حيلة الربا
تحريم الربا يمنع القرض الربوي، لذا ذهب من يريد الربا إلى بعض الحيل ليتمكن من التعامل الربوي. مثل: البيع بالوفاء، والبيع بالإستغلال، والمعاملة الشرعية.
- 1. البيع بالوفاء
بيع الوفاء؛ “بيع المال بشرط أن البائع متى رد الثمن يردُّ المشتري إليه المبيع”. وهذا العقد هو قرض مقابل رهن في صورة البيع. وقد ظهر عند العلماء الحنفية في القرن الخامس الهجري والقرن الحادي عشر الميلادي.
وعلى هذا يبيع من يحتاج إلى النقود مالا من أمواله مثل البيت أو الحقل أو غير ذلك مما يملك في الحال بشرط أن يعيده فيما بعد بنفس السعر الذي باع به. وشرط الإعادة يضاف في العقد أثناء العقد أو يتفق عليه قبل العقد. وعلى سبيل المثال: من يحتاج إلى 10.000 ليرة لو اتفق مع صاحب النقود على 12 % فإنه يبيع حقله الذي أجرته السنوية 1200 ليرة وكذلك البيت أو الدكان بـ 10.000 على شرط البيع بالوفاء لمدة سنة. وبعد سنة يعيد المشتري المبيع إلى البائع لو أعاد 10.000ليرة.
وهذا العقد سمي بـ “البيع بالوفاء” لإشتراط أن يكون كل من الطرفين وفيا للآخر. كما يسمى بـ ” البيع بشرط الوفاء” أو “البيع بشرط الأمانة” أو “البيع بالإطاعة”.[1]
والبيع بالوفاء ليس ببيع باعتبار نتائجه وشكله. لذا اختلف في تسميته؛ ذلك أن البعض أعتبره رهنا والبعض الآخر اعتبره بيعا صحيحا. كما ذهب البعض أنه عقد ناشئ من رهن وبيع صحيحين. وكذلك يوجد من عده عقدا باطلا. وسيأتي التفصيل بإذن الله.
أ. تسمية البيع بالوفاء رهنا
سمى البعض البيع بالوفاء رهنا. والرهن هو المال الذي يجعل وثيقة بالدين ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه. وفي حالة عدم سد الدين يمكن للمرتهن أن يبيع الرهن ويأخذ مقدار الدين وما زاد يعيده إلى الراهن.
قال السيد الإمام قلت للإمام أبي الحسن الماتريدي قد فشا هذا البيع بين الناس وفيه مفسدة عظيمة وفتواك أنه رهن وأنا أيضاً على ذلك فالصواب أن نجمع الأئمة ونتفق على هذا ونظيره بين الناس.
فقال: المعتبر في اليوم فتوانا فقد ظهر ذلك بين الناس فمن خالفنا فليبرر نفسه وليقم دليله.
وسئل عمن باع نصف كرمه من آخر ببيع الوفاء وخرج هو في الصيف إلى كرمه بأهله وأخرج هذا المشتري أهله وأدركت الغلات فأخذ البائع نصفها والمشتري نصفها هل للبائع إذا تقايلا البيع وأعطاه ثمن ما شراه أن يطالبه بما حمل من الغلات؟
قال: لو أخذه بغير رضا البائع فللبائع أن يطالبه به، ولو أخذه برضاه يكون ذلك هبة منه، قال ولابد من التفصيل فيه فإن رب الكرم هو الذي نقله إلى كرمه فيحتمل الأخذ برضاه وغير رضاه فأما لو شرى كله وقبضه وأخذ غلاته والأخذ بغير رضى البائع هو في الحقيقة رهن وليس للمرتهن أن يأكل غلة الرهن فإذا أكلها ضمنها فافتيا بالضمان على الإتفاق لذلك. أقول: غرضهما من التبايع هو أخذ غلته والإنتفاع به فيكون الأخذ برضاه سواء باع كله أو بعضه فينبغي أن لا يضمن وفاقاً. [2]
وقال عمر نصوحي بلمن: البيع بالوفاء رهن عرفا؛ حتى وإن قال الطرفان في العقد “بعت هذا واشتريت هذا، وهي بمثابة قول القائل: أراهن هذا، ويقول الطرف الآخر قبلته رهنا. لأن العبرة ليست باللفظ بل بما يقصد من الألفاظ. وقد قصد هنا بلفظ “البيع” الرهن المعروف.[3] كما هو متفش بين الناس.[4]
ويترتب على البيع بالوفاء في حالة كونه رهنا الأحكام التالية:
- لا يجوز للمرتهن أن يملك الرهن.
- لا يجوز لأحد الطرفين أن يبيع الرهن بدون إذن الطرف الآخر.
- من باع بيع وفاء فباعه المشتري لآخر بيعاً باتا وسلم وغاب للبائع الأول أن يخاصم المشتري الثاني ليأخذه منه. وإن كان حق الحبس للمرتهن لكن يد المشتري الثاني غير محقة والبائع الأول مالك له وله طلب ملكه ممن أخذه بغير حق. ثم للمرتهن أن يأخذه منه ويحبسه متى حضر المشتري. وكذا لو مات البائع الأول والمشتري الأول والآخر فلورثة البائع الأول أن يأخذوه من ورثه المشتري الآخر ولهؤلاء الورثة طلب ما أخذه البائع من الثمن ولورثة المشتري الأول أن يأخذوا المبيع من ورثة البائع الأول فحبسوه بدين مورثهم إلى أن يقضوا دينه جملة.
- لو تلف المبيع في يد المشتري يحسب الدين من ثمنه لو كان ثمن المبيع أقل من الدين، فعلى البائع أن يدفع الباقي. ولو كان أكثر؛ يعيد المشتري الزيادة إلى البائع إذا تعمد في التلف، وإلا فلا.
- وعلى البائع مصاريف المبيع من ضريبة ونقل وإصلاح وزكاة وكذلك ما يتعلق بحق الشفعة. ولا يعطي حق الشفعة لغيره لأن انتقال المال بهذه الطريقة ليس بيعا بل هو رهن.
- وإذا مات أحد الطرفين ينتقل حق فسخ العقد للوارث.
- ولا حق للدائنين الآخرين على البائع أن يتدخلوا في المبيع حتى يستوفي المشتري الدَّين.
- ولا يجوز أن يستعمل المشتر ي المبيع إلا بإذن البائع، ولا يستفيد من غلاته ولا يجوز أن يستهلكه؛ وإذا فعل ضمن. وإذا فعل بإذن البائع يكون هبة.
- ولا يجوز أن يأجر الدائن المبيع للبائع (الصاحب الأصلي)، ولو فعل بطل العقد ولا يلزم عليه دفع الأجرة. وعلى هذا فلا يمكن بيع الإستغلال في البيع بالوفاء. وسيأتي التفصيل عن هذا الموضوع.
- ويستعيد البائع المبيع حين يسد ديونه.
واعتبر معظم الفقهاء اشتراط استفادة المرتهن من الرهن في عقد الرهن ربا. وخالف البعض.[5] يمكن للمرتهن أن سيتفيد من الرهن ولو لم يشترط ذلك في العقد لأنه أصبح متعارفا بين الناس. ولأن كل وحد من الطرفين قال في العقد “بيعت واشتريت”، وهذا يدل على جواز استفادة المرتهن من الرهن. وقال بعض الأحناف أنه ربا، لأنه دين جلب المنفعة للدائن.[6] ونرى أن هذا الرأي هو الصحيح.
ب. من أجاز البيع بالوفاء
ذكر الكشي عن علامة سمرقند مولانا صاحب المنظومة أنه قال اتفق مشايخ الزمان على صحة هذا البيع ولا عبرة بمجرد النية بلا لفظ فإن من تزوج إمرأة بنية أن يطلقها إذا مضى سنة لا يكون متعة.
والبيع بالوفاء يجيز استفادة المشتري من السلعة مع تأمين الدين. ولا يجوز القول بجواز الإستفادة من السلعة واعتبارها رهنا، لأن الرهن لا يجوز الإستفادة منه.
وجاء صاحب الحادثة إلى العلامة وقال بعت حانوتي ثم أدعى المشتري أنه وفاء، وطلب مني نقد الثمن وتسليم الحانوت وادعيت أنه كان باتاً قال القول قولك.
قال كان من عزمي أن أنقد وأسترد ومن عزمه الرد حين أنقد فهل لي أن أحلف قال كان ذلك قبل العقد باللفظ ولا عبرة بالسابق وحال العقد في القلب ولا عبرة له بلا لفظ فاللفظ للبيع لا للرهن فيثبت ما تلفظا به.[7]
الصحيح أن بيع الوفاء إن كان بلفظ البيع لا يكون رهناً، ثم لو ذكرا شرط الفسخ في البيع فسد البيع ولو لم يذكراه فيه وتلفظا بلفظ البيع بشرط الوفاء أو تلفظا بالبيع الجائز وعندهما هذا البيع غير لازم فكذلك يفسد ، ولو ذكرا البيع بلا شرط ثم ذكرا الشرط على وجه العدة جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد إذ المواعيد قد تكون لازمة فيجعل لازماً لحاجة الناس.[8]
النتائج المرتبة على القول بجواز البيع بالوقاء:
- يجوز للمشتري أن يستفيد من المبيع، وله أن يأجره. ويجوز الإستفادة من الغلة إذا كان المبيع ثمارا. وكل ما جاز بيعه قبل قبضه جاز إجارته قبله وإلا فلا، وبيع العقار جائز قبل قبضه وكذا إجارته.
- لو سد المدين دينه بعد مضي بعض العام، يقسم الغلة الحاصلة من المبيع إلى 12 قسمة مساوية ثم يأخذ المشتري أسهم الشهور التي مضت من القسمة.
- لو تحمل البائع المصارف من الضريبة والتصليح للمبيع فهي هبة منه.
- لو اشترط الفسخ بإعادة البدل أو المال المبيع يلزم أن يتبع هذا الشرط. لأن أبا حنيفة قال إن الشروط الفاسدة الملحقة تلحق بالشروط الأصلية ولا يفسد العقد خلافا للإمامين.
- لا يجبر البائع لأخذ المبيع لو حدث فيه عيب ينقص ثمنه. لأن الإعادة بيع جديد.
- إذا تلف المبيع في يد المشتري لا يبقى حق لأحد الطرفين للآخر.
- لا يجوز للمشتري أن يبيع المبيع لغيره، ومن حق البائع أن يفسخ البيع لو باع المشتري. لأن البيع بالوفاء ليس كالبيوع الأخرى، فلا يتأتى للمشتري جميع حقوق العقد. [9]
ونرى نحن أن هذا ليس ببيع، فكيف نقول للمشتري أنه اشتري إذا لم يكن له حق في بيع ما اشتراه. ولا يعتبر البيع بيعا إذا لم يتحقق به حق الملكية.
ولا يجوز للبائع أن يفسخ البيع بإعادة المبيع من طرفه. بل الفسخ يكون باتفاق الطرفين معا.
يقال: أنه لو فسخ البائع البيع، يقسم الغلة الحاصلة من المبيع إلى 12 قسمة مساوية، ويأخذ المشتري أسهم الشهور التي خلت. مثلا بيع الكرم على أساس البيع بالوفاء وبعد 8 اشهر طلب الإعادة ، فإن ثمانية من إثني عشر شهرا يكون من حق المشتري والباقي للبائع. ولا يجوز مثل هذه الأمور في البيع البات فيتبين أنه ليس ببيع بل هو قرض ربوي في صورة البيع.
أ. رأي من قال أن البيع بالوفاء بيع فاسد
يقول البعض أن البيع بالوفاء بيع فاسد، لأن شرط الفسخ أو الوفاء يفسد العقد. ويترتب عليه النتائج التالية:
- يجوز لكل من الطرفين أن يفسخ البيع بالوفاء.
- يجوز للمشتري أن يأخذ البدل لو أجر المبيع بعد القبض، ولكن لا يجوز أن يأجره للبائع، لأنه يجب عليه أن يعيده إليه.
- لو تبايعا مطلقاً ثم ألحقا الوفاء يلتحق عند الإمام كإثبات الشرط المفسد وإسقاطه إذا لم يكون قوياً وعندهما لا.[10]
ونرى أن القول بفساده هو من أجل استفادة المشتري حتى يعيده إلى البائع. فالبيع الذي يمنع ملكية المبيع للمشتري وملكية البدل للبائع باطل؛ فلا يترتب عليه أحكام.
ب. رأي من قال أن البيع بالوفاء عقد جديد
يرى البعض من الفقهاء أن البيع بالوفاء عقد جديد. وفيه قولان: القول الأول: البيع بالوفاء يكون في حق البائع رهنا وفي حق المشتري ئراءا، وقد تداخل فيه الرهن والبيع؛ إلا أن يذكر شرط الوفاء أثناء العقد. ويترتب عليه النتائج التالية:
- يجوز للمشتري أن يستفيد من المبيع كما يستفيد من بقية أمواله.
- يجب على المشتري أن يعيد المبيع إلى البائع حين يعيد البائع البدل.
ونرى أن هذا الرأي لا يمكن قبوله؛ لأنه لا بد للعقد من الإيجاب والقبول، أي أن يتفق قول أحد الطرفين للآخر. فلا يمكن عقد بإرادة أحد الطرفين البيع والآخر الرهن. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا» (النساء، 4/ 29).
والقول الثاني: البيع بالوفاء هو عقد بيع جديد اندمج فيه البيع الصحيح والبيع الفاسد والرهن. فهو فاسد في حق بعض الأحكام ، وملك كل منهما الفسخ صحيح في حق بعض الأحكام: كحل الإنزال ومنافع المبيع وهو رهن في حق البعض، حتى لم يملك المشتري بيعه من آخر ولا رهنه، ويسقط الدين بهلاكه. ويَعُدُّ أصحاب هذا الرأي البيع بالوفاء عقدا مركبا من العقود الثلاثة؛ البيع الصحيح والبيع الفاسد والرهن. وكونه رهنا هو الأغلب. وقد تبنت المجلة هذا الرأي الأخير.[11]
وعلى هذا يجوز أن يشترط في العقد كون بعض الغلات من المبيع أو كلها حقا للمشتري. مثلا لو تعاقدا في بيع الكرم وفاء على أن الغلات تقسم مناصفة بين البائع والمشتري لزم امتثاله. ولا يلزم امتثال هذا الشرط في الرهن، بل ومن حق الراهن أن يغير الشرط في أي وقت شاء.
كما يقول أصحاب هذا الرأي أنه عقد مركب من العقود الثلاثة كالزرافة فيها صفة البعير والبقر والنمر جوز لحاجة الناس إليه بشرط سلامه البدلين لصاحبهما.[12]
ت. رأي من قال أن البيع بالوفاء عقد باطل
وهذا الرأي منسوب إلى كل من علاء الدين بدر ومرغناني ولأولاده. وقال صاحب الفتاوى البزازية محمد بن محمد الكردري (المتوفى، 827/ 1424) البيع بالوفاء عقد باطل وقد اتفق عليه علماء عصرنا ويجب أن يكون الفتوى عليه.[13] ونرى أن هذا الرأي هو أقرب للصواب.
البيع الفاسد لا يحدث أي نتائج، فالمبيع أمانة عند المشتري لو تم التسليم. لأن الأحناف يقولون إن البيع الفاسد هو صحيح في حد ذاته ولكن بعض شروطه غير شرعية. أما البيع الباطل هو عقد لا يحمل في طياته أي أثر قانوني.[14]
وخلاصة القول إن البيع بالوفاء هو قرض ربوي في صورة البيع. والدخل من هذه المعاملة هو ربا.
[1] المرجع السابق لإبن العابدين، جـ. 5، صـ. 276.
[2] جامع الفصولين للإمام الفصيل الجليل محمود بن إسرائيل الشهير بابن قاضي سماونه، جـ .1 / صـ. 234-235.
[3] قاموس الحقوق الإسلامية ، جـ. 6/ صـ. 127.
[4] جامع الفصولين للإمام الفصيل الجليل محمود بن إسرائيل الشهير بابن قاضي سماونه، جـ .1 / صـ. 234-235.
[5] رد المختار لابن عبدين، دـ . 6/ صـ . 522.
[6] تحفة المحتاج بشرح المحتاج، جـ. 5 / صـ . 48.
[7] الفتاوى البزازية، جـ . 4/ صـ . 406.
[8] جامع الفصولين للإمام الفصيل الجليل محمود بن إسرائيل الشهير بابن قاضي سماونه، جـ .1 / صـ. 237.
[9] جامع الفصولين للإمام الفصيل الجليل محمود بن إسرائيل الشهير بابن قاضي سماونه، جـ .1 / صـ. 238. بالتصوف.
[10] الفتاوى البزازية، جـ . 4/ صـ. 407.
[11] مجلة الأحكام العدلية، مادة: 118.
[12] رد المحتار، جـ. 5/ صـ. 277.
[13] الفتاوى البزازية، جـ. 4/ صـ, 408. 1310 بولاق.
الربا من الموبيقات السبعة يجب الاجتناب منه