النقود وسندات القروض
البيع والشراء
النقود وسندات القروض؛ البيع والشراء
يقال عن تبادل النقود بالنقود في الإصطلاح الفقهي “الصرف”. كما يطلق على من يقوم بهذه المعاملة اسم “الصراف”، والمكان الذي تجرى فيه هذه المعاملة يقال له “المصرف”. وكلمة “المصرف” تستعمل اليوم بمعنى “البنك”. وفي تركيا يقال “صراف” على من يقوم بتجارة الذهب والفضة. لأنه قديما كانت النقود المتبادلة هي النقود المضروبة من الذهب والفضة. حيث كانتا ما يتبادر إلى الذهن حين يقال “النقود”، وبقي الأمر كذلك إلى أن انتشرت النقود الورقية، فاستحوذت على هذا المصطلح.
بيع الفلس
الفلس يجمع على فلوس، ويطلق على النقود المضروبة من المعادن من غير الذهب والفضة. وهو كالنقود الورقية من حيث أن قيمته النقودية فوق قيمته المعدنية الحقيقية. وليس ثمة آية أو حديث يمكن أن نستنبط منهما القواعد التي نعتمد عليها في بيع الفلوس. والحقيقة أنّ القواعد المتعلقة ببيع الفلوس قد وضعت من قبل بعض الفقهاء.
بيع الفلس عند من لم يضع الضوابط فيه
يجوز في المذهب الشافعي ان يكون أحد البدلين أكثر في مبادلة الفلس بالفلس. كما لا بأس من أن يكون أحد البدلين نقدا والآخر مؤجلا.[1]، ولم تُذكر أي قواعد أو ضوابط في بيع الفلس في المذهب الشافعي، لعدم وجود علة الربا في الفلوس حسب قولهم، ولأن الفلس لم يضرب من الذهب ولا من الفضة، فلا بأس في بيع 100 فلس بـ 110 فلوس نسيئة لمدة شهر. وقد ذهب الظاهرية إلى القول بجواز جميع أنواع بيع الفلوس. لأنهم يرون عدم تحقق الربا في غير المواد الستة، كما قال ابن حزم بعد أن ذكرها: “ولا ربا في غير ما ذكرنا أصلا”.[2]
الرأي القائل بتحقق الربا في بيع الفلوس نسيئة
ذهب بعض الفقهاء إلى اعتبار الفلوس كالذهب والفضة بحيث ينطبق عليها كل الشروط اللازمة في بيعهما ،فقد ذهب الحنفية إلى أنّه يتحقق ببيع الفلس بالفلس نسيئة ربا النسيئة لإتحاد العوضين في الجنس. ويرى المالكية عدم جواز بيع الفلس بفلسين نسيئة؛ لأنهم يرَون أنه يتحقق ربا النسيئة باتحاد العوضين في الجنس في جميع الأشياء. [3]
من يرى الفلس كالدينار والدرهم
وقال به من التابعين يزيد بن أبي حبيب (53-128هـ / 673-746 م) وعبيد الله بن أبي جعفر (المتوفى. 99 هـ / 718 م )، ويحيى بن سعيد (المتوفى. 144 هـ / 761 م )، وربيعة (المتوفى, 136 هـ / 753 م ) حيث اعتبروا أنّ الفلوس المضروبة من المعادن من غير الذهب والفضة هي في حكم الدينار والدرهم.
قال الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد وربيعة أنهما كرها الفلوس بالفلوس وبينهما فضل أو نَظِرةٌ (أي نسيئة) وقالا: إنها صارت سكة مثل سكة الدنانير والدراهم.[4]
وقال مالك: لا تصلح الفلوس بالفلوس جزافا ولا وزنا مثلا بمثل ولا كيلا مثلا بمثل يدا بيد ولا إلى أجل ولا بأس بها عددا فلس بفلس يدا بيد، ولا يصلح فلس بفلسين يدا بيد ولا إلى أجل، والفلوس هاهنا في العدد بمنزلة الدراهم والدنانير في الورِق.[5]
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف يجوز مبادلة فلس بفلسين بأعيانهما. ولا يتحقق فيها ربا الفضل لأنه ليس بمال موزون ولا مكيل. واعتبرها الإمام محمد ربا. وقيل بأعيانهما لأن الفلس نقود. ولذا اعتبرها الإمام محمد بالرغم من أنه لا يقول بيع واحد باثنين من الأموال المعدودة ربا بشرط أن تكون المبادلة يدا بيد.
وقد جاء قول الإمام محمد في الفلوس على النحو التالي:
“الفلوس نقود. فلا يجوز بيعها جنسا بجنس فضلا كالدرينار والدراهم. ولما كان الفلس يصلح أن يكون ثمنا للبضائع دل على أنه نقود. كما أن الدينار والدرهم يكونان ثمنا للبضائع كذلك الفلس يكون ثمنا كذلك. ولذا نقول إن الفلوس نقود. وهو نقود لجنسه كما هو نقود لغير جنسه”.
ولا يتعين الفلس بالتعين لأنه نقود. كما لا يتعين الدينار والدرهم. وكذلك الحال في بيع فلس بفلسين. لم تجز هذه المبادلة لأنها لم تكن بأعيانهما لعدم التعين. فيكون الفلس مقابل فلس والفلس الثاني خال عن العوض فتحقق الربا.[6]
ومعنى عدم التعين ، أي جواز دفع دينار أو درهم آخر بنفس القيمة بعد شراء سلعة بدينار أو بدرهم معين. أي يمكن للمشتري أن يدفع نقودا أخرى أما البائع لا يمكن له أن يدفع سلعة أخرى مكان السلعة المتفق عليها في البيع. لذا نقول إن السلعة تتعين بالتعين.
للوهلة الأولى قد يرى أن رأي الإمام محمد مخالف لرأي أبي حنيفة في الربا. لأن علة الربا عنده القدر والجنس. والقدر هو الكيل والوزن. ويجب أن يكون البدلان متساويين في القدر، في مبادلة المواد متحدة الأجناس سواء كانت السلعة المبادلة كيلا أم وزنا كما يشترط أن تكون يدا بيد. كما بيناه سابقا في موضوع الربا. والفلوس المبادلة هي من جنس واحد؛ ولكن لا يوجد فيها علة الربا لأنها تباع بالعدد. والإمام محمد لم يخالف ذلك. ولكنه اعتبر الفلوس نقودا. ولم يعتبر أبو حنيفة وأبو يوسف الفلوس نقودا حين قالا بجواز بيع فلس بفلسين. ولو قالا بنقودية الفلس لقالا كما قال الإمام محمد رحمة الله عليهم أجمعين. ولذا يفهم من أقوالهم ما يلي:
ونحن نرى أنه قد ألغيت نقودية الفلس قبل البيع حسب رأيهم، وأجريت المبادلة على أنه سلعة تجارية تباع بالعدد. فيكون الفلس كالأباريق التي تباع بالعدد، فيجوز بيع واحد منها باثنين. ولكن تبقى نقوديته تجاه السلع الأخرى. عدم اعتبار نقودية الفلس في لحظات من الزمن هو لضرورة صحة الصفقة؛ لأنهما قاما بهذه الصفقة لتكون صحيحة. ولا تصح الصفقة إلا بهذا الشكل. أي لو اعتبرت الفلوس نقودا حين البيع، لا يجوز بيع فلس بفلسين.
يقول الإمام محمد: والمال يكسب وصف النقودية بقبول جميع الناس له، ولا يفقد المال هذا الوصف بعدم قبول إثنين أو ثلاثة من الناس.
وجاء في الإختيار: وقال محمد: لا يجوز بيع فلس بفلسين لأنها أثمان فصارت كالدراهم والدنانير، وكما إذا كانا بغير أعيانهما، ولهما أي أبي حنيفة و أبي يوسف أن ثمنيتها بالإصطلاح فيبطل به أيضا وقد اصطلحا على إبطالها، إذ لا ولاية عليهما في هذا الباب. بخلاف الدنانير والدراهم، لأنهما خلقت ثمنا. وبخلاف ما إذا كانا بغير أعيانهما.[7]
ويكون البدل دينا في ذمة المشتري وإن كان نقدا من زمن العقد حتى التسليم لأن النقود لا تتعين بالتعين. ويمكن للمدين أن يؤدي دينه 500 ليرة بدفع 500 ليرة أخرى من نفس الجنس، لأن الدَّين يؤدي بالمثل. لذا نقول؛ لو أنه اشترى طنا من السكر بـ 1000 ليرة، وعندما أراد أن يدفع 1000 ليرة للبائع هبت الريح وطارت الـ 1000 ليرة في البحر فلا يبطل البيع. فعلى المشتري أن يدفع للبائع 1000 ليرة أخرى لأنها أصبحت دينا في ذمته. وسقوط النقود في البحر ليس سببا في فسخ البيع؛ فمن الممكن أن لا يكون عند المشتري نقودا عند العقد. كذلك لا يبطل البيع بإتلاف النقود. ولكن يبطل البيع إذا تلف السكر بنزول المطر عليه قبل التسليم. ليس من الضروري للبائع أن يعطي للمشتري طنا آخر من السكر ، كما لا يجبر المشتري على أن يأخذها. لأن السكر مالٌ يتعين بالتعين.
أما قول أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يجوز بيع فلس بفلسين بأعيانهما؛ فالمراد به: أن الطرفين يُعَيِّنان الفلوس المراد بيعها. ولا يمكن لأي من الطرفين أن يدفع للآخر غير ما اتفقا عليه من الفلوس. ولو ذهب أحد الطرفين بطل البيع. وهو يشبه بيع إبريق بإبريقين. ولا حق لأي من الطرفين أن يعطي صاحبه إلا الإبريق المتفق عليه. لأنه سلعة تتيعن بالتعين. فكل من البدلين ثمن للآخر. والفلس في هذه المعاملة ليس نقودا بل هو سلعة تجارية.
ولو اعتبر الفلس في هذه المعاملة نقودا، لا بد وأن يكون لكل من الطرفين الحق في أن يدفع لصاحبه فلسا آخر. لأن النقود لا تتعين. وتكون النقود التي لا تتعين دينا في ذمة المشتري من زمن العقد إلى زمن الأداء. لذا لا يبطل البيع لو تلف أحد الفلسين المبادلين. فيكون الفلس مقابل فلس والفلس الثاني يبقى بلا عوض، وبحسب المذهب الحنفي فقد تتحقق هنا ربا الفضل.
يقول محمد بن الحسن رحمه الله: الفلوس الرائجة ثمن، والأثمان لا تتعين في العقود بالتعيين كالدراهم والدنانير، ألا ترى أنها لو قوبلت بخلاف جنسها لم تتعين حتى لو اشترى بفلوس معينة شيئا فهلكت قبل التسليم لا يبطل العقد، ولو اشترى بها جاز، فكذلك إذا قوبلت بجنسها؛ لأن ما يتعين بالتعيين فالجنس وغير الجنس فيه سواء.
وفي الأصل قد روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن الفلوس ثمن من وجه ومبيع من وجه آخر وهي ثمن لبعض الأشياء في عادة التجار دون البعض.[8]
بيع الفلس بالذهب أو الفضة
يمكن ترتيب آراء المذاهب في الموضوع على النحو التالي:
المذهب الحنفي والشافعي والحنبلي والظاهري
وقد ذهبت هذه المذاهب إلى جواز بيع الفلس بالذهب أو الفضة نسيئة لأسباب مختلفة.
وفي المذهب الحنفي يجوز بيع الفلس بالدرهم والدينار والذهب والفضة سواء أكان نقدا أم نسيئة. لأنه لا يوجد بينهما علة الربا، ويفترقا في الجنس، ولأن الذهب والفضة موزونان أما الفلس فعددي. وهو قول الإمام محمد وأحد قولي أحمد بن حنبل.
وجاء في فتح القدير؛ وفي شرح الطحاوي: لو اشترى مائة فلس بدرهم وقبض الفلوس أو الدرهم ثم افترقا جاز البيع لأنهما افترقا عن عين بدين وقد قدمناه ، فإن كسدت الفلوس بعد ذلك فإنه ينظر إن كان الفلس هو المقبوض لا يبطل البيع ؛ لأن كسادها كهلاكها.[9] وشرط قبض الفلس أو الدرهم لكون البدلين نقودا ولو لم يقبض أحد البدلين قبل افتراق الطرفين لا يجوز لأنه في هذه الحالة يكون بيع الدين بالدين. وكذلك يشترط القبض في بيع الفلس بالذهب.[10]
وفي المذهب الشافعي يجوز بيع الفلس بالذهب والفضة والدرهم والدينار في جميع أشكل البيع لأنه لا يوجد في الفلس علة الربا.[11] وإلى هذا ذهب المذهب الظاهري؛ لأن الفلس ليس من المواد الستة المذكورة في الأحاديث.[12]
المذهب المالكي
ويرى المذهب المالكي؛ أن الربا معلل وعلته غلبة الثمنية وهو المشهور ولا يتحقق هذا إلا في الذهب والفضة. ولا يقاس على الذهب والفضة شيء آخر. وهذا هو المشهور في المذهب المالكي. وعلى هذا يجوز في المذهب المالكي بيع فلس بفلس أو بيع فلس بالذهب أوالفضة أو الدرهم أوالدينار على الإطلاق كما هو مذهب الشافعي.
ولهم قولٌ ثانٍ وهو أن علته مطلق الثمنية [13] والمراد بغلبة الثمنية أن يغلب على المال وصف الثمنية. وهذا الوصف لا يوجد إلا في الذهب والفضة. وعلى هذا لا يوجد شروط معينة في بيع الذهب والفضة بالنقود الورقية كما هو مذهب الشافعي. وهذا هو القول المشهور في المذهب المالكي. وينبني على ذلك دخول الفلوس النحاس فتخرج على الأول دون الثاني.[14] وعلى هذا أن جميع أنواع النقود بما فيه النقود الورقية يوجد فيها علة الربا. كما جاء فيه قول مالك: لا يجوز فلس بفلسين ، ولا تجوز الفلوس بالذهب والفضة ولا بالدنانير نظرة.[15]
يقول الإمام مالك: لا يصلح الفلوس بالفلوس جزافا ولا وزنا مثلا بمثل ولا كيلا مثلا بمثل يدا بيد ولا إلى أجل ولا بأس بها عددا فلس بفلس يدا بيد ، ولا يصلح فلس بفلسين يدا بيد ولا إلى أجل ، والفلوس هاهنا في العدد بمنزلة الدراهم والدنانير في الورق.
وجاء في المدونة الكبرى في بيع فلس بفلس ما يلي:
قلت : أرأيت إن اشتريت فلوسا بدراهم فافترقنا قبل أن نتقابض؟ قال: لا يصلح هذا. في قول مالك وهذا فاسد ، قال لي مالك في الفلوس : لا خير فيها نظرة بالذهب ولا بالورق ، ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة.
قلت : أرأيت إن اشتريت خاتم فضة أو خاتم ذهب أو تبر ذهب بفلوس فافترقنا قبل أن نتقابض أيجوز هذا في قول مالك ؟
قال : لا يجوز هذا في قول مالك لأن مالكا قال : لا يجوز فلس بفلسين ، ولا تجوز الفلوس بالذهب والفضة ولا بالدنانير نظرة .
وروى ابن وهب ، عن يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال : الفلوس بالفلوس بينهما فضل فهو لا يصلح في عاجل بآجل ولا ءاجل بعاجل ولا يصلح بعض ذلك ببعض إلا هاء وهاء قال الليث بن سعد: عن يحيى بن سعيد وربيعة أنهما كرها الفلوس بالفلوس وبينهما فضل أو نظرة وقالا: إنها صارت سكة مثل سكة الدنانير والدراهم، عن يزيد بن أبي حبيب وعبيد الله بن أبي جعفر قالا: وشيوخنا كلهم أنهم كانوا يكرهون صرف الفلوس بالدنانير والدراهم إلا يدا بيد وقال يحيى بن أيوب: قال يحيى بن سعيد: إذا صرفت درهما فلوسا فلا تفارقه حتى تأخذه كله.[16]
بيع النقود الورقية
النقود لا تؤكل ولا تشرب، ولا يمكن أن تأخذ مكان الملح في الطعام ولا العجين في الخبز. ولكن من يملك النقود يمكن له أن يشتري بها الطعام والشراب وما يحتاج من الإحتياجات الحياتية. وهذا يجعل النقود العمود الفقري للإقتصاد. لذا تختلف مبادلة النقود عن المبادلات الأخرى، فيتطلب الأمر فيها دقة أكثر مما تكون في غيرها. ومن هذه الجهة نقول إن موضوع الصرف ذو أهمية بالغة.
النقود الورقية قد أخذت مكان الدينار والدرهم. والنقودية هي النقطة المشتركة بين الدينار والدرهم الرائجين وبين النقود الورقية. وتلعب النقود الورقية دورا أكثر من الدينار والدرهم، وبالنقود الورقية تسلب أموال الناس بغير حق. وسنقف على هذا المسألة بالتفصيل إن شاء الله في موضوع “التضخم”.
وللنقود الورقية قواعد يجب إتباعها. وهي كالتالي:
مبادلة النقود الورقية متحدة الأجناس
وفي مبادلة النقود الورقية متحدة الأجناس يشترط أن تكون يدا بيد ومثلا بمثل. مثلا: يمكن مبادلة 100 ليرة بورقتين كل منهما 50 ليرة نقدا أي يدا بيد. والفضل فيه ربا.
ودفع 500 ليرة بشرط أن يعيدها بـ 550 ليرة ليست بيعا بل هي معاملة ربوية. لأن العوض يختلف في البيع حتى ولو بقليل. ولو اشتريت بدلة بـ 500 ليرة، فأحد البدلين البدلة والثاني 500 ليرة. ولكن في المعاملة الربوية 500 ليرة مقابل 500 ليرة ويزاد عليه شيئا ما. وهذه الزيادة تسمى ربا. ويجب أن يلتبس التضخم بهذا الزيادة.
مبادلة النقود الورقية مختلفة الأجناس
ومبادلة النقود الورقية مختلفة الأجناس يسمى بيع العملات الأجنبية. يشترط فيها أن يتم التبادل يدا بيد. مثلا في شراء الدولار مقابل الليرة يجب أن يتم قبض البدلين في الحال دون تأخير. وإلا تكون معاملة ربوية في صورة البيع. لأن الليرة التركية والدولار الأمريكي والنقود الورقية الأخرى أجناس متقاربة تأخذ مكان بعضها البعض مثل الدينار والدرهم. بحيث يمكن سد الدين بدولار أمريكي لمن عليه دين بالليرة التركية. وكذل عملات أخرى أجنبية. وسعرها كثيرا ما يكون في معدل ثابت كما يمكن التكهن بمعدل التغير في حالة احتمال التغير.
نفترض أنّ الدولار الأمريكي يساوي ليرة واحدة، ولو جاز التبادل فيهما نسيئة، يمكن لمن يملك 1000 ليرة أن يبيعها نسيئة بـ 1100 من الدولار الأمريكي، ويستعمل المشتري 1000 ليرة لمدة سنة، ويدفع 1100 دولار أمريكي عند حلول الوقت، فأصبحت هذه المعاملة دينا في صورة البيع. ولذا نقول أنه لا يجوز النسيئة في بيع النقود.
وفي حديث عبد الله بن عمر السابق لم يكتف بالحالية في بيع الدرهم بالدرهم بل اشترط أن يكونا بسعرهما اليوم الذي تم فيه العقد. ويجب أن يتوافر هذا الشرط في بيع النقود الورقية أي أن يتمّ عقد بيع النقود الورقية على سعرها في اليوم نفسه. وإلا عندما يكون سعر دولار واحد ليرة ونصف ليرة، يمكن إقراض 1000 ليرة للمستقرض ثم يشتريها بـ 1250 ليرة. وبهذا تحقق الدين الربوي في صورة البيع. وقد بينّا هذا في موضوع “الربا”.
البيع المؤجل
فهو ما يتأخر فيه تسليم بدل عن بدل آخر، وهنا نتحدث عن بيع عملة بعملة أخرى إلى أجل معين يتفق بموجبه البائع والمشتري على سداد البدل بحلول الوقت. مثلا بيع 100 دولار بـ 102 ليرة تركية إلى أجل حين كان سعر الدولار ليرة واحدة، بقطع النّظر عن أن يكون سعر الدولار بـ 0.90 او 1.2 ليرة في وقت السداد، يكون 100 دولار 102 ليرة حسب الإتفاق. وهذا العقد يدخل تحت المعاملة الربوية. وقد بينا سابقا أنّ هذه المعاملة لا تجوز.
بيع الذهب والفضّة بالنّقود الورقية
الدنانير والدراهم ليست نقودا بل هي سلعة تجارية لأنها ليست رائجة. وكان قديما تعتبر الدنانير والدراهم نقودا إذا كانت رائجة وإلا فليست نقودا.[17] ولو طبقنا أراء المذاهب في الربا والصرف على النقود الورقية نصل إلى النتائج التالية:
يجوز السلم والإستصناع في المذهب الحنفي في النقود الورقية وفي بيع الذهب والفضة بجميع أنواعهما، سواء كان نقدا أو نسيئة، لأنها ليست من الموزونات أو المكيلات، ولأنها تختلف في الجنس.
الإستصناع في اللغة: مصدر استصنع الشيء : أي دعا إلى صنعه , ويقال : استصنع فلان بابا: إذا سأل رجلا أن يصنع له بابا , كما يقال : اكتتب أي أمر أن يكتب له .
وفي الإصطلاح هو على ما عرفه بعض الحنفية : عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل . فإذا قال شخص لآخر من أهل الصنائع : اصنع لي الشيء الفلاني بكذا درهما , وقبل الصانع ذلك , انعقد استصناعا عند الحنفية , وكذلك الحنابلة , حيث يستفاد من كلامهم أن الإستصناع : بيع سلعة ليست عنده على غير وجه السلم , فيرجع في هذا كله عندهم إلى البيع وشروطه عند الكلام عن البيع بالصنعة.[18]
أمّا السلم فهو شراء آجل بعاجل. اشترط الحنفية والحنابلة في صحة السلم قبض رأس المال في مجلس العقد ، وتأجيل المسلم فيه احترازا من السلم الحال.
والنقود الورقية ليست ذهبا أو فضة وليست من المواد الغذائية. لذا أجاز الشافعي مثل الحنفية شراء الذهب والفضة بجميع أنواعها سواء كان نقدا أو نسيئة، وكذلك السلم والإستصناع بها. كما هو قول المذهب الظاهري.
وفي المذهب المالكي قولان؛ القول الأول: إن العلة في الذهب والفضة غلبة الثمنية[19] والمراد بغلبة الثمنية أن يغلب على المال وصف الثمنية. وهذا الوصف لا يوجد إلا في الذهب والفضة. وعلى هذا لا يوجد شروط معينة في بيع الذهب والفضة بالنقود الورقية كما هو المذهب الشافعي. وهذا هو القول المشهور في المذهب المالكي. وخلاصة القول إنه لا يوجد قواعد معلومة في بيع الذهب والفضة بالنقود الورقية في المذهب الحنفي والشافعي والحنبلي والمالكي والظاهري.
والقول الثاني إن العلة في الذهب والفضة مطلق الثمنية. [20] وعلى هذا أن يكون بيع النقود الورقية كبيع الدينار والدرهم. وهو خلاف المشهور من قول المذهب المالكي. قال الإمام مالك: ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة. [21]
والمادة الرابعة من قرار مجمع الفقه الإسلامي يؤيد هذا القول الأخير. ونص القرار كالتالي. النقود الورقية ثمن اعتباري، وفيه وصف الثمنية على شكل تام. فأحكام الربا والزكاة والسلم وآخرى من الأحكام الموضوعة للذهب والفضة ينطبق على النقود الورقية.[22] وقد أفتى بمثله لجنة الفتوى التابعة لرابطة العالم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية. وهذا هو الرأي العام في العالم الإسلامي. كما هو رأينا أيضا. الذهب والفضة كالنقود لأنه يمكن تحويلهما إلى النقود بسهولة. ولو لم تطبق شروط الصرف في بيع الذهب والفضة بالنقود الورقية، يمكن إجراء معاملة ربوية في صورة البيع بتحويل الذهب والفضة ثمن النقد.
بيع سندات الديون
سندات الديون، هي وثيقة مسجل فيها الدين. وتسمى بأسماء مختلفة منها التحويل، سندات الخزينة، والشيك، والسند.
والتحويل هو سند الدين الربوي. ويسمى بالسندات الحكومية والسندات المصرفية والسندات الشكرية حسب المؤسسات المصدرة له. و سندات الخزينة كذلك كما قلنا آنفا. ولا يجوز بيع السندات لأنه من المعاملات الربوية.
الشيك هو إذن صرف أو أمر أداء مصرفي مكتوب يخول المصرف (البنك) دفع نقود لشخص أو مؤسسة، أو لحامله. ويمكن لشخص ( أو مؤسسة ) لديه حساب مصرفي أن يصدر شيكا. ويحول البنك المبلغ المذكور في الشيك من الحساب إلي المدفوع له(المستفيد ) وهو الشخص أو المؤسسة المذكورة. تستخدم الشيكات علي نطاق واسع لأن استعمالها أسهل وأكثر أمنا من النقود. فمثلا ، الشخص الذي لديه حساب مصرفي غير مجبر على حمل كميات كبيرة من النقود والتي يمكن أن تضيع أو تسرق. ويمكن إرسال الشيكات بأمان عن طريق البريد إلا أنه لا يمكن صرفها قانوناً إلا لمن أرسلت لهم شخصيا. والشيكات المستعملة ، تسمي شيكات ملغاة وتساعد على تسجيل المدفوعات. ولا تباع الشيكات ولا خصم فيها لعدم التأجيل فيها. ولكن استعمال الشيكات المؤجلة منتشر في تركيا. الشيكات المؤجلة مثل سندات الدين، فبيعها بيع سندات الدين.
سندات الدين والشيكات هي من وثائق الديون. وبيعها بأقل مما هو مسجل عليها يقال في المصارف الخصم وفي الأوساط التجارية يقال الخروج من الشيكات أو السندات. وهي معاملة ربوية وحرام. لأن من يشتري الشيك أو السند قيمته 1000 ليرة لمدة شهر، بـ 900 ليرة نقدا؛ أصبح كأنه دان 900 ليرة على أن يعيدها بـ 1000 ليرة بعد الشهر. والشيك أو السند هو وثيقة تثبت هذا الدين. ولا يمكن تسمية هذه المعاملة إلا بربا الدين.
وتحصيل ثمن الشيك حين يحل الوقت يسمى تحويلا. والتحويل ليس بيعا، بل هو تحويل الدائن دينه إلى شخص آخر، وهي معاملة بعيدة عن الربا. لذا لا بأس دفع الشيك أو السند عند شراء السلعة بدل الثمن.
[1] تحفة الحاشية، ج. 4 / صـ. 279.
[2] المحلى، جـ. 7 / صـ. 439.
[3] المقدمات لإبن الرشد، جـ. 3 / صـ. 49-51.
[4] المدونة، جـ. 3 / صـ. 396.
[5] المدونة، جـ. 4 / صـ. 15.
[6] البدائع، جـ. 5 / صـ. 185.
[7] الإختيار، جـ. 2/ صـ.31.
[8] المبسوط، جـ. 22 / صـ. 21.
[9] فتح القدير، جـ. 7 / صـ. 157.
[10] رد المختار، جـ. 5/ صـ. 180.
[11] حاشية التحفة، جـ. 4 / صـ. 279.
[12] انظر؛ المحلى، جـ. 7 / صـ. 401.
[13] الخرشي، جـ. 5/ 36.
[14] الخرشي، جـ. 5/ 36.
[15] المدونة، جـ. 3/ صـ. 395.
[16] المدونة الكبرى، جـ. 3 / صـ. 396.
[17] المبسوط. ج. 22 / ص. 21.
[18] الموسوعة الفقهية، جـ 3 / صـ 326 – 327.
[19] الخرشي، جـ. 5/ 36.
[20] الخرشي، جـ. 5/ 36.
[21] المدونة الكبرى، جـ. 3 / ص. 396.
[22] مجمع الفقه الإسلامي الخامس، بالكويت.
أضف تعليقا