إرادة الله وقدره
كثير من الناس يرتكب الأخطاء ثم يقول هي بإرادة الله، فهم يجعلونه سبحانه مسؤولا عما يرتكبون من الأخطاء. وقد أخبر الله أنهم كاذبون في قولهم هذا بقوله تعالى: «سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ. قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ» (الأنعام، 6 /149).
إرادة الله تنقسم إلى قسمين؛ إحدامهما تشريعية والأخرى تكوينية. والإرادة التكوينية هي إرادة الله في خلق شيء. وهي قوله تعال”كن” إذا أراد خلق شيء. قال الله تعالى: «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (يس، 36 / 82).
أما الإرادة التشريعية فهي إرادة الله المتعلقة بأفعال العباد. وهو يريد من العباد امتثال أوامره واجتناب نواهيه ولكن لا يجبر أحدا على ذلك. أي هي إرادة مرتبطة بأفعال العباد. قال الله تعالى: « وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا» (18 / 29).
والله تعالى لا يكره أحدا في الدين ولا يأذن لأحد أن يكره أحدا فيه. وقد قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: « وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» (يونس، 10 / 99). « وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ» (الأنعام، 6 / 35).
والله تعالى لا يهدي من لا يريد الهداية. كما دل على ذلك الآيات التالية:
«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (المائدة، 5 / 67).
«… وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (التوبة، 9 /19). «…وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ» (التوبة، 9 / 24). «.. وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (التوبة، 9 / 109).
والله تعالى يهدي من يريد الهادية. قال الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ[1] وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (إبراهيم، 14 / 4).
ينبغي على الإنسان أن ينيب إلى الله لينال الهداية. قال الله تعالى: «وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ» (الرعد، 13 / 27).
والله لا يضل من هداه دون سابق تحذير له. قال الله تعالى: « وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (التوبة، 9 / 115).
وأما الذين ضلوا فهم لم يلتفتوا الى التحذيرات الواضحة؛ فيستدرجهم من حيث لا يعلمون. قال الله تعالى: « فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ» (الأنعام، 6 / 44).
ولا يهلك الله قوما إلا بعد إنذارهم. قال الله تعالى: «مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا» (الإسراء، 17 / 15).
[1] قيل في تفسير الآية؛ “يضل الله من يشاء عن وجه الحق والهدى ، ويهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم” بإعادة الضمير إلى لفظ الجلالة “الله” ولكن لا بد من إعادة ضمير «شاء» على «من» وليس على لفظ الجلالة. لأن لفظ «من» في من يشاء» قريب من الضمير ولفظ الجلالة «الله» بعيد. لذا لا بد من قرينة ليعود الضمير إلى لفظ الجلالة «الله». ولا توجد القرينة هنا فلم يبقى إلا أن يعود الضمير إلى لفظ «من» القريب. فيكون معنى الآية كالتالي: أنه يرسل إليهم رسلا منهم بلغاتهم ليفهموا عنهم ما يريدون وما أرسلوا به إليهم، «فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ» أي: بعد البيان وإقامة الحجة عليهم يَضِل من يختار الضلالة، ويهتدي من يختار الهداية إلى الحق. وهو العزيز الحكيم.
أضف تعليقا