السؤال:
مرحبا…عندي سؤال بخصوص أصحاب الفيل المذكورين في سورة الفيل ؟ فمن هم أصحاب الفيل ؟ هل هم أبرهة الحبشي وجيشه الذين حاولوا هدم الكعبة فأرسل الله عليهم الطير بحجارة من النار ؟ مع العلم أن الكعبة تعرضت للهدم في التاريخ وضربت بالمجانيق[1] وتمت سرقة الحجر الأسود؟ كيف هذا ؟ ألا يتعارض هذا مع تفسير سورة الفيل ؟ أم أن هناك تفسيرا آخر وأن قصة الفيل خرافة برجاء التوضيح بالدليل. وشكرا
الجواب:
سورة الفيل تتحدث عن حادثة تاريخية معروفة لدى العرب عند البعثة النبوية وازدادت شهرة بذكرها في القرآن الكريم، وهي محاولة أبرهة الحبشي، حاكم اليمن التابع لمملكة أكسوم الحبشية هدم الكعبة المشرفة، فقد قاد جيشًا ضخمًا ومعه فيلة، بهدف تحويل الناس إلى كنيسته التي بناها في اليمن لتكون بديلا عن الكعبة، لكن الله تعالى أرسل عليهم طيرًا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل فدمرهم وأبطل سعيهم.
فحادثة الفيل ليست خرافة، بل حدث تاريخي حقيقي مؤيد بالأدلة القرآنية والتاريخية. فالقرآن الكريم يورد الحادثة بصيغة السؤال المباشر عنها:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ [الفيل: 1]
ولا يرد مثل هذا النوع من التساؤل في القرآن إلا أن تكون الإجابة عنه معلومة سلفا، إما بقيام الدليل العيني عليها، أو بوجود الأثر الدال عليها، أو بالخبر الجازم مما يتداوله الناس من أخبار سالفة.
ولم يكن الهدف من حادثة الفيل جعل الكعبة محمية من كل اعتداء مستقبلي، بل كانت إشارة لمكانتها وقدسيتها قبل ظهور الإسلام:
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ. فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا، وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 96-97]
إن عدم تكرار معجزة التدخل الإلهي لحماية الكعبة لاحقًا لا يعني أنها لم تحدث، بل لأن ما تعرضت له الكعبة لاحقا لم يكن مقصودا بذاته كما حصل في هجوم الحجاج على مكة، أو لم يكن الخطر المحدق بها يتطلب معجزة إلهية لردعه كما حصل عند سرقة الحجر الأسود. فالله سبحانه وتعالى يتصرف بحكمته، وهو الذي يقرر متى تتدخل القدرة الإلهية بشكل مباشر في الأحداث. وبعد الإسلام أصبحت حماية الكعبة جزءا من مسؤولية المسلمين.
الفوارق الجوهرية بين حادثة الفيل والهجمات الأخرى التي تعرضت لها الكعبة عبر التاريخ، يمكنها تلخيصها في النقاط التالية:
1_ حادثة الفيل كانت اعتداء موجها للكعبة قصدا بقصد تدميرها وإعادة بنائها في مكان آخر لتحويل القدسية من مكة إلى اليمن، فكان هناك معجزة إلهية لحماية الكعبة في ذلك الوقت تحديدًا. هذه الحادثة وقعت قبيل بعثة النبي ﷺ، وكانت رسالة واضحة لتجديد قدسية الكعبة في قلوب العرب قبيل الإسلام.
2_ الكعبة تعرضت لهجمات لاحقة، ولم يكن المقصود هدمها أو إنهاء قدسيتها. ففي عهد يزيد بن معاوية، حاصر الحجاج بن يوسف مكة وضربها بالمجانيق، مما ألحق ضررًا بالكعبة، لكنها لم تُهدم تمامًا. كما أنها لم تكن مقصودة بذاتها أو الانتقاص من قدسيتها بالرغم من أنه قد أسيء إليها.
3_ القرامطة في القرن الرابع الهجري سرقوا الحجر الأسود دون أن يتمكنوا من هدمها فضلا عن انتزاع قدسيتها، ومع ذلك تمكن المسلمون من إعادته لاحقًا.
فالسورة تتحدث عن حدث تاريخي حقيقي، وليس مجرد قصة رمزية أو خرافة. والحادثة ثابتة في كتب التاريخ الإسلامي والمصادر الموثوقة، كما أوردها المؤرخون المسلمون وغير المسلمين. فهذه الحادثة معروفة عند العرب في الجاهلية، حتى أنهم كانوا يؤرخون بها (عام الفيل)، كما أن المصادر الإسلامية كالقرآن والسيرة والتفاسير أوردتها بتفصيل. ويذكر بعض الباحثين وجود إشارات غير مباشرة في بعض النصوص اليمنية القديمة عن محاولة غزو مكة.