صفقتان في صفقة واحدة
الصفقة من الصَّفْق؛ وهو الضرب الذي يسمع له صوت وكذلك التَّصْفِيقُ ويقال صَفَّقَ بيديه وصفَّح سواء. وفي الحديث التسبيحُ للرجال والتَّصْفِيقُ للنساء، المعنى إِذا نسي المصلي شيئا في صلاته فأَراد تنبيهه مَنْ بحذائه، صَفَّقَت المرأَة بيديها وسبَّح الرجل بلسانه. وصَفَقَ يَده بالبيعة والبيع وعلى يده صَفْقاً ضرب بيده على يده وذلك عند وجوب البيع.[1] عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما عن أبيه قال: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ.[2] أي أنه لا يجوز البيعتان في بيعة واحدة. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ.[3]و قال أيضا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما[4] أو الربا.[5]
عن أم يونس أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لها أم محبة أم ولد لزيد بن أرقم: يا أم المؤمنين أتعرفين زيد بن أرقم ؟ قالت نعم. قالت: فإني بعته عبدا إلى العطاء بثمانمائة. فاحتاج إلى ثمنه، فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة. فقالت: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت . أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب. قالت: فقلت: أفرأيت إن تركت المائتين وأخذت الستمائة؟ قالت: نعم. ثم قرأت قوله تعالى: «فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ» (البقرة، 2/ 275).[6]
ونفهم من الأحاديث ومن موقف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة واحدة لأنها معاملة ربوية في صورة البيع. وكون زيد بن أرقم باع العبد بـ 600 معجلا بعد شرائه بـ 800 مؤجلا يدل على أنه لا يحتاج إلى ذاك العبد. وفي هذه الحالة “فله أوكسهما أو الربا”.[7] وقد قالت عائشة رضي الله عنها أن زيدا قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب. لأنه أخذ أكثرهما.
ونرى الناس اليوم يتعاملون بنفس المعاملة. مثلا يشتري سيارة بـ 11.000 ليرة مؤجلا لمدة 6 شهور. ثم يبيعها معجلا بـ 10.000 ليرة. وهو أصبح مدينا بـ 11.000 مقابل أخذه 10.000. وعلى صاحب السيارة أن يأخذ 10.000 وإلا كان مرابيا؛ كما نفهم هذا من الأحاديث السابقة. وهذه الأحاديث قد أغلقت بابا آخر من أبواب الربا.
ويقال عن تلك المعاملة أيضا “بيع العينة”.[8] عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم”.[9]
وقد فتح الفقهاء بابا إلى الربا؛ وعطلوا بعض المعاملات التجارية لأنهم لم يفهموا المعنى المقصود من الأحاديث السابقة. وقد أنشئت بذلك مؤسسات وأوقاف تجري معاملات ربوية تحت اسم “المعاملة الشرعية” أو “الربا الشرعي”.
[1] لسان العرب، مادة: صفق.
[2] مسند أحمد بن حنبل، 1/ 398.
[3] سنن الترمدي، كتاب البيوع 18، رقم الحديث 1231. ونقل الترمدي عن أبي عيسى قوله حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
[4] الوكس: النقص.
[5] سنن أبي داود، كتاب اليوع 55، رقم الحديث 3461.
[6] بداية المجتهد، ج 2 / ص 115.
[7] سنن أبي داود، كتاب اليوع 55، رقم الحديث 3461.
[8] فبيع العينة هو أن يبيع سلعة بثمن معلوم إلى أجل ثم يشتريها من المشتري بأقل ليبقى الكثير في ذمته، وسميت عينة لحصول العين أي النقد فيها، ولأنه يعود إلى البائع عين ماله.
[9] سنن أبي داود، كتاب اليوع 56، رقم الحديث 3462.
أضف تعليقا