السؤال: ما هو الأفضل للمرأة ؟ الصلاة في البيت أم في المسجد .. ولماذا قضى الله للرجل بأجر الجماعة بينما حرم المرأة منه بالرغم من أن فيه أجرا عظيما لا يستهان به .. فالقرآن لم يميز بين الرجال والنساء حينما حث على الصلاة في المسجد لكن الأحاديث ميزت وتناقضت فبعضها يشجع المرأة وأن الصحابيات كن يصلين في المسجد وهناك نهي من الرسول عن منع النساء من صلاة المسجد وهذا دليل كاف على أن الأجر في المسجد أعلى وأفضل .. وهناك أحاديث أخرى تمنعها و تأمرها بالصلاة في البيت .. وهذا يحرمها أجر الجماعة و يدل على تناقض الدين! . وبعض العلماء قال تصلي الجماعة ولكن لا يزيد أجرها !! أرجو إعطاء حل نهائي للقصة مع الأدلة الوافية و إن قمتم بالاستدلال بالأحاديث أرجو ذكر صحة الحديث من سند و متن.
الجواب:
أولا: إن وجود أحاديث متعارضة فيما بينها لا يعد من التناقض في الدين، بل هو خطأ الرواة بنقل بعضها، فالخطأ يرجع للرواة وليس إلى الدين، فلا يصح نسبة التناقض إلى الدين بأي حال، لأن دين الله تعالى كامل مكتمل وهو تنزيل من حكيم حميد.
ثانيا: شرعت الصلاة لدوام الصلة بين الله سبحانه وبين عباده، لذا شرعت في خمس أوقات في اليوم الليلة: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود: 114] ولم يحدد الله سبحانه لها مكانًا، بل جعل الأرض كلها مكانا يمكن أن تؤدى فيه، لتحقق الغرض منها في أي مكان تؤدى فيه، ولأن اشتراطها خمس مرات جماعة في المسجد فيه مشقة عظيمة على كثير من الناس، قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْۗ﴾ (البقرة 286) فمن الصعب أن يؤدي الإنسان جميع صلواته في المسجد، و لم تُفرض الصلاة على الناس في المسجد جماعة إلا في صلاة الجمعة. قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (الجمعة 9).
أما صلاة الخمس جماعة في المسجد فهي من سنن الهدى وشعائر الإسلام، والأصل فيها قول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (البقرة 43) والآية ظاهرة في الحضّ عليها، فقد أمرت الآية بالركوع مع الراكعين أي مع جماعتهم، وقد ذُكر في الآية جزء من صلاة المصلين جماعة وهو الركوع وأُريد به الكل، وإنّما خُصّ الركوعُ بالذكر بعد الأمر بإقامة الصلاة، لأنّ فيه من مظاهر تعظيم الله شيئا عظيما.
وقد حرص النّبي صلى الله عليه وسلم على أداء الصلوات الخمس جماعة وحضّ عليها استجابة لأمر ربه[1]، والحضّ على صلاة الجماعة ليس مقتصرا على حال الأمن بل في حال الخوف أيضا، قال الله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} (النساء، 102) وفي الآية إظهار لأهمية صلاة الجماعة في حال الخوف، ولا شك أن المحافظة عليها في حال الأمن أولى.
ولا يصح أن يحرم أحد من أجر صلاة الجماعة في المسجد رجلا كان أو امرأة. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ (البقرة 114)
وفي هذه الآية الكريمة رد على أي رواية افتريت على رسول تمنع النساء من حضور الجماعة في المساجد.
فالله سبحانه لا يميز بين عباده على أساس الذكورة والأنوثة. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ (الأنعام 160)
فهو وحده الذي يحاسب عباده على أعمالهم وصلاتهم.
والحض على صلاة الجماعة لا يعني أنه لا تقبل صلاة المسلم في بيته أو مكان عمله، فلربما صلى مصل في المسجد في حشد من الناس ولا يتقبل الله منه، ويتقبل ممن صلى في زواية دكانه أو في غرفة بيته. فلا يطلع على قلب المصلي سوى ربه ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ. وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (الشعراء 218-220)
فالأجر والثواب مرتبط أساسا بصدق التوجه والإخلاص بالعبادة، وهذا ما يجب على المسلم أن يحرص عليه ذكرا كان أو أنثى ، فليست المسألة مرتبطة بكثرة التردد على المسجد بالرغم من أهميته، قَالَ الله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُواۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ البقرة (177)
فهذه الآية تبين أن المسلم الحق من كانت هذه صفاته، وكأنها تدعو أن يتمسك المسلم بقيم الإسلام جملة لا أن يركز على أداء عبادة الصلاة دون أن تكون مشفوعة بالإيمان الحق وفعل الصالحات من رعاية المحتاجين بإيتاء المال لهم والوفاء بالعهود والصبر على متاعب الحياة بالمداومة على الأعمال وإتقانها مهما أخذت منه جهدا ووقتا.
إن حضور الجماعة في المساجد هو فضيلة لا ينبغي أن تكون على حساب ما هو أوجب منها، فالأفضل للمسلم يحدده ظروفه والتزاماته وأولوياتها:
- فالمرأة _مثلا_ قد تكون وحيدة أو غير متزوجة وليس لديها أولاد وتجد في صلاة المسجد مؤنسًا لها. فلا شك أن صلاتها جماعة في المسجد أفضل من صلاتها في بيتها
- أو يكون أولادها قد كبروا ولا يحتاجون لرعايتها ولديها من الوقت الذي تفضل قضاءه في المسجد للصلاة.
- أما إن كان لديها أبناء صغار (وإن أخذتهم معها إلى المسجد فإنها سوف تضر بالمصلين جميعا ذلك أن الأطفال يلهون ويلعبون حول المصلين أو يصرخون لطلب الرضاعة مثلا) أو كانوا في مرحلة المراهقة أو الدراسة الأساسية ويحتاجون إليها أو حتى زوج أو أم وأب يحتاجون لرعايتها فتصلي في البيت أو حيث وجدت. لأنها في تلك الحالة إن ذهبت إلى المسجد تكون قد قدمت الفضل على الواجب .
ومسألة ترتيب الأولويات ليست خاصة بالمرأة فقط بل بالرجل أيضا، فإن وجد الرجل أن صلاته في المسجد قد تؤخره عن قضاء مصالح العباد أو أن هناك من كان في حاجة إلى رعايته وكان المسجد بعيدًا فليصل في مكان عمله أو البيت أو حيث وجد. ذلك أن الله تعالى لا يرضيه أن تعطل مصالح العباد بحجة الذهاب إلى صلاة الجماعة.
وختامًا: فإن الله تعالى لم يعلق قبول الصلاة على شكل الأداء ولا مكانه، بل على الإخلاص في أدائها: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ (المائدة 27) وقد وضع تعالى شروطًا للقبول أولها الطهارة وأهمها الخشوع: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ (المؤمنون 2) والمحافظة عليها ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ (المؤمنون 9) والمداومة: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ (المعارج 23)
فكل إنسان يؤديها كما أمر الله بحسب حاله واستطاعته فنحن نعبد أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين الذي لا يضيع إيمان أحد من خلقه: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (البقرة 143)
ولا يظلم أحدًا: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًاۖ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ﴾ (الأنبياء 47)
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح البخاري، رقم الحديث 611 ، 3/36