حق الجار بالإحسان إليه:
بناء على توجيهات القرآن الكريم يوصي النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الجار بقوله “مَنْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فليُحْسِنْ إِلى جاره”[1] وقد قرن النبي العمل الصالح بالايمان كعادة القرآن في ذلك[2] ؛ لأن العمل ثمرة الايمان. وفي الحديث تنويه على أن الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر لا بد أن يؤدي إلى الإحسان للجار؛ فيكون هذا الإحسان علامة على ذلك الإيمان، فمن يؤمن بالله ولقائه لا بد أن ينعكس أثر ذلك إحسانا للخلق، والجيران من أولى الناس به.
والإحسان للجار لا يتخذ شكلا معينا؛ فهو يشمل كل معروف أو جميل تبذله في سبيله؛ كالوقوف إلى جانبه عند حاجته بالدعم المادي كالمساعدة بالمال أو الجهد، أو بالدعم المعنوي كالمجاملة وحسن المقابلة والابتسام في وجهه أو مبادرته بالتحية والسؤال عن أحواله، وبمواساته عند المصيبة.
ولا ينبغي أن ينتهي الإحسان للجار عند حد معين؛ لما ينبني على العلاقة الحسنة بين الجيران من تحقيق السلم الاجتماعي وفتح السبيل أمام حياة سعيدة، وقد ورد الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم بما نصه «من سعادة المرء الجار الصالح»[3]. والتجربة تثبت ذلك حيث يزداد المرء تشبثا ببيته إن كان جواره صالحا.
وبسبب هذا التأثير عبّر النبي صلى الله عليه وسلم عن عظيم حق الجار بقوله «ما زال جبريل يُوصيِني بالجار، حتى ظننتُ أنه سيُوَّرِّثُه – وفي رواية: حتى ظننت ليورِّثنَّه»[4]
وفيما يلي توجيهات من النبي صلى الله عليه وسلم تعزز الجوار الحسن. وما ورد في هذه الأحاديث هو أمثلة يمكن أن تتطور على ضوئها نماذج أخرى من التعاون تبعا لتطور حياة البشر وما يفرزه من تنوع العلاقات واختلاف الاحتياجات.
فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يَا أبا ذَر، إِذا طَبَخْتَ مَرَقَة فَأَكثِرْ مَاءَها، وتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ منها» . وفي رواية: «إِن خليلي أوصاني: إِذا طَبَخْتَ مَرَقاً فأكثر ماءه، ثم انظر أقربَ أهل بيت من جيرانك، فأصِبْهُمْ منها بمعروف»[5] .
وفي الروايتين حثٌّ على تعاهد الجيران بالطعام، ولا يشترط أن يكون الجار فقيرا لتهدي إليه، فالإنسان بطبعه يألف من يقدم له الهدية، وينشأ في نفسه الباعث على الرد بمثلها أو بخير منها. والنتيجة تكمن في تعزيز العلاقات والروابط وهو مقصود الإسلام. يظهر هذا من قوله صلى الله عليه وسلم «تَهَادَوْا، فإن الهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ[6]، ولا تحْقِرَنَّ جَارَة لجارتها ولو شِقّ فِرْسِن[7] شاة»[8].
وكلما قرب الجار كان أولى بالوصل. فعن عائشة – رضي الله عنها -: قالت: «قلتُ: يا رسولَ الله إِن لي جَارَينِ، فإِلى أيِّهما أُهدِي؟ قال: إِلى أقربِهما منكِ باباً»[9] .
ولا يقتصر الإحسان على الجار المسلم دون غيره، بل يشمل كل جار بغض النظر عن دينه. وسلوك النبي وأصحابه يؤيد ذلك، فعن عبدِ الله بنِ عَمرِو: أنه ذَبَحَ شاةَ، فقال: أهديتُم لِجاري اليهوديِّ؟ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم – يقولُ: «ما زال جبريلُ يُوصِيني بالجارِ، حتى ظننتُ أنه سَيُوَرِّثُه»[10]
ولا يمكن أن يكون الناس على شاكلة واحدة من حيث تعاملهم مع الجيران؛ فكان لا بد من إظهار تمايزهم بالأجر تبعا لإحسانهم للجوار، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم «وخَيْرُ الجيران عند الله: خيرُهم لجاره»[11] .
وللمزيد حول الموضوع يمكنكم الدخول إلى الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=2314
[1] رواه مسلم رقم (48) في الإيمان، باب الحث على إكرام الجار، والموطأ 2 / 929 في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، باب جامع ما جاء في الطعام والشراب.وأخرجه الحميدي (575) وأحمد (4/31) والدارمي (4042) وابن ماجة (3672) والنسائي في الكبرى «تحفة الأشراف» (9/12056)
[2] وذلك مثل قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة، 277) وغير هذه الاية كثير وكلها قرنت الايمان بالعمل الصالح.
[3] رواه أحمد (3/407)
[4] رواه البخاري 10 / 369 في الأدب، باب الوصاة بالجار، ومسلم رقم (2624) في البر والصلة، باب الوصية بالجار، وأبو داود رقم (5151) في الأدب، باب في حق الجوار، والترمذي رقم (1943) في البر، باب ما جاء في حق الجوار.
[5] هاتان الروايتان عند مسلم برقم (2625) في البر والصلة، باب الوصية بالجار والإحسان إليه. وأخرجه الحميدي (139) وأحمد (5/149) (5/156) والدارمي (2085) والبخاري في «الأدب المفرد» (113) وابن ماجة (3362)
[6] (وَحَرُ الصدر) : غِشُّه وبلابله ووساوسه وغِلُّه، وقيل: الوَحَر: أشد الغضب، وقيل: الحقد
[7] (فِرْسِن شاة) الفِرْسِن: خف البعير، وقد استعير للشاة، فسمي ظِلْفُها فِرْسِناً، لأنه للشاة بمنزلة الخُفّ للبعير.
[8] رواه البخاري 10 / 372 في الأدب، باب لا تحقرن جارة لجارتها، وفي الهبة في فاتحته، ومسلم رقم (1030) في الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بقليل، والترمذي رقم (2131) في الولاء والهبة، باب في حث النبي صلى الله عليه وسلم على التهادي.
وأخرجه أحمد (2/264 (2/307) والترمذي (2130)
[9] رواه البخاري 10 / 374 في الأدب، باب حق الجوار في قرب الأبواب، وفي الشفعة، باب أي الجوار أقرب، وفي الهبة، باب بمن يبدأ بالهدية، وأبو داود رقم (5155) في الأدب، باب حق الجوار. وأخرجه أحمد (6/175
[10] أخرجه البخاري (6014)، ومسلم (2624)، وأبو داوود (5152) وابن ماجه (3673)، والترمذي (2057)
[11] أخرجه الترمذي (1) رقم (1945) في البر والصلة، باب ما جاء في حق الجوار، أخرجه أحمد (2/167) (6566) وعبد بن حميد (342) والدارمي (2442) والبخاري في «الأدب المفرد» (115) وإسناده صحيح.
أضف تعليقا