الربا في المذهب الشافعي
وقد عرف الروياني[1] الربا وهو من علماء الشافعية كالتالي:
الربا، هو عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما.[2]
والمراد بعوض مخصوص هو بدل وجد فيه علة الربا. وهو من الأموال الربوية. و معيار الشرع هو الوزن والكيل كما في المذهب الحنفي. والعبارات الأخرى في التعريف تختص بالمذهب الشافعي في البيع الربوي.
علل الربا في المذهب الشافعي
الربا في المذهب الشافعي، لا يكون إلا في المشروبات والمأكولات وفي الذهب والفضة. وشرط كون “مثلا بمثل ويدا بيد” في حديث يتحدث في بيع الذهب والفضة والشعير والقمح والتمر والملح؛ يدل على ما في هذه الأموال من قيمة؛ وعلى خطر الوقوع في الربا في معاوضة تلك الأموال. كشرط الإشهاد في الطلاق، فلا بد إذن أن تكون العلة متناسقة مع قيمة تلك الأموال ومع ذلك الخطر.
الشعير والقمح والتمر والملح، كانت من الأموال الربوية لكونها طعاما للناس. ولأن حياة الإنسان مرتبطة بالطعام. لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الطعام بالطعام مثلا بمثل”.[3]
وتعليق الحكم بمشتق، إذ الطعام بمعنى المطعوم يدل على تعلقه بما منه الإشتقاق.[4] وأصل الكلمة طعم، لذا توجد علة الربا في كل ما يوجد فيه علة الطعم.
أما الذهب والفضة كانا من الأموال الربوية لثمنيتهما. لضرورة الثمن في تأمين الأموال التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية.
وخلاصة القول؛ أنه إذا وجد في المال وصف الطعم والثمنية كان من الأموال الربوية. ونقف الآن على هذه العلل:
الطعم
الطعم؛ من الطعام وهو كل ما يؤكل، ومن أهم خصائص الطعم كونه يشتمل على الغذاء المشترك للإنسان والحيوان. وكل ما يبقى منه ويدخر وما لا يبقى ولا يدخر سواء لا يختلف.[5]
ويتخذ الطعام للإقتيات أو للتفكه أو للتداوي. الإقتيات وهو ما يدخر ليكون قوتا، كالبر والحمص والماء العذب.
التفكه؛ هو ما يتخذ من الأغذية بقصد التفكه أو التأدم أوالحلوى، أوالسلطة، أوغير ذلك مما يدخل تحت اسم الفاكهة مثل العنب، والتمر، والتين؛ والحلويات، والحمضيات، وكذلك الخضراوات مثل الخردل والنعناع.
ويتخذ الغذاء لتلقي العلاج. ويشمل على الملح والأعشاب الجافة المطحونة التي تضم للتلذذ مثل التوابل والزعفران، والأرمن والسقمونيا. والأدوية مثل الطين المختوم، والفربيون، والورود ومائه، زيت الحنظل وبذوره.
وقد ذكر في الأحاديث المتعلقة مثلا بالأغذية الملح وهو يستعمل لجعل الطعام لذيذا. ولا فرق بينه وبين ما يستعمل في تحسين البدن والمحافظة عليه. لأن الغذاء يستعمل لحفظ الصحة؛ كما أن العلاج يستعمل لإعادة الصحة بعد المرض.
كما أن ما يتخذ للأكل يقال له طعام؛ فما يكون طعاما للحيوان غالبا لا يدخل تحت الطعام مثل الفربيزن، والورود ومائه، ودهن الكتان والسمك وحب الكتان والزنجبيل وماء الورد والعود وزيت السمك، وما يتناوله الجن مثل العظام.
الثمنية
ومعنى الثمنية كونها نقدا. يقول الإمام الشافعي: ” والذهب والورق مباينان لكل شئ لأنهما أثمان كل شئ ولا يقاس عليهما شيء من الطعام ولا من غيره”.[6]
والذهب والفضة نقد ولو غير مضروبين. وتخصيصه بالمضروب مهجور في عرف الفقهاء وعلة الربا فيه جوهرية الثمن، فلا ربا في الفلوس وإن راجت بالنقد كطعام بطعام. والفلس هو عملة معدنية من غير الذهب والفضة.[7]
وفي الموزون، كنقد وعسل ودهن جامد وما يتجافى في المكيال وزنا ولو بقبان للنص على ذلك في الخبر الصحيح، فلا يجوز بيع بعض موزون ببعضه كيلا وهو ظاهر ولا يجوز عكسه. والمعتبر في كون الشيء مكيلا أو موزونا غالب عادة أهل الحجاز في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لظهور أنه اطلع عليه وأقره فلا عبرة بما أحدث بعده. وما جهل كونه مكيلا أو موزونا أو كون الغالب فيه أحدهما في عهده صلى الله عليه وسلم أو وجوده فيه بالحجاز أو علم وجوده بغيره أو حدوثه بعده أو عدم استعمالهما فيه أو الغالب فيه ولم يتعين أو نسي يعتبر فيه عرف الحجاز حالة البيع. فإن لم يكن لهم عرف فيه فإن كان أكبر جرما من التمر المعتدل فموزون جزما إذ لم يعلم في ذلك العهد الكيل في ذلك وإلا فإن كان مثله كاللوز أو دونه فأمره محتمل لكن قاعدة أن ما لم يحد شرعا يحكم فيه العرف قضت بأنه يراعى فيه عادة بلد البيع وحالة البيع، فإن اختلفت فالذي يظهر اعتبار الأغلب فيه فإن فقد الأغلب ألحق بالأكثر شبها فإن لم يوجد جاز فيه الكيل والوزن ويظهر في متبايعين بطرفي بلدين مختلفي العادة التخيير أيضا.[8] يقول الإمام الشافعي:
وفي الأحاديث المشار إليها قد وجدت الأغذية تقاس بالكيل. ولا يختلف المعنى في قياس الأغذية بالوزن. لأنها لا تختلف باختلاف ما تقاس به. أي أن الأغذية في كلتا الحالتين تبقيان على أنها أغذية. ولأن الوزن والكيل لمعرفة ثمن البضائع. مع أن الوزن أدق من الكيل.
ولأن المذاهب قد اتفقوا على جواز معاوضة المأكولات والمشروبات كيلا ووزنا. فلا فرق بين الذهب والفضة وبين المأكولات والمشروبات في الغرض. وأن حكمهما حكم الذهب والفضة. ولأن الذهب والفضة والقمح والشعير والتمر مع البذور، (والتمر بدون البذور يفسد)، والملح لا يختلف مصدره في كونه حلالا أو حراما. أي أننا نعرف من مصر واحد أنها حلال أو حرام. وبالقياس عليها نحكم بنفس الحكم على كل أنواع المشروبات والمأكولات التي توزن وتكال لأنها تحمل نفس العلل.
ونحن نرى أن ما يباع من المأكولات بالعدد يدخل تحت هذا الحكم. لأننا نرى أنها توزن في مكان ولا توزن في مكان آخر. جميع الرطب كانت تباع في مكة المكرمة بالسلات وبالتخمين دون أن يكيلوا أو يزنوا؛ وكذلك اللحوم. وكان الأعراب يبيعون اللبن، واللحم، والعسل والزيت والزبد وغيرها بالتخمين. مع أن هذه الأشياء كانت عند غيرهم من الأشياء الموزونة. والذي يقبل التخمين لا يتجنب الوزن أو الكيل. والأغذية التي تباع بالوزن أو بالعد تشبه عندنا بما يباع بالوزن أو الكيل.[9]
وأصل الحنطة الكيل. وكل ما كان أصله كيلا لم يجز أن يباع بمثله وزنا بوزن ولا وزنا بكيل.[10]
معاوضة الأموال متحدة الأجناس
البضائع التي توجد فيها علة الربا تكون من جنس واحد مثل بيع الذهب بالذهب، الحنطة بالحنطة؛ أو هي من مختلف الأجناس. يشرط لصحة المبادلة من الحلول والتقابض والمماثلة عند اتحاد الجنس، والحلول والتقابض فقط عند اختلافه، والإيجاب والقبول مطلقا.
الحلول: ويقصد به احضار السلعتين المتبادلتين في محل العقد. وهو شرط في صحة المعاملة على الأموال الربوية. ولا يجوز تأجيل أحدهما من وقت العقد ولو لزمن قليل بحيث لم يفترق المتعاقدان.
المماثلة: وهي مساواة السلعتين المتبادلتين في القدر. إلا أن بعض الصحابة خالف هذا في بداية الأمر كعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ولكن في نهاية المطاف أجمع عليه الصحابة كلهم.
لا يجوز بيع الرطب بالرطب أو بالتمر ، وبيع العنب بالعنب أو بالزبيب. إذ لا مماثلة بينهما مطلقا. وكذلك لا يجوز بيع الطحين بالسويق أو بالخبز مثلا بمثل. لأنهما يختلفان في النعومة كما يختلف تأثير النار على الخبز، لذا قلنا أنه لا توجد المماثلة بينهما.[11]
التقابض: وهو أن لا يفارق أحد المتعاقدين مجلس العقد قبل التقابض. ويقول الشافعي: الحنطة جنس وإن تفاضلت وتباينت في الأسماء كما يتباين الذهب ويتفاضل في الأسماء فلا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل وزنا بوزن يدا بيد.[12]
مبادلة الأموال من جنس مختلف
يشترط التقابض والحلول في بيع السلعتين المختلفتين في الجنس مثل بيع الذهب بالفضة والحنطة بالشعير. وإلا كان ربا. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد.[13]
ونفهم من شرط التقابض مما جاء في الحديث اشتراط الحلول؛ لأن التقابض يتطلب الحلول؛ كذلك يدل عليه ما جاء في رواية مسلم “عينا بعين”. أما المماثلة لا تشترط إلا في مبادلة السلعتين من جنس واحد.
ولايشترط الحلول والتقابض ولا المماثلة في مبادلة السلعتين من غير الذهب والفضة، وكذلك بيع الذهب بالحنطة أو بالفضة، وبيع الحيوان بالحيوان. والطرفان بالخيار فيها.[14]
أنواع الربا
وقد جعل المذهب الشافعي الواردات من الدين مركزا في تعريف الربا كالمذهب الحنفي تماما. ويتحدث الإمام الشافعي عن ثلاثة أنواع من الربا. ربا اليد، وربا الفضل، وربا النسيا.
ربا اليد
ويتحقق الربا في المعاملة النقدية. وربا اليد هو البيع مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما أو أنه ينشأ عن التمكن من القبض ثم تركه. وعلى سبيل المثال: لو افترق الذي يشتري الشعير بالحنطة قبل قبض الشعير فيتحقق ربا اليد. يقول الإمام الشافعي: ولا شيء في بيع الحنطة مثلا بمثل يدا بيد، ولكن لا يجوز أن يفترق الطرفان قبل التقابض. ولو تفرقا كان البيع فاسدا كما في الذهب بالذهب.[15] والسبب في ذلك وهو ربا اليد.
ربا الفضل
وهو ما قال عنه الحنفية ربا الفضل كذلك. وهو البيع مع زيادة أحد العوضين على الآخر في القدر إذا كانا من جنس واحد. وعلى سبيل المثال: بيع حنطة هذه السنة بحنطة السنة الماضية، وفي هذه الحالة يتحقق الربا لو زاد أحدهما على الآخر. يقول الإمام الشافعي:
ولا بأس بحنطة جيدة يساوي مدها دينارا بحنطة رديئة لا يساوي مدها سدس دينار، ولا حنطة حديثة بحنطة قديمة، ولا حنطة بيضاء صافية بحنطة سوداء قبيحة، مثلا بمثل كيلا بكيل يدا بيد ولا يتفرقان حتى يتقابضا إذا كانت حنطة أحدهما صنفا واحدا وحنطة بائعه صنفا واحدا، وكل ما لم يجز إلا مثلا بمثل يدا بيد. وربا القرض هو من ربا الفضل. وهو كل قرض جر نفعا للمقرض، وإنما كان ربا القرض من ربا الفضل، مع أنه ليس من الباب، لانه لما شرط فيه نفعا للمقرض، كان بمنزلة أنه باع ما أقرضه بما يزيد عليه من جنسه، فهو منه حكما. وهو كذلك ربا الجاهلية. خلاف الرهن وليس فيه منفعة من هذا القبيل.
ربا النسأ
وهو ربا النسيئة عند الحنفية. ربا النسيئة هو أن يشترط أجلا في أحد العوضين في مبادلة سلعتين توجد فيهما علة الربا.
وهذه بعض آراء الإمام الشافعي حول الربا:
فلا خير في أن يباع منه شيء ومعه شيء غيره بشيء آخر، لا خير في مد تمر عجوة، ودرهم بمدي تمر عجوة، ولا مد حنطة سوداء ودرهم بمدي حنطة محمولة حتى يكون الطعام بالطعام لا شيء مع واحد منهما غيرهما أو يشترى شيئا من غير صنفه ليس معه من صنفه شيء.[16] أي أنه غير جائز.
لا يجوز أن يشترى ذهبا فيه حشو، ولا معه شيء غيره بالذهب، سواء كان ما اختلط معه قليلا أم كثيرا لأن أصل الذى نذهب إليه، أن الذهب بالذهب مجهول أو متفاضل، وهو حرام من كل واحد من الوجهين.
وهكذا الفضة بالفضة. وإذا اختلف الصنفان، فلا بأس أن يشترى أحدهما بالآخر، ومع الآخر شيء. ولا بأس أن يشترى بالذهب فضة منظومة بخرز، لأن أكثر ما في هذا أن يكون التفاضل بالذهب والورق، وكل واحد من المبيعين بحصته من الثمن. ولا بأس أن يأخذ التسعة عشر بحصتها من الدينار ويناقصه بحصة الدرهم من الدينار. ثم إن شاء أن يشترى منه بفضل الدينار مما شاء ويتقابضا قبل أن يتفرقا، ولا بأس أن يترك فضل الدينار عنده، يأخذه متى شاء[17]
من ابتاع بنصف درهم طعاما على أن يعطيه بنصف درهم طعاما حالا أو إلى أجل أو يعطى بالنصف ثوبا أو درهما أو عرضا فالبيع حرام لا يجوز، وهذا من بيعتين في بيعة. وعلى سبيل المثال كان لعلي 10 دنانير على أحمد، ولأحمد على علي 100 درهم فلا يجوز أن يتقابضا مقابل القرض. ومن كان لرجل عليه دينار فكان يعطيه الدراهم تتهيأ عنده بغير مصارفة حتى إذا صار عنده قدر صرف دينار فأراد أن يصارفه فلا خير فيه لان هذا دين بدين.[18]
نقد آراء الشافعية
ولم يفرق المذهب الشافعي بين البيع والربا كما هو الحال عند الأحناف. وقد أسس مبدؤهم في الربا على الأحاديث المتعلقة ببيع المواد الستة. وجاءوا بعلل يتحقق بها الربا حسب رأيهم. فأدخلوا في دائرة الربا ما ليس منه أصلا. وقد اختلط الزيت بالطحين عندهم في موضوع الربا فازداد تعقيدا. لأنهم أهملوا كثيرا من الآيات والأحاديث المتعلقة بالربا مثل المذهب الحنفي.
والآراء الشافعية متناقضة في نفسها. وهم يقولون أن كلمة “الربا” مبهمة لا يعرف معناها. وقد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.[19]
هل من المعقول أن الربا لا يفصل في القرآن الكريم مع أنه أشد ما حرم الله تعالى فيه؟ وتفصله الأحاديث التي لا تخلو من الشبهات ؟ في الحقيقة أن القرآن هو الذي يبين كل شيء. وتدل الأحاديث على ما بين الله تعالى في القرآن الكريم. قال الله تعالى:
” وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ” (الأنعام، 6/ 119).
ويقصدون من بيان الأحاديث، ما جاء من النبي صلى الله عليه وسلم في بيع المواد الستة – الذهب والفضة والشعير والقمح والتمر والملح. وهذه الرواية لا تعرف الربا. بل فيها منع لخرق تحريم الربا؛ أي أن بعض الناس يتعامل بالربا في صورة البيع والشراء فهذه الراوية شددت التحريم، وسدت بابا من الأبواب المؤدية إلى الربا. .
لو أنهم أخذوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل: ” أن لا ربا إلا في نسيئة”[20] لفهموا أن الأحاديث الواردة في المواد الستة يقصد بها الربا في صورة البيع، كما بيناه سابقا. قال الشافعي مبينا السبب في عدم أخذ قول النبي صلى الله عليه وسلم ” أن لا ربا إلا في نسيئة “[21] أساسا في الموضوع:
وبهذا (أي قول النبي صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر والتمر بالملح والملح بالتمر يدا بيد كيف شئتم) نأخذ وهو موافق للأحاديث في الصرف، وبهذا تركنا قول من روى أن لا ربا إلا في نسيئة، وقلنا إن الربا من وجهين، في النسيئة والنقد، وذلك أن الربا منه ما يكون في النقد بالزيادة في الكيل والوزن كما يكون في الدين بزيادة الاجل، وقد يكون مع الأجل زيادة في النقد.[22]
وقد رأينا سابقا أن تعريف الربا للروياني مبهم ومتناقض جدا. ونفهم من أقوال الإمام الشافعي أن منشأ سبب التناقض هو ذاك التعريف المبهم والمتناقض.
ويقول الشافعية: والأصل في تحريمه أي الربا – وأنه من أكبر الكبائر الكتاب والسنة والإجماع قيل: ولم يحل في شريعة قط، ولم يؤذن الله تعالى في كتابه عاصيا بالحرب غير آكله، ومن ثم قيل إنه علامة على سوء الخاتمة كإيذائه أولياء الله فإنه صح فيها الإيذان بذلك، وتحريمه تعبدي وما أبدى له إنما يصلح حكمة لا علة.[23]
والتعبدي هو الذي لم يدرك له معنى وقد يجاب عن الشارح بأنهم قد يطلقون التعبدي على ما لم يظهر له علة موجبة للحكم وإن ظهر له حكمة.[24] وأنه لا يجوز القياس إلا فيما يعرف علته. وكأنهم لم يقولوا هذا الكلام فحددوا للربا علتين الطعم والثمنية وأقاموا عليهما مبادئهم في الربا.[25] ولا يمكن فهم هذه الفكرة. لو قلنا إن تحريم الربا تعبدي، من أين جاءت هذه العلل؟ ولماذا القول بالتعبدي بوجود العل، لو كانت العلل موجودة أصلا؟ وكيف يمكنكم القول بالعلل مع أن القرآن الكريم والسنة النبوية لم يذكر علة، وتدخلون الربا في ساحة لا علاقة لها بالربا؟. ذلك أنكم أدخلتم أشياء كثيرة تحت الربا ولا علاقة أصلا لها بالربا. ومع توسيع رقعة الربا جعلتم أصل الربا حلالا وأعلنتم بحرب من الله ورسوله بارتكابكم أكبر الكبائر.
والطعام الذي هو باعتبار قيام الطعم به أحد العلتين في الربا. و أظهر مقاصده تناول الآدمي له، وإن لم يأكله إلا نادرا أو شاركته فيه البهائم غالبا.[26] والأدوية كذلك من هذا القبيل.[27]
لذا إذا كان البدلين طعما من جنس واحد، مثل مبادلة تمر عجوة بالتمر، يشترط أن تكون المبادلة مثلا بمثل ويشترط فيها كذلك الحلول والتقابض قبل أن يفترقا؛ وإلا كان ربا.[28] ولو كان أحد التمرين يابسا والآخر رطبا. أي تحقق الربا في مبادلتهما.[29]
وللرد على الحنفية نذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم في بيع العرايا؛ عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص بعد ذلك، في بيع العرايا بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غيره.[30] ولم يشترط أن يكون يدا بيد أو المثلية في القدر. وهذا النوع من البيع يعتبر ربا عند الشافعية. ورسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيه لذا نرى أن في مبدائهم خطئا.
ولو أخذ الشافعية هذا الحديث تحت موضوع الربا بدلا من أن يأخذوه في موضوع البيع، لعرفوا أنه لمنع ربا الدين في صورة البيع والشراء. ولا يمكن أن يكون بيع العرايا طريقا لربا الدين. لذا رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه.
وقد أدخل الشافعية صعوبات إلى الحياة الإقتصادية بوضع مبادئهم الخاطئة في موضوع الربا. وعلى سبيل المثال لا يجوز عندهم بيع الطحين بالسويق ولا الخبز مع مثله أو أصله. لأنه في الطحين يوجد فرق في النعومة. كما أن تأثير النار على الخبر مختلف. لذلك لا يمكن إيجاد التماثل بينها.[31] ولا علاقة لها بالربا أصلا.
وإذا اختلف العوضين من المأكولات والمشروبات، فيشترط فيها الحلول، والتقابض قبل أن يفترق المتعاقدان، وإلا تحقق الربا. وعلى هذا لا يجوز لمن يشتغل بتربية الحيوانات أن يبتاع من جيرانه الذين يشتغلون بزراعة الثمار- الثمر بالحليب واللبن والجبن مؤجلا. وهو تحريم ما أحله الله تعالى من البيع وجلعها ربا.[32]
والعلة الثانية للربا عند الشافعية “الثمنية”. ويقولون إن هذه العلة لا توجد إلا في الذهب والفضة. وغيرهما من النقود لا يدخل ضمن الثمنية حتى ولو كانت متداولة في الأسواق.[33] وعلى هذا لو أن البنوك اليوم استعملوا كلمة البيع بدل الربا لم يكن ربا. لأن الأوراق النقدية المتداولة اليوم ليست ذهبا ولا فضة. اي لو قلت: اقرضتك 100.000 ليرة لمدة سنة بنسبة ربوية قدرها 15% يكون ربا، ولكن لو قلت: بعتك 100.000 ليرة بـ 115.000 ليرة مؤجلا لمدة سنة لا يكون ربا. و هذا الكلام خطأ كبير. خسر القائل به في الدنيا والآخرة إلا من رحم الله.
[1] عبد الواحد بن اسماعيل الروياني (المتوفى، 502/ 1108) كان قاضيا في بلاد طبرستان و رويان وقد ألف كتابا باسم البحر.
(Hayrettin KARAMAN, Başlangıçtan Zamanımıza Kadar İslam Hukuk Tarihi, İst. 1975, s. 139.)
[2] تحفة المحتاج في شرح المنهاج، جـ 4 / صـ 272.
[3] صحيح مسلم، كتاب المساقاة، 93 (1592).
[4] تحفة المحتاج في شرح المنهاج، جـ 4 / صـ 276.
[5] الأم، جـ 3، صـ 25.
[6] الأم، جـ 3/ صـ 25.
[7] تحفة المنهاج، جـ 4/ صـ 279.
[8] تحفة المنهاج، جـ 4/ صـ 278.
[9] الأم، جـ 3/ صـ 25.
[10] الأم، جـ 3/ صـ 27.
[11] تحفة المحتاج في شرح المنهاج، جـ 4/ صـ 281.
[12] الأم، جـ 3/ صـ 27.
[13] مسلم، المساقاة، 81 (1583).
[14] تحفة المحتاج في شرح المنهاج، جـ 4/ صـ 273-274 و 279.
[15] الأم، جـ 3/ صـ 27.
[16] الأم، جـ 3/ صـ 28.
[17] الأم، جـ 3/ صـ 38-39.
[18] الأم، جـ 3/ صـ 41.
[19] فخر الرازي، جـ 7/ صـ 99.
[20] صحيح البخاري، البيوع، 79 (بيع الدينار بالدينار). وصحيح مسلم، المساقات، 101 (1596).
[21] صحيح البخاري، البيوع، 79 (بيع الدينار بالدينار). وصحيح مسلم، المساقات، 101 (1596).
[22] الأم، جـ 3/ صـ 25.
[23] تحفة المحتاج في شرح المنهاج، جـ 4/ صـ 272-278.
[24] حاشية تحفة المحتاج في شرح المنهاج، جـ 4/ صـ 272.
[25] انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج، جـ 4/ صـ 273.
[26] الأم، جـ 3/ صـ. 25.
[27] انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج، جـ 4/ صـ 281.
[28] الأم، جـ 3/ صـ 27.
[29] انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج، جـ 4/ صـ 281..
[30] صحيح البخاري، البيوع، 82.
[31] تحفة المحتاج في شرح المنهاج، جـ 4/ صـ 281.
[32] تحفة المحتاج في شرح المنهاج، جـ 4/ صـ 273 -274 و 279.
[33] تحفة المحتاج في شرح المنهاج، جـ 4/ صـ 279.
أضف تعليقا