السؤال:
أمي امرأة في 45 من عمرها، وقد عانت مع والدي البالغ من عمره 56 بسبب الشرب وإهماله لأبنائه. والدي لا يعنِّفنا، ويوفر لنا ما هو ضروري فقط، لكن لا يمكث في المنزل ويحب إمضاء وقته مع أصدقائه، ويفضلهم على أطفاله، فهو دائم الغياب عن البيت، وكلما كلمناه يذكر لنا كيف كان يعيش في أسرته حيث عانى في طفولته. المشكلة أن أخي الصغير بدأ بالتصرف مثله فأخذناه لعدة أطباء نفسيين وكلهم استدعوا أبي لكنه رفض الذهاب لأنه يخجل من ذلك ويراه مجرد إضاعة للوقت. والآن أمي كبرت في العمر وأرهقت فهي مريضة ومهددة بالسرطان عافانا الله تعالى، وقد قاطعت علاجها لأنها تعطي المال لنا لدراستنا، بينما أبي أصبحت جلساته كثيرة. وأمي تشاجرت معه بسبب عدم اهتمامه بنا خاصة الأخ الأصغر وبسبب أنه كبر في العمر وازداد شربه، بالإضافة أنه لم يصدقها بشأن مرتبه وأنه قد أخذ قرضا لأجل صديقه مما جعلنا نعيش في ضائقة بالإضافة أنه لم يقم بتكوين أي شيء في حياته وقد تفاقمت المشكلة لدرجة أنها أصبحت تريد الطلاق لتبتعد عن المشاكل ولتركز جهدها على أخي الصغير.
الجواب:
الزواج نعمة عظيمة على الزوجين وآية من آيات الله تعالى، بشرط أن يعمل الزوجان على إقامة حدود الله تعالى، فإن فعلوا حصلوا على السكنى والمودة والرحمة.
فإن تعدى الزوجان أو أحدهما حدود الله تعالى تحولت السكنى إلى الخوف والقلق، وانقلبت المودة إلى البغض، والرحمة إلى القسوة والظلم، فيصبح هذا الزواج نقمة على صاحبيه نتيجة ابتعادهما أو أحدهما عن منهج ربه سبحانه وتعالى.
والطلاق كمشرط الجراح إن استعمل في مكانه آتى ثماره وأنقذ المريض وإن أخطأ باستعماله كان فيه هلاكه.
وعلى السائلة أن تفكر في حياتها المستقبلية قبل أن تقرر وأن تضع نصب عينيها قوله سُبْحَانَهُ:
﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ، فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ، تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (البقرة 229).
فإن رأت أن استمرارها معه لن يجعلها تقيم حدود الله وأن طلاقها منه سيكون في مصلحتها ومصلحة أولادها من جميع النواحي النفسية والصحية والمادية ففي هذه الحالة يكون الإحسان والإصلاح في الفراق.
ولكن قبل اتخاذ القرار ينبغي عليها أن تتبع المنهج الرباني في ذلك بأن تقوم في البداية بمحاولة نصحه وعظته فيما بينهما بالحسنى وتذكره بعاقبة أمره وأثر تصرفاته على نفسه وأسرته.
وإن لم يأت ذلك بفائدة وظل الزوج على موقفه فتلجأ إلى تحكيم شخص موثوق من عائلتها وآخر من عائلته امتثالا لقوله تعالى:
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ (النساء 35)
وإن لم يمتثل الزوج لإقامة حدود الله تعالى مع زوجته وأولاده فلا رجعة حينئذٍ عن قرار الطلاق قَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ، وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ (النساء 130)
وبهذا تكون الزوجة قد أدت كل ما عليها تجاه ربها ونفسها وأولادها وإن فعلت ما أمرها الله تعالى به فسوف يغنيها من فضله كما وعد، مصداقًا لقوله تعالى عقب آيات الطلاق:
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ (الطلاق 2-3)