حادثة ذبح البقرة
قال الله تعالى: « وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، قالوا أتتخذنا هزوا، قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين. قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي، قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون. قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها، قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين. قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون. قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها، قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون» (البقرة، 2/67–71).
بقرة اسم مفرد وجمعه بقر، ويقال للذكر ثور.[1] وجملة "تثير الأرض" تدل على أنها ذكر. لأن "تثير" اشتق من "الثور"، كما يدل عليه "ولا تسقي الحرث". أي أن هذه البقرة ما أثارت الأرض، ولا سقت الحرث. مع أنه الذي يستطيع أن يثير ويسقى، هو الثور لا غيره. وأما تأنيث الأفعال هنا لأن البقرة مؤنث لفظي.
وكان في منفيس ثور يعبد يقال له أبيس. ومنفيس قرية من قرى مصر القديمة على ضفة النيل بجنوب القاهرة على بعد 35كم. وانتشرت هذه العقيدة فيما بعد في أنحاء مصر كلها. ويعتقد أن أبيس واحد فقط، وحين يموت تنتقل روحه إلى ثور آخر. ويبحث الرهبان عن الثور الجديد في المراعي. وله صفات ومميزات تفرقه عن غيره.[2] وتقول التوراة في هذا الموضوع:
«أَذِيعُوا فِي مِصْرَ وَأَعْلِنُوا فِي مَجْدَلَ. خَبِّرُوا فِي مَمْفِيسَ وَفِي تَحْفَنْحِيسَ، قُولُوا: قِفْ مُتَأَهِّباً وَتَهَيَّأْ لأَنَّ السَّيْفَ يَلْتَهِمُ مِنْ حَوْلِكَ. لِمَاذَا فَرَّ إِلَهُكَ الثَّوْرُ أَبِيسُ وَلَمْ يَصْمُدْ فِي الْقِتَالِ؟ لأَنَّ الرَّبَّ طَرَحَهُ» (كتاب إرميا. 46/14-15).
وفي سورة البقرة أمروا بذبح الثور الذي يحمل صفات "أبيس"، حتى يزول ذلك الإعتقاد الباطل الذي كانوا عليه. ذلك أنّ موسى عليه السلام حين ذهب إلى الطور لمدة أربعين يوما، صنع بنوا إسرائيل صنما على هيئة عجل وعبدوه رغم وجود هارون عليه السلام بينهم وإنذاره لهم، فقد «أشربوا في قلوبهم العجل» (البقرة، 2/93). لذا لم يرغبوا بذبح البقرة.
والهنود يعظمون البقرة، حتى لو أن بقرة دخلت أحد المساجد فإن إخراجها قد يكون سببا في وقوع فتنة بين المسلمين والهنود. ومن الجدير ذكره وجود نحو مائتين وخمسين مليون بقرة في الهند، ورغم ذلك فقد ذكر أن الجهات المختصة الهنديةَ تبذل جهدا لتعيد للبقر مكانتَه الأصلية، ولكن هذه الجهود قد باءت بالفشل!.[3]
إنَّ عيد الأضحى المبارك الذي يَحتفل به المسلمون كل عام يحمل في طياته أهمية كبيرة من هذه الناحية. فالمسلمون عندما يذبحون الحيوان الذي تقدسه طائفة من الناس إنما هو إعلان منهم عن تنكرهم لهذه المعتقدات الباطلة إلى جانب تذكيرهم لهذه الطوائف بخطأ هذه المعتقدات، وأنه من الضروري مراجعة نفوسهم قبل فوات الأوان، وهذا المشهد يتكرر سنويا بمظهر احتفالي كبير يسمع به القاصي والداني من أهل الملل والنحل. قال الله تعالى: «لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم» (الحج، 22/37).
والمهم في عيد الأضحى إراقةُ دمِ الحيوان، ولا يشترط أكل لحمها أو توزيعه للفقراء. فمن أكل لحم أضحيته كله أو تركه بعد الذبح بدون التوزيع بين الفقراء فقد أدى الأضحية. أمّا من وزع اللحم ولم يرق الدم فلا يعتبر مؤديا للأضحية. أي أنه لم يضح ولو بلغ اللحم الموزع إلى أطنان.
الأمر بذبح البقرة
اختبر الله تعالى بني إسرائيل بأمرهم بذبح بقرة، ليظهر مدى مصداقيتهم وامتثالهم أوامر الله تعالى، وذلك بسبب قتل رجل عمه الذي كان ابن الأخ الوارث الوحيد له، ومن أجل التعرف على القاتل، بدلا من اقتتال بعضهم مع بعض، وكان يجزئهم ذبح أي بقرة، إلا أنهم تشدّدوا في بيان أوصاف البقرة، فشدّد الله عليهم، بعد أن اشتروها بملء جلدها ذهبا، فذبحوها متردّدين، ثم ضربوا القتيل ببعضها، فعاش حيّا، فقالوا: من قتلك؟ فقال: هذا، لابن أخيه، ثم عاد ميتا، فلم يعط من ماله شيئا، لأنه قاتل، وصار ذلك حكما دائما. وهذه هي قصة ذبح البقرة.
[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (68) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)