9. الشِّرك الذي تخبَّط فيه المسلمون
المُريد : قد يقَعُ المُعلِّمون في أخطاء لأنَّ الإسلامَ غاب عن الحُكم منذ سبعين سنة، وتعلمون أنَّ الشَّريعةَ أُلغيَتْ سنة 1924 ميلادية، واستُمِدَّتْ كلُّ القوانين من الغرب، ومُنِعَ التَّعليمُ الدِّينيُّ وبالَغَ البعضُ في منعه بعضَ الفترات حتَّى أصبَحَ الأذانُ باللُّغة التُّركيَّة.
بايندر : من السَّهل إلقاءُ اللَّوم على الغير! فماذا تقولُ في ظروفِ السَّبعين سنة الماضية؟ هل ظهرتْ من تلقاء نفسها دون سبب؟ ولماذا انهزمَ المُسلمون في الحرب العالميَّة الأولى؟
المُريد : هذه الهزيمةُ لها أسبابُها السِّياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والعسكريَّة وغيرِها من الأسباب. فهل تعني أنَّ الطُّرقَ الصُّوفيَّة هي المسؤولةُ عمَّا حدَثَ؟ !
بايندر : نعم إنَّ الطُّرقَ الصُّوفيَّة مسؤولةٌ من جهتين، ولا أُريدُ أن نخوضَ في هذا الموضوع لأنَّه موضوعُ بحث المُتخصِّصين بالشُّؤون الاجتماعيَّة. ولكن علينا أن نتحدَّثَ عن الأخطاء في تفسير القرآن وكيف غلبتْ علينا أهواؤُنا في فهمه وتفسيره.
وقد أُدخِلتْ في تفسير القرآن أقوالٌ باطلةٌ لا علاقةَ لها بالدِّين الإسلاميِّ، وتكاثرت الأحاديثُ الموضوعةُ وتلقَّاها النَّاسُ بالقَبول. ومنها على سبيل المثال قولُ المفتري: “إذا تحيَّرتُم في الأمور فاستعينوا من أصحاب القبور”.[1] والذي وضَعَ هذا حديثاً هو ابن الكمال شيخ الإسلام في عهد السُّلطان سليم ياووز، ولم يكتفِ بوضعه واختلاقه، بل ذهَبَ إلى تصحيحه بتفسيراتٍ باطلةٍ، لهذا السَّبب كان الخطبُ على المسلمين جسيماً جدَّاً، وقد بيَّنَا هذا الموضوعَ تحت عنوان: ” الاستعانة بأصحاب القبور”.
وقد ابتعَدَ المُسلمون عن القرآن منذ عهودٍ طويلةٍ! ومثلما كان التَّقديسُ لشيوخ الطُّرق الصُّوفيَّة كان هناك تقديسٌ لأصحاب المذاهب أيضاً، واتُّخِذتْ أقوالُهم أساساً للدِّين بدلاً عن القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة، وأصبَحَ المسلمون يعدُّون كلَّ ما هو جديدٍ من الأفكار القيِّمة المبنيَّة على أساس القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة ذنباً من أعظم الذُّنوب!
وفي آخر الكتاب سنتعرَّضُ لهذا الموضوع تحت عنوان: “العودة إلى القرآن”.
والسَّببُ الأساسيُّ للهزيمة الكبرى أثناء الحرب العالميَّة الأولى كانت نتيجة ابتعاد المسلمين عن القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة، ومن السَّهل أن تجعلوا منها هزيمةً عسكريَّةً، ولكنَّها في الحقيقة تركُ التمسُّك بالدِّين الذي أنزَلَه اللهُ تعالى لهداية البشر، وابتدعوا ديناً جديداً تحت أسماء مختلفة، وتضرَّعوا إلى الآلهة المزعومة ولم تستجبْ لتضرُّعاتهم ففقدوا الثِّقةَ بأنفسهم.
المُريد : ما هي الثِّقةُ بالنَّفس؟ المسلم يثقُ بالله وليس بنفسه، فالثِّقةُ بالله هي التي فُقِدَتْ.
بايندر : أقصدُ بالثَّقة بالنَّفس بأن يثقَ الإنسانُ بالقيم التي يُؤمنُ بها، وبأنَّ عليه أن يعرفَ جيِّداً وظيفةَ تحمُّل القيم، فهذا مُهِمٌّ جدَّاً، بل هو الإيمانُ الحقيقيُّ.
المُريد : هل لكَ أن تُوضِّحَ لنا أكثر؟
بايندر : انظروا إلى مَن كان يطعنُ في النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ منهم مَنْ يسخرُ منه، ومنهم مَنْ يضحكُ، ومنهم مَنْ يصفُه بالسَّاحر، ومنهم مَنْ يرميه بالجنون، وما إلى ذلكم، فلو أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَدَ ثقتَه بقيمه أو شكَّ في نفسه أو استمعَ إلى كلامهم فهل كان سيؤدِّي وظيفتَه في تبليغ الدَّعوة؟
وقد نزلتِ الآياتُ الكثيرةُ لتثبيت فؤاده صلى الله عليه وسلم والرَّبط على قلبه حتَّى لا يضعفَ أو يفترَ أو يداخلَه الشَّكُّ بأنَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، قال اللهُ تعالى: “والقرآنِ الحكيم إنَّكَ لِمنَ المُرسلين على صراطٍ مُستقيمٍ” (يس، 36/2-4). وقالَ تعالى: ” فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ، أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ، قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَٰذَا ۚ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ، أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ ۚ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ، فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ ” (الطُّور، 52/29-34). وقالَ تعالى: ” ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ، مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ، وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ، وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ، فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ، بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ، فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ، وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ… فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ، لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ، فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ، وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ” (القلم، 68/1-9، 48-52).
فكانت هذه الآياتُ تُعطي الطَّمأنينةَ لقلبه صلى الله عليه وسلم وتُثبِّتُ فؤادَه، ونجدُ في القرآن الكريم آياتٍ كثيرةً في هذا المعنى، وكان اللهُ تعالى يقصصُ عليه قصصَ مَنْ كان قبله من الأنبياء والمُرسلين تسليةً وتثبيتاً له صلَّى الله عليه وسلَّم ، وإلَّا فكيف كان سيُباشرُ رسالتَه العظيمة؟ وعلى المسلمين أيضاً أن يُداوموا على الإكثار من قراءة القرآن وتدبُّرِه ليثبُتُوا على إيمانهم وعقيدتهم على الرَّغم من كلِّ ما يواجهُهُم من عَقَبات.
فضعفُ أخذهم بالقرآن وضعفُ ثقتِهم به كان بسبب تعطيلهم قراءتَه وفهمَه، بل وأشدَّ من ذلك أنَّهم راحوا يحتقرون أنفسَهم باسم تزكيتها.
ومن المسلمين مَنْ عظَّم أقواماً ورفَعَهم فوق منازلهم، وتخيَّلَ فيهم ما لا يمكنُ للإنسان إدراكُه من جاهٍ وعظمةٍ، ثمَّ اعتقَدَ فيهم القُدرة على المَدَد والعون، وسَرَى هذا المرضُ في المجتمع كالسَّرطان الفتَّاك.
و كان هذا من الأسباب التي أذهَبَتْ ريحَ المُسلمين في الحرب العالميَّة الأولى، وجعلتْ منهم أقزاماً بعد أن كانوا عمالقةً، وأمَّا الباقون فمكثوا على اعتقادهم السَّالف ذاك.
قال اللهُ تعالى: “لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ” (الرَّعد، 13/11).
المُريد : صحيحٌ. لكنَّ الحُكمَ أيضاً قد دخَلَ فيه الفساد.
بايندر: أمَّا عندي فالذَّنبُ في الأصل على العُلماء، فهم بدلَ أن يتوجَّهوا إلى القرآن أخذوا يعكفون على مُصنَّفات القُدامى، ولو أنَّهم حاولوا فهمَ القرآن لتمكَّنوا تبعاً لذلك من فهم الأحاديث التي تُعدُّ صعبةَ الفهم، لأنَّ الأحاديثَ شارحةٌ للقرآن، وقراءة الشَّارح والمشروح مقترنين تُوفِّرُ المعنى الصَّحيح، وعندها يُمكن فَهمُ العلماء القدماء، ويمكنُ أن تكونَ مُصنَّفاتُهم فاتحةَ آفاقٍ، وبالتَّالي نستطيع التَّمييزَ بين مَنْ يُفسِّرُ ظواهرَ وأحداثَ الحياة التي يعيشها وفق القرآن، وبين مَنْ يُفسِّرُ القرآن تبعاً لتلك الظَّواهر والأحداث.
والعُلماءُ الذين يرون أنَّ عليهم تفسير الأحداث على ضوء القرآن مُستعدُّون دائماً للتَّجديد، فيُفسِّرون التَّطوراتِ العلميَّةَ والتِّقنيَّةَ والاجتماعيَّةَ تفسيراً صحيحاً، فلا يحتاجُ المسلمون إلى ملجئٍ آخر يلجؤون إليه، وأمَّا الذين ابتعدوا عن القرآن والسُّنَّة مُنغلقين في محيطهم، مكتفين بما هم عليه من علمٍ لا يُواكبُ زمانَهم فقد حكموا على أنفسهم بالانتحار.
وللسُّلطان عبد الحميد الثَّاني فيما يتعلَّقُ بهذا الموضوع مذكَّراتٌ تُظهِرُ حزنَه وتأسُّفَه على مثل هذه الأحوال، وقد وَفَدَ إليه أميرٌ يابانيٌّ من عائلةٍ ملكيَّةٍ، ومعه رسالةٌ خاصَّةٌ من الامبراطور اليابانيِّ يطلبُ فيها بعثةً من العُلماء ليُعلِّموا لهم الإسلام.
والسُّلطان عبد الحميد الثَّاني أَرسَلَ إليهم كلَّ ما يلزم من مالٍ لنشر الإسلام في اليابان، لكنَّه لم يكن في وُسعه أن يُنشئَ بعثةً من العلماء لتعليم الإسلام، فظلَّ هذا العجزُ غمَّاً في قلبه وقد سجَّل ذلك في مذكَّراته، ويذكرُ سببَ ذلك العجز فيقول: ’’أرى _وأنا الخليفةُ_ أنَّني لو وجدتُ تلك البعثةَ التي يطلبُها إمبراطور اليابان من علماء الإسلام في بلدنا لأبقيتُهم عندي ليُعلِّموا الإسلام هنا لشعبي”.
وحسب السُّلطان، فإنَّه رغم القدرات العلميَّة لأولئك العلماء وتصوُّراتهم المختلفة عن العالم، فإنَّهم عاجزين عن التَّأثير في مستقبل الإسلام ودراسته واستخلاص العبر من الأحداث التَّاريخيَّة. ويشرحُ سببَ ذلك قائلاً: “العُلماءُ المسلمون المُربُّون ذوو العطاء العلميِّ الفيَّاض الذين يطلبُهم إمبراطورُ اليابان غيرُ موجودين، ومدارسُنا محرومةٌ من مصادر العِلم والعرفان..”.[2]
المُريد : وإذا كان الأمرُ كما تذكرُ فإنَّه لا يصحُّ تحميلُ المسؤوليَّة على الطُّرق الصُّوفيَّة لهذه الدَّرجة. وابتعادُ العلماء عن القرآن الكريم من جهةٍ قد يُسوِّغُ التَّغاضي عن أخطاء المُنتسبين إلى الطُّرق من جهةٍ أخرى.
بايندر: لا نقبلُ هذا العُذر، كما أنَّ اللهَ تعالى قد أخبَرَنا أنَّه لا يقبلُ مثلَ هذا العذر، فالعالِمُ والجاهلُ على السَّواء يُحاسَبون عند الله إذا خالفوا القرآن الكريم، حتَّى أنَّ أمرَ الجاهل أسهلُ من أمر العالم.
وابتعادُ العلماء عن القرآن الكريم عوَّدَهم على مرِّ الزمن على الخرافات، فصاروا يُخالفون آياتِ القرآن قطعيَّةِ الدَّلالة في مسائل كثيرة، وزُيِّنَ لهم عملُهم، وآتيكم بمثالٍ بالوثائق الرسميَّة المُتعلِّقة بدخول الدَّولة العثمانيَّة في الحرب العالميَّة الأولى، وهذه الوثائقُ تُبيِّنُ كيف كانوا ينتظرون المَدَد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون الله تعالى للانتصار على الأعداء، وكأنَّه لم يكن رسولاً لله، بل إلهٌ ثانٍ مع الله تعالى؛ حيٌّ لا يموت، يسمعُ نداءَ المستغيثين ويرى حوادثَ الأمور، ويملكُ القدرة على إجابة الدَّاعي بما يريد؛ فتعالَ اللهُ عمَّا يُشركون.
وهؤلاء الذين يلتمسون هذا العونَ هم عند الله تعالى قومٌ ضالُّون، قالَ تعالى: “وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ” (الأحقاف، 46/5). والآن نُلقي النَّظرَ على هذه الوثائق المذكورة:
الوثيقة الأولى: بيان السُّلطان رشاد
في القسم الأخير من بيان السُّلطان رشاد المتعلِّق بإعلان دخول الحرب نجدُ هذا التَّصريح: “لا شكَّ أنَّ اللهَ ذا العدلِ المُطلق يشملُنا بعنايته العليَّة، وأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صاحبَ الشَّأن العظيم معنا جنباً إلى جنب بإمداده المعنويِّ، لأنَّنا أهلُ حقٍّ وعدلٍ، ولأنَّ أعداءَنا أهلُ ظُلمٍ وعُدوانٍ…”.[3]
الوثيقة الثَّانية: بيان أنور باشا
نائبُ القائد الأعلى للقوات المسلَّحة أنور باشا يقول في مقدِّمة بيانه: “بعناية الله وإمداد نبيِّه الروحيِّ، وببركة دعاء السُّلطان، فإنَّ جنودَنا سيقهرون الأعداء…”.
وفي وسط البيان ما يلي: “علينا أن نعلمَ جميعاً أنَّ روحَ النَّبيِّ وأرواحَ صحبه الكرام تُرفرفُ فوقَ رؤوسنا… “.[4]
الوثيقة الثَّالثة: بيان دعوة الأقطار الإسلاميَّة إلى الجهاد
حُضِّرَ هذا البيانُ من قبل المجلس العلميِّ الأعلى، ووُقِّع من قبل السُّلطان رشاد خليفة المسلمين، وفي أسفل البيان توقيعُ أربعة وثلاثين عالماً من أعلى المناصب في البلاد؛ أربعةٍ منهم في وظيفة شيخ الإسلام، وثلاثةٍ قدماء، وواحدٍ كان ما يزال في منصِبه، وعلي حيدر أفندي أمين الفتوى.
وينتهي البيانُ في فقرته الرَّابعة بهذا التَّصريح: “وَعَدَ اللهُ الذين يخرجون إلى الجهاد سِراعاً لإعلاء كلمة دينه المُبين أن ينصرَهم في كلِّ موضعٍ، وأن يشملهم بلطفه العظيم، والنَّبيُّ حاضرٌ بروحه المُقدَّسة ليأخذَ بيد الذين يُقدِّمون المال والنَّفسَ فداءً لتعظيم شريعة أحمد الغرَّاء من هذه الأُمَّةِ النَّاجية “.[5]
ثمَّ تأتي الفقرةُ الأخيرة كما يلي: “يا مُجاهدي الإسلام! بعناية الله ونصره، وبروحانيَّة ومددِ النَّبيِّ المحترم، دمِّروا الأعداءَ واقهروهم، وأدخلوا السُّرور والسَّعادةَ الأبديَّةَ في قلوب المسلمين، وقد وعدَكم اللهُ تعالى نصرَه وتأييدَه للمؤمنين”.
المُريد : المسلمون يخرجون لجهاد الكفَّار، وهذا الأمرُ يسرُّ النَّبيَّ، فالظاهر أن يمدَّ المسلمين بروحانيَّته، ولا عَجَبَ أن ترفرفَ أرواحُ الصَّحابة الأخيار فوق رؤوس المسلمين لأنَّهم يريدون أن يشاركوهم في الجهاد.
بايندر : لو كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وصحابتُه الأخيارُ أحياءَ لسرَّهم هذا، ولَكَانوا في نصرة المسلمين بكلِّ ما أُوتوه من قوَّةٍ، ولكنَّهم قد تُوفُّوا، فعلينا أن نتركَ ما يمليه علينا خيالُنا وأن نتَّبعَ ما جاء به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من القرآن.
واللهُ تعالى بيَّنَ في كتابه العزيز أنَّ طلبَ النَّصر من غيره شرك ٌبه عزَّ وجل، فحرَّمه تحريماً قاطعاً.
قال اللهُ تعالى: “ذلكَ بأنَّ اللهَ هو الحقُّ وأنَّ ما يدعون من دونه هو الباطلُ” (الحج، 22/62). بل أيَّاً كان الذي يُدعَا من دون الله تعالى فإنَّه عاجزٌ لا يقدر على الإجابة. قال تعالى: “ذلكُمُ اللهُ ربُّكُم لهُ المُلكُ والذين تدعون من دونِه ما يملكونَ من قِطمير إنْ تدعوهم لا يسمعوا دُعاءكَم ولو سمعوا ما استجابُوا لكم ويومَ القيامة يكفرون بشركِكم ولا يُنبِّئُكَ مثلُ خبير” (فاطر، 35/13-14).
فدعاءُ غيرِ الله تعالى شِركٌ، وهو مُخالِفٌ لفطرة الله التي فَطَرَ النَّاسَ عليها، واللهُ تعالى لا ينصُرُ مثلَ هؤلاء لأنَّه يقولُ سبحانه: “الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانَهم بظُلمٍ أولئكَ لهُمُ الأمنُ وهم مُهتدون” (الأنعام، 6/82).
ألم يكنِ الذين غَزَوا المُسلمين في الحربِ العالميَّة الأولى من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان وغيرهم من النَّصارى (المسيحييِّن) يدعون اللهَ لينصرَهم؟ نعم، ولكنَّهم يُشركون المسيحَ عليه الصَّلاة والسَّلام بالله في دعائهم، كما أنَّ المسلمين فعلوا ذلك بمحمَّد صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الأمرُ كذلك، فما الفارقُ بينهم وبين المسلمين؟ أيُّهما يستحقُّ أن يخرجَ من الحرب ظافراً ؟ ثمَّ إنَّ الكتابَ الذي تمسَّكَ به العدوُّ مُحرَّفٌ، وكتابُ المسلمين محفوظٌ غيرُ مُحرَّف، ولكنَّ المسلمين قد ابتعدوا عنه ولم يعملوا بمقتضاه، ففي هذه الحالة لا فرقَ بين أن يكون مُحرَّفاً أو محفوظاً.
المُريد : لقد غُلِبَ المسلمون في كثيرٍ من المعارك عبر التَّاريخ، وكان هذا امتحاناً من الله تعالى لهم، فها هو جيشُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُغلَبُ في غزوة أحد، ولكنَّ الأحوالَ تغيَّرتْ فيما بعد بما فيه خيرُ المسلمين بفضل عمل نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم.
بايندر : في هذا الموضع حاوَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو القائد أن يغيِّرَ الوضعَ لصالح المسلمين فنجَحَ، لكنَّه لم يقلْ: ” أنا رسولُ الله، وهذه المعركة تنتصرون فيها بدعائي وتأييدي المعنوي”، لقد جاهَدَ وهو قائدُ الجيش بكلِّ ما يستطيع في كلِّ معاركه.
وفي هذه المعركة ليست الهزيمةُ التي ذكرناها مُهمَّةً إلى ذلك الحد، فأنتم إذا تجمَّعتم ورجعتُم إلى أنفسكم ستكونون قادرين على ضرب العدوِّ ضربةً شديدةً، لكن إذا كانت الهزيمةُ من الدَّاخل، فلن يستطيعَ المسلمون فعلَ أيِّ شيء.
وهكذا كان انهزامُ المسلمين وانحطاطُهم بأسبابٍ داخليَّةٍ، وقد فقدوا ثقتَهم بأنظمتهم السِّياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والعسكريَّة منذ عهودٍ بعيدة، فلذلك استبدلوا أنظمتَهم بأخرى غريبة وضعوها محلَّها، كما فقدوا ثقتَهم بأنفسهم.
والذي يُريد أن يفهمَ ذلك، عليه أن ينظرَ إلى ما يتمُّ تدريسُه في المدارس التي يدعمها المسلمون، وإلى الطُّلَّاب المبعوثين إلى البلدان غير الإسلاميَّة مُدعَّمين بوسائلَ ماليَّةٍ ضخمة، وما هي المبادئ التي يذهبون لمعرفتها؟ ولو قارنَّا بين ما يُبذل من جهودٍ لمعرفة المبادئ الأجنبيَّة مع ما نبذله لمعرفة مبادئنا القيِّمة يبدو أنَّ الفرقَ رهيبٌ، وهو ممَّا يضعِفُنا في مواجهة تحدِّيات العصر.
والذين يُريدون المزيدَ لفهم هذا الأمر، فلينظروا إلى مدارس المسلمين وإلى تلك الحرارة التي يدعمون بها المنهاجَ المُدَرَّسَ فيها، ولينظروا إلى المنهاج الذين يدرسُه الطَّلَبةُ المبعوثون إلى أوروبا وأمريكا بإمكانات مادِّيَّة ضخمة.
لو قِسْنا ما نبذلُه نحن من جهودٍ لتدريس نظامنا الخاصِّ بما يُنفَقُ على الآخرين لظَهَرَ الفارقُ مُخيفاً جدَّاً، وهؤلاء الطَّلبةُ يصدُّوننا عن مواجهة الغرب والصمود أمامه.
المُريد : ماذا تُريدُ أنتَ من الطُّرق الصُّوفيَّة؟ إنَّ الطُّرقَ الصُّوفيَّة ومؤسساتِها غيرُ قانونيَّةٍ في تركيا.
بايندر : الإغلاقُ الرَّسميُّ لمؤسَّسةٍ اجتماعيَّةٍ تابعةٍ للشَّعب لا يُنهي عملَها، ولا يزيلُ الخرافات، وهنا تظهرُ وظيفةُ العلماء، فعليهم أن يُعلِّموا النَّاسَ، وأن يُطهِّروا أذهانَهم من الخرافات، وأن يُزوِّدوهم بالعلم الصَّحيح، ولابُدَّ من أن يكون عملُهم مُستمرَّاً غيرَ مُنقطع.
وما نجدُه بين أيدينا من مثل هذا العمل لا يفي بالغرض المقصود، فكم من النَّاس مَنْ يكتفي بما يجده من البدع والخرافات ليتَّخذَها ديناً يتَّبعه، ثمَّ إنَّ أيَّ إهمالٍ أو تهاونٍ قد يتسبَّبُ في ظهورها من جديد.
المُريد : ها هم المُتعلِّمون وأصحابُ الأوضاع الاجتماعيَّةِ والاقتصاديَّة الرَّاقية ينتسبون إلى الطُّرق الصُّوفيَّة ويُساندونها! وهذه الحالة تكفي في إبطال رأيك؛ أليسَ كذلك؟
بايندر : قد يكونُ هؤلاء من أصحاب المعارف في ميادين مختلفة، إلَّا أنَّه يُمكنُ خداعُهم وغَرُّهم بسهولة لقلَّة علمهم بدينهم، وفقرِهم إلى الشُّعور الدِّينيِّ، لذا يجبُ تعليمُ الدِّين على شكلٍ صحيحٍ لكلِّ واحدٍ من النَّاس حتَّى يحفظَهم من الانزلاق في البدع والخرافات، وبهذا يمكنُ إبعادُ المسلمين عن أذى المنافقين الذين يُروِّجون البدعة والخرافات في أوساط المسلمين ويُخالفون مَنْ يُريدُ التمسُّكَ بالدِّين الصَّحيح.
المُريد : وهل أنتَ الذي تقومُ بتصحيح أخطاء العُلماء السَّابقين؟ وهل أنتَ أعلمُ منهم؟
بايندر : ليسَ الغرضُ من العلم جمعُ المعلومات وحفظُ المجلَّدات من الكتب، ولكنَّ العلم هو كيفيَّةُ الاستفادة منه، فإذا لم يُعرَفُ الصَّوابُ من الخطأ ما فائدةُ هذا العلم ؟ فإنَّ كثرةَ العلم بهذا الشَّكل لن يَصنعَ شيئاً سوى الضَّلال. وذاتَ يومٍ قالَ لي عالمٌ مشهورٌ: “يا سيِّد عبد العزيز، دع عنكَ الاشتغالَ بقضيَّة التَّصوُّف، فإنَّه لا يكونُ تصوُّفٌ دون خُرافة. فقلتُ له: أليسَ وظيفتُنا هي نبذُ الخُرافات التي تقودُهم إلى الشِّرك؟ أين حضرتُك من قوله تعالى: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (التوبة، 9/ 71)
قالَ: صحيحٌ، إنَّها تُؤدِّي إلى الشِّرك، ولكنَّ النَّاسَ لا يستمعون إليكَ ولا يَصلُحون. قُلْتُ: وهل تَرَكَ رسولُ صلى الله عليه وسلم الدَّعوةَ بسبب عدم إجابة النَّاس له؟ والرُّسُلُ قدوتُنا. قال: نعم، ولكنِّي أنصحُكَ حرصاً على خيرك، فأنتَ شابٌّ ومُستقبلُك زاهرٌ، وأولئك أقوياء جدَّاً، ولن تُحقِّق معهم هدفَك المنشود، وسيجلبون الضَّررَ على مُستقبلك! قُلتُ: أنا لا أنتظرُ منهم شيئاً، وإنَّما أعتمدُ على الله تعالى الذي لا ندَّ له ولا شريكَ؟ قال: إنِّي أُشفقُ عليكَ. قلتُ: بل أنا مَنْ يُشفقُ عليك. فحالُكم يُشبهُ حالَ الذين لم يعظوا المُعتدين في السَّبت وتركوهم وما كانوا عليه من تجاوز حُرمة ذلك اليوم. وأكتفي بذكر قوله تعالى: “وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ” (الأعراف، 7/ 164-165).
قالَ: واللهِ لا أدري يا أخي، ولكنِّي أُكلِّمُكَ فيما ينفعُكَ. قُلْتُ له: إنِّي لو أعلمُ أنَّه لم يبقَ لي من الحياة إلَّا قدرُ جُرعة من الهواء أتنفَّسُها لاستخدمتُه في مُحاربة هذه العقائد الفاسدة.
وهذا الرَّجل نفسُه كان قد أرسَلَ لي التَّهنئةَ بمناسبة الطَّبعة الأولى لهذا الكتاب قائلاً: “هذا عملٌ عظيمٌ، فلا أحَدَ يجرؤُ على نشر كتابٍ مثل هذا، لقد نجحتَ في إنجازِ عملٍ عظيمٍ جدَّاً وبَارَك اللهُ فيكَ ووفَّقَكَ اللهُ لما يُحبُّه ويرضاه.
المُريد : نعم أنتَ على حقٍّ، فبعضُ العُلماء لا يُريدون مُواجهةَ المشاكل، ولكن لمْ تخلُ فترةٌ من الزَّمن إلَّا وقد وُجِدَ فيها عُلماءُ حقيقيِّون يُجادلون في إظهار الحقِّ.
بايندر : لا يكفي أن يكونَ المرءُ صاحبَ علمٍ وحسبٍ، بل أن يجب أن يستعملَه كما ينبغي. واللهُ تعالى يضربُ لنا مثلاً بآدم عليه السَّلام،حيث قالَ جلَّ شأنُه: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» (البقرة 2/31-33).
ثمَّ أسكَنَ اللهُ تعالى آدَمَ وزوجَه الجنَّةَ وحذَّرهما من اتباع الشَّيطان فقالَ لهما: « فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى. إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى. وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى. فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى. فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى» (طه 20/117-121).
ولا يستطيعُ أحدٌ من العلماء أن يبلُغَ ما بلغَه آدمُ من كرم العيش، فكيف خدَعَه الشَّيطانُ بأن دلَّهما إلى الشَّجرة، وقالَ لهما إنَّها شجرةُ الخُلد والمُلك الذي لا يبلى فأخرجَهَما ممَّا كانا فيه؟
وكذلك يُخدَعُ الكثيرُ من العلماء الذين يريدون ملذَّات الحياة الدُّنيويَّة، فيحيدون عن الطَّريق المُستقيم.
والعلمُ كأموالٍ حلالٍ؛ فكما أنَّ المالَ الحلالَ يُمكنُ استعمالُه في الشَّرِّ، فكذلك العلم يستعملُه أهلُ الزَّيغ لإضلال النَّاس، والعالِمُ الحقُّ العامِلُ بعلمه هو الذي لا يتحرَّجُ من ذكر الحقِّ وتبليغه رغم العقبات والمصائب التي يُلاقيها في سبيل الدَّعوة إلى الله تعالى، والذين يعلمون الحقَّ كثيرون ولكنَّ قائليه قلَّةٌ من النَّاس.
وما نقولُه للنَّاس من الحقائق معلومٌ لديهم، ولكنَّهم يتجاهلونه لأغراضٍ دُنيويِّةٍ.
المُريد : أنتَ قُلتَ إنَّ المسلمين في هزيمةٍ أمام المجتمع الغربيِّ، إنَّك لا تستطيعُ أن تجعلَ الغربيَّ أعلى من المسلم أبداً، ألمْ يقُلِ اللهُ سُبحانه: «وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (آل عمران، 3/139).
بايندر : مَنِ الذي يجعلُ الغربيِّين أعلى من المُسلمين؟ حديثي عن ابتعاد المسلمين عن الإسلام، فحين أصبَحَ المُسلمون يُقلِّدون غيرَ المسلمين ويعشقون ثقافاتِهم وينقلونها إلى ديارنا منذُ أكثر من قرنٍ، فإنَّ الهزيمةَ كانتْ لزاماً أن تلحَقَهم، ولاحظِ الآيَةَ : « وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»، وهل نحنُ مُؤمنون حقَّاً؟ وهل يكونُ مَنْ يتركُ كتابَ الله وراءَ ظهره ويتمسَّكُ بغيره مُؤمناً حقَّاً ؟
وعلينا الاعترافُ بأنَّ ما نحنُ عليه من سوءِ حالٍ في حياتنا عقابٌ من الله تعالى، كما قالَ تعالى: « ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ. وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ» (هود، 11/100-101). ولا طريقَ للخلاص ما دامَ المُسلمون يستنصرون بغير الله تعالى.
المُريد : ما تذكُرُه من آياتٍ تتحدَّثُ عن الشِّرك، والذينَ تتحدَّثُ عنهم مُسلمون كلُّهم، ليس فيهم مُشركٌ. فهل يصحُّ صنيعُك هذا؟
بايندر: كثيرٌ من الآيات القُرآنيَّة تتحدَّث عن الشِّرك، منها قولُه تعالى يُخاطبُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم: « وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » (القصص، 28/87-88).
وعلى هذا فعلى المسلمين أن يعودوا إلى كتاب الله أوَّلاً ثمَّ يقوموا بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر وإلَّا سيكونُ عاقبتُهم مثلَ عاقبةِ الذين من قبلهم، يقولُ الله تعالى: « فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ. وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ » (هود، 11/116-117).
[1]روح الفرقان، جـ 2، صـ 67
[2]فاتح أوقيار، آدم في ثلاثة أطوار، اسطنبول 1980. صـ 101-103
[3]22 من ذي الحجَّة، البيان السُّلطاني 1332، الجريدة العلميَّة، نسخة محرَّم 1333، العدد 7، ص 436
[4]بيان نيابة القيادة العليا للقوَّات المسلَّحة، الجريدة العلميَّة، محرم 1333، العدد 7، 436-437
[5] تاريخ البيان نامه4 من محرم من 1333 (23/11/1914)، الجريدة الرسمية، نسخة محرم 1333، العدد 7، ص 456-457.
معلومات عن موقع حبل الله
http://www.hablullah.com/
موقعٌ يَهدف إجمالا إلى استنباط ما في القرآن على أنه المَصدَرُ الأولُ والآخِرُ، وتأتي السنةُ تابعةً له غيرَ مستقلةٍ عنه بإصدار حكم شرعي. كما أن هذا الموقع لا يَجعل مذهبا أو قَولا لعالم مهما كان علمُه وتقواه مَرجَِعا في تقرير حكمٍ شرعي الدكتور عبد العزيز بايندر تركيا