18. حقيقة الكرامة
المُريد : وهل تقبلُ الكرامةَ أم تُنكرُها؟
بايندر : أنا لا أنكرُ الكرامة – وسنقف على موضوع الكرامة فيما بعد إن شاء الله_ وإنَّما أكره أن تُحرَّف الكرامةُ عن أصلها وتُستعملَ من قبل بعض الشيوخ لأغراضٍ سيِّئة ليجعلوا من أنفسهم أولياء مزعومين، فليستِ الكرامةُ التي تزعمونها سوى الاستدراج الذي يؤدِّي إلى الهلاك.
الكرامة في اللُّغة هي العزَّة والقوَّة، وهي ضدُّ الهوان والضَّعف؛ وقد أعطى اللهُ تعالى هذه الكرامةَ لبني الإنسان كما قالَ تعالى: « وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» (الإسراء، 17/70). فقد سخَّرَ الله سبحانه وتعالى الحيوان للإنسان ليحمله ومتاعه حيث أراد، ووهب اللهُ للإنسان قوَّةً تُمكِّنُه أن يصنع أنواعاً مختلفةً من وسائل النقل، وكذلك من أنواع الكرامات التي أعطاها اللهُ تعالى للإنسان هي هدايته إلى الإيمان، فالإيمان هو أكبرُ نعمةٍ من نعم الله تعالى، لأنَّ فيها ضمانَ الأمن في الدُّنيا وفي الحياة الأبديَّة. قال اللهُ تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ» (الأنعام، 6/82).
وقد بيَّنَ اللهُ تعالى مَنْ هم أكرمُ النَّاس عنده: فقال: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات، 49/13). فأكرمُ النَّاس مَنْ كثُرَت عندهم الكرامة، ونفهمُ من ترتيب الآية الكرامةَ على التَّقوى أنَّ الكرامة مُعلَّلةٌ بالتَّقوى؛ فحيث كانت التَّقوى أعظمَ في نفس المسلم كانت الكرامةُ أكبرَ.
ولكنَّ الكرامةَ أصبح يُقصَدُ بها الأمورُ الخارقة للعادة، تظهر على يدي وليٍّ من الأولياء المزعومين، حتَّى استوت الكرامةُ والمعجزةُ فقيل: هي أمورٌ خارقةٌ للعادة إذا ظهرت على يد نبيٍّ فهي معجزةٌ وإلَّا فهي كرامةٌ. وقد دَخَلَ هذا التَّحريفُ لكلمة “اَلْوَلِي” فقيل لأولياء الشَّياطين أولياء الله زوراً وبهتاناً. والحقيقة أنَّ كلَّ مؤمنٍ ومسلم هو وليُّ الله كما قالَ تعالى: « أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (يونس، 10/62-64). وعلى هذه الآية فالكرامة هي عدم الحزن للمؤمنين، فقد أكرمهم اللهُ بها، ومن أنواع الكرامة الخلاص من المصائب قال تعالى: « فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا» (الطلاق، 65/2-3).
والنَّاصرُ لعباده المؤمنين هو اللهُ تعالى، ينصرهم بالسُّنن الكونية التي أودعها الله في هذا الوجود ، كما ينصرهم بخوارق العادات، فإذا نصر اللهُ عبدَه بالخوارق قيل عنه كرامة لأنَّه أكرمه بالنُّصرة. والكرامة نعمةٌ من الله تعالى، وكلُّ نعمةٍ تستحقُّ الشُّكر عليها. ومن الكرامات ما قد يضلُّ بها الإنسان كالمال والمُلك والمنصِب الشَّريف والجاه، فعلى الإنسان أن يسعى لإرضاء ربِّه تعالى، وليس أن يبحثَ عن الكرامة.
ونفهمُ من الآية السَّابقة أنَّ الله تعالى يكرم عباده المؤمنين في ساعات العُسرة بوجهٍ أو بآخر، فعلى الإنسان أن يعلم أن هذا إكرام من عند الله تعالى، وليس من عند نفسه فعليه أن يشكر ربَّه.
ولقد نَصَرَ اللهُ المؤمنين في غزوة بدر أثناء الضِّيق، فأرسَلَ إليهم ملائكتَه وأكَّدَ في الآية أنَّ النَّصرَ من عنده سبحانه وليس من عند الملائكة، كما أخبر الله تعالى بقوله: « إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ. وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (الأنفال، 8/9-10).
ولا يحسبنَّ الذين ظهرتْ لهم الكرامات بأنَّهم قد وصلوا إلى هدفهم المنشود، بل عليهم أن يجتهدوا في العبادة ما داموا على قيد الحياة. قال تعالى: « وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» (الحجر، 15/99).
أضف تعليقا