السؤال:
لماذا لم يلغِ الإسلامُ الرقَّ والعبودية، مع أنه أمرٌ تفرُّ منه النفوس كما أنه مناف للكرامة البشرية ولمبدأ الحرية؟
الجواب:
لقد نشأ الرق بسبب ظلم الإنسان لأخيه، وأكثر أسبابه الحروب والصراعات الدائمة التي نشأت بين بني البشر، فالله سبحانه وتعالى لم يشرع الرق ولم يدعُ إليه في كتابه بل على العكس تمامًا فقد نهى الإسلام عن العبودية لغير الله تعالى وقضى على كل أشكال الرق والعبودية إما بالقضاء على منبعه أو باستئصال ما بقي منه منذ عهد الجاهلية.
إن قوانين الحرب التي تعاهداها المحاربون القدامى أن أسرى المعارك يصبحون ملكًا للفريق المنتصر وعبيدًا لهم يفعلون فيهم ما يشاؤون من البيع والشراء والخدمة، بل ما هو أشد من ذلك وهو سبي النساء الأسيرات وإجبارهن على المعاشرة بغير نكاح.
أما الإسلام فقد بين حكم الأسرى في قوله تعالى:
﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ، وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ (محمد 4).
تبين الآية الكريمة الحكم في الأسرى عند انتهاء الحرب كما يلي:
- (فَإِمَّا مَنًّا) أي بإطلاق سراحهم دون مقابل.
- (وَإِمَّا فِدَاءً) أي بتقديم الأسير ما يفدي به نفسه من المال أو العمل، وقد تتولى دولته أو عشيرته أو أي جهة أخرى مهمة دفع الفدية عنه.
بل تقدم الإسلام حتى على الأنظمة الحديثة عندما عد هؤلاء الأسرى أحد مصارف الزكاة الثمانية، قال الله تعالى:
﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60]
أما ما ذكره الفقهاء من جواز قتلهم أو تملكهم فليس من دين الله تعالى في شيء، وإنما هو محض افتراء على الله ورسوله، ويُعد ملك اليمين من أكثر الأمور التي لحقها التحريف وسوء الفهم، وقد أسيء فيها إلى دين الله تعالى ورسوله.
أما ما وجده الإسلام من الرق قبل بعثة الرسول فقد تعامل معه بمنطلق التخلص منه والقضاء عليه، وهذه بعض الأمثلة الدالة على ذلك:
- أمر تعالى من أعجبته امرأة من ملك اليمين (الأسيرات) بأن يتزوجها؛ لأنه لا تحل المعاشرة بين الرجل والمرأة إلا بالنكاح، واعتبر كل علاقة بغيره هي سفاح (زنا)، وقد جعل القرآن للنكاح أحكامه وللزنا عقوبته، يقول الله تعالى:
﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ، بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ (النساء 25)
فقد اشترطت الآية نكاح ملك اليمين بإذن الأهل، وأمر بالصداق (المهر)، ونهى عن أخذهن بالسفاح سواء بالرضا أو الإجبار.
- رغب الإسلام في إطلاق سراح هؤلاء الرقيق عن طريق الكفارات التي تجب على المسلم الذي يقع في بعض المخالفات الشرعية، ولم يشترط في كثير منها أن يكون ملك اليمين من المسلمين، وذلك لتوسيع دائرة العتق حتى يتم التخلص من نظامه في أسرع وقت.
فنجده في كفارة اليمين. قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ، فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ (المائدة 89)
وفي كفارة الظهار:
﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا، ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (المجادلة 3)
وفي القتل:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً، وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا، فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ، وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (النساء 92).
- كما جعله سبحانه من أوائل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى ربه وينجي نفسه بها من عذاب النار كما في قوله تعالى:
﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ (البلد 12: 13)
- جعل الإسلام المعاملة الحسنة لملك اليمين (سواء كان من ملك اليمين أو من العاملين تحت اليد) من مقتضيات الإيمان، وأمر بالإحسان إليهم عطفا على الإحسان للوالدين. قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ (النساء 36).
وما أن توفي النبي الكريم إلا وخلت المدينة من الرقيق تماما، وهكذا قضى الإسلام على الرق والعبودية في فترة زمنية قصيرة، أما ما حدث بعد ذلك من مخالفات فَلَيْسَت مِن دين اللَّهِ تعالى فِي شَيْءٍ.
وقد يتساءل البعض لماذا لم ينزل نص قرآني يحرم العبودية ويأمر بتحرير العبيد فورا؟ والجواب يكمن في أن أحكام الإسلام جاءت لتحقيق مصالح العباد، فلو كان هناك أمر مباشر بتحرير العبيد فورا فستحصل صدمة مجتمعية تتمثل بكثرة الناس الذين لا مأوى لهم ولا دخل، كما سيحصل انتكاسة اقتصادية لأن أرباب العمل كانوا يعتمدون على جهد ما يملكون من الرقيق. لذلك كان تشريع الإسلام في تجفيف منابع الرق والتأكيد على مبدأ حرية الإنسان وكذلك التشجيع على إعتاق الرقاب عبر جملة من التشريعات منهجا حكيما في التخلص من هذه الظاهرة دون أن تترك آثارا اجتماعية واقتصادية قد تهدد وجود المجتمع من أساسه.