15. نزولُ الوحي على شُيوخ الطُّرق الصُّوفيَّة
أصلُ الوحي: الإشارةُ السَّريعة، ولتضمنَ السُّرعةَ قيل: أمرُ وحيٍ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرَّمز والتعريض، وقد يكون بصوتٍ مُجرَّدٍ عن الترَّكيب، وبإشارةٍ ببعض الجوارح، وبالكتابة، وقد حُمِلَ على ذلك قولُه تعالى عن زكريا: «فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا» (مريم، 19/11).[1]
واللهُ تعالى يختارُ من بين عباده رسلاً ليُبلِّغوا أمرَه إلى الخلق، وجبريل عليه السَّلام هو المُختارُ من الملائكة ليُبلِّغَ ما يشاءُ اللهُ تعالى إلى الرُّسل من البشر، ولا أحد يرى المَلَك حين ينزل بالوحي أو يسمعه إلَّا الرَّسول فقط، وكلام جبريل حين كان خفيَّاً عن النَّاس قيل له وحي.
ويأتي الوحيُ بمعنى الإلهام أيضاً، لأنَّ الإلهامَ ما يقذفُه اللهُ في نفس الإنسان ممَّا يعلمُ به أو يشعرُ به، وهو كذلك خفيٌّ.
وجاءت كلمةُ الإلهام في القُرآن بكلا المعنيين، والأصلُ في الوحي أنَّه أوامرُ الله تعالى ونواهيه إلى رسله، فإذا ذكرت كلمة الوحي كان هذا المعنى هو المتبادر إلى الذهن، وقد انقطع الوحيُ بموت رسول الله محمد بن عبد الله آخرِ الأنبياء فأغلق بابُه إلى يوم القيامة، والواجب على المسلمين أن يكون ارتباطُهم بالوحي؛ لأنَّ الرسالة الإلهية تقتضي إبلاغَ الوحي إلى النَّاس جميعاً، أمَّا الإلهام فإنَّه أمرٌ شخصيٌّ قد يحصل للكافر كم يحصل للمسلم، فلا يصحُّ جعلُ ارتباط النَّاس به. وسنتعرَّضُ له فيما بعد.
الشَّيخ أفندي : قد يُوحي اللهُ تعالى إلى الشُّيوخ بعضَ الأمور، أليسَ اللهُ تعالى هو الذي أوحى إلى أمِّ موسى فقال: « وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ» (القصص، 28/7)؟
المُريد : بلى، ولقد أوحى اللهُ حتَّى إلى النَّحل، فلماذا لا يوحي إلى الشُّيوخ؟ قالَ تعالى: « وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ. ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (النحل، 6/68-69).
بايندر : ألفاظُ الوحي التي مرَّت في الآيات جاءت بمعنى الإلهام، أي أنَّ الله أشعرهم بما أراد أن يجعلهم يشعرون به فوجدوه في أنفسهم.
لقد دخلتم بتأويلاتكم هذه في متاهاتٍ مُهلكة، إنَّكم تحاولون أن تنزلوا أنفسَكم منازلَ الرُّسل والأنبياء حتى تتمكَّنوا من ادعاء تلقِّي الوحي لأنَّكم لم تستطيعوا بأيِّ شكلٍ من الأشكال أن تتصوَّروا أنفسَكم غير عالمين بالغيب.
أضف تعليقا