السؤال:
ما المقصود بدابة الأرض الواردة بقوله تعالى ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ﴾ [النمل: 82]
الجواب:
كل مخلوقٍ حيٍّ يمتلك القدرةَ على الحركة يُعرَف بـ “الدَّابَّة” (المُفرَدات). وقد أوجد الله تعالى هذه المخلوقات في السموات والأرض كما يوضح ذلك قوله تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ (الشورى 42/29).
والمخلوق الذي يتحدث مع الشخص عند وفاته في مكان وفاته هو ملك الموت الذي يرسله الله تعالى لهذا الغرض:
﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ (السجدة 32/11).
عندما يحضر هذا الملك لأولئك الذين أمضوا حياتهم في الخطأ فإنهم يظهرون تسليمًا كاملاً لكنهم يعاجلون بالقول كاذبين:
﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ (النحل 16/28).
أما الملائكة المرافقة لملك الموت فيضربون وجوههم وأدبارهم (الأنعام 6/61) ويقولون لهم:
﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ (الأنعام 6/93).
وفي محاولة أخيرة يطلبون أن يمنحوا فترة إضافية من الحياة ليصلحوا أوضاعهم ويعملوا الصالحات، ولكنهم لا يُمنَحونها:
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (المؤمنون 23/99-100).
والمؤمنون المقصرون في حق الله تعالى يطلبون فترة إضافية أيضًا، لكن طلباتهم لا تُستجاب:
﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (المنافقون 63/10).
وتأتي الملائكة إلى الذين عاشوا حياتهم بما يُرضي الله بأخبار السلام والفرح:
﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (النحل 16/32)
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ (فصلت 41/30-31).
فالمخلوق المذكور في الآية بـ “دابة الأرض” هو ملك الموت الذي يخبر الكافر بكفره ويبشر المؤمن بالجنة.
في كتب التراث تعتبر الدابة من علامات الساعة، أي الأحداث التي تدل على قرب قيام الساعة، والحق أن علاماتها تكون حاضرة في الطبيعة في كل وقت:
﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ (محمد 47/18).
يقوم كل شخص بمراقبة هذه العلامات بطريقته الخاصة (الحج 22/5-7، الزخرف 43/11، ق 50/6-11).
ولأنه لا أحد يعلم متى ستقوم الساعة (الأعراف 7/187)، فلا يمكن أن تكون هناك علامة لها بالمفهوم التقليدي. لذلك، ليس لتلك العلامات المزعومة أساس قوي.
وبالتالي فإن هذه الآية (النمل 82) ليس لها علاقة بالساعة وإنما بالوقت الذي يحتضر فيه الإنسان للموت. أما الآيات التي تتعلق بالساعة فهي الآيات التي تليها مباشرة:
﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ﴾ (النمل 27/83-85).