التأويل: من الأول، أي: الرجوع إلى الأصل، ومنه: الموئل للموضع الذي يرجع إليه، وذلك هو رد الشيء إلى الغاية المرادة منه، علما كان أو فعلا.[1] وقد ذكرت هذه الكلمة في القرآن الكريم أربع مرات طبقا لأسلوب المثاني.
1. تأويل ما حدث لموسى مع الخضر
صحب موسى عليه السلام الخضر،[2] ولم يستطع الصبر على بعض التصرفات التي صدرت منه. فقد ركبا سفينة فقام الخضر بخرقها ، ثم قتل طفلا، ثم دخلا قرية لم يقبل أهلها استضافتَهما ولكنه رغم ذلك أقام جدارا كاد أن يسقط. وحين اتخذا القرار بأن يفترقا. قال له الخضر: «سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا» نبأه بما يلي: «سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً . أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً . وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً . فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً . وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً» (الكهف، 18/65-82).
وكانت حَيرةُ موسى عليه السلام تتلاشى عند تأويل كل حادثة، أي عند ردها إلى الغاية المُرادة منها.
2. تأويل الرُؤيا
ويطلق التأويل على تعبير الرؤيا. وحين كان يوسفُ عليه السلام في السِجن قال الملكُ: «إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ».
فقالوا له: «أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ». وقال أحد اللَّذَين كانا معه في السجن بعد أن ادكر بعد أمة « أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ».
فجاء يوسفَ، فأوَّل له الرؤيا بقوله: «تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ» (يوسف، 12/43-49).
وتُؤوَّل الرُؤَيا بالنظر في حوادث الحياة اليومية وفيما تُشبِهه من رُموزٍ في الرُؤى. أما الذين لا ينظرون في هذه الصلة فلا يستطيعون التأويل. كما لم يستطع رجال الملك أن يعبر له رؤياه.
3. تأويل الدنيا
الدنيا مكان الامتحان، كل ما في الدنيا له علاقة بما سيكون في الآخرة. ومن لا يستطع أن يقيم العلاقة بين الدارين سيدخل النار التي لا يريدها، ولا يدخل الجنة التي يأمل دخولها. قال الله تعالى: «وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ . الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ . وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ . هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ» (الأعراف، 7/50-53).
كما رأينا من خلال الآيات السابقة فإن التعبير عن العلاقة بين الدارين الدنيا والآخرة يسمى تأويلا. الدار الآخرة هي الأصل الباقي. وما يعطى في الآخرة من المكافئة يشبه بما في الدنيا. قال الله تعالى: “مَنْ جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ” (الأنعام، 6/160).
4. تأويل الآيات
قال الله تعالى: «هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ» (آل عمران، 3/7).
لم يكن التأويل في هذه الآية راجعا إلى الأصل بل إلى الفروع المبينة للأصل كما كان في الأحداث الثلاثة السابقة. وقد قيل أن الأصل في قوله تعالى «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ» الآيات المحكمات، أما الآيات المتشابهات فهي مبينة لها. والذي جعل العلاقة بين الآيات وربط بعضها ببعض هو الله تعالى، فهو الذي أول الآيات. ووضع بين الآيات التشابه لنصل إلى تأويلها بتتبع العلاقات والروابط الموجودة بينها. والتأويل الذي وصلنا إليه دون النظر إلى العلاقات والروابط الذي وضعها الله بين الآيات فهو ليس تأويلا من الله. والزائغ هو الذي يهمل تلك العلاقات مع العلم بها. كما أنه يصد الناس عن دين الله تعالى باسم الدين؛ يقول الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (البقرة، 2/159-160).
وفي التأويل موضوع أصلي وآخر مبين للأصل. والخلفية التي لم يعرفها موسى عليه الصلاة والسلام في حادثة الخضر هي الأصل. وما شاهده موسى من الأحداث هو المبين للأصل.
ورؤيا الملك كانت مبينة لما سوف يحدث في المستقبل . والملأ ما استطاعوا تأويل الرؤيا لأنهم ما ربطوا الرؤيا بالأحداث .
وكل شيء في الدنيا له علاقة بما في الآخرة. وهي تخبر الإنسان بما سيكون في الآخرة.
فالتأويل؛ إذن هو الوصول إلى التفسير عن طريق إقامة العلاقة بين الأصل والفرع المبين للأصل. ولتأويل الآيات كذلك لا بد أن نقيم العلاقة بين الأصل (المحكم) وبين الفرع المبين له (المتشابه). و هذا الطريق يوصلنا إلى تأويل الآيات تأويلا صحيحاً.
قال علماء التفسير «المتشابه هي الآيات التي لا يدركها العقل»[3] لذا أعطوا لكلمة التأويل معناً آخر، فأشكل عليهم فهم الآية السابعة من آل عمران، وهي قوله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا»
فسر هذه الآية أكثر العلماء الذين يقال عنهم “الجمهور” بأن المتشابهات هي التي لا يعلم تأويلها إلا الله ، ولا طائل من البحث فيها عقيدة ولا شريعة. والذين يجرون وراءها ويجعلونها موضوع الجدل، ينتهي بهم الحال إلى المراء، وإلى التخليط، وإلى التعقيد دون الوصول إلى الحقيقة. ودون راحة بال في أمر موكل إلى علم الله. أما الراسخون الذين بلغوا إلى درجة الثبات في العلم يقولون آمنا كل من عند ربنا، بلا تأويل وعلى هذا فالمتشابهات؛ هي مما استأثره الله تعالى بعلمه. فلا مجال لأي عالم من السبيل لمعرفتها.
أما القليل من العلماء قالوا ولا يعلم تأويل هذه الآيات المتشابهات الا الله والذين تثبتوا في العلم وتمكنوا منه، وهؤلاء يقولون: اننا نؤمن بالقرآن كاملاً ، لا نفرق بين مُحكمه ومتشابهه. وما يعقل ذلك ويفقه حكمته الا ذووا البصائر المستنيرة، والعقول الراجحة. وعلى هذا فالعلماء يعلمون المتشابهات.[4] وكيفية وصولهم إلى هذه المعرفة يكمن في المعنى الذي يحمل كلمة التأويل.
أما الماتريدي فقال: هو ترجيح أحد المعنيين المحتملين مع عدم القطع به، وعدم اشهاد الله عليه.[5]
وقال محمد أبو زهره: هو ترك المعنى الظاهر من اللفظ والحمل إلى المعنى الخفي.[6]
وقال زكي الدين شعبان: هو الحكم بأن المراد من اللفظ هو المعنى الخفي استنادا لدليل يمنع من قصد المعنى الظاهر.[7]
فالتأويل على هذه التعريفات: هو ترك المعنى الظاهر للألفاظ والأخذ بمعناها الخفي. فهذا يدل على أن كثيرا من الآيات غير مفهوم . وخلاصة الكلام في هذا الموضوع؛ أن مفهوم التأويل عند العلماء لا يستند إلى حقائق علمية.
[1] مفردات الفاظ القرآن مادة: اول.
[2] لم يرد في القرآن اسم الخضر، ولكن جاء ذكره الحديث الذي رواه البخاري، العلم 44..
[3] أصول الفقه لمحمد أبو زهره ص134.
[4] النسفي، عبد الله بن أحمد بن محمد ، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، بيروت، 1989، 1/203.
[5]حق ديلي قرآن ديني لألماليلي محمد حمدي يازر ، 1/28.
[6] المرجع السابق ص 135.
[7] أصول العلوم التشريعية في الإسلام لزكي الدين شعبان، (المترجم إلى اللغة التركية ابراهيم كافي دونمز) أنقرة 1990، ص. 320.
أضف تعليقا