يقول الحنابلة؛ إن كل دين جلب منفعة فهو حرام. وعلى هذا لا يجوز القرض عندهم بشرط أن يعطي الدائن بيته للمدين ليسكن بدون أجرة أو بأجرة قليلة، وأن يعير له الحيوان ليستفيد منه كشرط للدين، وكذلك لا يجوز للمدين القضاء بما هو أجود من المال المُقترض، أو أن يرهن المدين شيئا عند الدائن ليستفيد منه، أو أن يعمل عنده بأقل من الأجرة المعلومة، أو أن يزرع حقله. ولو فعل هذه الأشياء بدون شرط مقدم أو بعد القضاء أو أن يقضي بأكثر من المال المُقترض فلا بأس بذلك.
كما لا يجوز أن يهدي المدين للدائن قبل قضاء دينه. ولو فعل خُصِمَ مقدارُ الهدية من القرض. إلا أن يكونا متعاودين من قبل.
علل الربا عند الحنبلية
جاء عن الإمام أحمد بن حنبل في علة الربا ثلاثة أقوال. القول الأول هو نفس الحنفية، والقول الثاني قريب من قول الشافعية والمالكية أما القول الثالث فمختلف تماما. والقول المعتمد عندهم هو القول الأول الذي هو مطابق لقول الحنفية.
القول الأول
عند الحنبلية علتان يتحقق بهما الربا، هما: الجنس والقدر (الوزن والكيل) على أشهر الروايات الثلاثة الواردة عن أحمد بن حنبل. وهذا هو الرأي المعتد للمذهب، بإستثناء خلافات طفيفة بين علماء المذهب الحنبلي. ويستند في هذا الرأي على ما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين ولا الصاع بالصاعين فإني أخاف عليكم الرماء والرماء هو الربا فقام إليه رجل فقال يا رسول الله أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل قال لا بأس إذا كان يدا بيد.[1]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبى -صلى الله عليه وسلم- « ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعا واحدا وما كيل فمثل ذلك فإذا اختلف النوعان فلا بأس به ». يشترط في هذا البيع أن يكون البدلان متساويين. والمعتبر في تحقيقها الكيل والوزن والجنس فان الوزن أو الكيل يسوي بينهما صورة والجنس يسوي بينهما معنى فكانا علة، ووجدنا الزيادة في الكيل محرمة دون الزيادة في الطعم بدليل بيع الثقيلة بالخفيفة فانه جائزٌ إذا تساويا.
والآراء التي اختلف الحنابلة مع الحنفية هي كالتالي:
لا يجوز بيع الدينار والدرهم بالدينارين. ولا يجوز بيع مد تمرة العجوة والدرهم بمد تمرة العجوة والدرهم. وهذا منع لأن لا يبقى شيء من الربا.
يشترط في بيع الذهب والفضة بالنقود المتداولة من غير الذهب والفضة الحلول والتقابض. واعتبر هنا النقود من غير الذهب والفضة كالذهب والفضة. ويخالف هذا الرأي كثيرون من فقهاء الحنابلة.
لا يباع الفلس بالفلسين أصله الوزن.[2] ولا يقبل هذا الرأي أكثر فقهاء الحنابلة.
القول الثاني
إن العلة في الأثمان أي الذهب والفضة وفيما عداها كونه مطعوم جنس فيختص بالمطعومات ويخرج منه ما عداها. ونحو ذلك قول الشافعي فانه قال: العلة الطعم والجنس شرط والعلة في الذهب والفضة جوهرية الثمنية غالبا فيختص بالذهب والفضة. عن معمر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام بالطعام الا مثلا بمثل.
لان الطعم وصف شرف إذ به قوام الأبدان، والثمنية وصف شرف إذ بها قوام الأموال فيقتضي التعليل بهما. ولأنه لو كانت العلة في الأثمان الوزن لم يجز اسلامهما في الموزونات، لان أحد وصفي علة ربا الفضل يكفي في تحريم النَّساء.
ولا فرق في المطعومات بين ما يؤكل قوتا، كالأرز، والذرة ، والدخن، أو أداما كالقطنيات، واللبن، واللحم، أو تفكها كالثمار، أو تداويا كالإهليلج، والسقمونيا، فإن الكل في باب الربا واحد.[3] ولا يعتبر المذهب المالكي الأدوية من المطعومات كما ذكرنا ذلك سابقا. ولا يشترط التساوي في بيع الطعام إذا لم يكن مدخرا.
القول الثالث
والرواية الثالثة، العلة فيما عدا الذهب والفضة كونه مطعوم جنس مكيلا أو موزونا فلا يجري الربا في مطعوم لا يكال ولا يوزن كالتفاح والرمان والبطيخ والجوز والبيض ولا فيما ليس بمطعوم كالزعفران والأشنان والحديد. عن سعيد بن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” لا ربا الا فيما كيل أو وزن مما يؤكل أو يشرب”. أخرجه الدار قطني وقال الصحيح أنه من قول سعيد ومن رفعه فقد وهم.[4]
نقد الآراء الحنبلية
كل ما وجهنا من الإعتراض على المذاهب الثلاثة يمكننا أن نوجهه للحنابلة. ونرى من المفيد أن نعيد ذكر هذا القول الذي ذكرناه سابقا: لو كانت العلة في الأثمان الوزن لم يجز إسلامهما في الموزونات لأن أحد وصفي علة الربا يكفي في تحريم النَّسَاء.
وعلى هذا، لا يكون الوزن علة الربا. وكذلك الكيل. وبالتالي تنهار مبادئ الحنبلية في مسألة الربا. لأن قولهم السابق يتناقض مع القول بأن علة الربا الوزن والكيل.
الإنتقادات المشتركة الموجهة للمذاهب الأربعة
إن ظهور التعامل بالأوراق النقدية قد أبان أنَّ مبادئ الربا عند المذاهب الأربعة لم تكن صحيحة. ذلك أننا لو افترضنا صحة مبدائهم لما بقي هناك مانع أن نتعامل بالربا. لأن الشافعية والمالكية يقولون؛ إنه يجوز بيع الأوراق النقدية من غير الذهب والفضة سواء كان حالا أو مؤجلا. أي يجوز بيع 1.000.000 بـ 2.000.000 ليرة إلى أجل. غير أنه يعتبر ربا في قول منسوب إلى الإمام مالك، ولكن هذا القول لم يجد قبولا عند بقية علماء المالكية.
ولا يشترط عند الحنفية والحنابلة التساوي في بيع الأوراق النقدية. وقد بينا سابقا أن الذي يحتاج إلى 1.000.000 ليرة لمدة سنة، يقترض من البنك 1.100.000 ليرة، ثم يبيعها نفسها إلى البنك بـ 1.000.000 ليرة، وهو في هذه الحالة أصبح مديونا بـ 1.100.000 ليرة مع أنه يملك 1.000.000 ليرة فقط. وهذه المعاملة لا تعتبر ربا عند المذاهب الأربعة كلها.
كما يجوز في المذاهب الأربعة مبادلة الأوراق النقدية بلا شرط. وعلى سبيل المثال يجوز بيع 1200 دولار أمريكي إلى أجل لمدة سنة بما يقابل 1000 دولار أمريكي اليوم من ليرات تركية. وهذه المعاملة تُسَهِّلُ القرض الربوي في بلد لا يخلو فيه التزايد الدائم في الأسعار مع التناقص في القيمة الشرائية للعملة. ولا يقبل المسلم الحقيقي هذا المبادئ التي قبلتها المذاهب الأربعة.
وأسأل الله العلي القدير أن يجعله في ميزان حسناتكم و بارك الله فيكم و نفع بكم أمة الإسلام