السؤال:
هل النقد الفني أو الأدبي يعتبر من الغيبة أو السخرية المحرمة؟
لا أقصد النقد بشكل علمي ولكن أحيانا أجلس مع أصدقائي ونتحدث عن كتاب أو فيلم أو فريق كرة قدم بشكل سلبي فهل في ذلك إثم؟
الجواب:
إن للكلمة أو اللفظ الذي يخرج من الإنسان أهمية كبيرة في حياته وأثرا على شخصيته وتدينه سواء بالسلب أو الإيجاب، وقد ضرب لنا الله تعالى مثلا للكلمة في طيبها وخبثها بالشجرة الطيبة والخبيثة:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ إبراهيم (24)
﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ إبراهيم (26)
والمؤمن الحق هو من يثبِّته تعالى:
﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ إبراهيم (27)
ذلك لأن المؤمن يشعر بمراقبة الله تعالى في كل لفظ يخرج من فمه – قدر ما يستطيع – ليقينه أنه:
﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ ق (18)
والغيبة التي تعني ذكر الآخر بما يكره في غيابه أو السخرية التي تعني الاستهزاء من الآخرين أو التهكم عليهم تُعد من أمثلة الكلمة الخبيثة والقول المذموم المنهي عنه، والغيبة والسخرية بينَّهما الله تعالى في كتابه الكريم ولهما أكثر من شق:
- فهناك الشق المتعلق بالله سبحانه وتعالى وبآياته ورسله وهو فعل الظالمين وسبيل غير المؤمنين:
﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ. وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ. وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ﴾ الصافات (12: 14)
وقد تعرض للاستهزاء أكثر الأنبياء والمرسلين:
﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ الأنعام (10)
وليس فقط الرسل، وإنما عانى وما زال يعاني منها أغلب المؤمنين الملتزمين بتعاليم دينهم:
﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ البقرة (212).
وهذا الشق ينبغي على المؤمن أن ينتبه إليه جيدًا لأن البعض قد يفعله على سبيل الضحك أو اللعب أو المزاح:
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ التوبة (65)
وعلى المؤمن ألا يقعد مع من يفعل ذلك وإلا كان من المجرمين:
﴿لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ التوبة (66)
- وهناك الشق المتعلق بالسخرية من الآخرين ويكون ذلك بالسخرية من الشخص نفسه، كأن يسخر الإنسان من غيره بسبب أحد أوصافه غير المألوفة كما سخر فرعون من كليم الله موسى حين قال:
﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾ الزخرف (52)
أو السخرية من الأفعال غير المألوفة كما سخر الكافرون من نبي الله نوح عند صنعه السفينة على اليابسة:
﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ، قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ هود (38)
أو السخرية من فقر أحد أو قلة ما يقدمه الفقير سواء أكان لله تعالى أم للآخرين كقوله تعالى:
﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ التوبة (79).
وأشد السخرية في هذا القسم هي السخرية من إنسان مؤمن يدعو إلى ربه؛ حيث بين الله تعالى جزاءها في قوله:
﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ. فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ﴾ المؤمنون (110).
وبعد أن فصَّل سبحانه وتعالى متعلقات السخرية وأسبابها بشكل واضح وجلي أجملها جميعها ونهى عنها في قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ، وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ، بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ الحجرات (11)
أما النقد فيختلف عن السخرية، وهو لا بأس به إن كان موجهًا للعمل نفسه أو الفكر أو الموقف – كفن الكاريكاتير – الذي ينقد الأداء دون التعرض للحديث عن الأشخاص بالسوء والفحش أو الخوض في سيرتهم الذاتية أو القدح في أخلاقهم – وخاصة فيما يتعلق برمي المحصنات الذي قد يقع فيه البعض عند نقد الأعمال الفنية لنساء متبرجات – والذي قد يستهين به البعض ويحسبه كلامًا مرسلًا ولكنه عند الله عظيم:
﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ النّور (15)
ويقصد من النقد الارتقاء بالعمل أو التحليل الفني أو مجرد التسلية والاستمتاع بالحديث عن العمل حتى لو خالطه المرح والمزاح فلا بأس به بشرط أن يخلو من التجريح والتشهير بأصحاب العمل.
ولا بد للمؤمن من أن ينتقي ألفاظه حتى أثناء ضحكه ومرحه ولا يستخدم عبارات الفحش والسوء التي تخدش الحياء حتى لو كان بين أقرانه وأصحابه لقوله تعالى:
لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ النساء (148)
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71]
إن جملة سلوك الإنسان ما هو إلا ما اعتاد عليه، لذا على المسلم أن يوطن نفسه على قول الحق وأن يتجنب الأقوال والأفعال التي لا فائدة منها ليكون من المتقين المرضيين.
فشخصية الإنسان المؤمن المتبع تعاليم دينه تتميز بالاحترام والخلق القويم فتجده يلتمس رضا ربه حتى في مرحه وضحكه ومزحه امتثالًا لأمره جَلَّ في عُلاه:
﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ القصص (77)
كما أن المؤمن وقور لا يكثر من لهو الحديث الذي هو مضيعة للوقت وإهدار للطاقة التي لا بد أن توجه لما ينفع الناس فلا تصبح السخرية محور حياته فيضل عن سبيل ربه مصداقًا لقوله جَلَّ وعَلَا:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ لقمان (6)
وختامًا:
فإن التدين الحق لا يدعو إلى التشدد أو التزمت إلا أنه يمنع صاحبه من الإفراط والتفريط، ولنا الأسوة الحسنة في النبي الكريم الذي كان لينًا سهلًا وليس فظًا غليظ القلب، ومن أراد أن يكون مقتديًا به كعباد الرحمن فليتمسك بالوسطية في كل شيء فلا يسرف ولا يقتر ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾ وأن يجد لنفسه مكانًا مع الذين ﴿لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ الفرقان (72).
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الباحثة: شيماء أبو زيد