السؤال:
هل يوجد دليل على وجوب غسل الميت قبل دفنه؟
الجواب:
هناك توجيهات نبوية في هذا الأمر، وقد وردت به أحاديث صحيحة عن النبي ﷺ، بالإضافة إلى العمل المستمر به منذ عهد الصحابة إلى يومنا هذا، ولم يُعرف له مخالف.
عن أم عطية رضي الله عنها قالت:
“دخل علينا النبي ﷺ ونحن نغسل ابنته، فقال: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن، بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورًا” (متفق عليه)
وفي هذا الحديث، أمر النبي ﷺ بغسل ابنته المتوفاة زينب قبل دفنها، وهذا أمر يدل على الوجوب.
وفي رواية عند مسلم:
“ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها” رواه مسلم
وهذا يدل على أن غسل الميت يشبه الطهارة للصلاة، وهذا من تمام التكريم للمسلم بعد وفاته.
وقد نقل الإجماع على وجوب غسل الميت كثير من العلماء، قال النووي في كتابه (المجموع شرح المهذب):
«وغسله فرض على الكفاية لقوله صلى الله عليه وسلم في الذى سقط عن بعيره “اغسلوه بماء وسدر” هذا الحديث رواه البخاري ومسلم في رواية ابن عباس رضي الله عنهما. وغَسل الميت فرض كفاية بإجماع المسلمين، ومعنى فرض الكفاية أنه إذا فعله من فيه كفاية سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثموا كلهم. واعلم أن غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فروض كفاية بلا خلاف»[1]
والحكمة من مشروعية غسل الميت هي أنه يُعد للقاء ربه، فمن التكريم له أن يُغسل ويُطيب ويُكفن، تمامًا كما كان يتطهر للصلاة في حياته، وهذا مقصد شرعي عظيم.
ملاحظة:
غسل الميت واجب، إلا في حالات استثنائية مثل:
-من استُشهد في المعركة (شهيد المعركة) فإنه لا يُغسل، بل يُدفن في ثيابه.
-أو إن تعذر الغسل لأي سبب، كتعفن الجسد أو عدم وجود ماء، فيُنتقل إلى التيمم.
هل أشار القرآن الكريم إلى غسل الميت؟
هناك آيات في القرآن قد يستنبط منها إشارة أو فَهم عام يُعضّد مشروعية غسل الميت، وإن لم تكن دليلًا مباشرًا.
ومن ذلك قوله تعالى:
﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾ [عبس: 21]
قوله “فأقبره” فيه إشارة إلى أن الله تعالى شرع دفن الميت، والدفن عند المسلمين لا يتم إلا بعد غسله (إلا إن وجد عذر شرعي)، فـكأن الآية تتضمن إشارة ضمنية إلى أحكام تجهيز الميت ومنها الغسل، وإن لم تنص عليه مباشرة.
وقوله تعالى:
﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾ [التوبة: 84]
هذه الآية في المنافقين، وقد نهى الله تعالى نبيه ﷺ عن الصلاة عليهم، ومفهوم المخالفة: أن الصلاة على المسلم مشروعة، والصلاة تسبقها أعمال التجهيز ومنها الغسل، فهي من لوازمها.
خلاصة القول:
-لا يوجد نص قرآني صريح يأمر بغسل الميت.
-الأحاديث النبوية الصحيحة هي المصدر الواضح الصريح في مشروعية تغسيل الميت، وهي كافية في إثبات الأحكام الشرعية، إذا لم تخالف القرآن، خصوصًا مع وجود العمل بها منذ عهد النبي والصحابة إلى يومنا هذا.
-الآيات التي تُذكر يُستأنس بها كتعزيز للفهم العام، لا كأدلة مستقلة على الوجوب.
*وللمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالة التالية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] المجموع شرح المهذب (5/ 128 ط المنيرية)