حبل الله
تقديم الصدقة قبل مناجاة الرسول عليه الصلاة والسلام

تقديم الصدقة قبل مناجاة الرسول عليه الصلاة والسلام

السؤال:

أرجو تبيان معنى قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَٰجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَىٰكُمْ صَدَقَةً، ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ، فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ، فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المجادلة 12- 13)

الجواب:

في هذه الآية خطاب للذين آمنوا، إذا أردتم أن تُناجوا الرسول الكريم (مناجاة الرسول تعني الحديث معه  على انفراد سرًّا)، فَقَدِّموا صدقة قبل ذلك. فهذا خير لكم وأطهر. فإن لم تجدوا (ما تُقدِّمونه)، فاعلموا أن الله غفور كريم.

أأشفقتم أن تُقَدِّموا صدقات قبل نجواكم (خشية الفقر)؟ فإذ لم تفعلوا -وقد عفا الله عنكم (ورفع هذا الحكم عنكم)[1]– فَأَقِيمُوا الصلاة، وآتُوا الزكاة، وأطيعوا الله ورسوله من أعماق قلوبكم. والله خبير بما تعملون[2].

سبب نزول الآيتان:

روى المفسرون أن بعض الصحابة كانوا يُكثِرون من الحديث السرّي مع النبي ﷺ، وربما لأمور بسيطة لا تستحق الخصوصية، أو أحيانًا ليتفاخر البعض بأن له وقتًا خاصًا مع النبي، وقد أثقل هذا على النبي ﷺ، وشغل وقته. فأراد الله تعالى أن يُهذّب هذا السلوك، فأنزل هذه الآيات تأديبًا وتربية:

“إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً”

أي من أراد أن يُناجي النبي ﷺ سرًا، فليتصدق قبل ذلك، أمرهم بهذا لا ليُثقل عليهم، بل تمييزًا بين من يطلب النجوى حقًّا لحاجة، وبين من يتكلفها بلا سبب. فكان هذا الاختبار صعبًا، وقد فهم المسلمون المطلوب منهم فلم يعودوا يفعلون ذلك، وبعد فترة قصيرة، نُسِخَ الحكم، أي رُفِعَ هذا التشريع، فجاءت الآية التالية (13) تخفيفًا ورحمة[3].

في ظلال الآيات:

1_ التصدق قبل النجوى:

الغرض منه تهذيب النفس، وإظهار الجِدّية في الحديث مع رسول الله ﷺ، فلا يتكلفه إلا من له حاجة صادقة.

2_ الخوف من الفقر:

بعضهم خشي أن يُفقِره التصدق قبل كل مرة يُكلم فيها النبي ﷺ، فجاء التخفيف الإلهي: “فإذ لم تفعلوا، وتاب الله عليكم…”

3_ التوجيهات البديلة:

بدلًا من النجوى الكثيرة التي تشغل النبي الكريم، وجّههم الله لأعمال أعظم: كإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والطاعة لله ورسوله.

4_ ختام الآية: “والله خبير بما تعملون”

أي أن الله يعلم من كان صادقًا في طلب النجوى ومن كان متكلّفًا، ويُحاسب كلٌّ بحسب نيته وعمله.

5_ الله تعالى قد يمتحن من يحبّهم بالتكاليف، ثم يُخفف عنهم بعد أن يظهر صدقهم.

فوائد تربوية:

هذه الآيات تُعلمنا ما يلي:

  • أن الخلوة بالمهتمين بالشأن العام له آداب.
  • أن نُقدّر وقت الآخرين، خاصة أهل العلم والمنشغلين بالعمل العام (الحكام والولاة والقضاة وأمثالهم).
  • بعض التكاليف الشرعية قد تكون اختبارًا لصدق النية، لا لدوام التنفيذ.
  • التركيز على الأعمال العظيمة (كالصلاة، الزكاة) مقدَّم على الحرص على مناجاة النبي أو غيره من ذوي الاهتمام العام.
  • أن لا نكون ممن يستهلك وقت المصلحين أو العاملين في الشأن العام، إلا إذا كان الأمر نافعًا وجادًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] هذه الآية نسخت حكم التصدّق المذكور في الآية السابقة. انظر البقرة 2/106.

[2]  راجع كذلك الآيات: البقرة 2/110، آل عمران 3/132، الأنفال 8/20 و8/46، النور 24/56.

[3]  لمعرفة المزيد حول موضوع النسخ في القرآن انظر مقالة أ.د عبد العزيز بايندر: النسخ والرجم

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.