حبل الله
هل ضرب الأطفال وسيلة صحيحة لتعليمهم الصلاة؟

هل ضرب الأطفال وسيلة صحيحة لتعليمهم الصلاة؟

السؤال:

ما حكم ضرب الأطفال؟ فقد سمعت أن بعض الفتاوى وبعض الشيوخ يقولون أنه يجوز الضرب ضربًا غير مبرح مستشهدين بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (علموهم الصلاة وهم أبناء سبع و اضربوهم عليها لعشر) وللأسف بعض الناس تأخذ هذا الحديث و يضربون أولادهم محتجين به.

وبعض الناس في المجتمع بل أغلبهم مقتنعون اقتناعًا تامًا بأن الضرب وسيلة للتأديب والتهذيب وأن ذلك يجعل الأبناء مطيعين لوالديهم ويقولون (نحن تعرضنا للضرب جميعنا من أهلنا ولم يحدث لنا شيء وأصبحنا بأحسن حال وأن عدم الضرب هو طريقة جديدة أطلقها الغرب حتى يخرب المجتمع) وأن البنت خصوصا يجب القسوة عليها، وحجتهم هذه الجملة (اكسر للفتاة ضلعا يصبح لها أربعة وعشرون ضلعا) فما ردكم على ذلك الكلام؟ وهل هذا الحديث النبوي الشريف يدل على الضرب غير المبرح أم له تفسير آخر؟ وأسأل الله أن يعطيكم الصحة والعافية يا رب العالمين.

الجواب:

مما لا شك فيه أن للأهل دورا كبيرا في تربية الأبناء، ولا يستطيع أحد إنكار دورهم في تنشئتهم على الصلاح والتقوى منذ نعومة أظفارهم بل حتى قبل أن يولدوا بأن يوجه الآباء نيتهم وسعيهم بأن يكون الهدف من الإنجاب هو التنشئة الصالحة على الدين القيم كي يتقبلهم ربهم بالقبول الحسن وينبتهم نباتًا حسنًا.

ولكن السؤال هنا، ما هو هذا الدور؟ وهل يقف عند النصح والإرشاد أم يتجاوزه إلى استخدام وسائل العنف من الضرب والعقاب المستمر؟

فنحن قد تحدثنا كثيرًا في موقعنا من خلال الرد على التساؤلات وبعض المقالات عن الضرب سواء أكان للأطفال أو الزوجات وبيَّنا من خلال الأدلة من كتاب الله تعالى أن وسائل العنف والقسوة ليست وسيلة إصلاح ولا تأديب أو تهذيب كما يردد بعض الذين ينتهجون هذا النهج مع أولادهم وزوجاتهم تاركين ما أنزله تعالى في كتابه ومتبعين ما ألفوا عليه آباءهم متحججين بروايات افتريت على رسولنا الكريم، بالإضافة إلى ما كان يفعله آباؤهم من الأخطاء التربوية التي تتسبب في قتل أولادهم، والقتل هنا لا يتوقف عند إزهاق النفس وإنما قتل الروح فينشأ أكثرهم محملين بالعقد النفسية والعصبية، ولا يستطيعون أن يتحرروا منها مع أولادهم فنراهم يكررون نفس الأساليب في التربية، وهؤلاء يقول تعالى فيهم:

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ المائدة (104).

والحق أن كثيرا من أصحاب هذا الرأي ينادون بالضرب لتعليم الصلاة كأن المطلوب من هؤلاء الأولاد أداء حركات آلية مجردة عن الروح فيضربون أولادهم حتى يراعوا آليتها من وضع اليدين وضم الرجلين وتفريج الأصابع ومحاذاة الأذنين ورفع الخنصر وغير ذلك من الشروط التي وضعتها المذاهب لقبول الصلاة من العبد وتناسوا أنهم إن استطاعوا أن يضربوا أولادهم على تأدية الحركات فيكف لهم أن يضربوهم على تعظيم شعائر الله وتقوى القلوب؟!

إذ أن الصلاة الحقيقية تتمثل في خشوع القلب قبل تحريك الجسد وأن شرط القبول عنده تعالى هو التقوى:

﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ المائدة (27).

وللوصول إلى هذه المرحلة من غرس التقوى وحبه تعالى فقد علمنا سبحانه في كتابه كيف تكون تربية الأولاد من التزام الصبر عليهم وعدم الانشغال الدائم في طلب الرزق على حساب تربيتهم في قوله:

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ طه (132) ولم يقل (وأمر أهلك بالصلاة واضربهم عليها)

ومن قال بأن الغرب يريدون تخريب المجتمع بعدم ضرب الأولاد فهم مخطئون في ذلك؛ لأن تربية الأولاد على حرية التعبير عن الرأي والاعتماد على النفس في سن مبكر وتنشئتهم على الرقابة الذاتية هي تعاليم ديننا الحنيف، وقد نبأنا العليم الخبير في كتابه كيف كان يربي الأنبياء والصالحون أولادهم كمثل الحكيم لقمان عندما وجه ابنه بنداء العطف والود (يا بُني) وهي تصغير كلمة (ابني) تعبيرًا عن الاحتواء والرحمة وإظهارًا للحب.

وقد بدأ لقمان بتعليم ابنه الصلاة بمفهومها الواسع عندما غرس فيه تقواه سبحانه في كل شيء وألا يستهين بأصغر الأمور وألا يستصغر الذنوب في السر أو العلن كما أوردته الآية التالية:

﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ، إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ لقمان (16)

ثم حثه على إقامة الصلاة التي يترتب عليها أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر والصبر على الأمور الصعاب ومواجهة المشكلات:

﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ، إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ لقمان (17)

ثم تدرج إلى آداب التعامل مع الآخرين من التواضع وعدم احتقار أصحاب المهن البسيطة والفقيرة:

﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ لقمان (18)

وصولًا إلى كيفية الحركة والمشية وحتى ضبط الصوت:

﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ لقمان (19).

هذه هي تعاليم الصلاة العملية والحركية كما أرادها رب العالمين التي ينبغي أن يغرسها الأبوان في أولاهم بشرط أن يطبقوها أولًا ليكونوا الأسوة الحسنة لهم، ونحن نرى الأطفال الصغار بداية من عمر السنة يقلدون آباءهم وأمهاتهم في الركوع والسجود بمجرد رؤيتهم وهم يصلون أمامهم لأنهما النموذج الأول لهم، أما الضرب فلا يؤدي إلا إلى تنفير الأبناء من الصلاة فلا يؤدونها سوى أمام آبائهم فيتحولون إلى مرائين فتتشكل في نفوسهم كراهية الدين.  إن الغلظة في تعاليم ديننا لا تأتي بخير أبدا، لهذا كان من صفات نبينا الكريم التي أثنى الله تعالى عليها أنه لين القول ورقيق القلب حريص على المؤمنين:

﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ التوبة (128)

وقد وصف الله تعالى المؤمنين بأنهم رحماء بينهم (الفتح 29) وهي صفة لا تقبل أن يكون الضرب والعنف متداخلا فيها.

أما بالنسبة للسؤال عن العنف ضد الفتيات الذي بدأ في زمن الجاهلية – جاهلية الفكر والعقيدة – وما زال يعيشها كثير من البيوت متمسكين بما فعله آباؤهم: ﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ الشعراء (74) فقد تناولنا هذه القضية الهامة في مبحث مفصل بعنوان (مناقشة مستفيضة في مسألة ضرب الزوجة) يرجى الاطلاع عليه من خلال الضغط على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=9394 وكذلك مقالة (ضرب الزوجة)  https://www.hablullah.com/?p=2945

وختامًا:

إن دين الله تعالى لا يقبل الإكراه مطلقا، وكذلك فإن تربية الأولاد على الدين والاستقامة لا تأتي بالجبر والإكراه فلا يفرض الدين أو تعاليمه بالضرب والعنف، وما على الوالدين سوى النصح باللين والعطف وإظهار القدوة، أسوة برسولنا الكريم الذي كان على خلق عظيم ولم يكن جبارًا عصيًا:

﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ ق (45)

والرحمة واللين في تربية الأولاد لا تعني التهاون والتراخي فيفسد الأولاد، وإنما دوام التذكير والمتابعة الحثيثة هي الحل الأمثل، ولا مانع من العقاب عند الإصرار على التقصير بحسب الفئة العمرية، ومن ذلك حرمانهم من الأشياء المحببة لبعض الوقت أو إظهار عدم الرضا بالهجر الجميل لمدة قصيرة أو عدم الإسراع في تلبية رغباتهم إلا إذا التزموا بالصلاة والعمل الصالح والخلق القويم، كل هذا ليكون المؤمن قوامًا بين اللين والشدة امتثالًا لأمره تعالى في كل أمور حياتنا:

﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ الإسراء (29)

ومراعاة للحكمة في كيفية الثواب والعقاب ووقته وقدره:

﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ البقرة (269)

واتباعًا لأمره تعالى بحسن الدعوة إليه:

﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ…﴾ النحل (125)

والأهل والأولاد هم أولى الناس بهذا النهج القويم مصداقًا لقوله تعالى:

﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الشعراء (215)

وبعد أن يفعل المؤمن كل ما في استطاعته ملتزمًا بتعاليم ربه في كتابه ومتأسيا برسله تعالى فليس له من سلطان الإجبار والإكراه وسوف يبرئ ذمته أمام ربه:

﴿فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ الشعراء (216)

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.