المصارف والبنوك المشاركة
جمع الأموال مقابل الربا ثم إقراضها كذلك مقابل ربا يسمى بنظام الإئتمان أو نظام القروض. وعادة تقوم بهذه المهمة البنوك.
ويمكن أن يقوم التاجر بجمع الأموال كرأس المال مشترك واستعمالها في التجارة. وتقوم هذه المعاملة على أساس “المضاربة”. يعني المشاركة في العمل ورأس المال. ويقال على من يقوم بالعمل المضارب والذي يمثل رأس المال رب المال.
وبإعطاء الترخيص للمضارب على أن يقوم بالخدمات المصرفية ظهرت البنوك المشاركة (أي البنوك اللا ربوية) ولها أن تقوم بجميع الخدمات المصرفية غير الربوية. فالنظام الذي تطبقه “المؤسسات التمويلية الخالية من الربا” على المضاربة بطريق غير مباشر أسميناه في هذا الكتاب بـ “نظام المشاركة”.
توجد المضاربة أي المشاركة بين البنوك المشاركة وأصحاب الأموال. وتسمى هذه المشاركة في تركيا المشاركة في الربح والضرر. وتتعهد البنوك المشاركة أن تتقاسم ربح الأموال التي جمعتها من أجل المشاركة مع شركائها. ولو حدث الضرر يخصم من أموال الشركاء. أما حصة البنوك المشاركة من الضرر هي عدم كسب الربح. أي أنها تخسر عملها فقط. أما ما تحصل عليه بالخدمات المصرفية فهو لها. لأنها لا تدخل تحت المشاركة في الربح والضرر.
والقروض الربوية هي ممارسة معروفة على مدى العصور. وكان قديما يمكن أن يقوم بها الأغنياء فقط ولكن بظهور نظام الإئتمان أصبح كل من يملك كمية من المال سواء كانت قليلة أم كثيرة يستطيع أن يقوم بممارسة القروض الربوية. فيقرضون للبنوك والبنوك تقوم بإقراض ما تجمع من الأموال إلى من يطلبها على عائد ربوي.
والمضاربة كذلك ممارسة معروفة على مدى العصور. ولكن كان قديما لا يستطيع المضاربة إلا من يملك كمية كبيرة من الأموال. ولكن بظهور نظام المشاركة أصبح يقوم بها من يملك كمية قليلة من الأموال. تقوم البنوك المشاركة بجمع أموالهم وتقوم باستثمارها كتاجر خبير. ولا يقوم البنوك المشاركة بالإقراض. لأن الربح من القرض يكون ربا. ولا يمكن له أن يقرض بدون الربا لآنها ليست مؤسسة خيرية أو تعاونية. فالقروض غير الربوية لا تكون إلا في التعاملات البسيطة. لأن مساعدة أحد ليقيم مشروعا ثم عدم المشاركة في الربح مخالف لطبيعة الإنسان. لذا يصعب إقامة المشروع بجمع الأموال عن طريق غير ربوي.
الطريق الوحيد في جمع الأموال غير الربوية هو المشاركة. وهي مشاركة تقام بدون أن يشارك صاحب المال في العمل. لذا يقوم بهذه العملية البنوك المشاركة.
وفي الصفحات التالية نقف على البنوك لنعرفها جيدا.
البنك
البنك، مؤسسة تقوم بالخدمات المصرفية والمراباة بالأموال التي جمعتها. وأصل كلمة البنك “banca” وهي كلمة إيطالية تعني شباك أو مكان فك النقود.[1] وقد انتقلت الكلمة إلى العربية على شكل البنك وتستعمل كلمة المصرف في اللغة العربية بمعنى البنك.
وقد أسس في العالم الإسلامي أول بنك في مدينة اسطنبول عام 1849 ميلادية باسم “البنك الاسطنبولي”.[2] وبمرور الأيمام بدأ يزداد عدد البنوك في العالم الإسلامي.
وللبنوك مهمتان أساسيتان؛ إحداهما: الخدمات المصرفية. والأخرى: منح القروض. ويطلق عليه الوساطة المالية؛ لأن البنوك تقوم بجمع الأموال من المودعين ثم تمنح القروض إلى من يطلب.
الخدمات المصرفية
الخدمات المصرفية هي؛ التحويل، وإصدار الشيكات، وخطاب اعتماد، وتوفير بطاقات الإئتمان، وقبول الودائع، وتحصيل الفواتير، والحسومات (الخصومات)، ومعاملة الخصم بعد الخصم مرة ثانية، وتقديم خطابات الضمان وقبول الأمانة، وفتح الإعتمادات المستندية والخ… ومعظم هذه الإجراءات تتم مقابل أجرة معينة بعيدة عن المعاملة الربوية. ويقوم البنك كذلك ببيع النقود، والذهب والفضة والعقارات وشرائها.
الإئتمان
الوظيفة الرئيسية للبنوك، هو التوسط بين من يملك المال وبين من يحتاجه، وإقراض ما يأخذ من صاحب المال إلى من يحتاج. وهي تقوم على ركنين؛ أحدهما الوديعة والثاني الإئتمان.
الأول. الودائع
الأموال التي يجمعها البنك من القروض يطلق عليها اسم “الودائع”. والودائع تكون على قسمين؛ الودائع المؤجلة، والودائع الجارية. والودائع المؤجلة تحتوي على الربا أي يحسب لها فوائد شهرية، أما الودائع الجارية لا تحتوي على الربا أي أنها تكون بدون فوائد.
الودائع الجارية ليست عبئا على البنك بل إنها توفر للبنك فرص هامة. ومن أجل ذلك فهي تبذل جهودا في الحصول على الودائع الجارية. الشيكات وبطاقات الإئتمان ووسائل الدفع مثل خطابات الضمان أوجدت من أجل هذه المهمة.
الثاني. الإئتمان
الإئتمان هو القرض الربوي. تمنح البنوك قروضا من الودائع التي تجمعها. والودائع المؤجلة لا يمكن سحبها قبل الأجل إلا في الحالات الطارئة. والودائع الجارية يمكن سحبها في أي وقت شاء. ولكنهم شهدوا بتجاربهم عدم حدوث تغيير كبير على الودائع الجارية. لأن الحسابات الجديدة تسد الفراغ الحاصل من سحب بعض الحسابات. وعلى ذلك يمكن للبنوك منح القروض من الودائع الجارية. لكن يجب إبقاء جزء معين من الودائع الجارية لتلبية الطلبات. ويمكن تسمية هذا الجزء بالإحتياطات اللازمة للحالات المتوقعة. والسلطة السياسية تفرض على البنوك جعل أموال مقابل الودائع التي تم تحويلها إلى الإئتمان. ويطلق عليها اسم “أموال إضافية”.
البنوك المشاركة
البنوك المشاركة مؤسسة تعمل بنظام الشراكة وتقدم الخدمات المصرفية. الأموال التي جمعتها البنوك المشاركة عن طريق منح فائدة شهرية أي مقابل الربا، تجمعها على أساس عقد المشاركة في الأرباح والخسائر. كما أن البنوك المشاركة لا تعطي الائتمان، وتعمل بصفة التاجر الذكي والمهتم بالمستقبل. الأموال التي يتم جمعها من قبل البنوك المشاركة تسمى صندوق المشاركة، كما يسمى الحساب الذي تستخدم فيه هذه الأموال حساب المشاركة.
حساب المشاركة، هو حساب يتكون من الأموال المودعة في البنوك المشاركة على أساس الشراكة في الأرباح والخسائر، بدون أي ضمان لصاحب المال بدفع فائدة له أو إعادة رأس المال إليه.
وصندوق المشاركة، هو الأموال المودعة عند البنوك المشاركة بفتح الحسابات الجارية الخاصة أو الحسابات المشاركة من قبل الأشخاص و المؤسسات.
يتم توفير رأس المال في الإقتصاد الإسلامي عن طريق المشاركة وليس عن طريق الإئتمان. والنظام الإئتماني كما قلنا سابقا يقوم المعاملة الربوية. وأن الإسلام قد حرم الربا.
منذ القرن السادس أسس الغرب مستعمرات في أمريكا وأفريقيا وفي أماكن أخرى من العالم واكتسبت في مطلع القرن العشرين مستعمرات جديدة. وبإضافة مستعمرات جديدة تشمل المناطق الإسلامية الغنية قامت بإنشاء البنوك ومشروعات التنمية الإقتصادية بالأموال المتأتية من تلك المستعمرات، ونفذت بها التحركات الجديدة في الساحة الإقتصادية. وقد حرص الإقتصاديون الغربيون في كتبهم على جذب الإنتباه للمستعمرات، ولفت النظر إلى أن التنمية لها علاقات وثيقة مع النظام المصرفي. وقد دخلت هذه النظريات في الكتب الدراسية في الكليات الإقتصادية في العالم الإسلامي بتأثير غربي.[3]
وعلى رأيهم فإن التنمية تكمن في جمع رأس المال. و جمع رأس المال لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال البنوك. والنظام المصرفي لا يصلح إلا بالقروض الربوية. وتحريم الربا، تحريم للنظام المصرفي وبالتالي أنه (أي تحريم الربا) يشكل عائقا أمام التنمية الإقتصادية. وما يومئ إليه الغربيون ومؤيدوهم أن الإقتصاد الإسلامي لا يتجاوب مع الحاجات الإقتصادية لهذا العصر. وقد أحدث هذا الفكر خلطا في أذهان الكثيرين من المسلمين.
النظام الإسلامي لا يقف عاجزا عن إدارة دفة الإقتصاد نحو التنمية، فهناك نظام الشراكة في مواجهة نظام الإئتمان. وبهذا النظام يمكن القضاء على سلبيات نتجت عن الإئتمان، ويمكن به جمع رأس المال وهو نظام معروف على مدى العصور.
صحيح أن تحريم الربا يعطل نظام الإئتمان، وهذا مطلب بحد ذاته. منذ القرنين الماضيين قد تركز الإهتمام على نظام الإئتمان تحت تأثير غربي فأهمل نظام الشراكة حتى يكاد ينسى. وهذا أدى إلى فساد التوازن في توزيع الدخل والثروة المالية. ونظام الشراكة هو الذي يمكن به إعادة التوازن المعطل إلى مجراه الصحيح. لذلك يجب تقديم نظام الشراكة إلى المجتمع البشري من جديد.
و يمكن الإشارة إلى اثنتين من الإبتكارات التي أضافها الغربيون إلى نظام الائتمان؛ إحداهما: تأسيس البنوك لتوفير رأس المال بجمع الأموال المتفرقة. والأخرى: إنشاء آليات لإنتاج النقود المسجلة.
إن البنوك تحتكر اليوم جميع النقود بما فيها النقود المتداولة في الحياة اليومية. وبهذا قد أصبحت الحكومات والأسواق تحت سيطرة البنوك. والنقود بمثابة الدم في الجسم، فاستعمالها حسب طلبات الأشخاص المعينين وعدم مراعاة القواعد الخاصة بها يؤدي إلى كارثة كبيرة. وهذا أمر واضح للغاية.
وعملية تكوين رأس مال كبير بجمع المدخرات الصغيرة يتم بنظام المشاركة أيضا. ولا يوجد في هذا النظام السلبيات الناجمة عن الربا. لأنه نظام بعيد عن المعاملات الربوية.
والإبتكار الثاني الذي جاء به الغربيون هو الآليات لإنتاج النقود المسجلة. وقد أفسدت هذه الآليات التوازن، وجلبت إلى حياة الإنسان المعاصر التضخم والظلم في توزيع الدخل، والطبقات الإجتماعية، والإرهاب والعديد من المشاكل الأخرى. وقد بينا موضوع “النقود المسجلة” من قبل تحت عنوان “الأوراق النقدية”.
فرق البنوك المشاركة
كما يوجد الفرق بين البنوك الربوية والبنوك المشاركة يوجد بينهما التشابه. والذي ينظر إلى ما بينهما من التشابه يقول إن البنوك الربوية كالبنوك المشارك تماما. وأما من نظر إليهما من حيث الفروق الموجودة بينهما قال إنهما مؤسستان مختلفتان. لأن الفروق هي التي تميز الشيء عن الآخر. يوجد بين الرجل و المرأة نواحي متشابهة ولكن نقول للأول رجل وللأخرى امرأة بسبب الفوارق الموجودة بينهما. والفرق الأساسي الذي يفرق البنوك المشاركة عن البنوك الربوية أن البنوك المشاركة تعمل على أساس الشراكة أما البنوك الربوية تعمل على أساس الإئتمان. قال الله تعالى: “وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ” (البقرة، 2/ 275). البنوك المشاركة تعمل بصفة التاجر في البيع والشراء فيما أحل الله تعالى. أما البنوك الربوية فتعمل بالقروض الربوية فيما حرم الله تعالى. أي أن إحدى المؤسستين تكسب من التجارة والأخرى تكسب من الدين.
وقد أثبتنا فروقا بين البنوك الربوية والبنوك المشاركة وهي كالتالي:
تجمع البنوك الربوية الودائع مقابل الربا. أما البنوك المشاركة فتجمع الودائع على أساس الشراكة في الأرباح والخسائر. وتفتح لأصحاب المال حسابا يسمى بـ “حساب المشاركة”.
وعلاقة البنوك الربوية مع أصحاب الودائع هي علاقة الدائن بالمدين. لذا لا يشارك الطرف في ضرر الطرف الآخر. أما العلاقة في البنوك المشاركة مع أصحاب الودائع هي علاقة الشراكة فيتأثر كل طرف من الطرفين بضرر أو ربح الطرف الآخر.
البنوك الربوية تقرض الودائع على شرط الربا وتربح عن طريق الإئتمان. أما البنوك المشاركة لا تقرض وتربح عن طرق التجارة. وعلاقتها مع المشتري هي علاقة تجارية.
البنوك الربوية تطلب من المدين إعادة الدين حين تتوقع وقوع خطر في الأوضاع المالية قبل حلول الأجل. وفي حالة عدم قدرة الميدين على سداد دينه قبل حلول الوقت تقوم بفرض الربا الإفتراضي عليه وتحويل الضمانات إلى النقد وغيرها من الإجراءات الصارمة التي تجلب على المشتري أي المدين كل الصعوبات والمشاكل. وعلى سبيل المثال: من الممكن أن تطلب البنوك الربوية من المدين أن يسد ديونه التي استقرضها لمدة سنتين خلال 15 يوما إذا ظهر للبنوك أن حالته سيئة. وإذا عجز عن سد دينه في هذه المدة فرض عليه الربا الإفتراضي وزاد عليه في المعدل الربوي من طرف واحد. وهذا قد يؤدي إلى إنهيار المشروعات الكبيرة بسبب ديون قليلة. ومن أجل ذلك لا يمكن لمن يتعامل بالربا أن يرى المستقبل رؤية صحيحة.
والمتعامل مع البنوك المشاركة لا يرى هذه المشاكل والصعوبات. ولا يمكن طلب سداد القرض في نظام المشاركة قبل الموعد لأنها مشروعات تجارية. كما أن البنوك المشاركة مشتركة مع عملائها في الأرباح والخسائر. لذا يمكن للمتعامل مع البنوك المشاركة أن يرى المستقبل رؤية صحيحة ويتحرك ببصيرة.
يمكن للبنوك المشاركة أن تقرض عملاءها قرضا حسنا أي بدون الربا. ولا يجوز أن يختلط به الإئتمان. الإئتمان يكون بالربا. أما القرض الحسن يكون بدون الربا. كما يجوز طلب سداده في أي وقت شاء بدون أن ينتظر حلول الوقت. لذا ليس من السهل الحصول على القرض الحسن فكذلك من الصعب القيام به بمشروع تجاري. فهو عبارة عن التعاون المادي بين الأشخاص المعينين المتعارفين المتواثقين فيما بينهم.
ومن ناحية استعمال الشيكات تختلف البنوك الربوية عن البنوك المشاركة. تفتح البنوك الربوية الحساب الجاري بأسماء الأشخاص الذين أعطوهم الإئتمان وتسجل فيه الديون ويتم استعمالها عن طريق الشيكات. وهذه الديون التي سجلت على اسم المشتري لا تخرج من البنك وتقرض لمشترٍ ثانٍ وثالث وتتسلسل هذه العملية إلى أشخاص كثيرين. وهذه الأموال المسجلة لا وجود لها في الخارج وتقدم إلى الأسواق عن طريق الشيكات. وفي الحقيقة يصنع البنك المركزي النقود، ولكن النقود المسجلة جعلت البنوك صانعة الكمية الهائلة من النقود. وهو من أهم عوامل التضخم وارتفاع الأسعار. لأن الأوراق النقدية المصنوعة من قبل البنك المركزي تكون بدون الربا، أما النقود السجلة المصنوعة أي الشيكان الصادرة من قبل البنوك تكون بالربا.
والبنوك المشاركة مؤسسة تجارية؛ ولا تقوم بصناعة النقود المسجلة. بل هي تقوم بالبيع والشراء كأي تاجر من التجار.
البنوك الربوية تختلف عن البنوك المشاركة من حيث حاجتها لمتطلبات الإحتياطي وكفاية رأس المال.
الودائع هي القروض التي حصلت عليها البنوك من أصحاب الأموال. والنقود المسجلة ليست كالنقود الأخرى، ويجب على البنوك تعويضها. تكون البنوك مدينة حسب ما تصنع من النقود المسجلة. لذا تحتاج البنوك لأخذ التدابير اللازمة؛ لأنه من المحتمل أن يكون نهاية الإئتمان خسرانا. فمن أجل ذلك تقوم البنوك بتوفير رصيد إضافي للخزانة ومتطلبات الإحتياطي وكفاية رأس المال.
لا تقرض البنوك الربوية جميع الودائع بل تبقي كمية معينة لدفع قروض الشيكات المخصصة. كما أن البنك المركزي يمنع البنوك أن تقرض إلا داخل الحدود المعينة ويفرض عليها متطلبات الإحتياطي. وقد فصلنا هذا الموضوع من قبل تحت عنوان “النقود الورقية”.
وقد ثبت أن معدل الخسارة في الإئتمان لا يتجاوز 8 في المائة. لذا يكفي للبنوك أن توجد لديها 8 في المائة نقدا من مجموع الودائع. أي إذا كان البنك يملك 100 وحدة من الودائع عليه أن يبقي عنده 8 وحدات ليستطيع الدفع في حالة إفلاس قرض. وتزداد الحاجة إلى متطلبات الإحتياطي حين تسوء الأوضاع الإقتصادية.
وعلى سبيل المثال إذا جمع البنك 1000ليرة، 500 ليرة منها مؤجل و500 ليرة تحت الطلب، وقام البنك بتحويل هذا المبلغ كله إلى القروض وخصص 10% لمتطلبات الإحتياطي و10 % لرصيد احتياطي للخزانة فيكون مجموع القروض 5.000 ليرة. ولظهور هذه الأموال في الحساب كالودائع، يكون مقدار كفاية رأس المال لها 400 ليرة.
ويكون هناك حاجة لأخذ التدابير الإضافية مثل تأمين الودائع المدخرة لأن متطلبات الإحتياطي وكفاية رأس المال لا تكفي لتوفير البيئة الآمنة اللازمة.
والبنوك المشاركة مسئولة تجاه أصحاب حساب المشاركة بما تقوم من الجهد والعمل فقط. لذا لا تكون عندها مشكلة كفاية راس المال و لا تحتاج إلى متطلبات الإحتياطي. لأنه الطرف الذي يقوم باستعمال المال في المضاربة أي أنه مضارب. والمضارب لا يقرض كما أنه لا يضمن الربح ولا رأس المال. فليس هو إلا التاجر الماهر الذي يهمه المستقبل وهو يقوم باستثمار الأموال المدفوعة له. إذا ربح تقاسم مع رب المال. وإذا لم يربح خسر عمله وجهده وسلم الأموال إلى صاحبها. أما الخسارة فيتحملها صاحب الأموال، ويكفي للمضارب أنه خسر عمله وجهده. وهذه البنية كذلك لا تحتاج إلى متطلبات الإحتياطي.
ومن الممكن أن تفرض الدول على البنوك المشاركة كفاية رأس المال، لأن معظم أصحاب الودائع المتعاملون مع البنوك المشاركة يثقون بالدولة التي تسيطر عليها، وليس على إدارة البنوك. وهذا يجعل من السهل أن تفرض التعويضات على مخالفي القانون. وتحتاج البنوك المشاركة إلى رأس المال الكبير لتكسب ثقة أكبر من البنوك الأخرى.
قانون المصارف رقم 5411، لم يجعل البنوك المشاركة كالبنوك الأخرى من حيث كفاية رأس المال. والمادة المتعلقة بهذا الموضوع هي المادة 45 وهي على النحو التالي :
“كفاية رأس المال؛ هي التحفظ على كمية من رأس المال الأصيل تجاه الأضرار المتوقعة من الأخطار التي قد تحدث لدى تطبيق هذا القانون. وعلى البنوك أن تدوم في إبقاء والإبلاغ عن 8 % من رأس المال الأصيل وفقا للوائح المنصوص عليها في القواعد والإجراءات التي نظمتها الوكالة (وكالة التنظيم والرقابة المصرفية).”[4]
تحتلف البنوك المشاركة عن البنوك الربوية من ناحية الفعالية والإنتاجية؛ والإنتاجية تعني الربحية. وإنتاجية المؤسسة هي أن تربح في وقت معين ما يمكنها من مواصلة وجودها بين الأوساط التجارية.
الفعالية؛ هي إمكانية تحويل الأموال الى المناطق المهمة من أجل المساهمة في النمو الإقتصادي والقدرة التنافسية والإستقرار فيه. والقروض المصرفية يبدو أنها تساهم على النمو الإقتصادي والقدرة التنافسية على المدى القصير ولكنها تفسد التوازن والإستقرار وتجلب الضيق على السوق على المدى الطويل. لهذا السبب لا يمكن الكلام حين نتكلم عن البنوك الربوية إلا عن آثارها السلبية. وقد أشرنا إليها في موضوع “الربا” من هذا الكتاب. وعلى البنوك المشاركة أن تخصص رأس مالها إلى المناطق المحتاجة إليها، لأنها لا تقوم بتقديم الإئتمان، وإنما تدخل الأسواق. فآثارها الإيجابية على النمو الإقتصادي واضحة على خلاف البنوك الربوية.
المصارف سوف تزيد من سرعة دوران العملة. لأن الفائدة (الربا) التي تحصل عليها، والتضخم الناتج من الربا سيؤديان بالناس إلى الفرار من المال وعدم الحفاظ على النقدية وصرف الأموال بدون تفكير. وسرعة دوران العملة يزيد في مقدارها ويلعب دورا في خفض قيمتها.
والبنوك المشاركة لا تزيد سرعة دوران العملة. لأن نظامها لا يسبب التضخم. فهي ليست إلا التاجر المتعامل بالرأس المال الكبير.
البنوك المشاركة لا تتسبب في التضخم لأنها لا تقوم بصناعة النقود المسجلة ولا تقدم الإئتمان.
والبنوك الربوية تزيد حجم النقود إما بصناعة النقود المسجلة بأضعاف ما عندها من الودائع وإما بكونها سببا في زيادة سرعة دوران النقود، وبإضافة ارتفاع الأسعار الناتج عن الربا أصبح نظام البنوك الربوية من أهم أسباب التضخم وارتفاع الأسعار.[5] أما البنوك المشاركة لا تحمل في طياتها هذه السلبيات. وقد بينا الموضوع سابقا تحت عنوان “النقود المسجلة”.
البنوك المشاركة يمكن أن تستخدم الودائع بطريقة رشيدة. والمدين بالربا من السهل الوقوع في المتاعب. ولكي يقلل من المشاكل فهو سيضطر إلى أن يستخدم تلك الإتمانات في حاجاته القصيرة المدى. ولذلك يمكن في كثير من الأحيان الإستثمار على المدى المتسوط أو الطويل إعتمادا على الإئتمانات المصرفية الربوية.
كما أنه يتعين على المقترض الحصول على أرباح عالية. ذلك لو انخفضت الأرباح إلى أقل مما يدفع من النسبة الربوية فهو سيقع في مشاكل ربما تؤدي به إلى الإفلاس. لأن البنوك الربوية لا تقبل ضرر المقترضين.
والبنوك المشاركة لا تتسبب في مثل هذه المشاكل لأنها لا تقوم على الإئتمان (تقديم القروض الربوية). وهي تقوم مع الزبائن بالمعاملة التجارية أو الشراكة (المضاربة) أو التأجير. ولا تحمل على الزبائن عبئا إضافيا.
يمكن عقد الشراكة مع البنوك المشاركة على الأجل المتوسط أو الطويل. والبنوك المشاركة تشترك مع المستثمرين في مواجهة الأخطار. لأنها تشترك معهم في الضرر والأرباح.
تعمل البنوك المشاركة في بيئة أكثر راحة. أما البنوك الربوية فتتكون أموالها من الودائع. لو يمكن لأصحاب الودائع تحت الطلب سحب أموالهم بدون قيد بأي وقت، وكذلك أصحاب الودائع المؤجلة بشرط التخلي عن الفائدة الربوية_ لو أمكن لهؤلاء سحب رؤوس أموالهم فقط، فليس من الممكن الوفاء للودائع المطلوبة المفاجئة بما يوجد لدى البنك من الرصيد الإحتياطي. وفي هذه الحالة، سوف يهرع الناس إلى شبابيك البنوك ويمكن أن يجعلوها عاجزة عن العمل وربما يؤدي ذلك إلى انهيارها.
ولا تحدث مثل هذه المشاكل في البنوك المشاركة. لأن كل واحد من أصحاب حساب المشاركة شركاء المؤسسة (البنوك المشاركة) في الأعمال التجارية. ولا تقوم البنوك المشاركة بسحب الودائع في الضيق ولا ينشأ الذعر؛ لأن من يريد السحب يتعين عليه أن يلتزم بشروط الشراكة.
البنوك المشاركة توفر الفرص للأرباح الحقيقية.
وما يأخذه أصحاب الودائع من الفوائد المصرفية كثيرا ما تكون أقل من معدل التضخم. ومن أجل ذلك يمكن أن نقول أن أصحاب الودائع هم ضحايا التضخم المتطوعين. وعلى سبيل المثال: فإن ثروة من أودع للسندات في تركيا سنة 1935 مع ما فيها الفائدة المركبة 7% ودخله الصافي بالإضافة إلى رأس المال الأصلي قد نقص في سنة 1975 من قيمتها 17% وفق مؤشرات الغرفة التجارية باسطنبول. أي أن هذا الشخص قد خسر من ماله بمعدل 83 %. في الواقع أن الأمر في كل مكان على مقربة منه. أي أن مقدار مدخرات الناس مستمرة في السقوط. وعلى سبيل المثال كان مجموع الأموال التي يدخرها الناس تقدر ب 80% من دخولهم، وقد نزل هذا المعدل في عام 1960 إلى 42-45% تقريبا.[6] وفي عام 2006 قد غاب مصطلح المدخرات بين الناس. وقد بدأ الناس يستهلكون ما سيربحونه في المستقبل بالبطاقات الإئتمانية.
والبنوك المشاركة تعطي لأصحاب الحساب في المشاركة قسطا من الربح. والربح لا يتحقق إلا أن يربح ما يفوق التضخم. من أجل ذلك يجب عليها حماية ودائع المشاركة ضد التضخم وإعطاء القسط لأصحاب حساب المشاركة. كما أنها تأخذ قسطا من الربح الحقيقي.
تشغيل البنوك المشاركة
البنوك المشاركة تجمع الودائع على أساس الشراكة في العمل ورأس المال (المضاربة) وتقوم بالوساطة المالية باستخدامها كتاجر ذكي ومهتم بالمستقبل كما تقوم بالخدمات المصرفية.
الوساطة المالية
الوساطة المالية هي القيام باستخدام ما جمع من الودائع على أساس شروط معينة.
تقبل البنوك المشاركة الودائع المؤجلة وتحت الطلب. وتقبل الودائع المؤجلة وفقا لشروط الشراكة. وقسم كبير منها لشراء البضائع التي يريدها الزبائن. وتقوم بإجراء التحقيق في حق الزبائن لأنها (أي البنوك المشاركة) تشتري نقدا وتبيع إلى الأجل. وتأخذ منهم الرهن والكفالة وغيرها من الضمانات. وكذلك تقوم البنوك المشاركة بالإجراءات مثل السلم، والإستصناع، والمضاربة، والمساهمة، والإستيراد، والتصدير، والإجارة. وتؤسس الشركات أو تشتري البضائع اللازمة للمصانع والمواد الخام وتبيع لها إلى الأجل أو تؤجر لها إن لزم الأمر. وبهذا قد أصبحت البنوك المشاركة الوسائط المالية بين أصحاب الودائع وبين من يحتاج إليها. وتقوم الوساطة المالية على ركنين اثنين. أحدهما جمع الودائع. والثاني تشغيلها.
جمع الودائع
يفتح أصحاب الودائع في البنوك المشاركة حسابين؛ الحساب المؤجل والحساب تحت الطلب. ويقال عن الحساب تحت الطلب الحساب الجاري وعن المؤجل حساب المشاركة.
الحساب الجاري الخاص
الحساب الجاري الخاص يعمل على أساس القروض غير الربوية. ويمكن للمؤسسة أن تستعمل هذه الأموال؛ ويلزم عليها الدفع من الربح. ويمكن سحب الودائع في أي وقت. وتقدم المؤسسة لأصحاب الحساب الجاري دفتر الشيكات وكذلك تقدم لهم خدمات أخرى مثل تحصيل الشيكات والسندات والتحويل.
حساب المشاركة
ويقال عنه أيضا المشاركة في الربح والضرر. ومتابعة الأموال التي جمعت كرأس المال للشراكة تكون من هذا الحساب. ولا بد من التزام شروط المضاربة والمشاركة. ولا يعطي الضمان لإعادة رأس المال لأصحاب الودائع ولا يحدد لهم مقدار الربح قبل انتهاء المشروع. وبعد أن يتم المشروع والإستثمار تقسم الأرباح إلى أصحاب الأموال وفق شروط المضاربة أو الشاركة.
ويمكن لأصحاب الودائع السحب قبل حلول الأجل بشرط التبليغ بذلك من قبل. وإذا لم تكن الودائع قد استعملت ينقص منها قدر ما سحبت. وإذا استعملت الودائع وكان تمامها عند المدين فعلى صاحب الودائع الإنتظار حتى يتم التحصيل من المدين. وإذا كان نصف الودائع في يد المدين ونصفها في البنك يمكن الدفع نقدا لصاحب الودائع كجزء من رأس المال ويحسب عن الودائع مع التراضي. والبنوك المشاركة دائما تأخذ هذه الحالة الأخيرة لأنها جمعت الودائع من المودعين الكثيرين. فيمكن الدفع لأصحاب الودائع جزئيا أو كليا بفسخ الإتفاق المبرم معهم.
ويمكن للبنوك المشاركة على خلاف البنوك الأخرى القيام بالتأجير. لذا تخصص البنوك المشاركة صندوقا من بعض الودائع لهذه المهمة.
تمويل الأموال للمستثمرين
التمويل هو إعطاء الأموال اللازمة. تقوم البنوك المشاركة بتوفير الموارد المالية للمستثمرين بتوفير الأموال والخدمات اللازمة.
توفير الأموال
توفير الأموال في النظام الشراكي يكون عن طريق المضاربة أو المشاركة فقط. وكلاهما شراكة تجارية. تكون الشراكة على أساس المشاركة في الأرباح والخسائر الناتجة عن أفعال مستخدم الودائع من الأشخاص أو المؤسسات. كما تكون على أساس الشراكة في الأرباح والخسائر الناتجة عن أفعال معينة.
المضاربة
المضاربة هي أن يدفع رجل ماله إلى آخر ليتجر له فيه على أن ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه. ويشترط بيان الشروط التي على أساسها يقسم الربح. وبهذا توفر الفرص في الإستثمار لمن لديه مال ولكن ليس له القدرة ليقوم بالإستثمار أو من عنده القدرة وليس لديه مال ليتاجر به عن طريق المضاربة.
وعلى البنوك المشاركة أن توفر الأموال اللازمة للمشروع، وعلى صاحب المشروع القيام بكل ما يلزم من الأعمال وبهذا تتحقق المضاربة. وللمؤسسة الممولة أخذ رأس المال مع الربح، إذا كان المشروع تم بالأرباح. أما إذا انتهى المشروع بالخسائر فلها رأس المال بدون الربح. وبهذا قد تم مشاطرة الأخطار بينها وبين صاحب المشروع. وفي النهاية لم تكسب البنوك المشاركة ربحا، وخسر صاحب المشروع ما بذل من الجهد والعمل. وتحمل الخسائر في المضاربة على الأموال وبالتالي فالبنوك المشاركة هي التي تتحمل الخسائر المالية.
المشاركة
المشاركة هي كل شراكة أقيمت لإجراء النشاطات التجارية. يشترك فيها كل طرف من الأطراف بمال سواء كان قليلا أم كثيرا. وكيفية تقسيم الربح توضح في عقد المشاركة. ولا يصح عقد المشاركة ببيان معدل أو كمية الربح مسبقا. كبيان الربح مثلا 20 في المائة، والمشاركة بهذا الشرط فاسدة ويعاد المال إلى صاحبه. ولو استعمل الطرف الثاني المال فهو يتحمل كل ما يترتب عليه من الخسائر والأخطار كما له الأرباح في حالة وجود الربح.
والشراكات التي تعقدها البنوك المشاركة محدودة بالقيام بأعمال معينة. يعني تقام الشراكة على بيع سلعة ما أو شرائها أو تصنيعها أو تسويقها، وينتهي الشراكة بإنتهاء تلك الأعمال. ولا مانع في إقامة الشراكة على تشغيل المؤسسة التجارية أو الصناعية.
يتعرض المال في الشراكة للخطر سواء كانت على شكل المضاربة أو المشاركة، فلا توجد أعمال في الحياة الإقتصادية تخلو من الخطر. وتتخوف البنوك دائما من عدم عودة القروض بالرغم من أخذها جميع التدابير اللازمة. وبالرغم من ازدياد الخوف في المضاربة والمشاركة. إلا أن الأمل يجعلهم يدخلون في الخطر. ولا ننسى أن المشاركة والمضاربة هما المحركات الأساسية للحياة الإقتصادية. وبدون المشاركة والمضاربة لن يكون هناك قروض مصرفية ولا تمويل لاربوي. والخطر على هذه المؤسسات هو خطركذلك على البنوك المقرضة والممولة. لذا لا يمكن لأي بنك من البنوك أن يبقى بعيدا من الأخطار الإقتصادية الحقيقية. كما أن جميع البنوك تؤسس على أساس الشراكة وتتعامل مع المؤسسات التابعة لنظام الشراكة. وعلى هذا نقول إن الفرار من الإقتصاد الحقيقي هو الحرمان من الحصول على الأرباح المحتملة عليها.
فيجب العمل على تقليل الأضرار وأخذ التدابر لرفع معدل الربح بدل الفرار من الشراكة. وأهم شيء هو انتشار الأخطار. وعلى البنوك المشاركة زيادة عدد المشاركات والمضاربات بتحديد رأس المال الذي يدفع إلى كل من الشركاء. فربما يخسر الواحد ويربح الآخر. وبهذا يمكن تجنب الإنهيار التام بتصفية خسائر الواحد بأرباح الآخر. لأنه لا يتوقع خسران الشركاء كلهم في الوقت نفسه.
ولا بد في المضاربة من تفاصيل المشروع ومراقبة صرف الأموال وفق موجبات المشروع. وإلا ربما يكون المضارب مهملا في بذل العناية اللازمة. أما في المشاركة فينبغي الإنتباه إلى أن يدفع الشريك المزيد من رأس المال. وزيادة ما يدفع الشريك من الأموال يجعله متيقظا في أعماله وبالتالي يزداد احتمال ارتفاع الأرباح.
توفير البضائع
تشتري البنوك المشاركة البضائع المحلية والأجنبية على الحال، وتبيعها مؤجلا أو تؤجرها. ولتحقيق هذا الغرض تقوم البنوك المشاركة بعقد البيع المؤجل والسلم والإستصناع أو التأجير.
المرابحة
المرابحة، هي بيع بشترط فيه الإعلان بجميع التكاليف والأرباح إلى المشتري. وكل الصفقات التجارية التي تجريها البنوك المشاركة تكون مرابحة لأن المشتري يعرف قدر ما تربح بالتفاصيل.
تشتري البنوك المشاركة بالحال وتبيع إلى الأجل. فتوفر الفرص للبائع أن يبيع البضائع في الحال وللمشتري أن يشتري إلى الأجل. وبالرغم أن بيع السلع بالحال شيء مرغوب فيه، فلا غنى عن البيع إلى الأجل. ولا يمكن لمن ليس لديه نقود أن ينتظر بدون طعام ولا شراب، فلا بد له أن يشتري إلى الأجل للحاجة. وهي حاجة لا مفر منها لكل إنسان.
ومن الممكن أن يكون سعر الحالي مختلفا عن السعر المؤجل. وهذا الفرق ليس بربا. لأن الربا ما يزاد في الدين. أما في البيع فتختلف الأسعار حسب اتفاق الطرفين، إذا كان الأجل والسعر في البيع المؤجل معلومين فالعقد جائز. فإختلاف السعرين الحالي والمؤجل ليس مهما في البيع والشراء.
لدينا سمعة سيئة لكلمة “المرابحة”. بسبب استعمالها في العهد العثماني بمعنى “المعاملة الشرعية”.
وكانت المعاملة الشرعية تجرى حينذاك لإظهار الربا في صورة الربح. وعلى سبيل المثال: يقول المقرض والسلع بين يديه للمشتري (لمن يريد القرض) بعتك هذه السلع بـ 1000 ليرة ويشتريها المستقرض (المشتري) ويتم التقابض. ثم يقول له تبيع هذه السلع بـ 1100 ليرة على أن أدفع ثمنها بعد سنة واحدة فيقبل المستقرض ويبيعها إلى المقرض ويتم التقابض وبهذا تم استقراض 1000 ليرة المطلوبة بنسبة ربوية قدرها 10 في المئة. أي شراء 1000ليرة مقابل 1100ليرة. وهي معاملة ربوية في صورة البيع والشراء كانت تسمى بالعهد العثماني بـ “المعاملة الشرعية أو المرابحة”. وكانت المعاملة الشرعية تجرى في طرق مختلفة. ومنها مثلا: كان في البنوك الموجودة في العهد العثماني ساعة في صندوق يسمى صندوق الأمن، وكانت تلك الساعة تباع عدة مرات وتمنح للبنك ليصبح الربا مشروعا. وكانت مؤسسات وقفية كثيرة تقوم بهذه المعاملة حينذاك. كانت تقرض للناس مقابل الربا وللفرار من الوقوع في الربا في الظاهر تقوم بتلك المعاملة ليصبح الربا حلالا ومشروعا. وقد بينا هذا الموضوع سابقا تحت عنوان “الحيل الربوية في النظام غير الربوي”.
والطريق الآخر من الحيل الربوية المرابحة. كانت تجرى المعاملة الشرعية لإعطاء صورة البيع للمعاملة الربوية. ولم تكن ضمائر الناس تقبل مشروعية هذه المعاملة لذا كثر استعمالها بمعنى الربا.[7]
والمرابحة في العهد العثماني كانت بيعا في الظاهر فقط. أما ما يجرى في البنوك المشاركة من الصفقات التجارية فلا بد أن تكون بيعا حقيقيا. والبنوك المشاركة تبحث عن المشتري أولا وحين تجد المشتري تشتري البضائع. ولذا ترسل البضائع المبتاعة إلى المشتري، وهذا النوع من البيع قلما يكون في حياتنا اليومية. ولذلك عده الكثيرون بيعا في الظاهر فقط، مع أنه بيع حقيقي. كما أن هناك الكثير من المؤسسات تقوم بهذا البيع. وعلى سبيل المثال: من يقوم ببيع بضائع مصنع الطوب يحوِّل الطلبات إلى المصنع مباشرة ويبيع في اللحظة التي تم فيها الشراء. ومن ثم يتم شحن المبيع إلى العنوان المحدد من قبل المشتري.
ويحتفظ التاجر بالبضائع حتي العثور على المشتري. وإذا عثر على المشتري يبيعها. والبنوك لا تشتري البضائع إلا بعد العثور على المشتري.
توجد اليوم مجموعة من الشركات والشركات المساهمة العملاقة. وهناك شركات صغيرة تابعة ، يحصل بين هذه الشركات التبادلات التجارية ومن الممكن أن تكون تلك التبادلات على شكل المعاملة الشرعية. فيجب تجنبها إلا إذا ظهرت أنها ليست بالمعاملة الشرعية.
السلم
هو بيع على أن النقود تكون بالحال وتسليم البضائع إلى الأجل. ولا بد فيه من بيان جنس البضائع ونوعها ومواصفاتها ومقدارها وسعرها وتاريخ ومكان التسليم في العقد. وبعقد السلم وفق شروطه يتم بيع الثمار بعد قطافها في المستقبل ويقبض النقود رزمة. ويكون المشتري قد اشترى البضائع التي يحتاجها في الستقبل بعيدا عن المعاملة الربوية.
الإستصناع
هو عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل. فإذا قال شخص لآخر من أهل الصنائع : اصنع لي الشيء الفلاني بكذا درهما، وقبل الصانع ذلك، انعقد الإستصناع. ولا يشترط في الإستصناع أن تكون النقود في الحال، وبهذا افترق عن السلم. وعندما يستلم الصانع النقود يكون كمن باع سلعة ستتم صناعتها في الزمن المحدد. ويستريح المشتري من عناء البحث عما يريد .
يطلب المشتري الإستصناع من البنوك المشاركة والبنوك المشاركة تطلب الشيء المراد تصنيعه من أصحاب المصانع. في حالة عدم تصنيع السلعة المطلوبة في الوقت المحدد أو تم تصنيعها مخالفة للشروط المتفق عليها، فإن المشتري يحمل السؤولية للبنوك المشاركة، والبنوك المشاركة بدورها تحمل السؤولية للصانع. وعلى البنوك المشاركة توفير السلعة للمشتري من مكان آخر.
هذا هو ما كان يجب أن يكون. ولكن ما حدث في الواقع يختلف تماما على ما رأينا في الواقع. وكثير من البنوك المشاركة أخرت المرابحة والسلم والإستصناع عن كونها بيعا من أجل المحاكاة للبنوك الربوية، وأصبحت بذلك كنوع من البنوك الربوية. أي أنها أصبحت تقوم بتمويل الموارد المالية كالبنوك الربوية بدلا من أن تقوم بالتجارة والصناعة. وسموا الربا الذي يأخذونه بـ “الفوائد” ولكن هذه التسمية لا تغير الحقيقة.
التأجير التمويلي
التأجير التمويلي هو شراء سلعة ثم تأجيرها لمن يحتاج إليها سواء كان المحتاج أشخاص أو مؤسسات. ويكون عقد التأجير إما مقابل الإنتفاع وهو ما يسمى بـ “التأجير التشغيلي” وإما أن يحصل المستأجر على السلعة مقابل قسط للممول على أن تؤول السلعة إليه في النهاية.
والتأجير التشغيلي هو عودة السلعة المستأجرة إلى صاحبها بحلول الأجل. وعلى سبيل المثال يقوم البنك المشارك ببناء مصنع أو يشتريه ثم يؤجره لصانع لمدة 10 سنوات. وبحلول الأجل يعيد المصنع إلا أن يجدد العقد من جديد. ويمكن للمستأجر والمؤجر إجراء عقد إضافي في هذا الموضوع، وبهذا يدخل الطرفان في عهد بمنع أن يجلب أحد الطرفين ضررا على الآخر. كما يجوز شراء الإحتياجات اللازمة في بناء المصنع وكذلك ما يحتاج إليه المصنع في تسويق منتجاته وتأجيرها لصاحب المصنع.
التأجير الذي تقوم به البنوك المشاركة وشركات التأجير التمويلي هو تأجير يؤول المؤجر في النهاية ملكا للمستأجر. وهو عقد جديد اتحد فيه البيع والتأجير. وعلى هذا لو افترضنا أن المال المؤجر 100 سهم مثلا، فيقبض سهما كبديل المبيع في الحال، و99 سهما على التقسيط كالأجرة خلال الآجال المتفق عليها. وكلما دفع المستأجر سهما زاد ملكه، حتى يتم دفع 100 سهم فيصبح المال المؤجر ملكا تاما له. وهو عندنا بيع إلى الأجل. لذا تكون التنظيمات فيه حسب شروط البيع إلى الأجل.
توفير الخدمات
البنوك المشاركة ليست المؤسسة التي تربح عن طريق الدين. بل هي مؤسسة تجارية تبيع الخدمات والبضائع. فكل ما تقوم به مؤسسات التأجير التمويلي تقوم به البنوك المشاركة.
ويجوز للبنوك المشاركة القيام بالمقاولات الفرعية، ويمكن لها مثلا أن تتحمل خدمات معينة لفترة محدودة من خدمات مشروع ما مقابل مبلغ معلوم. وفي هذه الفترة يتعين عليها دفع رواتب العاملين والتكاليف التابعة للمشروع. فبهذا يمكن التخلص من المشاكل التي يعاني منها المشروع بسبب عدم النقدية أو استعمالها في مشروع آخر، أي يمكن لها التخلص من تلك المشاكل بدون أن يقع في الربا.
وكذلك يمكن للبنوك المشاركة أن تعمل كوكالة للإعلانات بأن تقوم بتسويق الإعلانات التي تحصل عليها من الشركات الإعلامية. كما يمكن لها أن تؤجر الفنادق أو الشركة السياحية لفترة معينة وتقوم بتشغيلها وتملك دخلها في تلك الفترة. ومجال العمل للبنوك المشاركة واسع لأنه يمكن لها القيام بأي مشروع ضمن الحدود المشروعة.
الخدمات المصرفية
تقوم البنوك المشاركة بالخدمات المصرفية وهي؛ التحويل، وإصدار الشيكات، وتوفير بطاقات الإئتمان، وقبول الودائع، وتحصيل الفواتير، والحسومات (الخصومات)، ومعاملة الخصم بعد الخصم مرة ثانية، وتقديم خطابات الضمان وقبول الأمانة، وفتح الإعتمادات المستندية وتبادل العملات الأجنبية الخ… ومعظم هذه الإجراءات تتم مقابل أجرة معينة بعيدة عن المعاملة الربوية. ويقوم البنك كذلك ببيع النقود، والذهب والفضة والعقارات وشرائها.
قبول الأمانة
وتقوم البنوك بقبول الأوراق المالية وبعض الأشياء الثمينة كالأمانة وتحفظها وتنشئ لهذه الخدمات صنادق خاصة للإجارة. كثيرا ما تكون هناك حاجة ماسة لحفظ الأشياء الثمينة بطريقة آمنة. كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في قومه قبل الرسالة وبعدها مشهوراً بأنه “الأمين” وكان الناس يختارونه لحفظ ودائعهم عنده. وقد تمكنت هذه السجية العظيمة والخلة الكريمة من النبي صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أعداءه يستأمنونه على أموالهم وودائعهم رغم عدائهم الشديد له وعدم الايمان به حيث كانوا يستأمنونه صلى الله عليه وسلم دون غيره من قريش حتى من أقرب الأقربين منهم. ويدل على ذلك ما فعله صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة بتكليف علي رضي الله عنه برد الأمانات إلى أهلها رغم تآمر القوم عليه وتتبعهم إياه ومطاردته. [8] وهاجر علي رضي الله عنه بعد رد هذه الأموال إلى أصحابها.
قبول الودائع تحت الطلب
تسمي البنوك المشاركة الودائع تحت الطلب بـ “الحسابات الجارية الخاصة”. ومعنى الودائع لغةً: هي جمع الوديعةُ، والوعد هو العهد. ويقصد بها اصطلاحًا: ما يحفظه الإنسان عند غيره. وهي تطلق أيضا على ما يودع في البنوك من النقود.
وهي من الناحية الفقهية ليست وديعة. لأن الوديعة في الإصطلاح الفقهي ما يحفظ ولا يستخدم. ولا ضمان لها في حالة الضياع. أما الودائع المصرفية فيحق للبنوك أن تستعملها. ولصاحب الودائع طلبها في حالة الضياع. لذا يمكننا أن نقول أن الودائع هي كل ما يقرض للبنوك.
القرض، القرض لغةً: القطع، لأن المقرض يقطع شيئاً من ماله يعطيه للمقترض. القرض شرعاً: دفع مال لمن ينتفع به، ثم يرد بدله إليه ويجب الأداء بالمثل. أي بما يتواجد في الأسواق بلا فوارق كثيرة تؤثر على غيرها من الأموال. يجب على المقترض الأداء بمثله وليس بعينه. كما أن المقرض ليس مقيدا بالأجل في الطلب.[9]
ولا ضمان للمال المستودع في حالة الضياع إلا أن يكون المؤتمن سببا في ضياعه.[10] ولا يجوز للمؤتمن أن يستعمل المال المستودع إلى بإذن صاحبه. أما القرض ليس كذلك. والهدف من القرض هو استهلاك ما يقترض. لذا ليس على المقترض الضمان إذا هلك المقروض بدون الإستهلاك أو لم يكن المقترض سببا في هلاكه. وصاحب الوديعة يفضل أن يقرض ماله بدلا من أن يودعه أمانة لأن القرض يمكن الطلب في أي وقت، كما أن القرض يعوض إذا هلك، أما الوديعة بمعنى الأمانة ليست كذلك. هذا مفيد أيضا للجانب الآخر. لأنه يصبح في هذه الحالة قادرا على استعمال النقود.
الزبير بن العوام رضي الله عنه[11] كان صحابيا أمينا ، كان إذا جاءه أحد يودعه ماله ، قال: بل هو قرض قرض، وهذا من نصحه رضي الله عنه، لأنك إذا أودعت أحدا مالا فهذا المال إذا ذهب أو سُرق من غير تعدٍ ولا تفريط فإنه لا يضمن، بينما إذا كان قرضا فإنه يضمن على كل حال، وهذا من نصحه رضي الله عنه للمودع، فقال: بل هو قرض، فاجتمعت عليه هذه الديون، فيقول عبد الله بن الزبير فجعلت أبيع الدور والعقار ، فحسبت المال بعد بيع العقار حسبت المال والتركة فوجدته خمسين ألف ألف ومائتي ألف يعني خمسون مليون ومائة ألف.[12]
الإقراض
يمكن قضاء الحاجة المالية على المدى القصير عن طريق القرض. وأحيانا يكون القرض أفضل من الصدقة. فالقرض بدون ربا هو قرض حسن.
وتقوم البنوك المشاركة بدفع القروض إلى بعض عملائها ولا تأخذ منهم أي فائدة أو عائد شهري. ولكن من الممكن وجود أشخاص ينتهزون هذه الإمكانية لذا يجب الإنتباه تجاه هؤلاء.
تحويلات البنوك
تحويلات البنوك، هي تحويل الأموال من بلد لآخر ومن حساب لآخر وجعله صاحب التصرف فيها.[13] وهي في المصطلح الفقهي عملية التوكيل ليست تحويلا. وقد أوكل المحول البنك عن نفسه. لأن الوكيل هو من يتحمل عمل غيره ويقوم مقامه. وعلى سبيل المثال: لو أراد شخص أن يرسل كمية من النقود إلى شخص آخر يمكن له أن يرسلها بواسطة شخص ثالث. والشخص الثالث يكون وكيلا للشخص الأول. وسنقف على هذا في موضوع “وثيقة التحويل من الناحية الفقهية”. والذي ينقل النقود داخل المدن أو بين المدن، هو وكيل لمن يرسل أو يحول النقود. وهو لا يضمن في حالة الضياع لأنها أمانة عنده، إلا أن يكون سببا في ضياعها. ولا يصح أن يضم الوكيل الأمانة إلى ملكه وأن يستعملها في أعماله الخاصة. وإذا فعل وضاعت الأمانة ضمن بدلها. والبنوك المشاركة اليوم وكذلك البنوك الأخرى تضم ما أودع عندها أمانة إلى ملكها وتستعملها ولو لفترة قليلة. لذا على البنوك دفع بدل الأمانة في حالة الهلاك أوالضياع.
تحصيل السندات
تقوم البنوك والبنوك المشاركة بتحصيل الديون والسندات بإسم الدائن مقابل رسوم معينة، والرسوم التي تحصل عليها البنوك سواء مقابل التحويل أو تحصيل الديون يسمى أجرة خدمة الوكالة.
البوليصة
وهي كلمة مأخوذة من كلمة ” polizza” وهي كلمة إيطالية تعني الوثيقة. وهي في المصطلح التجاري عقد تبادلي يرتبه الدائن إلى المدين. وهو يشمل على أمر ليدفع المدين الدين إلى الشخص الثالث أو من وكل لتحصيل الدين في وقت محدد..
والعقد التبادلي هو اسم مشترك لكل من السندات والشيكات والبوليصة. ويقال عنها أيضا السندات التجارية. وفي ترتيب البوليصة لا بد من ثلاثة جوانب، جانب يقوم بترتيب البوليصة والمخاطب والمستفيد. والذي قام بترتيب البوليصة هو الدائن، والمخاطب هو المدين، والمستفيد هو مستلم البوليصة الذي يتم الدفع إليه من قبل المدين.
ولا يجبر المدين لأن يقبل البوليصة. ولكنه يصبح طرفا بعد بقبوله إياها. ويمكن للمستفيد أن يسلمها لشخص آخر بالتوقيع خلفها قبل حلول الوقت. وبالتالي أنه سلمت حقوقه الناشئة عن هذه البوليصة. أي أنه أصدر أمر بدفع هذا المبلغ إلى مستفيد جديد. وتوقيع المستفيد الأول يكفي لإجراء هذه العملية. كما يمكن تطبيق هذه الطريقة على السندات بنية جعلها رهنا. وفي هذه الحالة يكتب خلف السند عبارة “بدلها رهن” أو “بدلها ضمان” أو ما شابهها. وإذا تسلسل المستفيدون في البوليصة فكل واحد منهم يكون مسؤولا لحاملها الأخير.
والبوليصة من الناحية الفقهية حوالة. والحوالة في الفقه هي عقد يتم بموجبه نقل الدَّين من ذمة طرف إلى ذمة طرف آخر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع.[14] وقال أيضا: مطل الغني ظلم ومن أحيل على مليء فليحتل.[15]
ويكون في الحوالة ثلاث جوانب. الأول من يرتب الحوالة (المحيل) والثاني من يقبل الحوالة (المحال له) والثالث من يدفع المبلغ الذي تشمل عليه الحوالة (المحال عليه). ولا بد من موافقة الجوانب الثلاثة لصحة الحوالة. ويمكن ترتيب الحوالة بين المحال له والمحال عليه.[16] ولا يشترط حضور المحال له أو المحال عليه عند ترتيب الحوالة. ولو قبلا الحوالة التي تم ترتيبها بين الشخصين الآخرين صحت الحوالة.[17]
نفترض مثلا أن أحمد مدين ومحمدا دائن وحسنا شخص ثالث الذي قبل دفع الدين ومقداره 100 ليرة؛ وفي هذه المعاملة عادة يكون على حسن دين مقداره 100 ليرة لأحمد يجب دفعه في نفس الموعد. وفي التحويلات العادية يقول أحمد لمحمد اذهب وخذ دينك من حسن… ولكن في البوليصة يقول أحمد لحسن: ادفع ما عليك من الدين لمحمد. اعتبر البوليصة حوالة لأنه لم يحصل أي تغير في العلاقات.
والجيرو من الناحية الفقهية هو تحويل الحوالة مرة ثانية وهو جائز. ولا حرج في تسلسل من يقوم بالجيرو. وفي هذه الحالة تتم الكفالة بالحوالة. وأصبحت هذه المعاملة كفالة بنفسها لأن تحويل البوليصة بالموافقة معروف عرفا.
وعملية ترتيب بطاقة البنك، وخطاب القروض والشيكات وجيرو العقارت تعتبر حوالة.
خطاب الإعتماد
خطاب الإعتماد، هو خطاب يصدره البنك لعملائه لسحب النقود من أحد فروعه أو من أحد مراسليه. كما يسمى الخطاب برسالة السمعة.
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وكل حكيم بن حزام رضي الله عنه بشراء الأضحية ، وبه وكل عروة البارقي فلما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أعطاه علامة ، وقال : ائت وكيلي بخيبر ليعطيك ما سألتني بهذه العلامة.[18] وخطاب الإعتماد مثل هذه العلامة. على البنوك أن تدفع لمن يظهر الخطاب كما دفع الوكيل في خيبر لعروة لما أظهر العلامة. والأجرة التي تدفع مقابل خطاب الإعتماد لزم أن تكون قدر الخدمة التي تقدمها البنوك كما يجب تجنب المعاملة الربوية.
البطاقة المصرفية
البطاقة المصرفية، هي هوية تعطيها البنوك لعملائها. عليها اسم العميل ورقم حسابه وصورته وتوقيعه وتاريخ صلاحية البطاقة. وتوجد أيضا قسيمة الشيك يمكن استخدامها مع البطاقة الصرفية. وتدفع البنوك الفرعية بهذه القسيمة بدون التحقق من وجود الرصيد على هذا الحساب أو عدمه.
وتعتبر كل واحدة من البطاقة المصرفية وخطاب الإعتماد عملية تحويلية. والعميل الدائن هو محال له والذي يرتب البطاقة المصرفية محيل والبنوك التي تقوم بالدفع محال عليه. يقال عنها في الفقه البوليصة أو السفتجة. وهي إقراض لشخص في مكان ما، ومع أخذ الخطاب يثبت هذا القرض ثم تحصيله بهذا الخطاب من شخص ثان في مكان آخر.
وعن عطاء – رحمه الله – أن ابن الزبير رضي الله عنه كان يأخذ بمكة الورق من التجار فيكتب لهم إلى البصرة وإلى الكوفة فيأخذون أجود من ورقهم. قال عطاء : فسألت ابن عباس رضي الله عنه عن أخذهم أجود من ورقهم فقال: لا بأس بذلك ما لم يكن شرطا ، وبه نأخذ فنقول : المنهي عنه هي المنفعة المشروطة أما إذا لم تكن مشروطة فذلك جائز ؛ لأنه مقابلة الإحسان بالإحسان وإنما جزاء الإحسان الإحسان ، وكذلك قبول هديته وإجابة دعوته لا بأس به إذا لم يكن مشروطا وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يأخذ الورق بمكة على أن يكتب لهم إلى الكوفة بها وتأويل هذا عندنا أنه كان عن غير الشرط فأما إذا كان مشروطا فذلك مكروه، والسفاتج التي يتعامل بها الناس على هذا إن أقرضه بغير شرط وكتب له سفتجة بذلك فلا بأس به، وإن شرط في القرض ذلك فهو مكروه ؛ لأنه يسقط بذلك خطر الطريق عن نفسه فهو قرض جر منفعة.
وتكتب السفتجة في أغلب الأوقات للقضاء على أخطار الطرق أو التخلص من عبء حمل المبالغ النقدية. وتدفع النقود إلى من تكتب له السفتجة على سبيل القرض فله أن يستخدمها لفترة من الزمن. والمحيل هو من يكتب السفتجة والمحال له حاملها والمحال عليه هو المستلم. ولا تتحدث المراجع التي طالعنا عليها عن أي رسوم مقابل السفتجة.
الشيك
كلمة “الشيك” مأخوذة من كلمة “الصك”.[19] تقابلها كلمة “ check” بالانجليزية و“ cheque “ بالفرنسية وهما كلمتان مأخوذتان من كلمة “الصك” من أصل عربي. وعادت الكلمة إلى العربية مرة أخرى على شكل “الشيك”.
الشيك هو وثيقة كتبت لطلب الدفع. وتطبعها البنوك وفق الشروط والأشكال وتوزع لبعض عملائها الذين يوجد لهم الحساب تحت الطلب لديها. يكتب العميل على الشيك بدل الخدمة أوالمال الذي اشتراه أو مقدار الدين ويعطيها إلى الشخص المعني بعد التوقيع عليها. ويسحب هذا الشخص المبلغ من حساب العميل.
والمعاملة التي أجريت بالشيكات تعتبر من الناحية الفقهية حوالة. والذي يكتب الشيك يكون محيلا، والذي يأخذها يكون محالا له، والبنك يكون محالا عليه.
وفي كتاب “سفرنامة” للرحالة الفارسي ناصر خسرو يتحدث فيه عن ذكريات الرحلة التي قام إلى البصرة سنة 1045- 1052 الميلادي/ 437-444 الهجري يتحدث فيه المؤلف عما شاهدها من الأحداث في البصرة…
وهو يقول: في البصرة يفتح كل يوم ثلاثة أسواق؛ سوق الخزاعة في الصباح وسوق عثمان في الظهيرة وسوق قدحان في المساء. والمعاملة في تلك الأسواق تجرى على النحو التالي: كل واحد يعطي نقوده إلى الصراف ويأخذ مكانها شيكات. ثم يشتري ما يريد شراءه ويحوِّل ثمنه على الصراف. ولا يحمل العميل غير شيكات الصراف ما دام يبقى في المدينة.[20]
وحين شاع استعمال الشيكات بين الناس بدأ يظهر في المؤلفات الأدبية ما يتعلق بالشيكات.[21] كما قال جهزى البرمكي (848- 936 / 234 – 324 ) عن الشيكات بدون الرصيد؟
إذا كانت صلاتكم رقاعا تحرر بالأنامل والأكف
ولم تكن الرقاع تجر نفعا فها خطي خذوه بألف ألف[22]
وحين يبلغ تداول السلع والخدمات إلى حد كبير، تكبر الحاجة إلى المبالغ الكبيرة لدفع بدل السلع المبتاعة والخدمات كما تكون الحاجة إلى نقل هذه المبالغ من بلد إلى آخر. ونقل المبالغ الكبيرة دائما يكون صعبا كما لا تخلو من خطر السرقة. ويضاف إلى ذلك كونها ثقيلة لو كانت من الذهب والفضة كما كان في القديم. من أجل ذلك فإن الشيكات، والبطاقة المصرفية وخطاب الإعتماد تؤدي خدمة مهمة لا يمكن الإستغناء عنها بأي شكل من الأشكال.
ويجب إيداع المبلغ في البنك بحساب تحت الطلب لمن يريد استخدام الشيكات. وهي تعتبر قرضا للبنوك. والذي يحصل على هذا القرض عن طريق الشيك يمكن له دفع ما عليه بعيدا عن صعوبة حمل المبلغ ومخاطر السرقة. وهذه منفعة جلبها القرض. والقرض الذي يجلب المنفعة يعتبر ربا. من أجل ذلك قال بعض الفقهاء أنها غير جائزة وخالفهم البعض الآخر. ولكن لا حرج في القرض إذا لم يشرط فيه السفتجة أو الشيك.[23]
قيل لمالك : فالدنانير والدراهم يتسلفها الرجل ببلد على أن يعطيها إياه ببلد آخر ؟ فقال : إن كان ذلك من الرجل المسلف على وجه المعروف والرفق بصاحبه ولم يكن إنما أسلفها ليضمن له كما يفعل أهل العراق بالسفتجات فلا أرى به بأسا إذا ضرب لذلك أجلا وليس في الدنانير حمال مثل الطعام والعروض إذا كان على وجه المرفق.[24]
وعلى المذهب الحنبلي، يجوز بشرط أن يكتب لنفسه سفتجة ولكن لا يجوز أن يأخذ مقابل ذلك شيئا.[25] لأن كل واحد من الطرفين يستفيد منه ولا يضر أحد لآخر. فالشريعة لا تحرم الأعمال الصالحة بل تشرعها إلا أن يترب عليها السلبيات.[26]
ولا يوجد أي مانع من كتابة السفتجة أو الشيك لوجود عموم البلوى في نقل النقود. ولا حرج فيها عندنا.
خطاب الضمان المصرفي
يُعرف “خطاب الضمان المصرفي” بأنه: تعهدّ قطعي مقيّد بزمن محدد غير قابل للرجوع، يصدر من البنك بناءً على طلب طرف آخر (عميل له) بدفع مبلغ معين لأمر جهة أخرى مستفيدة من هذا العمل. وهو يختلف عن الكفالة. لأن الكفالة عقد بمقتضاه يلتزم شخص تجاه الدائن تنفيذ موجب مديونه اذا لم يقم هذا المدين بتفيذه. لا يلزم على الكفيل في الكفالة دفع الدين الذي لم يحدث بعد على المكفول، على خلاف ما يكون في خطاب الضمان المصرفي. على سبيل المثال: لو أن شخصا أعطى خطاب الضمان المصرفي إلى من يريد أن يشتري منه سلعة بمليون دولار بالأجل، فيمكن للبائع أن يسحب الملبغ المكتوب عليه ولو لم يبع له شيئا بعد. ولا يقبل هذا في الفقه. ولا يؤخذ مقابل الكفالة أجرة لأنها تبرع وأعمال خير ية.[27] وتنعقد الكفالة بقول الكفيل ولا يشترط ترتيب الوثيقة. أما خطاب الضمان المصرفي فله ألفاظ خاصة ينعقد بها كما يشترط فيه ترتيب الوثيقة الخاصة من قبل المؤسسات المعينة.
ويمكن أخذ الأجرة مقابل ترتيب الوثيقة. لأنه لا يمكن للفقيه أن يأخذ أجرة مقابل الفتوى ولكن يجوز له أن يأخذها مقابل كتابة نص الفتوى على الورقة. لآن ما لايجوز بذاته يحوز بتبعه.[28] أي أن ما لا يجوز فعله على حدة يجوز فعله إذا كان تابعا لغيره. والأجرة التي أخذها الفقيه ليست أجرة الكاتب، فالكاتب يكتب ما هو جاهز من الوثائق. أما الفقيه يكتب وثقيقة جديدة، وكذلك ترتيب وثيقة الكفالة.
خطاب الإعتماد
هو خطاب إعتماد يصدره البنك لصالح المستفيد (المُصدّر) نيابة عن مقدم الطلب (المستورد). ويلتزم بقبول الدفع مقابل المستندات التجارية حسب شروط خطاب الإعتماد. وبذلك يحل المصرف محل مقدم الطلب. وهو مهم جدا في التجارة الخارجية.
ويؤخذ مقابل ترتيب خطاب الإعتماد أجرة. لأنها ليست كفالة فقط، بل هي مجموعة من الإجراءات التي تشمل الكفالة.
بطاقة الائتمان
تحمل بطاقة الائتمان اسم صاحبها ورقم حسابه. وتقوم الشركات المزودة للبطاقات الائتمانية بوضع حد أعلى من النقود يمكن استخدامها في البطاقة. على سبيل المثال: دفع البنك أ إلى عميله ب بطاقة الإئتمان بحدود 1000 ليرة فيمكن لهذا العميل أن يستخدمها في حدود 1000 ليرة . وكلما تستخدم البطاقة يؤخذ الإيصال بقدر ما صرف من الرصيد بتمريرها من الجهاز الإلكتروني المعد لها. ويتم التحصيل من قبل البائع بعرض هذا الإيصال إلى البنك المعني. ثم يدفع صاحب البطاقة هذا المبلغ إلى هذا البنك. وهذه العملية كفالة وحوالة في آن واحد.[29]
و البنك كفيل ووكيل لصاحب بطاقة الائتمان؛ فيقوم بالدفع بدلا منه لما اشتراه كما أنه وكيل لصاحب البطاقة لأنه أصبح صاحب التصرف في حق من يملك البطاقة. وفي هذا الصدد يأخذ البنك أجرة مقابل ما يقدم من الخدمات. وهي أجرة الوكالة. وكثيرا ما يدفعها البائع بالرغم أنها على المشتري أي صاحب البطاقة. مثلا يأخذ البائع من البنك 95 ليرة مقابل سلعة باعها بـ 100 ليرة. ويعتبر 5 ليرات خصما في البيع. وإذا لم يقم البائع بهذا الخصم يدفعها المشتري. ويطبق البنك على صاحب البطاقة فائدة (ربا) لو تأخر عن الدفع، فعليه الدفع في الوقت المحدد ليجتنب الربا.
والبنوك المشاركة كذلك تعطي بطاقة الإئتمان لعملائها وتأخذ الأجرة مقابل ما تقدم من الخدمات في هذا الصدد. ولكن لا يمكن أن تأخذ الفائدة إذا تأخر العميل في الدفع. لأنها تجري المعاملات بدون الربا. وفي حالة فقدان النقود قيمتها يمكن لها تحصيل الفرق. وسنذكر العقوبات التي يمكن تطبيقها على المدين المماطل.
وفي حالة تأخر المقترضين عن سداد الدين تقوم البنوك المشاركة في تركيا بتحويل الدين إلى دولار أمريكي ثم إلى ليرة تركية مرة ثانية بسعر يحدده البنك لتجنب التضخم، وتكسب بتلك الصفقة الخيالية. وواضح أنها معاملة ربوية. وفي الآونة الأخيرة لم تكتف البنوك المشاركة بتلك الصفقات الخيالية بل بدأت تأخذ مبلغا تحت اسم تعويض خسارة الأرباح.
خير الدين قارامان الذي هو أحد المستشارين الرائدين في البنوك المشاركة يدعي أن هذه المعاملة لا تدخل تحت المعاملة الربوية. ونذكر الإجابة التي أدلى بها لسؤال متعلق بالموضوع. وهي كالآتي:
السلعة التي تشتريها ببطاقة الإئتمان تشتريها باسم المؤسسة. (كوكيل عنها) ثم تبيعها المؤسسة لك من جديد. أي أنها تربح كما في الموضوعات الأخرى، حيث تشتري نقدا وتبيع بالأجل مع الفرق في السعر. وتحدد الفرق في السعر حسب الوقت الذي يتم الدفع فيه. وهذا الفرق معلوم عند المؤسسات المساهمة ويعرفه العميل أيضا. وعلى هذا يأخذ السلعة ويدفع عند حلول الأجل بالفرق في سعر الأجل.[30] وقوله هذا متعلق عن الدين الناتج عن بطاقة الإئتمان. وقال في ندوة علمية وكنت من الحاضرين فيها:
“لو تناول شخص مثلا طعاما من المطعم بـ 10 ليرات ببطاقة الإئتمان وقال عند تمرير البطاقة من أجهزة نقاط البيع؛ اشتريت هذا الطعام باسم البنك المشارك وابتعته بـ 10 ليرات. ثم لو أنه سد دينه في الوقت المحدد فإنه يدفع 10 ليرت. ولكنه لو تأخر عن السداد يحوِّل البنك المشارك هذا البيع إلى بيع الأجل فيأخذ من العميل الفرق في السعر، حسب المدة التي تأخر العميل عن السداد، والبنك المشارك هو الذي يحدد الفرق.” ولا شك أن هذه المعاملة معاملة ربوية. ولا يمكن تحريم الحلال ولا تحليل الحرام بهذه المعاملات الملفقة. وإلا ما بقي على وجه الأرض حرام ويعطل النظام.
الضامن (“أفال”Aval =)
أفال كلمة فرنسية إنتقلت من كلمة عربية وهي “حوالة”.[31] ولكنها ليست بمعنى الحوالة بل هي بمعنى الكفالة على الدين. وهو تعهد ضمان من شخص ثالث في أن يدفع لحامل البوليصة أو السند ما هو مسجل عليها إذا ما دفع الموقع عليها. وهو مسؤول حسب درجة الشخص المكفول.
أفال كفالة تامة. وفي تطبيق الأفال أمران لا ينطبقان مع الفقه:
يتخلص الكفيل من الدين في الكفالة في حالة كون الدين الأساسي باطلا ولكن الكفيل في الأفال لا يتخلص من الدين حتى ولو كان الدين الأساسي باطلا.
يمكن للكفيل في الكفالة تقديم الحجج ليثبت أن المكفول قد سد الدين، وليس كذلك في الأفال. أي ليس له حق في أن يمتنع عن سداد الدين.
كومبيالة (عمليات الصرف الأجنبي)
هي تبديل عملتي الدولتين المختلفتين. ونسميه بتبديل العملات، وكانت النقود قديما عبارة عن الدينار والدرهم. وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم قواعد معينة في تبادلهما أي في تبادل الدينار بالدرهم أو الذهب بالفضة أو مع جنسه. وهناك خلاف في تطبيق تلك القواعد على النقود الورقية. وقد عدت لجنة الفتوى التي تعمل ضمن رابطة العالم الإسلامي النقود الورقية مثل الدينار والدرهم. وكذلك القرار الرابع لمجمع الفقه الإسلامي التابع للمؤتمر الإسلامي. وعلى هذا جرت التطبيقات. وقد بينا ذلك تحت عنوان “النقود”.
بيع الذهب والفضة (الصرف)
الصرف هو مبادلة الذهب بالفضة أو العكس. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة أن يكون نقدا وزنا بوزن ومثلا بمثل. ولا يشترط الوزن في اختلاف الجنسين مثل بيع الذهب بالفضة، ويشترط أن يكون نقدا وفي عدم توافر هذه الشروط يتحقق الربا.
بيع الأوراق الثمينة
تقوم البنوك بشراء التحويلات والأسهم ومجموعة متنوعة من الكومبيالات وتبيعها. بعضها جائزة في نظر الإسلام وبعضها الآخر محرمة. فلا حرج بشراء السندات من الؤسسات الخالية من المعاملة الربوية. ولكن سوق الأسهم مبني على هيكل يؤدي إلى الكسب غير الشرعي. فلا يجوز شراء التحويلات منه بدون تصحيح هذا الهيكل.
التحويل هو سند القرض الربوي. فالربح الحاصل من تداول التحويل يعد ربا. والبوليصة والسندات والشيكات هي سندات الكومبيالة؛ تقوم مقام النقود أو القروض. ويتحقق الربا بتداولها لأنها تباع وتشترى بأقل مما هو مسجل عليها.
البنوك المشاركة في تركيا
و قانون المصارف رقم 5411 الذي أصدر بجهود كثيرة من قبل البنوك المشاركة الموجودة في تركيا قد أعطى لها حق التعامل مثل البنوك الأخرى. وحسب المادة الرابعة فهي تقوم بكل الأنشطة التي تقوم بها البنوك الأخرى إلا قبول المودوعات. ونص القانون كالتالي:
يمكن للبنوك تنفيذ الأنشطة التالية بدون المساس بالأحكام المنصوص عليها في القوانين الأخرى:
قبول الودائع.
قبول الإشتراكات.
جميع أنواع عمليات الإقراض النقدية أو غير النقدية.
دفع الأموال ونقلها، وتسجيل المعاملات النقدية، والمراسلة المصرفية والقيام بالدفع والتحصيل بما في ذلك التحقق من استخدام الحساب والشيكات.
عمليات شراء الشيكات والسندات والكومبيالات الأخرى.
خدمات التخزين.
القيام بتصدير وسائل الدفع مثل بطاقات الائتمان وبطاقات السحب والشيكات السياحية وتنفيذ الأنشطة المتعلقة بها.
معاملات الكومبيالة بما في ذلك فعال (النقدية)؛ وبيع وشراء أدوات الأسواق المالية، والمعادن الثمينة والأحجار، أو قبولها لحفظها كأمانة.
القيام بشراء وبيع الأدوات المالية البسيطة أو المعقدة التي تشتمل على أكثر من أداة مشتقة من العقود الآجلة والعقود الخيارية المبنية على أساس المؤشرات الإقتصادية والمالية، وأدوات الأسواق الرأسمالية والسلع والمعادن الثمينة وصرف العملات الأجنبية. كما تقوم بعمليات الوساطة لها.
معاملات التزام بإعادة الشراء أو إعادة البيع مع شراء وبيع أدوات الأسواق الرأسمالية.
عمليات الوساطة في البيع عن طريق تصدير أدوات الأسواق الرأسمالية أو عن طريق العرض على الجمهور.
عملية تنفيذ الشراء والبيع بقصد الوساطة لأدوات الأسواق الرأسمالية التي تم إصدارها سابقا.
عمليات ضمانات مثل تحمل الكفالة والضمانة والإلتزامات الأخرى لصالح آخرين.
العمليات الإستشارية للإستثمار.
ترتيب المحافظ المالية وإدارتها.
تاجر في السوق الأولية المتصلة بالمعاملات التجارية في إطار موجب الإلتزامات التعاقدية المتخذة لدى الخزانة و المصرف المركزي ومجموعة من المؤسسات.
عمليات الفاكتورينج أي شراء الديون التجارية وشراء مستندات التصدير.
الوساطة في تداول العملات بين الأسواق المصرفية.
عمليات التأجير المالي.
تقوم بكفالة التأمين والتقاعد الفردي والخدمات الوسيطة.
أنشطة أخرى يحددها المجلس.
لا يمكن للبنوك الودائعية تنفيذ الأنشطة المحددة في(ب) و (ت) من الفقرة الأول ، والبنوك المشاركة (أ) ، وبنوك التنمية والاستثمار (أ) و (ب) مبينة من تلك الفقرات.
وعلى ما سبق فأن هناك شيئا واحدا لا يمكن للبنوك المشاركة أن تقوم به وهو قبول الودائع. كما أن الفرق الذي تتميز به البنوك المشاركة كونها تقبل صناديق المشاركة.
صندوق المشاركة، هو صندوق يلزم المشاركة في الربح أو الخسارة، ولم يسبق فيه تحديد مقدار معينة لأصحاب الحسابات، ولا ضمان فيه لإعادة رأس المال.
الائتمان ويقصد به القرض الربوي. وقد أحدث المادة 48 من القانون المصرفي بلبلة، بوضع الأعمال التجارية التي تقوم بها البنوك المشاركة في إطار نظام الائتمان. وهذا هو ما قاله المرابون على مر العصور. كما قال الله تعالى: “الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا” (البقرة 2/ 275). ولم يتغير شيء اليوم إلا أن كلامهم ذاك قد أصبح بندا من القانون. ونود أن نذكر الفقرة الثانية من ذلك البند:
” علاوة على ما سبق في الفقرة الأولى… فإن ممتلكات البنوك المشاركة سواء كانت منقولة أو غير منقولة، وما حصلت عليها من الدفع مقبال الخدمات المصرفية أو من الربح في المضاربة ومن العقارات وتوفير المرتبات والبضائع والتأجير والتمويل مقابل الوثائق والإستثمارات المشتركة وما شابه ذلك من التمويل المالي كله الداخل في ظل هذا القانون يعتبر إئتمانا. “
يمكن للبنوك المشاركة أن تقوم بالتجارة بالرغم أن المادة 57 من القانون المذكور تمنع البنوك الأخرى منها. والفقرات المتعلقة بالموضوع من تلك المادة على النحو التالي:
لا تقوم البنوك بتداول الأمتعة والعقارات بقصد التجارة. وكذلك لا يمكن لها المشاركة بالشركات التي تقوم بالنشاطات الرئيسية للتجارة العقارية إلا التمويل للرهن السكني والشراكات الإستثمارية العقارية.
وما تقوم به البنوك المشاركة من تداول العقارات والمعدات (فريق العمل والتجهيزات) أو توفير السلع الأساسية أو التأجير ، أو المضاربة أو توفير التمويل من خلال مشاريع مشتركة أوالإجراءات التي اتخذت بشأن السلع الأساسية والعقارات بموجب الإلتزامات التي تعهدت بها بسبب الأنشطة المماثلة؛ كل هذه المعاملات ليست داخلة في إطار النهي والتحديد بموجب هذه المادة.
وبعد هذا القانون علينا أن نعرف البنوك المشاركة على النحو التالي:
البنوك المشاركة، هي البنوك التي تتقاسم الأرباح التي تحصل عليها من التجار ومن القروض الربوية بما جمع من الأموال بدون الفائدة (الربا). أي حين تأخذ يكون بلا فائدة ولكن حين تقرض تقرضها بالفائدة.
البنوك المشاركة، قليلا ما تستعمل حقها للقيام بالتجارة. فأغلب ما تقوم به هو الإقراض بإستخدام المصطلحات التجارية. ولا يمكن للبنوك المشاركة مواصلة العمل بهذه الطريقة. وإلا ستنهار بهذه البنية ماديا ومعنويا.
وقبل أن يصدر قانون المصارف رقم 5411 قد أرسلت إلى المهتمين بالأمر هذه الرسالة:
منذ فترة تحاول البنوك المشاركة أن تصبح بنوكا ربوية. كما أن مشروع قانون المصارف المحال إلى الجمعية الوطنية الكبرى التركية لديه حق في تحويل البنوك المشاركة إلى البنوك الربوية. نرى ذلك واضحا حين نقر البند الرابع من هذا القانون. والفرق الوحيد بينهما، هو أن البنوك تقبل الودائع أما البنوك المشاركة فتقبل حساب المشاركة.
تدفع البنوك الفائدة (الربا) على الودائع وتتحمل جميع الأخطار المحتملة. ثم تقرض وتحَمِّل الأخطار المحتملة على العميل، تحاول بذلك إنشاء التوازن. أما البنوك المشاركة فلا تتعين فيها الفائدة ولا تتحمل الأخطار المحتملة فهي مشتركة مع العميل في كل شيء، الأرباخ وتحمل الأخطار. كما أنها لا ترقب أي أخطار بإقراض أموال حسابات المشاركة حسب القانون المذكور. أي أنها لا تتحمل أي أخطار في جمع الأموال أو إقراضها.
كما هو معلوم أن الربا هو ما عاد من الدين، ويقال على القرض الربوي.الإئتمان. أما الربح فهو الحاصل عن البيع والشراء. والبنوك المشاركة قد أُسست على أن تقوم بتبادل التجارة والخدمات. فهي تجمع الأموال على أساس التجارة وليس على أساس القرض.
والقانون المطبق حاليا، قد وضع حدا للمنافسة غير العادلة بإزالة شرط تحصيل الفواتير من البنوك المشاركة لصالح البنوك. وبعد أن بدأ تنفيذ هذا القانون، أصبحت البنوك المشاركة نوعا من البنوك الإستثمارية التي توفر طرق التجارة والخدمات بدلا من أن تقوم هي بنفسها ببيع السلع والخدمات، لأنه لم يتم إتخاذ الترتيبات اللازمة. وبأخذ الفائدة على المستحقات المتأخرة تحت اسم “التعويض عن الربح الفائت” وصلت إلى نهاية الطريق لتنضم إلى البنوك الربوية. وقد أزيلت العقبات الأخيرة بهذا المشروع القانوني. وإذا أصبح المشروع قانونا سينتهي بيع السلع والخدمات والذي يشكل هوية لها وبالتالي تتحول إلى مؤسسات إئتمانية. ومع هذا القانون سيختفي سبب وجود البنوك المشاركة (المؤسسات المالية) لأن البنوك تقوم بها بالفعل.
وكذلك يؤدي هذا المشروع القانوني إلى المنافسة غير العادلة لصالح البنوك المشاركة، لأنها أصبحت مؤسسة إئتمانية تقرض الأموال التي جمعتها بدون الفائدة (الربا).
وعلى الجميع بذل الجهد الوافر لتجنب هذا الوضع. 28. 05. 2005
ولكن هذه الرسالة وما بذلت من الجهد لم تعد بفائدة، صدر القانون كما تريد البنوك المشاركة. أتمنى أن تعود إلى رشدها يوما ما.
[1] لاوروس الكبير إستانبول 1985، مادة: Banca.
[2] المصرف والصراف في الدولة العثمانية للطيف طاشدمير، دار تركيا الجديد، 1999 أنقرة، صـ. 470.
[3] انظر. النظرية الإقتصادية العامة لـ ف. نيورمارك، استانبول 1948. صـ. 22-25، 437.
[4] القانون المصرفي الصادر بتاريخ 19. 10. 2005 رقم : 5411، المادة: 45.
[5] المال والقرض لرفيع شكري، استانبول، 1963، صـ . 59، 107.
[6] النظام القرضي لفريد الدين أرجن، استانبول 1980، صـ . 44.
[7] قاموس تركي لشمس الدين سامي، دار درسعادت 1318.
[8] سيرة ابن هشام القسم الأول الطبعة الثانية – القاهرة، سنة 1953. صـ 485.
[9] قاموس الحقوق الإسلامية لعمر نصوحي بلمن، جـ . 6 / ، صـ . 94 وما يلي.
[10] المجلة: 768.
[11] الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد، أبو عبد الله. ولد سنة 28 قبل الهجرة، (594م)، وأسلم وعمره خمس عشرة سنة، كان ممن هاجر إلى الحبشة، وهاجر إلى المدينة، تزوج أسماء بنت أبي بكر. كان خفيف اللحية أسمر اللون، كثير الشعر، طويلاً. كان من السبعة الأوائل في الإسلام. أمه صفية بنت عبد المطلب بن عبد مناف، عمة رسول الإسلام. عمته السيدة خديجة أم المؤمنين. شهد بدراً وجميع غزوات الرسول مع الرسول وكان ممن بعثهم عمر بن الخطاب بمدد إلى عمرو بن العاص في فتح مصر وقد ساعد ذلك المسلمين كثيراً لما في شخصيته من الشجاعة والحزم. ولما مات عمر بن الخطاب على يد أبي لؤلؤة كان الزبير من الستة أصحاب الشورى الذين عهد عمر إلى أحدهم بشئون الخلافة من بعده
[12] طبقات الكبرى لابن السعد، بيروت 1957. جـ . 2 / صـ . 159.
[13] قانون القروض: 457.
[14] البخاري، الحوالات، 1.
[15] مسند أحمد بن حنبل، حديث أبي هريرة رضي الله عنه جـ 2 / صـ . 463؛ سنن ابن ماجة، كتبا الصدقات الحوالة رقم الحديث. 2403.
[16] المجلة: 681.
[17] المجلة: 681.
[18] المبسوط، جـ. 19، صـ. 2.
[19] مدخل لحقوق الإسلام لـ Joseph Schacht قام بترجمته إلى اللغة التركية محمد داغ و عبد الباقي شنر، أنقرة 1977. صـ. 87.
[20] سفرنامة لناصر خسرو، ترجمة يحيى الأخشاب، القاهرة- 1945، صـ. 96.
[21] تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية لسامي حسن حامود، الطبعة الثانية عمان 1982 / 1402، صـ. 47.
[22] معجم الأدباء لياقوت الحموي، مصر، جـ. 2 / صـ. 241 – 242.
[23] البدائع للكاساني، جـ. 7 / صـ. 395 – 396.
[24] المدونة الكبرى لمالك بن أنس، جـ. 4 / صـ. 135.
[25] مجلة الأحكام الشرعية لأحمد القارئ، صـ. 271، مادة : 743.
[26] المغني لابن القدامة، جـ. 4 / صـ. 391.
[27] الاختيار لتعليل المختار لابن مودود الموصلي، جـ.2 / صـ. 167. بالتصرف.
[28] المجلة، مادة. 54.
[29] المجلة، مادة: 636.
[30] المصدر الموقع التالي: http:/ / www.moraldergisi.com/ yazilar.php?s_id=32&id=4 (بدون التاريخ)
[31] مدخل إلى الحقوق الإسلامية لجوزيف شاخت ، صـ. 87.
وأسأل الله العلي القدير أن يجعله في ميزان حسناتكم و بارك الله فيكم و نفع بكم أمة الإسلام