السؤال: أريد معرفة وجهة نظر الإسلام عن التنمر وعن التحرش، وكيف يجب محاربة هذه الظواهر، ففي الآونة الأخيرة أخذت هاتان الظاهرتان في الانتشار بشكل مخيف وخاصةً في مجتمعاتنا.
الجواب: علينا أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل كتابه بكل ما يصلح حال عباده في الدنيا والآخرة. والتنمر هو مصطلح حديث يعني تحقير الآخرين والحط من قدرهم بطرق مختلفة، كالسخرية واللمز والتنابز بالألقاب والغيبة، ولو نظرنا في كتاب الله سنجد النهى عن كل هذه التصرفات الشائنة كما جاء في قوله:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِۚ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُۚ وَاتَّقُوا اللَّهَۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات 11-13).
لقد حرم الله تعالى أن يسخر الإنسان من أخيه الإنسان بغض النظر عن الجنس أو الدين أو العرق، لأن السخرية والتهكم هي من خُلق الكافرين والمعاندين:
﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ (الأنعام 10)
﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواۘ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (البقرة 212)
وعلى هذا الشخص المتنمر أو الساخر أن يسأل نفسه على من يسخر بالضبط؟ أمن المخلوق أم الخالق؟ أمن المصنوع أم الصانع؟ فكلنا ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ (النّمل 88) فعندما يسخر إنسان من آخر بسبب عرقه أو لونه أو لغته أو شكله فإنه في الحقيقة قد تجرأ على الخالق العظيم قبل أن يتجرأ على خلقه؛ وذلك لأنه قد سخر من شيء قد جعله الله تعالى آية من آياته:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ (الرّوم 22)
وقد بين تعالى مصير هؤلاء وتوعدهم في الدنيا والآخرة قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:
﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ (الأحزاب 58)
وإذا سخر هؤلاء من خلقه تعالى فيكفيهم أنه سبحانه سوف يسخر منهم:
﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (التوبة 79)
وسخريته تعالى منهم تكون بتركهم في طغيانهم وعدم قبول توبتهم إن أصروا على ما فعلوا:
﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة 80)
وإذا جئنا إلى التحرش سواء اللفظي أو الجسدي فإنه من الفواحش. قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ (الأعراف 33)
ولا شك أن التحرش من الفواحش لأنه هتك لستر الآخرين، ومن البغي، الذي هو تجاوز الحد مع الآخرين.
لقد أمر الله تعالى بالغض من البصر، بقوله:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [النور 30-31]
وهذا يعني أن بعض النظر محرم، فكيف بمن يطلق لنفسه العنان أن يمد بصره ولسانه ويده؟ وهل هناك عاقل يقبل هذا لنفسه أو لقريبه أو قريبته؟
إن تراخي بعض القوانين الوضعية في عقاب هؤلاء قد أدى إلى انتشار تلك الفواحش في المجتمع الإسلامي، وبعضهم قد ألقى باللائمة على لباس المرأة وتبرجها، وبدلًا من الدعوة إلى غض البصر وصون النفس عن إلحاق الأذى بالآخرين، ذهبوا ليلتمسوا الأعذار للمتحرشين الفاسدين، يقول الله تعالى لمثل هؤلاء:
﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾ (النساء 109)
والسؤال الموجه لهؤلاء: ماذا ارتدى الأطفال الصغار سواء من الذكور أو الإناث حتى يتعرضوا للتحرش والاغتصاب وهتك الأعراض؟!
وماذا لو عاش أحد المتحرشين في بلاد غير المسلمين التي تسير النساء في الطرقات بملابس شبه عارية، فهل يجرؤ أحدهم أن يتعرض لإحداهن بلفظ أو حركة مبتذلة؟! أم أنه سيخاف من العقوبة المترتبة؟ فإن هؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى:
﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةًۚ﴾ (النساء 77)
وختامًا: فإننا نستطيع كأسر ومجتمعات أن نحدَّ من التنمر والتحرش بتنشئة أبنائنا على الفضيلة وتعليمهم الحفاظ على النفس والجسد من أيدي العابثين، وكذلك الالتزام بقواعد القرآن من غض البصر واللباس والتعامل، وحفظ بناتنا وأبنائنا من آفة تقليد الغرب في بعض سلوكه كالاختلاط الزائد عن الحد والمبالغة في عرض حياتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي تحت مسمى الحرية والتقدمية. قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌۚ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا﴾ (التغابن 15- 16).