10. قتال الشُّهداء
المُريد : فما قولُكَ في أرواح الشُّهداء الذين يحضرون المعاركَ لمساندة المجاهدين؟ إنَّه أمرٌ يُقرُّ به الأعداءُ أنفسُهم، ألا يدلُّ وقوعُ ذلك الأمر على أنَّهم أحياء؟ كما قالَ تعالى: « وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ » (البقرة، 2/154).
بايندر : أكمِلْ الآيةَ إلى آخرها، أي اقرأَها مع قوله تعالى: “ولكنْ لا تشعرون”. كيف تدَّعي مُشاهدةَ مَنْ لا تشعُرُ بحياته، فأنتَ لا تشعُرُ أنَّه على قيدِ الحياة ثمَّ تدَّعي أنَّك شاهدتَه، هذا كلامٌ لا يقولُه العاقلُ، صدَقَ اللهُ حيثُ قال : « وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ »، وكذبْتَ حيثُ قُلتَ أنَّكَ شاهدتَ ذلك.
واللهُ تعالى لا ينصُرُ المُسلمين بالشُّهداء، وإنَّما ينصرُهم بالملائكة، ووقَعَ هذا في غزوة بدر. قالَ تعالى : « وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ. بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ. وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ » (آل عمران، 3/123-126).
وقال اللهُ أيضاً: « إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ» (الأنفال، 8/12).
وعن أبي داود المازني – وكان شهِدَ بدراً- قالَ: ” إنِّي لأتَّبعُ رجلاً من المُشركين يومَ بدرٍ لأضربَه إذ وَقَعَ رأسُه قبلَ أن يصِلَ إليه سيفي، فعرفتُ أنَّه قد قَتَلَه غيري”.[1]
وقال أبو جهل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه يومَ بدر:”أنتَ قتلتَني؟ إنَّما قتَلَني الذي لم يصلْ سَناني إلى سنبك فرسه وإنْ اجتهدت”.[2] ثمَّ يقولُ القرطبيُّ في تفسير الآية: “… فكُلُّ جيشٍ صَبَروا واحتَسَبوا تأتيهم الملائكةُ ويُقاتلون معهم”.[3]
المُريد : وإذا كانَ الشُّهداءُ لا يموتون، فما المانعُ من حضورِهم القتال؟ وإذا كنَّا لا نفهمُ حياتَهم بتمامها، فما المانعُ من فهم جزءٍ منها؟
بايندر : وحينَ تتكلَّمُ عن مثل هذه المسائل لابُدَّ من أدلَّةٍ تعتمدُ عليها من الكتاب والسُّنَّة، ولا يوجدُ أيُّ دليلٍ على أنَّ أرواحَ الأنبياء السَّابقين والشُّهداء المُتقدِّمين قد حضرتِ المعاركَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أصحابه. وقد قالَ اللهُ في الشُّهداء: « وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ» (آل عمران، 3/169-171).
والله ذو الفضل العظيم فضَّلَ الذين يموتون في سبيله على غيرهم من الموتى تفضيلاً خاصَّاً، وإمَّا إرسالُ الله الشَّهداء للقتال فلابُدَّ له من دليلٍ، وإذ لم تأتوا بالدَّليل على زعمكم هذا فهو غيرُ مقبولٍ لأنَّ الآياتِ تُبيِّنُ أنَّ الذين يحضرون الجهاد إنَّما هُمُ الملائكة.
أضف تعليقا