مفهوم خاطئ للتوكل
والتوكل إظهار العجز والاعتماد على غيرك التوكل هواعتراف العجز في إنجاز أمر ما وتحويله إلى شخص آخر له قدرة وصلاحية على إنجازه.[1] وحقيقة التوكل على الله، هو تفويض الأمر عليه مع الأخذ بالأسباب. لكن أصبح التوكل مع مرور الوقت يقصد به ترك الأمر على الله كليا بدون القيام بما يلزم من الأسباب. وقد فسرت بعض الآيات المتعلقة بالتوكل على هذا الأساس. مع أن التوكل الصحيح يستلزم من صاحبه أن يُعْمِلَ الأسباب. كما قال الله تعالى: «وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» (المائدة، 9 / 11). وهي شاملة على القيام بالأسباب المأمور بها، فالتوكل بدون القيام بالأسباب المأمور بها عجزٌ، فلا ينبغي للعبد أن يجعل توكله عجزاً ولا عجزه توكلاً، بل يجعل توكله من جملة الأسباب التي لا يحصل المقصود إلا بها. وقال الله تعالى: « وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى» (النجم، 53 / 39). «فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ» (البقرة، 2 / 200-202).
وهذا يعني أن من يريد الدنيا يجب عليه أن يعمل. وكذلك من يريد الدنيا والآخرة فلا بد له أن يعمل، إلا خسر الدنيا و الآخرة. وللنجاح شرطان؛ أحدهما؛ المشيئة أي الطلب، والآخر هو الحصول على الطاقة اللازمة. كما قال الله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا» (الإسراء، 17 / 30).
لا يوجد في الأرض جبن وخبز وما إلى ذلك من الأطعمة مطبوخة جاهزة في متناول الجميع. ولكن قد خلق الله تعالى طريقا يمكن به الحصول عليها. والذي لا يسلك هذا الطريق لا يمكن له الحصول عليها. قال الله تعالى: «وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ» (فصلت، 41 / 10). فمن قام بما يلزم من الأعمال حصل عليها، في حدود ما خلق الله تعالى في البيئة التي نعيش فيها من الإمكان والنعم. وقد أمرنا الله تعالى أن ندعوه بقوله: «تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (آل عمران، 3 / 27).
ومع توافر الفرص والامكانية لا نستطيع الحصول على النعم إلا إذا كان لدينا القوة اللازمة وكذلك لا بد من بذل الجهد اللازم. لذا يجب الحصول على الطاقة اللازمة والقيام بالعمل لتحقيق النجاح. أما الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفياضانات و الزلزال فإنها أمور ليست في وسعنا منعها فما علينا إلا أن نتوكل على الله بعد إتخاذ كافة التدابير.
وقد فشى معنى خاطئ للتوكل بترجمة الآيات المتعلقة بها بما يخالف المعنى المقصود منها. وعلى سبيل المثال: قيل في ترجمة قوله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا» (الإسراء، 17 / 30). “إن ربك أيها الرسول يبسط الرزق لمن يشاء، ويوسع عليه، ويقتر على من يشاء ويضيق عليه، لما له من الحكمة في ذلك، وهو خبير بعباده، فيعرف من يصلحه الغنى فيغنيه، ومن يصلحه الفقر”. ومنشأ الخطأ فيه هو إعادة الضمير في «يشاء» و «يقدر» إلى لفظ الجلالة. ولكن الحقيقة يجب إعادة الضمير فيهما إلى «من» القريب لأن عودة الضمير إلى القريب هو الأساس في قواعد اللغة العربية إلا أن يكون هناك قرينة تتطلب عودته إلى البعيد. فالتفسير الصحيح للآية: إن ربك يبسط الرزق لمن يطلبه ويريده وعنده الطاقة اللازمة للكسب فيبذل جهده في طريق الحصول عليه.
[1] ترجمة القاموس لمترجم عاصم، مطبعة البحرية، مادة: (وكل).
أضف تعليقا