكنهم فعله لوقف نبينا الكريم عن الدعوة إلى الإسلام، يحضر عمر أيضًا هذا الاجتماع ويقرر قتل نبينا لحل المشكلة. فبينما هو متوجه لتنفيذ ما عزم عليه علم في الطريق أن أخته أصبحت مسلمة أيضًا ، غضب عمر وغيّر اتجاهه ودخل منزل شقيقته فوجدها تقرأ القرآن لكنه اعتدى عليها وعلى زوجها. ثم طلب منهم إعادة قراءة ما قرأوا، فقرر عمر ، متأثرًا بالآيات المقروءة أن يصبح مسلمًا، ثم ذهب إلى نبينا وأعلن إسلامه أمامه[3].
وهناك رواية أخرى عن اعتناق عمر للإسلام نسبت إليه كما يلي: “كنت محبا للخمر فشربت كثيرا. وذات ليلة غادرت المنزل لأتناول شرابًا مرة أخرى … ” و عندما لم يجد مكانًا للشرب في تلك الليلة ، توجه نحو الكعبة حيث كان نبينا الكريم يصلي هناك، وتنصت عمر سرًا على نبينا، وتحت تأثير ما سمع من النبي ، أصبح مسلما سرا “[4]
وفي كلتا الروايتين، لم يسلم عمر معتمداً على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمانته. لقد فهم أن ما سمعه لا يمكن أن يكون كلام محمد (صلى الله عليه وسلم) ، ولذلك تأكد من أن القرآن وحي من عند الله وأن محمدا (ص) نبي الله ورسوله ، فنطق بالشهادتين وأصبح مسلما.
عمر ، الذي حاول قتل نبينا، أخذ على عاتقه منذ إسلامه المخاطرة بحياته لحماية النبي الكريم في مكة، وفي وقت لاحق، ترك أقاربه وهاجر إلى المدينة المنورة مثل العديد من المهاجرين من إخوانه المؤمنين.
في المدينة المنورة زوّج ابنته حفصة لنبينا الكريم. وهكذا أصبح عمر من الدائرة المقربة منه، حيث غالبًا ما كان يحظى بإعجاب نبينا بسبب مواقفه الفعالة وآرائه الدقيقة بسبب طبيعته الاستكشافية والجريئة.
شارك عمر في غزوتي بدر وأحد. وكان دائما في صحبة النبي في كل المعارك التي خاضها نبينا ضد الكفار . لذا كان من جملة الصحابة الذين تشرفوا برضوان الله تعالى لما بايعوا النبي تحت شجرة الرضوان:
﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18]
لقد رضي الله عنهم بسبب تلك البيعة التي عبرت عن عظيم انتمائهم للإسلام ومحبتهم لله ولرسوله، وبالطبع ، فإنهم مروا بالعديد من الاختبارات بعد تلك البيعة حتى ماتوا. وربما لم يتصرف بعضهم وفقًا لإرادة الله بعد ذلك.
ما يروى أو يشاع عن عمر
تحت هذا العنوان نود أن نشرح ما يشاع عن عمر، حيث إن معظمه يتعارض مع الحقائق. عندما نقيم تلك الروايات/الإشاعات في ضوء القرآن والبيانات التاريخية ، نرى أن هناك فئتين بالغتا في نسب الروايات عنه وإليه، وهما فئتان على طرفي نقض:
الأولى: أولئك الذين يحبون عمر ويحاولون تمجيده.
الثانية: الذين يكرهون عمر ويحاولون تحقيره.
الفئة الأولى كانت تتكون من العديد من رجال الدولة ورجال الدين المنتمين لأهل السنة الذين كانوا يحاولون الوصول إلى أهدافهم وتحقيق رغباتهم الخاصة باستخدام شخصية عمر المؤثرة. فكان عمر من أكثر الصحابة الذين تعرضت سمعتهم للاستغلال في التاريخ الإسلامي ، حيث تم اختلاق العديد من الروايات الكاذبة عنه.
تتكون الفئة الثانية في الغالب من الشيعة ، الذين يعتمد أساس مذهبهم في الغالب على السيناريو السياسي والتاريخي الذي يهدفونه. حيث نعتقد أن العامل الأكبر في كون عمر أسوأ ممثل في هذا السيناريو هو أنه فتح إيران وأنهى الدولة الفارسية.
الآن سنحاول عرض الروايات المهمة حول ما فعله عمر وقاله مع مراعاة الترتيب التاريخي:
أ). المنسوب إلى عمر
لطالما تم تقديم عمر إلينا وإلى من قبلنا كشخص قاسٍ وعديم الرحمة. وقد تم تقديمه على أنه أسوأ مشارك في التقاليد الجاهلية التي أدانها القرآن، ومن ذلك:
_ دفن ابنته حية
في كثير من الروايات التي كتبت عن عمر ، رويت الحادثة التالية على لسانه:
” أمران في الجاهلية. أحدهما: يبكيني والآخر يضحكني. أما الذي يبكيني: فقد ذهبت بابنة لي لوأدها، فكنت أحفر لها الحفرة وتنفض التراب عن لحيتي وهي لا تدري ماذا أريد لها، فإذا تذكرت ذلك بكيت. والأخرى: كنت أصنع إلهًا من التمر أضعه عند رأس يحرسني ليلاً، فإذا أصبحت معافى أكلته، فإذا تذكرت ذلك ضحكت من نفسي”[5]
ومع ذلك ، يُلاحظ أن هذا الحدث الذي يرويه كثير من الناس ، وخاصة الدعاة ، لم يتم تضمينه في أي مصدر موثوق.
أما في المصادر الموثوقة ، فنرى أن عمر كغيره من الرجال الشرفاء اهتم بابنته حفصة اهتماما شديدا حتى أنه علمها القراءة والكتابة في الوقت الذي كان يندر ذلك، ولعلو مكانتها كانت أهلا ليتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم[6].
وقد شكك العقاد في صحة هذه القصة؛ لأن الوأد لم يكن عادة شائعة بين العرب، وكذلك لم يشتهر في بني عدي، ولا أسرة الخطاب التي عاشت منها فاطمة أخت عمر، وحفصة أكبر بناته، وهي التي كُنِّي بأبي حفص باسمها، وقد ولدت حفصة قبل البعثة بخمس سنوات فلم يئدها، فلماذا وأد الصغرى المزعومة!، و لماذا انقطعت أخبارها فلم يذكرها أحد من إخوانها وأخواتها، ولا أحد من عمومتها وخالاتها[7].
مؤشر آخر على أن هذه الحادثة المنسوبة إلى عمر غير صحيحة ما يلي:
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: وسئل عن قوله: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ) (التكوير 8)، قال: جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إني وأدت ثماني بنات لي في الجاهلية. قال: أعتق عن كل واحدة منها رقبة. قلت: إني صاحب إبل. قال: (أهد إن شئت عن كل واحدة منهن بدنة”[8]
ولعل هذه الرواية التي رواها عمر قد نُسبت إليه فيما بعد بتعديل كبير ، إذ اعتبرها الرواة مناسبة لشخصيته، لذلك فإن هذا الحدث المذكور في بعض مصادر التاريخ الإسلامي لا يمكن أن يكون صحيحًا للأسباب التي ذكرنا.
_أراد قتل أسرى بدر
عندما نستعرض الأحداث والروايات المتعلقة بعمر نلاحظ جعله رمزا للقسوة، كما نرى أيضا من يحاولون ربط هذا السلوك بعدالته. على سبيل المثال؛
تُظهر بعض المصادر الحديثية أن رأي عمر في أسرى بدر كان أدق من رأي نبينا الكريم. ويروى أن نبينا الذي قدّر بصيرة عمر ورجاحة رأيه قد قال بحقه ما يلي: “لو كان نبيا بعدي لكان عمر بن الخطاب”.[9]
ويقال إن نبينا الذي لم يأخذ برأي عمر في قتل أسرى بدر ، نزل عليه الوحي مؤيدا رأي عمر بخصوصهم. فبعد غزوة بدر استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في ما يصنعون بالأسرى. حيث كانت قضية الأسرى تواجه المسلين لأول مرة، وقد أورد الإمام مسلم في صحيحه هذه الرواية عن ابن عباس ناقلا عن عمر:
“فلما أسروا الأسارى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر، وعمر: «ما ترون في هؤلاء الأسارى؟» فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ترى يا ابن الخطاب؟» قلت: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان نسيبا لعمر، فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أبكي للذي عرض علي أصحابُك من أخذهم الفداء، لقد عُرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة – شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم – وأنزل الله عز وجل: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} [الأنفال: 67]
ينقل الرواة أن نبينا قال ما يلي عن عمر بعد هذه الحادثة : “إن الله جعل الحق في لسان عمر وقلبه”.[10]
بناءً على هذه الروايات ، ذكر الفقهاء أن الآية الرابعة من سورة محمد ، وهي “فإما منا بعد وإما فداء” ، يجب أن تمارس بعد كسر شوكة الكفر نهائيا وسيادة الحق بشكل مطلق.
والمراد قولهم: أن حكم الله في الأسرى المذكور في الآية الرابعة من سورة محمد لا نفاذ له!، لأنه يستحيل عقلا وشرعا كسر شوكة الكفر نهائيا. فإذا حدث مثل هذا الموقف مع الأسرى مرة أخرى ، فمن الضروري أخذ رأي عمر كأساس وليس هذه الآية أو ممارسة نبينا!. ولهذا قالت المذاهب إنه يجب قتل الأسرى، أو على القائد اتخاذ القرار النهائي في هذا الشأن ، دون أخذ الآية وممارسة نبينا كأساس في هذه المسألة.[11]
لكن العتاب الوراد بحق نبينا في الآية 67 من سورة الأنفال ليس بسبب عدم قتله الأسرى الذين أخذهم بعد الحرب ، ولكنه بسبب اتخاذه الأسرى قبل أن يقطع دابر الكافرين بدخول مكة فاتحا:
﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: 7]
– عمر مانع الوصية
أكثر الروايات الشيعية التي تحدثت عن عمر تلك المتعلقة بحادثة “القرطاس” حيث يظهر عمر كشخص حال دون أن يكتب نبينا وصيته الأخيرة.
يروى أنه في يوم من آخر أيام مرض نبينا صلى الله عليه وسلم قال: أحضروا لي قلمًا وورقة ؛ لأكتب لكم وصية فلن تضلوا بعدي أبداً.
وقد كان عمر من جملة من سمع هذا الكلام من الصحابة. لكنه اعترض على إدخال الورقة والقلم قائلا: “لقد تفاقم مرض النبي. وعندنا كتاب الله، وهذا يكفي بالنسبة لنا “.. على الرغم من أن مجموعة من الحاضرين أيدت رأي عمر ، إلا أن المجموعة الأخرى عارضت ، وبالتالي بدأ الجدال بينهما. ولما طال هذا الجدال وارتفعت الأصوات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “انهضوا عني، لا جدال عندي، اتركوني وحدي.”[12] . وهكذا انتهى الجدال في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك حادثة القرطاس.
من خلال هذه السردية المذكورة في المصادر الشيعية والسنية ، فقد تشكلت مادة مهمة انبنى عليها أسس اعتقاديه وأصول سياسية عند الشيعة خاصة.
يزعم الشيعة أن الورقة والقلم اللذين طلبهما النبي كانا لتعيين علي (رضي الله عنه) خليفةً وإماما من بعده . لكن عمر الذي كان يعلم أنه سيصدر مثل هذه الوصية حال دون ذلك ؛ وهكذا ، تم اغتصاب الخلافة ظلما من يد علي.[13]
عندما ننظر إلى هذه الوصية في ضوء القرآن يظهر أنه لا يمكن لنبينا أن يوصي بمثلها، لأن هذا الأمر هو شورى بين المسلمين ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38]، إلا أن الشيعة والسنة يقومون بتفسيرات مختلفة لتلك الوصية لغرض توجيه فكرة معينة أو الدفاع عن المذهب. والواقع أن أحد هذه التفسيرات يشكل أحد أهم أسس عقيدة الشيعة. على سبيل المثال ، يربطون هذه الوصية بالرواية المشهورة باسم “الثقلين” ، أي الأمانتين الثقيلتين[14].
وفقًا للشيعة ، فإن نبينا ، الذي لم يقم بواجبه في التوصية لعلي في مرض موته إلا أنه قام بهذا الواجب في “غدير خم” وهكذا يبرئون النبي من التقصير في مسألة الوصية لعلي.[15] حيث يعتقد الشيعة أن الأئمة من تعيين الله تعالى لهذا ينبغي أن تكون إمامة علي بنص مباشر من النبي عليه الصلاة والسلام.
عمر قاتل فاطمة ابنة النبي
في نظر غلاة الشيعة لا بد أن تبقى كراهية عمر حية في النفوس، لذلك نجد في المصادر الشيعية الحادثة التالية عن عمر:
بعد وفاة نبينا والانتهاء من اختيار أبي بكر خليفة للنبي في السقيفة [16] توجه عمر ومرافقوه إلى منزل فاطمة، حيث كان عليا وعائلته في المنزل. وقف عمر أمام باب البيت وصرخ: إن لم تخرج لبيعة أبي بكر الذي اخترناه خليفة سأحرق هذا البيت.
عندما جاءت فاطمة إلى الباب ، قال لها عمر: “اعلمي أن رسول الله لم يحب أحدًا أكثر منك ، لكن هذا لن يحول دون ما عزمت عليه. ثم داهم المنزل ، وواجهه علي ، ولكن نتيجة لكسر سيف علي تغلب عليه عمر، ثم أحرقوا باب المنزل. وقد حشروا فاطمة بين الباب وجدار المنزل مما تسبب في سقوط جنينها الذي لم يولد بعد. ثم أجبروا عليا على الخروج وضربوه ولفوا حبلًا حول رقبته وجروه”[17].
وقد زعم الشيعة أن هذه الرواية مذكورة في مصادر سنية أيضا، تحديدا عند البخاري والطبري. وقد اجتهدنا في البحث عن هذه الرواية في كتبهما فلم نجد لها ذكرا.
ولكن في تاريخ اليعقوبي المعروف بميوله الشيعية ، ورد أنهم اقتحموا المنزل فقط ثم عادوا بعد تحذير فاطمة.[18]
يمكننا أن نرى مثل هذه الروايات فقط عند غلاة الشيعة (الجزء المتطرف منهم).
والاعتراف بوجود مثل هذا الحدث يعني قبول كون عليّ وجميع بني هاشم يقبلون الذلة على خلاف ما عرف عنهم. حيث لا توجد رواية تفيد بأن عليا أو أيا من بني هاشم طالب بالقصاص من عمر لقتله المزعوم لفاطمة أو لجنينها.
بل المشهور أن عليا قد عمل مع عمر لسنوات في إدارة الدولة دون أي يكون ثمة عداوة بينهما. لذلك ، فإن مثل هذه الروايات المغرضة تقدم عليا كشخص غير مكترث ومثير للشفقة لأنه لم يستطع حتى الدفاع عن أسرته. علاوة على ذلك ، فإن أحداثًا مثل زواج ابنته أم كلثوم من عمر وكذلك تزويج ابنه الحسين من ابنة عمر تُظهر أنه لم يكن هناك عداء دموي أو حتى أقل من ذلك بين عمر وعلي ، وأن السيناريو المخترع بين عمر وأمنا فاطمة قد تم تحضيره لاحقًا لأسباب معروفة لدى غلاة الشيعة.
كما تم إنتاج بعض السيناريوهات حول أعمال عمر بعد الخلافة والفتاوى التي أفتاها، حيث سنحاول معالجة هذا الموضوع في السطور التالية.
ب) ما قيل في أفعاله وفتاويه بعد توليه الحكم
وكان الإمام علي من الذين أيدوا عمر ليكون إماماً للمؤمنين بعد أبي بكر ، وكان من أوائل الذين بايعوه. كما أن عمر الذي جعل عليا من مقربيه ، أقام علاقة عائلية وثيقة معه. وقد أعطى الشيعة سببا واحدا لكل هذه العلاقات بين الرجلين؛ وهو التقية التي كان علي يمارسهما حماية لنفسه من بطش عمر. والتقية التي ينادي بها الشيعة ما هي إلا إخفاء الهوية والنفاق. لقد شرحنا هذا الموضوع (التقية) في العدد السادس عشر من مجلتنا “الكتاب والحكمة”.
بعد وصول عمر إلى السلطة ، أصبحت أنشطة الفتح أقوى. عمر الذي كان له الدور الأكبر في هزيمة أقوى إمبراطوريتين في ذلك الوقت وحصد ثروات وغنائم لا حصر لها ، لم يفقد شيئًا من تواضعه ولم يصبح مثل الملوك المنفصلين عن شعوبهم. على العكس من ذلك، فقد أغلق كل الأبواب التي من شأنها أن تقود نفسه إلى الغطرسة والانغماس في الملذات الدنيوية. حتى إنه لم يسمح لولاته وعماله بالانحراف عن سياسته.
يروى أن ابن والي مصر في عهده عامل أحد الرعية بتعال واضح ، فأرسل إليه أن يأتيه مع ابنه الذي عاش هناك ، وحاكمهما أمام الناس، فقد حاكم الولد لخطئه وحاكم الوالد لأن ابنه استغل سلطان أبيه، وعندها قال عمر قولته المشهورة: “يا معشر قريش متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!”[19]
ولما رأى أقاربه أنه كان متقشفا وشديد الحذر تجاه نفسه وتصرفاته ، أرسلوا ابنته حفصة لتقول له أن يرأف بنفسه ويسترخي قليلا. لكن عمر حذر ابنته على النحو التالي: “لقد أظهرتِ إخلاصًا لقومك ، لكنك خذلتني. عائلتي لها حقوق علي وعلى أموالي ، لكن ليس على ديني أو حكومتي!”[20]
على الرغم من أن عمر لم يرغب بأن يصل الفتح الإسلامي إلى المناطق التي لم تصل إليها الدعوة والتعليم الديني، إلا أن الفتوحات انتشرت بسرعة خلال فترة حكمه. إحدى هذه المناطق هي أراضي الإمبراطورية الفارسية الساسانية. وقد أوصى عمر بأن تبقى الأراضي المفتوحة لا سيما السواد منها (أي الخصبة) بأيدي أهلها ليكون قدوة حسنة في كيفية التعاطي مع أراضي الفتح ولكي يؤلف قلوب سكانها على الإسلام، وقد أرسل عمر الأمر التالي لقائده محذرا إياه من توزيع الأرض على الفاتحين[21]:
إذا وزعت هذه الأراضي على الفاتحين، فسيستغلون أهل البلاد ما داموا أحياء. ثم يستمر أطفالنا في استغلال أطفالهم كعبيد. وأنا لن أوافق على ذلك أبدًا”.[22]
لذلك أراد عمر الذي ترك هذه الأراضي لأصحابها السابقين الاستمرار في الزراعة في هذه الأراضي، لإبقائها خصبة، وأمر بمصادرة الأراضي التي يتركها أصحابها دون زراعتها لمدة 3 سنوات، في المقابل كان يعطي الأرض الموات لمن يحييها.[23]
الادعاء: منح الرجل حرية تطليق نسائه بثلاث طلقات دفعة واحدة.
استخدم العديد من العلماء ، الذين كانوا تحت تأثير الطائفية السنية والشيعية ، عمر وعدله كدرع لإخفاء أو طمس حقائق قرآنية معينة. ومن الفتاوى التي دخلت حيز التنفيذ باسم عمر رغم مخالفتها لأمر الله ، صحة الطلاق ثلاثا ، وهو أن يقول الرجل لزوجته أنت طالق ثلاث مرات في وقت واحد.
وهذه الفتوى المخالفة تمامًا للقرآن تم تقديمها باستغلال دور عمر الفعال ، حيث تُنقل على النحو التالي:
رواه مسلم وغيره عن ابن عباس أن عمر أصدر بعد السنة الثانية لخلافته الفتوى التالية: “كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم”.[24]
بمعنى آخر ، لم يرغب الناس _بحسب الرواية_ في انتظار الوقت الذي منحه الله لهم (العدة) ، حيث تجاوب عمر مع رغبة الناس تاركا أمر الله تعالى بضرورة إحصاء العدة بعد كل طلاق رجعي كما تقرره الآية الأولى من سورة الطلاق.
عمر المعروف بتمسكه الشديد بالقرآن والذي لم يتنازل لأحد في تنفيذ أوامر الله ، زُعم أنه يلغي حكم الله بإرادة الناس. فقط أولئك الذين لا يتخذون القرآن دليلاً لهم أو لا يعرفون حقيقة عمر يقبلون بنسبة هذا القول إليه. إن الحكم بشأن الطلاق واضح جدا في القرآن. قال الله تعالى في من يريدون تطليق نسائهم ما يلي:
﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ، فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ، تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: 229]
الادعاء: حظر نكاح المتعة[25].
يقال إن عمر أيضاً أبطل بعض العادات السيئة التي كانت موجودة في بداية الإسلام وطبقها نبينا. في بداية هذه الأحكام الملغاة نكاح المتعة.
يقبل أهل السنة أن نكاح المتعة كان مشروعا لفترة معينة زمن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم حرمه النبي ونهى عنه، ولكن فريقا من أهل السنة رأى أن حِل المتعة ظل قائما حتى وفاة النبي عليه السلام وبقي كذلك في ولاية أبي بكر وبداية ولاية عمر، لكن مشروعية هذا النكاح قد ألغيت بقرار صائب من عمر. ويرى الشيعة هذا الرأي أيضا مع عدم تقبلهم لما فعل عمر باعتباره استدراك على ما شرعه الله ورسوله بحسب تقييمهم لمسألة المتعة[26] ، ومن وجهة النظر هذه يمكن استخلاص النتيجة التالية: أن نكاح المتعة مشروع بالكتاب والسنة بينما رأى عمر أن هذا الحكم خاطئ لذلك قام بإلغاء هذا الحكم الباطل، وقد ذكر بعض علماء التفسير أن ما أسموه آية المتعة منسوخة / ملغاة، والآية التي زعموا أنها تشرع المتعة ثم نسخت هي قوله تعالى:
﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ، فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ[27] مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً، وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 24]
هناك روايات كثيرة حول هذا الموضوع، ومنها:
“كنا نستمتع على عهد رسول الله وأبي بكر، ثم نهانا عمر فلم نعد لها” (صحيح مسلم).
“كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق، الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر”[28]
وإذا افترضنا وجود المتعة زمن النبي وأبي بكر ، فسيُستنتج أن الشيعة الذين لم يقبلوا تحريم عمر للمتعة كانوا على الحق في هذه المسألة ، لأن اتباع القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من اتباع فتوى عمر.
ومن الواضح أن علماء أهل السنة رفضوا نكاح المتعة لما رأوا فيه من استغلال للمرأة، ولما فيه من شبه بالزنا بجامع أن كلا المتمتعين لا يقصدان الاستقرار والإنجاب وتأسيس الأسرة، وإنما قضاء الحاجة الجنسية فقط[29]. أما الشيعة فقد ذكروا أن المتعة تمنع الزنا[30] وأصبحوا أحد أكبر المدافعين عن هذه الممارسة على الرغم من أمر عمر بمنعها. وفي الواقع ، لا تحريم أهل السنة للمتعة ولا قبول الشيعة لها مبنيان على كتاب الله ، بل على قبول أو رد تحريم عمر لها.
ومثال ذلك الرواية التالية المنسوبة إلى الإمام الصادق:
“أولئك الذين لا يعتقدون أن المتعة حلال ليسوا من شيعتنا”[31]
الادعاء: منع عمر الزكاة عن المؤلفة قلوبهم
الآية الستون من سورة التوبة تتحدث عن نصيب “المؤلفة قلوبهم” من الصدقات، حيث يقصد بها تقريب قلوبهم من الإسلام، يقول الله تعالى:
﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]
المؤلفة قلوبهم أولئك الذين يقصد تقريب قلوبهم من الإسلام، وهم أحد الفئات الثمانية التي تُعطى الزكاة في القرآن ، وهذه الفئة التي تتكون عمومًا من المسلمين حديثا وذوي الإيمان الضعيف أو حتى غير المسلمين، يؤمر بإخراج الزكاة لهم لتأليف قلوبهم للإسلام أو ليؤمن من شرهم. وقد طبق نبينا هذا الأمر في زمانه. لكن يروى أن هذه الممارسة قد ألغيت بفتوى جديدة لعمر بعد وفاة نبينا. وقد توصل العديد من علماء أصول الفقه، ولا سيما أصحاب التوجهات الحداثية في الإسلام ، إلى الاستنتاج التالي حول أحكام القرآن بناءً على هذه الرواية المنسوبة إلى عمر: “لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان”.[32]
ومن الروايات التي تنقل منع عمر المؤلفة قلوبهم من نصيب الزكاة ما يلي:
«قال عمر رضي الله عنه وأتاه عيينة بن حصن يطلب من سهم المؤلفة قلوبهم، فقال: قد أغنى الله عنك وعن ضربائك {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} {الكهف: 29)»[33]
وبحسب رأي الحنفية وهو المشهور عند المالكية ووجهة نظر عند الشافعية، لم يعد من الممكن دفع الزكاة لأهل الكفر ، لا لتأليف قلوبهم ولا لأي سبب آخر.
يزعم علماء الحنفية على وجه الخصوص الإجماع على سقوط نصيب المؤلفة قلوبهم ، ويقولون:
1- ألغى النبي عليه السلام هذا الحكم قبل وفاته.
2- هذا الحكم كان مقتصرا على حياة الرسول.
3- يرتفع الحكم بارتفاع علته. ولأنه لم يعد حاجة لتأليف قلوب الكافرين بسبب قوة المسلمين فلم يعد لإعطاء المؤلفة قلوبهم داع.
4- كانت الزكاة تعطى لهم في أيام الإسلام الأولى لقوتهم بالنسبة للمسلمين. بعد أن تقوى المسلمون ، فلم تعد هناك حاجة لكسب قلوب الكفار بالأعطيات المادية.[34]
وفقًا لهذا الفهم ، الذي لا يختلف عن آراء الحداثيين ، فقد تقرر إمكانية النظر في تطبيق هذا الحكم القرآني أو غيره من خلال مراعاة مواقف معينة وفقًا للزمن.
وإن كان رأي الغالبية قد تبنى هذا الرأي المخالف لحكم الله في القرآن ، إلا أن عددا من العلماء المسلمين قالوا إن نصيب المؤلفة قلوبهم باق ، ولم يسقط ، وأنه ليس من حق نبينا ولا عمر أن يقولا بنسخ ما قرره الله في القرآن أو تغييره.
وقد رأى البعض أن امتناع عمر عن دفع الزكاة لمن جاءوا إليه كان بسبب أنهم فقدوا صفة المؤلفة قلوبهم ، بمعنى آخر ، لأنهم خرجوا من الصنف المنصوص عليه في الآية . ومعلوم أن الحكم يبنى على علته كما يقول الأصوليون ، فتأليف القلوب الذي هو علة إعطائهم الزكاة قد اختفى. لهذا رفض عمر إعطاءهم من الزكاة. هذا تمامًا مثل الحالة التي يفقد فيها الفقير صفة الفقر التي كان يُعطى الزكاة بموجبها فلا يعطى من الزكاة بسبب ثرائه. وإذا أصبح بعد فترة فقيراً لدرجة أنه يحتاج إلى الزكاة ، فمن الطبيعي أن تدفع له الزكاة. في مثل هذه الحالة ، بقدر ما يمكن الادعاء بأنه لم يتم إلغاء نصيب الزكاة للفقراء ، يمكن أيضًا الادعاء بأن نصيب المؤلفة قلوبهم لم يتم إلغاؤه أيضا.[35]
في واقع الأمر ، نحن نتفق أيضًا مع الرأي الأخير ، وكما قال نظام الدين عبد الحميد عندما نفحص الأدلة بعمق نجد أنه حتى نبينا لا يملك سلطة إلغاء حكم ثابت بنص قرآني، فهل يمكن أن يكون لعمر أن يفعل ذلك؟. نعتقد أن عمر لم يلغ ما ورد في القرآن ، بل رد جماعة قد حصلوا على نصيب من الزكاة عدة مرات من قبل لكن دون أن تتألف قلوبهم للإسلام أو لأنهم أصبحوا من المسلمين الصادقين.
الادعاء: قال أنه كان في القرآن آية الرجم
هناك زعم بأن آيات الرجم كانت من جملة آيات القرآن لكنها لم تكتب فيه ، لأنها نُسخت كتابة وبقيت حكما:
فعن ابن عباس قال: استمعت إلى عمر (رضي الله عنه) وهو يخطب فقال:
“إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأنا بها، وعقلناها، ووعيناها، فأخشى أن يطول بالناس عهد، فيقولوا: إنا لا نجد آية الرجم، فتترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله تعالى حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف”.[36]
والمفهوم من هذه الرواية المنسوبة لعمر أن القرآن لم يكتب كاملاً وأن أحكامه ناقصة وأن نبينا أكمله. ومن هنا يتضح أن بعض رجال الدين قد عبروا عن أفكارهم حول القرآن والفقه من خلال ما عرفوه عن عمر.
_ ما ينسبه أصحاب الطرق الصوفية إلى عمر
شيوخ الطرق الصوفية يستخدمون أيضًا هذا النوع من الأساليب ، أي محاولة جعلهم يقولون أفكارهم الخاصة أو ما يريدون القيام به باستخدام شخصية عمر. حيث يروي المتصوفة هذه الحادثة التي تتعلق بكرامات عمر:
بينما كان عمر يلقي خطبة في المدينة المنورة ، خاطب قائد جيشه (سارية) ، الذي كان يقاتل على الجبهة الإيرانية: “يا سارية الجبل الجبل” ولما سمع قائده هذا نفذ الأمر وأنقذ جيشه.[37]
وقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لقَدْ كانَ فِيما قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ (ملهمون)، فإنْ يَكُ في أُمَّتي أحَدٌ، فإنَّه عُمَرُ”[38]
وليكن مثل هذا الكلام الذي رواه البخاري صحيحا. لكن من غير المقبول أن يخاطب عمر القائد في إيران أثناء إلقائه خطبة في المدينة المنورة!.
كما يجادل أهل الطرق الصوفية بأن عمر أثناء صلاته توسل بالعباس عم نبينا ، فقالوا أنه لا ضير في جعل الإنسان (الصالح أو الولي) وسيلة لسؤال الله. والرواية هكذا:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا»، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ”[39]
والحق أن هذا الضرب من الرواية لا يشكل دليلاً على العقيدة. ثم ، وبعيدًا عن هذه الرواية ، لا يوجد رواية يقبلونها على صحة أن الصحابة اتخذوا نبينا وسيلة في دعائهم لله تعالى. بالطبع ، عندما نصلي ، من المستحب أن نصلي مع الأتقياء وأن ندعوا لهم، إلا أن استخدام الناس أو أي مخلوق كوسيلة في الدعاء هو من ممارسة المشركين ، وليس المسلمين.
يُنقل في كتب التاريخ أن الناس قد أبدوا اهتمامًا مفرطًا بشجرة الرضوان وعلقوا أهمية خاصة على الصلاة بجانبها لذلك أمر عمر (رضي الله عنه) بقطع هذه الشجرة[40] .
إن عمر الذي يقطع شجرة الرضوان خوفا من التبرك بها حيث يفتح بابا إلى الشرك لا يمكن أن نقبل أنه اتخذ وسيلة أخرى ، لذلك نعتبر أن رواية التوسل بالعباس واحدة من افتراءات أهل التصوف على عمر.
_نود أن نقدم لكم بعض أهم أعمال عمر عندما كان أميرا للمؤمنين:
1_ خلال فترة حكم عمر ، تم إجراء إحصاء النفوس لأول مرة، كما تم تخصيص مرتبا شهريا للأطفال.
2_ تم صرف نفقات التعليم والتعلم من بيت المال ، حيث حظي الطلاب بالمنح الدراسية لأول مرة.
3_ من أجل حفظ النظام العام ، أنشأ نظام الحسبة ، وهو أحد وجوه تطبيق التوصية القرآنية “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. فكان مجال عمل هذه المنظمة واسع جدًا ويغطي جميع المجالات التجارية والسياسية والاجتماعية.
4_أقام الشورى وهي أمر قرآني آخر ، حيث أكّد على بقاء كبار الصحابة في المدينة المنورة لتفعيل الشورى.
5_ أقر التقويم الخاص بالمسلمين، فجعل يوم الهجرة النبوية كبداية للتقويم الإسلامي الرسمي.
6_ أقام الدواوين التي تساعده في إدارة الدولة لأول مرة، وهي أشبه بالوزارات حديثا.
عمر ، الذي كان حاكما وملكا على أراض وممتلكات إمبراطورية عظيمة ، لم يكن يمتلك شيئًا سوى ما كان يمتلكه عندما كان راعيًا للإبل. وقد احتفظ بشخصيته الحقيقية في كل موقف، حيث أظهر موقفه المستقيم في كل أمره ، دون إعطاء أهمية للمغريات الدنيوية والمكانة والشهرة ، فعاش حياة متواضعة، مفضلا الآخرة على الدنيا.
عمر الذي وسّع حدود العالم الإسلامي وقوّاه وأغناه ، رأى أن كثيرا من المسلمين وبعض أصحابه يميلون إلى الدنيا ويتجاهلون واجباتهم الأساسية ، فقال لهم:
“امتحننا الله تعالى في كثير من المتاعب وصبرنا ولكنه سبحانه لما اختبرنا بالمال خسرنا”.[41]
قد يكون هذا هو السبب في قوله رضي الله عنه: “لا يَغُرَّنَك صَلاةُ امرئٍ ولا صِيامُه، ولكنْ إذا حَدَّثَ صَدَقَ، وإذا اؤتُمِنَ أدَّى، وإذا أشْفى وَرِعَ”[42].
عندما وافته المنية ، ترك الكثير من الإرث لأمته ، ولكن ما بقي من ماله كان خرقته وسيفه فقط.
وقد استمر حكم عمر أميرا للمؤمنين 9 سنوات. وفي السنة الثالثة والعشرين للهجرة (644 للميلاد) ، عندما كان يبلغ من العمر 60 عامًا ، مات شهيدا في محرابه على إثر طعنة غادرة سددها له أثناء صلاته فيروز أبو لؤلؤة المجوسي القادم إلى المدينة من بلاد فارس.
رحمه الله تعالى ورضي عنه وجزاه خيرا على ما قدم للمسلمين، وغفر له كل ذنبه.
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] آيدن ملايم: عضو هيئة البحث العلمي في مركز بحوث الدين والفطرة، ومدير موقع muselmanlar التابع للمركز باللغة الأذرية، رابط الموقع هو https://www.muselmanlar.com/
[2] في بعض المصادر ، يشار إلى والدته باسم حنطمة بنت هاشم: (مصطفى فايدة ، موسوعة ديانة الإسلام التركية ، مادة عمر.
[3] ابن سعد ، 3/ 269-270.
[4] ابن هشام 3/ 166
[5] أضواء البیان في إیضاح القرآن بالقرآن. ج9 ص63. ط دار عالم الفوائد
[6] انظر: يشار قاندمير ، الموسوعة الإسلامية التركية DİA ، LHÜM حفصة . والبخاري ، النكاح ، 33 ؛ احمد بن حنبل، المسند السادس 286.
[7] العقاد، عبقرية عمر (ص/221)
[8] رواه البزار (1/ 60)، والطبراني في “المعجم الكبير ” (18/ 337) وقال الهيثمي: ورجال البزار رجال الصحيح غير حسين بن مهدي الأيلي وهو ثقة ” انتهى. ” مجمع الزوائد ” (7/ 283)، وصححه الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” رقم/3298)
[9] مسلم ، الفضائل 23 ، والترمذي ،المناقب 49
[10] الترمذي مناقب 45.
[11] الكاساني ، علاء الدين أبو بكر بن مسعود الحنفي (ت. 587/1191) ، بدائع الصنائع ، بيروت ، 1982 ، 7/119
[12] البخاري ، ج. 2 ص 118 ؛ احمد بن حنبل، المسند 1/ 325.
[13] شرف الدين ، المراجعات ، ص. 245
[14] الرواية هكذا: “أَيـُّهَا النَّاسُ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا، مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا علیٌّ مَوْلاَهُ. اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَعَادِ مَن عَادَاهُ” (الكليني ، الكافي ، المجلد الأول ، ص 289 ).
والروايات المسيسة ليست حكرا على الشيعة، لذا نجد الرواية في المصادر السنية تقول :” إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَه ” . الترمذي: 2641 ، ج. الخامس ، ص. 26.
وأصدق هذه الروايات كلها هو الجزء الأول من الرواية الموجود في جميع المصادر: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله” ، ويتكون الجزء الثاني من الإضافات اللاحقة لكل طائفة.
[15] هذه الرواية أيضًا موجودة في العديد من المصادر السنية.
[16] السقيفة في اللغة تعني المكان المظلل. وهو مكان كان يجتمع فيه أهل المدينة لتجفيف التمور وحل المشاكل التي تعترض لهم. (مصطفى صبري كوتشوكاسجي ، موسوعة الديانة التركية DIA ، مادة سقيفة بني ساعدة)
[17] انظر: https://az.wikipedia.org/wiki/M%C3%B6hs%C3%BCn_ibn_%C6%8Fli
[18] انظر: اليعقوبي. تاريخ اليعقوبي 1/155.
[19] ابن سعد، الطبقات 3/ 293 لمزيد من المعلومات، راجع محمد عظيملي ، “عمر بن الخطاب. ”، منشورات مدرسة أنقرة ، أنقرة ، 2017 ، ص. 48.
[20] محمد عظيملي ،المصدر السابق ، ص. 47.
[21] البلاذري ، فتوح البلدان ، بيروت 1991 ، ص. 216.
[22] كان ينبغي أن يكون عمر أحد أبطال إيران المحبوبين بسبب مثل هذه السياسات المنصفة بالإضافة إلى جهوده بتعريفهم بالإسلام. لكنه أكثر شخص مكروه في هذه المنطقة، حتى إن قاتله فيروز أبو لؤلؤة يعتبر بطلا قوميا عند شيعة فارس حيث جعلوا من قبره الموجود في مدينة كيسان الإيرانية مزارا.. يجب أن يكون السبب الأكبر وراء كراهيتهم له هو الافتراءات الكثيرة الموجودة في مصادر المجوس، ومن ذلك قولهم: “محمد لم يهاجم بلادنا. أبو بكر الذي جاء بعده لم يهاجم هو الآخر. لكن عمر بن الخطاب غزا بلادنا. وجلب دينه إلينا” (ابن كثير 1994 ص 178).
[23] مصطفى فايدة ، موسوعة الديانة التركية , DİA ، مادة عمر.
[24] مسلم: الطلاق 15-17 .
[25] المؤتة هي عندما يمارس الرجل الجنس مع امرأة لفترة معينة من الوقت مقابل أجر معين.
[26] في ترجمة القرآن لمصطفى أوزتورك ، توجد حاشية في الآية 24 من سورة النساء هكذا: “ربما تشير الآية إلى زواج محدود المدة (زواج المتعة) ، الذي كان يمارس كرخصة عدة مرات في زمن النبي ،ثم منعه عمر منعا باتا باجتهاد دقيق للغاية.
[27] الضمير (به) في الوارد في قوله تعالى (فما استمتعتم به) يجب أن ينصرف إلى الزواج المذكورة حتى الآية الثانية والعشرين من سورة النساء ، إلا أن غالبية الترجمات القرآنية لم تنتبه لهذا. هذا ، ولهذا كانت الترجمة تفيد بأن الرجل مكلف بإعطاء الأجر إلى المرأة التي يستمتع منها، دون تقييد ذلك بالنكاح الصحيح المذكور في السياق.
[28] أخرجه عبد الرزاق (14025) و (14028) ، ومن طريقه مسلم (1405) (16) عن ابن جريج
[29] أنس عالم أوغلو (نكاح المتعة) https://www.hablullah.com/?p=1292
[30] في الواقع ، إنها ممارسة لا تختلف عن الزنا.
[31] بابويه، من لا يحضره الفقيه 3/286.
[32] لمزيد من المعلومات ، راجع: http://isamveri.org/pdfdrg/D02533/2006_7/2006_7_KOSES.pdf
[33] تفسير الماوردي = النكت والعيون 2/ 376
[34] جنكيز قالاك، موسوعة الديانة التركية DIA، مادة المؤلفة قلوبهم ، 31/475.
[35] لمزيد من المعلومات ، راجع: http://isamveri.org/pdfdrg/D02533/2006_7/2006_7_KOSES.pdf
[36] صحيح البخاري ، الحدود 31 ، 30 ، مناقب الأنصار 46 ؛ صحيح مسلم ، الحدود 15.
[37] ابن كثير ، البداية والنهاية ، منشورات جاغري . ترجمة محمد كسكين ، 7/5
[38] صحيح البخاري (3689)
[39] صحيح البخاري (1010)
[40] ابن سعد الطبقات 2/100.
وشجرة الرضوان هي الشجرة التي بايع الصحابة نبينا الكريم على الموت في سبيل الله تعالى في الحديبية، وقد سميت بهذا الاسم لأن الله تعالى رضي عن الصحابة لما علم من صدق إيمانهم. قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18]
[41] مسجد محمد ، أهل السنة وأصول الفكر السياسي عند الشيعة ، الربيع البشري ، عبر: إيجدر أوكوموش ، اسطنبول ، 2012 ، ص. 3.
[42] إتحاف الخيرة المهرة 6/85