8. الإعانة بخوارق العادة
المُريد : ألا يستعينُ النَّاسُ بعضُهم ببعض؟ فكيف لا يُستعانُ بغير الله إذاً؟ !
بايندر : يوجدُ العديدُ من الآيات والأحاديث التي تَحثُّ على التَّعاون والتَّناصر بين النَّاس، لكن الكلَّ يعلمُ أنَّ طلبَ المعونة من الأموات يختلفُ عمَّا يجري بين النَّاس من التَّعاون، فبعضُ النَّاسِ يستعينون بالأموات في المواضع التي يجدون أنفسَهم عاجزين فيها، فيدعونهم لدفع ضررٍ أو جلبِ مصلحة مُتَّخذين الوسائل المتعارفة للنُّصرة بينهم.
على سبيل المثال: في حي “توزلا” من مدينة اسطنبول، تعرَّضَ بعضُ النَّاس لسيلٍ جارفٍ وهم على الطَّريق في سيَّاراتِهم، فدعا أحدُهم حمزةَ رضي الله عنه قائلاً:” يا سيِّدَنا حمزة ” نستعينُ بكَ.[1] ولو أنَّ هذا الدَّاعيَ سألَ اللهَ العليمَ البصيرَ الخبيرَ الذي لا يخفى عليه شيءٌ لكانَ قد أحسَنَ الصُّنعَ ولكنَّه يسألُ حمزةَ الذي يرقدُ في قبره بعيداً عن اسطنبول آلافَ الأميال، فهذا يعني أنَّه يُؤمنُ بأنَّ حمزةَ قادرٌ على سماع دعائه والمجيء إلى ذلك المكان وإغاثته على الفور، فهذا الدَّاعي يزعُمُ أنَّ في حمزة بعض الصِّفات التي هي فوقَ صفات البشر، منها الحياة والعلم والسَّمعُ والبصرُ والإرادةُ والقدرة، فهو استعانَ بحمزة لأنَّه يزعمُ أنَّه ما زالَ حيَّاً !
المُريد : لكنَّ الشُّهداءَ لا يموتون.
بايندر : صحيحٌّ أنَّ الشُّهداءَ ليسوا بميِّتين لقوله تعالى: « وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ» (البقرة، 2/154). لكنَّ حياتَهم تلك ليست ممَّا نشعرُ به، ولو كنَّا نستطيع الشُّعورَ بها لمَا تأَسَّفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على عمِّه حمزةَ الذي مات شهيداً كلَّ ذلك الأسفَ، ولو كان حمزةُ يُجيب المناديَ لجاءَه أحياناً ولسأله قضاءَ بعض الحاجات.
قال ابنُ مسعود رضي الله عنه : “ما رأينا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم باكياً قَطُّ أشدَّ من بكائه على حمزةَ بنِ عبد المُطَّلِب، وضَعَه في القِبلة، ثم وقف على جِنازته وانتحب حتى نَشَع من البكاء”، والنَشَع الشَّهيق.[2]
وبعد أن أسلم وَحشيٌّ ذَهَبَ إلى المدينة ليرى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قالَ: “فلمَّا رآني قال: أأنتَ وحشيُّ؟ قلتُ: نعم. قال: أنتَ قتلتَ حمزة؟ قلتُ: قد كان من الأمر ما بلغكَ. قال: فهل تستطيعُ أن تُغَيِّب وجهَك عنِّي؟ قال: فخرجتُ”.[3]
وسنعودُ إلى موضوع الشُّهداء فيما بعد.
وحين تُوُفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تكلَّمَ أبو بكر رضي الله عنه بكلامٍ حسنٍ يذكره ابنُ عباس رضي الله عنهما فيقول:” فقالَ أبو بكر: “أمَّا بعدُ؛ مَنْ كان منكم يعبدُ محمداً صلى الله عليه وسلم فإنَّ محمداً قد مات، ومَنْ كان منكم يعبدُ اللهَ فإنَّ اللهَ حيٌ لا يموت، وقرأ قولَه تعالى: « وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ » (آل عمران، 3/144). وقال: والله لكأنَّ النَّاسَ لم يعلموا أنَّ اللهَ أنزلَ هذه الآيةَ حتى تلاها أبو بكر فتلقّاها منه النَّاسُ كلُّهم، فما أسمعُ بشراً من النَّاس إلَّا يتلوها، فأخبرني سعيدُ بنُ المسَيَّب أنَّ عمر قال: والله ما هو إلَّا أن سمعتُ أبا بكرٍ تلاها فعَقِرت ما تُقِلُّني رجلاي، وحتى أهويتُ إلى الأرض حين سمعتُه تلاها، علمتُ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد ماتَ”.[4]
وقال تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً: « وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ» (الأنبياء، 21/34). « إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ» (الزمر، 39/30).
فبعد النَّظر إلى ما تقدَّمَ من الآيات والأحاديث؛ من ذا الذي يستطيعُ أن يَدَّعيَ في حمزةَ رضي الله عنه حياةً نستطيع أن نشعرَ بها؟ واللهُ تعالى يقول: « وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ. وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ. أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ» (النحل، 16/19-21).
وما أكثرَ الذين يستعملون كلامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأغراضهم السَّيئة! فهؤلاء يفترون على الله الكذب لتدومَ لهم السَّيطرةُ على النَّاس، وهم يُضلُّونهم بزعمهم أنَّ رسولَ الله حيٌّ وأنَّ لهم معه لقاءاتٍ رغم كثيرٍ من الآيات التي تُفنِّدُ كلامَهم ولكنَّهم يتجاهلونها لتحقيق مزاعمهم الباطلة، حتَّى إنَّ منهم مَنْ يدّعِي أنَّ رسولَنا محمد صلى الله عليه وسلم نقيبُ المُفتشين الذين يُراقبون الشُّيوخ ومَنْ حولهم من الأتباع، ويحفظونهم من السُّوء. فماذا يُنتظَر إذاً ممَّن يستعينُ بروحانيَّة الشُّيوخ، أو يزعم أنَّ الوليَّ تخرجُ روحُه عند الموت كالسَّيف المسلول من غِمده؟
إنَّ أمثالَ هؤلاء من ذوي الحِرص والطَّمع في تحقيق مزاعمهم الباطلة يصعبُ أن يهتدي، ولكنَّني أَودُّ أن أنقُلَ هذه العبارةَ عن عمر رضي اللهُ عنه حتَّى يستفيدَ مَن كان له عقلٌ سليمٌ أو ألقى السَّمعَ وهو شهيد: “… كنتُ أرجو أن يعيشَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتَّى يُدبرَنا –يريد بذلك أن يكون آخرَهم- فإن يكُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم قد مات فإنَّ الله تعالى قد جعل بين أظهركم نوراً تهتدون به بما هَدَى اللهُ محمداً صلى الله عليه وسلم”.[5] هذا النُّور هو القرآن الكريم. وقد ذَكَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الموضوع في خطبة الوداع بقوله:” تركتُ فيكم ما لن تضلُّوا بعده إن اعتصمتُم به؛ كتابَ الله”.[6] « فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ» (يونس، 10/32).
والشَّخصُ الذي ذكرناه سابقاً تخيَّلَ في حمزةَ رضي الله عنه الصِّفةَ الثَّانية وهي العلم؛ والعلم هو المعرفةُ والتصوُّر، وفي الإنسان صفةُ العلم، ولكنَّ علمَه محدودٌ ومشروطٌ بشروط، كما أنَّ للإنسان صفةَ النِّسيان فقد ينسى ما تعلَّمَ على مرِّ الزَّمن، وعلمُ الله لا نهايةَ له، وهو يعلمُ كلَّ شيءٍ بأدقِّ جزئياته، وعلى أكمل وجه، ولا ينسى أبداً.
وعلى هذا فمن الضَّروري أن يعرف حمزةُ اسطنبولَ بالرَّغم من أنَّه لم يأتها ولم يرها قط، و”توزلا” مدينةٌ صغيرةٌ قريبةٌ من اسطنبول على طريق أنقرة وقد حدَثَ فيها فيضانات، وقد دعا المُستغيثُ حمزةَ ليحضرَ وينقذَه من أن يموتَ في الفيضانات، طبعاً هو لن يقولَ أنَّ علمَ حمزة كعلم الله من حيث تعلُّقاته بالمعلومات، ولكنَّه أشرَكَ حمزة في بعض الصِّفات الخاصَّة بالله تعالى وهي صفة العلم.
والصِّفةُ الثَّالثة هي السَّمع، وقد خَلَقَ اللهُ تعالى للإنسان السَّمعَ، لكنَّه محدودٌ بالمكان وبدرجة ذَبذَبة الصَّوت، فكيف بمَنْ يرقدُ في قبره كحمزة؟ واللهُ تعالى الذي أَسمعَ كل شيء يُخاطب نبيَّه صلى الله عليه وسلم فيقول له «إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ» (فاطر، 35/22). وهو الذي يعلمُ أخصَّ الأصوات والحركات والتضرُّعات، وهو السَّميع، ألا يكونُ هذا الرَّجلُ قد جَعَلَ حمزة رضي الله عنه شريكاً لله في صفة السَّمع حين دعاه من اسطنبول ظنَّاً منه أنَّه يسمعُ نداءه؟ ذلك لأنَّ السَّمعَ في هذه الحالة لا يكونُ إلَّا لله تعالى.
والصِّفةُ الرَّابعة هي البصر، وللإنسان قدرةُ البصر، لكنَّها محدودةٌ، واللهُ تعالى بصيرٌ بكلِّ شيءٍ لا يعزبُ عنه مثقالُ ذرَّةٍ ولا أصغرَ منها ولا أكبر، والذي يدعو إنساناً بعيداً عنه آلافَ الأميال راقداً في قبره يكونُ قد زَعَمَ أنَّه يراه من بعيد، وإلَّا فكيف سيستطيعُ أن ينقذَه؟
والإبصارُ على هذا النحو لا يكونُ إلَّا لله تعالى، لكنَّ هذا الرَّجلَ قد جَعَلَ حمزةَ شريكاً لله تعالى في هذه الصِّفة أيضاً.
والصِّفةُ الخامسة هي الإرادة، والسَّادسة هي القدرة، وإرادةُ الإنسان وقدرتُه محدودتان، ولن يبقى شيءٌ من هاتين الصِّفتين بعد الموت، والإرادةُ والقدرةُ بهذا المعنى لا تكونان إلَّا لله تعالى، فيكون هذا الرَّجلُ قد جَعَلَ حمزةَ شريكاً لله تعالى فيهما.
يقولُ اللهُ تعالى: « أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ. وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ. وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ. إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ. إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ. وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ » (الأعراف، 7/191-197). وقال تعالى: « وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا. كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا» (مريم، 19/81-82).
إذاً فإنَّ نسبةَ ما اختصَّ اللهُ تعالى به نفسَه من الصِّفات إلى غيره من المخلوقات ثمَّ جعلَه وسيطاً بين الإنسان وبين الله تعالى هو شركٌ لا يُغتَفَرُ. قال اللهُ تعالى: « وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ» (الأحقاف، 46/5).
المُريد : لكن ألا يُمكنُ لله تعالى أن يمنَحَ لأحد أوليائه صفةً من هذه الصِّفات لو شاء؟ أليسَ اللهُ قادراً على ذلك ؟
بايندر : إنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، ولكنَّ هذا الاستدلالَ مُخالِفٌ للبديهيَّات، فلا يقولُ به عاقلٌ، وإلا سنقولُ طبعاً إنَّ اللهَ قادرٌ على أن يُحوِّلكَ إلى ضفدعٍ أو خنزيرٍ أو حيوانٍ تكرهُه أنت، فمَنْ ذا الذي يستطيعُ أن يدَّعيَ في حمزةَ قدرةً خاصَّةً مع وجود كلِّ هذه الآيات بين أيدينا؟ !
نحنُ كلُّنا ورسلُ الله معنا عبادٌ لله تعالى، واللهُ تعالى ربُّنا ومليكُنا، ولا يملكُ العبدُ أمام سيِّده شيئاً، وكذلك همُ النَّاسُ بين يدي الله وإنْ كانوا رُسُلاً، ونحن عرفنَا من القرآن الكريم بأنَّ اللهَ لم يمنحْ أحداً حقَّ التَّصرُّف على هذا الشَّكل.
المُريد : لكنَّ هذا الرَّجلَ كان قد رأى حمزةَ رضي الله عنه بنفسه في مكانٍ آخر حين جاء ليُعينَه، يقولُ:”إنِّي أستطيعُ أن أقولَ: إنَّ جانَّاً أمسكَ بيدي وحاول أن ينطلقَ بي، فاستأتُ (تضايقتُ) منه، ثمَّ إذا بي أصرخُ وأُنادي: ياحمزة! فأجاب هذا الصَّحابيُّ ذو الشَّأن ندائي وكأنَّه مَثُلَ لي فجأةً في الغُرفة، فخافَه الجانُّ وهرَبَ منه غائباً عن الأنظار من خلال الجدار”.[7]
بايندر: اللهُ تعالى هو الذي يُنجي من كلِّ كرب، وحين كَشَفَ اللهُ عن ذلك الشَّخص مُصيبتَه ظنَّ أنَّ حمزة هو الذي أنقذه !
الاستعانةُ بروحانيَّة الأحياء أو الأموات تعني أن يُنسَب إليهم ما لم يُخَوِّلهم اللهُ تعالى من صِفة القُدرة: « أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ» (يونس، 10/66).
أ – مصدر القوَّة الخارقة للعادة
المُريد : الرَّجلُ الذي نادى قائلاً: يا حمزة! يعلمُ أنَّ القوَّةَ ليست لحمزة، وإنَّما قصدُه أن يرسِلَ اللهُ إليه حمزةَ لإمداده، فأين الشِّركُ بالله في هذا؟ !
بايندر: فلنُدَقِّقْ في هذا القول:
1- يقولُ هذا المُنادي: “يُمكنُ الاستعانةُ بالرُّوحانييِّن الكِبار”.[8] لكنَّ اللهَ تعالى هو الذي يُفَرِّج الكُرَب وهو الذي يقولُ في كتابه الكريم: «قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ» (الأنعام، 6/63-64).
2- وماذا يستطيعُ الخيالُ أن يُغيِّرَ من الخِلقة التي خَلَقَ اللهُ تعالى عليها حمزةَ رضي الله عنه؟ إنَّ حمزةَ لا يملكُ شيئاً ولا يعلمُ دعاءَ داعِيه، والآيةُ المذكورةُ من سورة الأحقاف تُبيِّن هذا المعنى، وهي قولُه تعالى: « وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ». وقد كان المُشركون يَتخيَّلون في آلهتهم قوَّةً يَدّعُون أنَّ الله قد أعطاهم إيَّاها، وهو زَعمٌ لا خِطامَ له ولا زِمام، وعلينا أن نُفكِّرَ في هاتين الآيتين عن المشركين: «قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ. فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ » (يونس، 10/31-32).
وكان المشركون يقولون حين يطوفون الكعبةَ “لبَّيكَ لا شريكَ لك إلَّا شريكاً هو لكَ تملكه وما مَلَك”. ينقلُ ابنُ عبَّاس رضيَ اللهُ عنهما الخبرَ فيقول: “كان المُشركون يقولون: لبَّيكَ لا شريكَ لكَ، فيقول رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ويلكم قدٍ قدٍ، فيقولون: إلَّا شريكاً هو لكَ تملكُه وما مَلَك”. كانوا يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت![9]
ويكفي المشركين شركاً أنَّهم يَدَّعُون في الأصنام قدرةً لم يخلقها الله تعالى فيها، وادِّعاؤهم هذا لا يُغيِّرُ من حقيقة الأمر شيئاً. يقولُ اللهُ تعالى: «وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ» (الحج، 22/71).
المُريد : يقولُ هذا الدَّاعي بعد دعائه حمزة: “وكأنَّه مَثَلَ لي فجأةً في الغُرفة”.
ويحكي لنا عن نفسه حادثةً أُخرى فيقول: كانتْ زوجةُ صديقٍ لي مريضةً، ولم نجد حيلةً لمداواتها حيثما ذهبنا بها، فحملتُ إليهم مجموعةً من الأدعية فيها أسماءُ أهل بدرٍ، ولم يكن أحدٌ يعلم بذهابي إليهم، وحين كنتُ أصعد سلُّمَ البيت كانت زوجتُه ترتجف، وكان الجنُّ يقولون لها: قد جاء الشَّيخ، ولكنَّنا سنغلِبُه. وحين طرقتُ البابَ وفَتَحَ لي صديقي اندهَشَ كثيراً لرؤيتي، وقدَّمتُ له مجموعةَ الأدعية وقلتُ: لتحملْ زوجتُك هذه الأدعيةَ معها، فستجدُ فائدتَها ولن يضرَّها الجنُّ، ثمَّ جلستُ في غرفة الاستقبال، فحَمَل الأدعيةَ ووضعها عليها، فسمعناها تصيحُ وتقول: الآن حين حضَرَ حمزةُ فررْتُم؟[10] هل كلُّ هذا كذبٌ يا شيخ بايندر؟
بايندر: هو تلبيسٌ من إبليس!
ب – حياةُ الرُّوحانيِّين
المُريد : أنا لم أقتنعْ بعدُ، على ما نعرفُ أنَّ هناك خمسةَ أنواعٍ من الحياة:
الأولى حياتُنا الدُّنيا هذه كما نعيشُ اليوم.
والثَّانية حياةُ الخضرِ وإلياسِ عليهما السَّلام، وقد يتواجدان في أماكنَ مختلفةٍ في آنٍ واحدٍ، وإنَّ لهما أنْ يعيشا حياةً عاديَّةً كحياةِ أيِّ إنسانٍ يأكُلُ ويشربُ.
والثَّالثةُ حياةُ إدريسَ وعيسى عليهما السَّلام، وهي حياةٌ نورانيَّةٌ كحياة الملائكة.
والرَّابعةُ حياةُ الشُّهداء.
والخامسةُ حياةُ أهل بدر.
ومَنَحَ اللهُ تعالى الذين قُتِلوا في سبيله حياةً في البَرزَخ تُشبه الحياة الدُّنيويَّةَ، إلَّا أنَّه لا همَّ فيها ولا غمَّ، وهم لا يعلمون بموتهم وكأنَّهم انتقلوا من مكانٍ إلى آخر أحسنَ من سابقه يسعدون فيه بحياةٍ أبديَّةٍ بعد قيام السَّاعة، وحمزةُ سيِّدُ الشُّهداء يعيشُ مثلَ هذه الحياة، ويُمكنُ له أن ينصُرَ الذين يستعينون به وينظُرَ في شؤونهم ويأمرَ بإنجاز مَطالِبهم[11].
بايندر : حياةُ الشُّهداء حقٌّ، ولكن كيف يُمكنُ لنا الادعاءُ بأنَّنا نحسُّ تلك الحياة التي قالَ اللهُ تعالى فيها: «… وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ»؟ وسيأتي فصلٌ خاص بالشُّهداء.
والحقُّ أنَّ حمزةَ رضي الله عنه غيرُ قادرٍ على أن يُعينَ أحداً، وحسبُكُمُ الآيات المذكورةُ لو أنَّكم تُريدون الحقَّ، أفلا تتدبَّرون آياتِ الله أم على قلوبٍ أقفالُها؟ !
المُريد : حياتُنا هذه معلومةٌ لا خلافَ فيها، وموضوعُ الشُّهداء فهمناه. ولكن ماذا تقولون في باقي أنواع الحياة؟
بايندر : أُريدُ أن أطرحَ سؤالاً؛ ما هو دليلُكم على أنَّ الخضر وإلياس وإدريس وعيسى عليهم الصَّلاة والسَّلام ما زالوا على قيد الحياة إلى يومنا هذا؟
المُريد : هذا ليس افتراءً من عندي؛ بل هو ثابتٌ ومعلومٌ بالمُكاشفات من قبل الأولياء العظام ووصل إلينا عن طريق التَّواتر.
بايندر : هذه الأمورُ لا تعتمدُ على الكشف؛ فالكشفُ ليس دليلاً شرعيَّاً ولا عقليَّاً، بل هو شطحاتٌ يغترُّ بها الجُهلاء من النَّاس. وسنقفُ على هذا الموضوع فيما بعد إن شاءَ الله، ولا نعلمُ عن أحوال الأنبياء الأربعة إلَّا حالَ عيسى بن مريم عليه السَّلام الذي قال اللهُ عنه: «مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (المائدة، 5/117). فالآيةُ تُخبرُنا بوفاته وبعدم علمه بما أحدثتْه أمَّتُه من بعده، فعلينا ألَّا نفتريَ على الله بغير علم. وحين كان عيسى حيَّاً قال اللهُ تعالى له: «إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (آل عمران، 3/55).
ت – الموت والنوم
المُريد : وماذا تقولُ في حياة القبر؟
بايندر : قالَ اللهُ تعالى: ” وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ” (الأنعام، 6/60) وفي هذه الآية يجعلُ اللهُ تعالى الموتَ كالنَّوم تماماً، والقيامةُ مِن قامَ يقومُ قياماً.
والحشرُ بعد الموت يُشبهُ القيام من الفراش، والنَّفخُ في الصُّور يُشبهُ المُنبِّهَ في المُعسكرات والمُخيَّمات. قال اللهُ تعالى: ” وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ، قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ” (يس، 36/51-52).
فالموتُ في القرآن نومٌ، والقبرُ مَرقدٌ، وليست الحياةُ بعد الموت إلَّا كمَنْ يستيقظُ من نومه، وعذابُ القبر المذكور في الأحاديث الشَّريفة لابُدَّ أن يكونَ كالأحلام المُفزعةِ في المنام، والنَّائمُ لا يشعرُ بمدى الوقت الذي مرَّ عليه، وكذا الميِّت، وقد ضَرَبَ اللهُ تعالى مثلاً للنَّائم والميِّت في كتابه العزيز كما قالَ عن أصحاب الكهف الذين ناموا ثلاثَ مائةٍ سنينَ وتسعَ سنواتٍ: ” وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ” (الكهف، 18/19).
وقالَ تعالى عن الموت: ” أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” (البقرة، 2/259).
فالذي ماتَ مئةَ عامٍ ثمَّ قامَ حيَّاً، والذين مكثوا ثلاثَ مئةٍ سنينَ وازدادوا تسعاً ثمَّ قاموا من سباتهم كانوا يظنُّون أنَّهم لم يلبثوا إلَّا يوماً أو أقلَّ من يوم، وما على الذين يُريدون فهمَ حياة القبر إلَّا أن يعتبروا بتلك الآيات، وكما أنَّ النَّائمَ لا علم له بجسده، فكذلك الميِّت. وجسمُ النَّائم يمكثُ حيَّاً لترجعَ إليه روحُه من جديد، والميِّتُ يموتُ جسمُه لأنَّ روحَه لا ترجعُ إليه، ويوم القيامة يُحي اللهُ الجسدُ ويجعلُه مناسباً لعودة الرُّوح إليه من جديد، فيبدو وكأنَّه استيقظَ من سباته العميق ويدلُّ عليه قولُه تعالى: “مَنْ بعثَنَا منْ مَرقدِنا” (يس، 36/52).
والجسدُ يتآكلُ في التُّراب ويُخلَقُ من جديد وصاحبُه لا يشعُرُ بذلك، وإنَّما يظنُّ أنَّه كانَ نائماً طوال هذه المدَّة، فلا يحسُّ بما مضى عليه من زمانٍ ما بين الموت والحشر، كما أنَّ الموتَ قريبٌ منَّا كالنَّوم، والقيامةُ كالقيام من النَّوم، فالنَّومُ ليس انقطاعاً عن الحياة ولكنَّه استراحةٌ ضروريَّةٌ ليستعدَّ الإنسانُ للحياة الأبديَّة.
وقد أخبَرَنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ البعثَ يكونُ يوم القيامة كالاستمرار في الحياة الدُّنيويَّة؛ كما قالَ عليه الصَّلاة والسَّلام: “يُبعثُ كلُّ عبدٍ على ما ماتَ عليه”.[12] وجاءَ في حديثٍ آخر عن ابن عبَّاس رضيَ اللهُ عنهما قالَ: “بينما رجلٌ واقفٌ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفةَ إذ وَقَعَ من راحلته فأَقصَعَته أو قال فأقعَصَته. فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “اغسلوه بماءٍ وسدرٍ وكفِّنوه في ثوبين ولا تُحنِّطوه، ولا تُخمِّروا رأسَه فإنَّ اللهَ يبعثُه يوم القيامة مُلبياً”.[13]
هذا الحديثُ يدعو إلى التَّفكير والتَّدبُّرِ، فهو يعدُّ موتَ هذا الرَّجل كنوم الحاجِّ المُحرم، والمُحرمُ يستعملُ الطِّيبَ ولا يُغطِّي رأسَه أثناء النَّوم، وحين يستيقظُ منه يأخذُ في التَّلبية.
المُريد : إذاً فكيف نُفسِّرُ كونَ القبر روضةً من رياض الجنَّة أو حُفرةً من حفر النَّار؟
بايندر: هذا في غاية السُّهولة حيثُ إنَّ حياة القبر تُشبه الرُّؤيا في المنام، فالذي يرى رؤية حسنة لا يُريدُ انقطاعَها، أمَّا الذي يرى الأحلام المُفزعةَ فيُسَرُّ بعد استيقاظه بأنَّها لم تكنْ حقَّاً، والله أعلم.
[1] كوجوك دونيام -2، جريدة الزَّمان، 28/11/1996
[2] الرَّحيق المختوم لصَفِيِّ الرَّحمن المُبارَكفوري 255-256، بيروت 1408هـ/1988م
[3] البخاري، المغازي 23
[4] البخاري، المغازي 83
[5]البخاري، الأحكام 51
[6] مسلم، الحج، باب 19، رقم الحديث 147-(1218)
[7] كوجوك دونيام -2، جريدة الزَّمان، 28/11/1996
[8] كوجوك دونيام -2، جريدة الزَّمان، 28/11/1996
[9] مسلم، الحجُّ، الباب 3، الحديث رقم 1185
[10] كوجوك دونيام -2، جريدة الزَّمان، 28/11/1996
[11] مكتوبات سعيد النُّورسي، المكتوب 1، مجموعة رسائل النُّور 1/347، اسطنبول 1994
[12] مُسلم، الجنَّة 19 رقم 83- (2878)
[13] البُخاري، الجنائز 20
أضف تعليقا