عقيدة الشرك
وقد عبّر القرآن الكريم عن الآلهة المزعومة بـما يُعْبَدُ من ”دون الله“. و كلمة ”دون“في اللغة تعني: المداناة والمقاربة. يقال هذا دُونَ ذاك، أي هو أقرَبُ منه. وإِذا أردْتَ تحقيرَه قلتَ دُوَيْنَ. ولا يُشتقُّ منه فِعْلٌ. ويقال في الإِغراء: دُونَكَهُ! أي خُذْه، أقرُبْ منه وقرِّبْه منك. ويقولون أمرٌ دُونٌ، وثوب دُونٌ، أي قريبُ القِيمَة.[1] وعلى هذا فمعنى “من دون الله” أقل وأدنى مرتبة من الله.
يزعم المشرك أن الله تعالى بعيد عنه يصعب الوصول إليه إلا بالوسائل كالملوك الذين لا يمكن الوصول إليهم إلا بوسيلة من هو قريب منهم. لذا توسلوا إلى الله بمن يُزعم أنه قريب من الله. كما قال النصارى أن المسيح بن مريم هو ابن الله وتوسلوا به إليه. ومشركوا مكة سمّوا ما عبدوه من دون الله ببنات الله. وكذلك الذين أرادوا أن يتقربوا إلى الله بالشيوخ الكبار قد نعتوهم بأولياء الله.
المشرك لا يشرك بالله في ذاته. أي أنه يؤمن بأن الله واحد. ولكنه يشرك بالله في صفاته. اي أنه يشرك بالله بإعطاء بعض الصفات الخاصة لله لبعض المخلوقات، ويزعم أن هذه المخلوقات سواء كانت حجرا أو بشرا أو غير ذلك إنّما تملك من قوة السمع والبصر والإغاثة وغيرها من الأمور فوق العادة ما لا يملكه سائر الخلق. ويعتقد أن هذه الميزات قد أعطيت لهم من الله تعالى.
كان مشركوا مكة يقولون حين يطوفون بالكعبة: “لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك”. قال ابن عباس فيقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم “ويلكم قد قد”.[2] ويمكننا أن نلخص الشرك في النقاط التالية:
1. الصراط المستقيم (أو الطريق الصحيح): وهو صراط الله الذي أمرنا أن نتبعه. وكل من آمن وعمل عملا صالحا فهو على هذا الطريق. ونعني بالعمل الصالح امتثال ما أمر الله واجتناب نواهيه في السر والعلن. فالله تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد فيعلم ما توسوس به نفسه. والطريق الصحيح المستقيم هو الطريق الذي يقعد عليها الشيطان ليصد الناس عن سبيل الله. وتوضح الآيات هذا المعنى بقول الله تعالى وهو يقصّ علينا وعيد إبليس : «قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ» (الأعراف، 7 / 16 – 17).
والمصيبة الكبرى هي ما تأتي من شياطين الإنس الذين يقعدون على الصراط المستقيم ويدّعون أنهم يوصلون الناس إلى الله من أمثال شيوخ الطرق الصوفية.
2. الآلهة
يُعتقد أنّ الآلهة المزعومة تأخذ مكانها بين الله وبين الناس، وهي تحمل طبيعتين لاهوتية وناسوتية، لذلك يرون أنّها تستحق أن تكون وساطة بين الله وبين الناس.
3. أرواح الآباء
الإنسان مولع بتعظيم آبائه لا سيما من مات منهم. ويبالغ في تعظيمهم حتى يعطون لهم بعض الصفات التي يختص بها الله تعالى. وهذا ما نسميه تأليه الآباء. ونرى أنّ عقيدة وحدة الوجود والفناء في الله (أحوال الخشوع والإستغراق التام) قد نشأت من هذه الأفكار.
4. رجال الدين
رجال الدين، هم من يتزعمون الناس في دينهم ويقدمون لهم الدين كما في الشكل السابق. ويعتقد الجهلة من الناس أنّ هؤلاء يحملون بعضا من الخصائص الإلهية. لذا استحقوا أن يقوموا بوساطة بينهم وبين الله تعالى.
5. الإنسان
وهذه الشبكة المبنية من تلك الروابط تؤدي إلى سوء استعمال الشعور الديني لدى الإنسان. ويرتبط الناس بهذه الشبكة من أجل المنافع المادية، وبالتالي فإنها شبكة أقيمت من أجل الحصول على المصالح الدنيوية، كما دلّ عليه قوله تعالى: « وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ» (العنكبوت، 29 / 25).
وهكذا الحال في كل الأديان الوضعية. وقد أخبر الله تعالى عن بعض اليهود والنصارى فقال: «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» (التوبة، 9 / 31).
قال عدي بن حاتم : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال يا عدي اطرح عنك هذا الوثن وسمعته يقرأ في سورة براءة «اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله» قال أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئا استحلّوه وإذا حرّموا عليهم شيئا حرّموه فصاروا بذلك أربابا. [3]
وكل من هو على الصراط المستقيم يواجه العقبات. ذلك لأن الشيطان يقعد لابن آدم عليه ليضلَّ الناس عن سبيل الله. فهو يقيم فخاخه وشراكه عليه ويخبر من يمرُّ به عن كلّ ما يصدّ عن الحقّ كوساطة الأولياء المزعومة وعن قربهم من الله تعالى، ويقول إنه من أراد أن يصل إلى الله فهو بحاجة إلى تأييدهم إياه فهم شفعاء عند الله.. وغير ذلك من المزاعم التي لا علاقة بها بالإسلام. وللشيطان وكلاء من الإنس يكملون ما ابتدأ به الشيطان فيأتون بالحكايات الخيالية عن الأولياء المزعومين ويدّعون وجوب التسليم لهم لأنّ الله تعالى لا يخذلهم أبدا ويستجيب كلّ طلباتهم. والذي يهمل عقله وفطرته فهو التابع والمؤيد للشيطان لا محالة، فيتوجه إلى الأولياء المزعومين قبل أن يتوجه إلى الله تعالى، وبهذا أنه قطع ما أمر الله به أن يوصل.
[1] معجم مقاييس اللغة، جـ. 1 / 259.
[2] صحيح مسلم، جـ. 6 / صـ . 124، رقم الحديث: 2032.
[3] ترمذي، تفسير القرآن الباب 10 رقم الحديث: 3095. استانبول 1981 / 1401، جـ . 5 / صـ . 278.
أضف تعليقا