السؤال:
لي صديق نصراني نشب خلاف بينه وبين زوجته وقام بضربها واشتكته في المحكمة وحصل على حكم بالسجن، وهو الآن يعاني داخل السجن مما اضطره أن يعرض عليَّ التدخل في المشكلة وعرض كتابة الشقة التي يمتلكها لزوجته حتى تتنازل عن القضية.
يريدني أن أتدخل لحل المشكلة لأنه يعرف أن أهل امرأته لن يقتنعوا إلا إذا تدخلت شخصيًا لأنهم يخافون مني ويعرفون أنهم إذا لم ينفذوا كلامي سيصيبهم ضرر (هذا اعتقادهم).
فهل حرام أن أتدخل لحل المشكلة أو عليَّ ذنب فيما يعتقدونه؟.
الجواب:
بالنسبة للسؤال الخاص بتدخل السائل للصلح بين المتخاصمين فلا حرج عليه، بل إنه من الأمور التي دعانا إليها رب العالمين:
﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ النساء (128)
ما دام الحكم بينهم سيكون كما أمرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه:
﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ المائدة (42).
وعلى السائل أن يحكم بالقسط بين صديقه وأهل امرأته ولا ينحاز إلا للحق وألا يقف في صف صديقه إن علم ظلمه قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا، فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا، وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ النساء (135).
أما بالنسبة للسؤال إن كان على السائل ذنب في اعتقادهم بأنهم سوف يصيبهم ضرر إن لم ينفذوا كلامه!
ففي الحقيقة فإن هذا الكلام يحمل في طياته أمورًا مريبة ينبغي أن يحذرها السائل الكريم ويسأل نفسه _وهو أدرى_ عن السبب الذي يجعلهم يخافون الأذى والضرر منه:
- فربما يكون الأذى متعلقًا بمنصب السائل وسلطته التي يستطيع من خلالها إلحاق الضرر بهم في حال رفضهم طلبه.
وربما يعرف عنهم شيئًا ويستخدمه ضدهم كنوع من الضغط عليهم للموافقة والرضوخ له خشية الفضيحة أو العقاب.
- أو ربما أن يكون السائل يمارس بعض الأعمال المتعلقة بالسحر أو الادعاء بصلته بالجن وما شابه ذلك مما يجعلهم يخافون من عدم تنفيذ طلبه، أو لأي سبب آخر يعلمه السائل جيدًا: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ لكن ليعلم أن الله تعالى لا يخفى عليه شيء: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ﴾ الأنبياء (110).
وسواء أكان السبب متعلقًا بأمر سلطوي أو يشكل تهديدًا أم كان أمرًا متعلقًا بالاعتقاد بالسحر فكلاهما حرام وإثم على السائل، فالأول يدخله في دائرة الظلم، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعلا:
﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ الشورى (42)
والثاني يدخله في دائرة الشرك والكفر برب العالمين:
﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ، وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ..﴾ البقرة (102)
فقد أمرنا رب العالمين أن نحكم بين الناس بالقسط ووجه لرسوله الخطاب ولنا من بعده:
﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ المائدة (42)
وقَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ النساء (58)
وانقياد الناس لحكم أحد خوفًا من ضرره لا يعد من القسط ولا ينتمي لساحة العدل ويتسبب في خسران ميزان الحق، الذي نهانا رب العالمين عن الطغيان فيه:
﴿أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ﴾ الرحمن (8)
وقد بيَّن _سبحانه_ لنا كيف نقيم الميزان:
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ الحديد (25)
ومن هنا فإن السائل إذا تدخل للصلح فعليه أن يبيَّن أنه لا سلطة له عليهم وأن لهم مطلق الحرية في قبول أو رفض عرض الصلح، وأن يضع نصب عينيه أن الناس ومنهم أهل الكتاب كانوا يسلمون بحكم النبي الكريم فيما يحصل بينهم من الخصومة والشجار ويرضون بحكمه بأنفس مطمئنة وهم يعلمون أنه الرسول المؤيد بوحي السماء ومولاه الله تعالى وجبريل وصالح المؤمنين وظهيره الملائكة، ومع ذلك يقبلونه حكما لأنهم يعلمون قسطه وعدله وليس خوفًا من بطشه:
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ النساء (65)
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الباحثة: شيماء أبو زيد