الربا في المذهب المالكي
والمالكية كالمذاهب الأخرى أخذوا موضوع الربا تحت موضوع البيع. أي أنهم لا يقولون بفصل الربا عن كتاب البيع. ويختلف المذهب المالكي عن بقية المذاهب في فهم علة الربا..
علل الربا في المذهب المالكي
الطعمية والثمنية هما علتان عند المالكية كالشافعية. ولكن يختلف المالكية مع الشافعية في بعض الوجوه.
الثمنية
ولم يتكلم المالكية على كونه تعبديا أو معللا مع أنه معلل، واختلفوا على أنه معلل هل علته غلبة الثمنية وهو المشهور أو مطلق الثمنية وهو خلاف المشهور.[1] وعلى هذا تدخل الأوراق النقدية وغيرها من النقود المتداولة تحت الثمنية، وبالتالي فهي علة للربا على الإطلاق. وقول الإمام مالك في الموضوع كالتالي:
يقول الإمام مالك في الفلوس: لا خير فيها نظرة بالذهب ولا بالورق ، ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة. ولا يجوز فلس بفلسين ، ولا تجوز الفلوس بالذهب والفضة ولا بالدنانير نظرة.[2]
ويقول: لا تصلح الفلوس بالفلوس جزافا ولا وزنا مثلا بمثل ولا كيلا مثلا بمثل يدا بيد ولا إلى أجل ولا بأس بها عددا فلس بفلس يدا بيد ، ولا يصلح فلس بفلسين يدا بيد ولا إلى أجل ، والفلوس هاهنا في العدد بمنزلة الدراهم والدنانير في الورق.
ويقول أيضا : الفلس بالفلسين لا خير فيه، لأن الفلوس لا تباع إلا عددا فإذا باعها وزنا كان من وجه المخاطرة فلا يجوز بيع الفلوس بالفلوس جزافا فلذلك كره رطل فلوس برطلين من النحاس.[3]
ولا يجوز عند المالكية مبادلة النقد المسكوك من الذهب أو الفضة إذا كان أحدهما أجود والآخر أوزن. لأن صاحب الأجود يرغب للأدنى لكماله وصاحب الأردأ الكامل يرغب للناقص لجودته ، وكذلك يمتنع النقد الأجود سكة الأنقص وزنا برديء السكة الكامل الوزن لدوران الفضل من الجانبين. والنقد الأجود جوهرية حالة كونه أنقص وزنا ممتنع إبداله بأردأ جوهرية كاملا وزنا اتفاقا لدوران الفضل من الجانبين. وإن لم يكن الأجود جوهرية أو سكة أنقص بل كان مساويا أو أوزن جاز لتمحض الفضل من جانب واحد.[4]
ب الطعام
وهو ما غلب اتخاذه لأكل الآدمي ، أو لإصلاحه ، أو لشربه. وعلامة الطعام الربوي الذي يحرم فيه ربا الفضل الإقتيات وهو قيام البينة به وفسادها بعدمه والإدخار وهو عدم فساده بالتأخير، ولا حد له على ظاهر المذهب وإنما المرجع فيه للعرف. وقد ذكر في الحديث، والقمح، والشعير والتمر، والملح من هذا القبيل. ويدخل تحته ما يستعمل في التلذذ. وفي مبادلة هذه الأموال يشترط المساواة وأن يكون يدا بيد. وإذا اختلفت الأجناس لا يشترط التساوي في القدر بل يكفي أن يكون يدا بيد.
كما لا يجوز مبدالة الطعام بالطعام إلى الأجل سواء كان مدخرا مقتاتا أم لا.
ويقول المالكية علة ربا النسيئة هو مجرد الطعم على غير وجه التداوي سواء كان مدخرا مقتاتا أم لا.[5] أي أن الأدوية لا تدخل في تعريف الطعام. وهم يفترقون فيه عن الشافعية، وهم يقولون إن الأدوية من الإقتيات. ويرى المالكية أن مبادلة الأموال من أجناس مختلفة ليس بربا.[6]
فإذا بيع الطعام بالطعام فكل شيء يُضم مع أحد الصنفين أو مع الصنفين جميعا حتى يكون في صفقة واحدة مع الطعام فلا يصلح أن تؤخر السلعة التي مع الطعام في الصفقة، كما لا يصلح أن يؤخر الطعام. وكذلك الدنانير والدراهم إذا صرف الرجل الدنانير بالدراهم ومع الدراهم ثوب أو سلعة من السلع لم يصلح أن يؤخر السلعة وأن يتعجل الدنانير والدراهم ، ولا بأس به أن تكون السلعة مع الذهب أو مع الفضة أو مع كل واحد منهما سلعة إذا كان ذلك يدا بيد وكان تبعا ، وكما لا يصلح الذهب بالفضة إلى أجل ، فكذلك لا يصلح الأجل في السلعة التي تكون معها في صفقة واحدة. سئل مالك فما قولك فيمن أسلم عدسا في ثوب إلى أجل وشعير معجل؟ قال: لا يصلح هذا. أي أنه لا يجوز عنده بيع العدس بالثوب والشعير مؤجلا. وكذلك الدنانير والدراهم إذا صرف الرجل الدنانير بالدراهم ومع الدراهم ثوب أو سلعة من السلع لم يصلح أن يؤخر السلعة وأن يتعجل الدنانير والدراهم ، ولا بأس به أن تكون السلعة مع الذهب أو مع الفضة أو مع كل واحد منهما سلعة إذا كان ذلك يدا بيد وكان تبعا.[7]
كل من سلف طعاما في طعام إلى أجل فلا يجوز إلا أن يقرض رجل رجلا طعاما في طعام مثله من نوعه لا يكون أجود منه ولا دونه ولا يكون إنما أراد بذلك المنفعة للذي أسلف فهذا يجوز إذا أقرضه إلى أجله وما سوى ذلك من الطعام لا يصلح.[8]
نقد آراء المالكية
لم يفرق المالكية المعاملة الربوية عن البيع والشراء، كما الحال في بقية المذاهب الفقهية. وأسسوا مبادئهم في الربا على بيع المواد الستة، واختلقوا عللا يتحقق بها الربا حسب رأيهم. كما ادخلوا كثيرا مما ليس بربا في المعاملة الربوية.
ومعظم الإعتراضات التي وجهنا للشافعية موجهة كذلك للمالكية. والشافعية جاؤوا بعلتين ليتحقق الربا. وهما الطعمية والثمنية. وبنوا عليها مبادئهم في الربا. وحديث العرايا الذي ذكرنا لنقد آراء الشافعية والحنفية يكفي كذلك لهدم مبادئ المالكية. وقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم في العرايا ولم يشترط فيه النقدية والمساواة في القدر. إذن فلا تكون الطعمية علة الربا، وكذلك الثمنية. وبهذا تنهار مبادئ المالكية كما انهارت مبادئ الشافعية.
وقد جعل المالكية الحياة الإقتصادية في أزمة يصعب الخلاص منها. فعلى رأيهم لا يجوز مبادلة البصل بالبندورة إلى أجل. لأنهما من الطعام، ولا يجوز عندهم بيع الطعام بالطعام إلى أجل سواء كان مدخرا أم لا. كما لا يجوز أن يأخذ الرجل بيضة كل يوم من جاره مقابل البندورة إلى الأجل.
والعلة الثانية للربا عند المالكية هي الثمنية. ولا توجد الثمنية على المشهور عندهم إلا في الذهب والفضة. وغيرهما لا يحمل الثمنية ولو كان متداولا في الأسواق.[9] والمسألة عندهم مسألة التسمية. وعلى سبيل المثال لو تعاملت البنوك باسم القرض يكون قد تحقق الربا. ولو تعاملت باسم البيع لا يتحقق الربا. وقد بينا مدى بعد هذه الفكرة عن الصواب.
[1] شرح مختصر خليل للخرشي – (جـ 5 / صـ 56).
[2] المدونة – (جـ 3 / صـ 395-396).
[3] المدونة – (جـ 4 / صـ 115).
[4] شرح مختصر خليل للخرشي – (جـ 5 / صـ 50).
[5] شرح مختصر خليل للخرشي – (جـ 5 / صـ 56).
[6] مقدمات ابن الرشد، 3/ 49-50.
[7] المدونة – (جـ 4 / صـ 25-26).
[8] المدونة – (جـ 4 / صـ 27).
[9] تحفة المحتاج في شرح المنهاج، جـ 4/ صـ 279.
المعاملات المالية في الاسلام جائزة على خلاف القياس فكل ما استثني بنص خاص فهو جائز فيه المفاضلة وما عدا ذلك يكون ربا او مقامرة
كل مذهب من المذاهب الأربعة له أركان أصولية يتميز بها و قواعد فقهية يلتزمها في الاجتهاد و عند قراءة النصوص الشرعية، مثلا منهم من يقول أن دلالة العام على أفراده قطعية ـ هذه قاعدة أصولية عنده ـ فمنع تخصيص عموم الكتاب بالسنة لأنها ظنية، إلا ماكان منها متواترا، أما من قاعدته أن دلالة العام ظنية فقد أجاز تخصيص السنة الظنية للكتاب. و أظن أن هذه الطريق هي التي يحسن أن نعرض بها المسائل الفقهية التي يدور فيها الاختلاف بين المذاهب. و وفق الله الجميع إلى ما فيه خير الإسلام و المسلمين.