السؤال:
ما حقيقة قصة معركة هرمجدون؟ هل لها مستند في الإسلام أم أنها مذكورة في مصادر غير إسلامية؟ وهل من العقلاني والمنطقي أن نفسر السياسة العالمية تجاهنا أو تجاه القضية الفلسطينية مثلاً بالمعتقدات الإنجيلية أو باعتقادات أواخر الزمن سواءً لدينا أم لدى الملل الأخرى؟!
الجواب:
شكرا على سؤالك الجيد الذي بات يتردد كثيرا لا سيما في ظل الواقع الصعب الذي يعيشه المسلمون في هذا الزمان.
أولًا: ما حقيقة معركة هرمجدون؟
معركة هرمجدون (Armageddon) هي فكرة تنتمي إلى المعتقدات المسيحية، وتحديدًا في التقليد الإنجيلي (المسيحية الصهيونية)، وليست مستندة إلى الإسلام. وردت نبوءة هذه المعركة في سفر الرؤيا (الإصحاح 16:16) من الكتاب المقدس، وتشير إلى معركة نهائية كبرى بين قوى الخير والشر تحدث قبل عودة المسيح ونهاية العالم.
أما في الإسلام، فلا يوجد ذكر لاسم “هرمجدون”، ولكن هناك أحاديث منسوبة لنبينا الكريم[1] عن الملحمة الكبرى التي تحدث في آخر الزمان بين المسلمين والروم، لكن دون ارتباط بموقع “هرمجدون” أو بنفس السيناريو الموجود في العقيدة المسيحية.
وقد تحدثت سورة الإسراء عن إفساد بني إسرائيل في الأرض مرتين:
﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 4]
والراجح أن الإفساد الأول قد حدث وانتهى على يد البابليين (587 ق م)، حيث تم أسر من تبقى من الإسرائيليين إلى بابل. قال الله تعالى:
﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا﴾ [الإسراء: 5]
وفي الإفساد الثاني سيكون الإسرائيليون أكثر أموالا وأكثر نفيرا وأنهم سيعلون علوا كبيرا:
﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴾ [الإسراء: 6]
يذكر جملة من المفسرين أن الإفساد الثاني قد حصل وانتهى قبل الإسلام أيضا، ويرجح بعضهم أنه ما انتهى إليه حال بني إسرائيل على يد الرومان في أواخر القرن الميلادي الأول.
ويرى بعض المفسرين المحدثين أن يكون ما نشهده اليوم هو الإفساد الثاني لانطباق المواصفات التي ذكرها القرآن على حالهم اليوم.
إن النهاية الحتمية لهذا الإفساد ستكون على إثر معركة كبرى كما هو واضح في سورة الإسراء:
﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ (بيت المقدس) كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 7]
وهناك من يربط بين هذا التفسير وبين معركة هرمجدون المذكورة في المعتقدات المسيحية.
وقد يُعترض على هذا التفسير بأن الإفساد المذكور في سورة الإسراء متعلق ببني إسرائيل، بينما الدولة التي تُعرف الآن بإسرائيل أقامها الذين تهودوا متأخرين من شعوب أوروبا (الأشكناز) بالتحالف مع يهود المشرق ذوي الأصول العربية (السفرديم) ولا علاقة لهؤلاء ببني إسرائيل (ذرية يعقوب عليه السلام)، لأن بني إسرائيل اعتنق فريق منهم المسيحة وآخرين اعتنقوا الإسلام، أما الذين بقوا على اليهودية اليوم فهم قلة يعيشون كطوائف متناثرة مثل الطائفة السامرية المتواجدة في مدينة نابلس الفلسطينية ، وتلك الطوائف غير منخرطة في إقامة دولة إسرائيل ابتداء. وعلى ذلك فإن الإفساد الذي يقوم به اليهود في فلسطين اليوم هو خاضع لسنن التدافع، ولا شك أن النصر حليف المؤمنين عندما يأخذون بأسباب النصر التي بينها الله تعالى في كتابه.
ثانيًا: هل يمكن تفسير السياسة العالمية باعتقادات آخر الزمان؟
الربط بين المعتقدات الدينية والسياسة الدولية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو أي شأن إسلامي، يحتاج إلى توازن بين فهم العقائد الدينية والسياسات الواقعية. هناك عدة نقاط يجب أخذها في الاعتبار:
1_ التأثير العقائدي على السياسة:
بعض القادة والسياسيين الغربيين، خاصة في الولايات المتحدة، يتبنون فعليًا رؤى إنجيلية (صهيومسيحية) تؤمن بمعركة آخر الزمان وعودة المسيح، مما يؤثر على سياساتهم تجاه فلسطين خاصة ومحيطها بشكل عام.
هناك تيارات مسيحية صهيونية تعتقد بأن قيام دولة إسرائيل ضرورة دينية لتهيئة الأرض لعودة المسيح، وهذا أحد مبررات الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل.
2_ السياسة لا تُدار بالعقيدة وحدها:
رغم التأثير الديني، فإن السياسات العالمية تُبنى على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية أيضا. فدعم إسرائيل، على سبيل المثال، لا يعتمد فقط على معتقدات آخر الزمان، بل على مصالح الهيمنة السياسية والاقتصادية.
يرى البعض أن تبني الغرب إقامة دولة لليهود في فلسطين كان شكلا جديدا من الحملات الصليبية التي استهدفت المنطقة عبر القرون، لكن هذه المرة بطريقة مبتكرة استغلت الدين والهوية القومية لتمرير هذه الحملة.
3_ الإسلام لا يربط الأحداث بنهاية الزمان:
لا يتم تفسير الأحداث الكبرى على أنها “علامات الساعة“، بل هناك تركيز على الأخذ بالأسباب والعمل والتخطيط. يقول الله تعالى:
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ، وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 60]
ولم يُعلِّم النبي ﷺ الصحابة انتظار “هرمجدون” أو غيرها، بل أمرهم بالعمل على بناء الأمة والاستعداد الدائم لكل متغير:
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 105]
ختاما يمكننا القول:
_ معركة هرمجدون مفهوم غير إسلامي، وإنما هي جزء من العقيدة المسيحية. وهناك من يربط بين تلك المعركة وبين نهاية الإفساد الثاني لبني إسرائيل المذكور في سورة الإسراء.
_ ورد ذكر “الملحمة الكبرى” في بعض الأحاديث، لكن دون ارتباط واضح بـ”هرمجدون” أو بمعتقدات المسيحية.
_ تفسير السياسة العالمية بالاعتماد فقط على معتقدات آخر الزمان قد يكون تبسيطًا مفرطًا للأحداث، لأن السياسة العالمية تُدار بالمصالح، وليس فقط بالعقائد الدينية.
_ ينبغي على المسلم أن يجعل من العقيدة أساسا للتصرف الصحيح تجاه الأحداث والمواقف المتعاقبة لا أن يفسر العقيدة بناء على تلك الأحداث والمواقف..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] لا بد أن أشير إلى أن أحاديث الملاحم والفتن هي من أكثر الأحاديث ضعفا من جهة أسانيدها ونكارة من حيث متنها لمخالفتها صريح القرآن بأن محمدا عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الأنعام: 50] ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ [الأعراف: 188] ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ﴾ [هود: 31] فلا ينبغي أن يبني المسلم على تلك الروايات تصورا فضلا عن عقيدة، ومع ذلك إذا أمكن الربط بين الأحاديث المتعلقة بالملحمة الكبرى وبين ما نصت عليه سورة الإسراء من إفساد لبني إسرائيل فإنه يمكن الاستفادة من تلك الروايات في حدود ما ذكرته سورة الإسراء دون أن تُعطي الروايات سلطة على تفسير النص القرآني وإنما بفهمها على ضوء النص.