وحدة الأديان السماوية
أرسل الله تعالى الرسل، وأنزل الكتب، لتحقيق مضمون واحد، والوصول إلى مصير واحد، أما وحدة المضمون: فهي الدعوة إلى توحيد الله وعبادته، والعمل بمرضاته، والبعد عن مساخطه، وأما وحدة المصير: فهي عرض جميع الخلائق على ربهم في عالم الآخرة، مما يقتضيهم التزام أمر الله، واجتناب نهيه، فتحقق لهم السعادة الأبدية في الدنيا والآخرة، ولا داعي بعدئذ للتفرق والاختلاف في الدين، وهذا ما صرح به القرآن الكريم في قول الله تبارك وتعالى:
«إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ. وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ. فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ. وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ. حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ» (الأنبياء، 21/ 92- 97).
المعنى: إن دين الله والإنسانية دين واحد، قائم على ملة التوحيد الخالص لله، والإيمان بالله تبارك وتعالى وعبادته، وتلك هي الملة الواحدة التي دعا إليها جميع الأنبياء والشرائع، إنهم جميعا متفقون على منهج واحد، وغاية واحدة، وما على البشر إلا توحيد الدين، والإنابة لرب العالمين، فهو الإله الواحد الذي لا إله غيره، فليعبده كل الناس، ولا يشركوا به أحدا من المخلوقات والأشياء الكونية.
إلا أن الأمم والشعوب اختلفوا مع الأسف، على الرسل بين مصدّق لهم ومكذب، وكان منهم المحسن ومنهم المسيء ، وتقطّعوا أمر الدين الواحد، وتفرقوا فرقا شتى، وكل فرقة منهم سيرجعون إلى الله تعالى يوم القيامة، فيجازى كل واحد بما عمل، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. ثم حوّل الله الخطاب إلى الغيبة للالتفات إلى مخالفات دين الله الواحد.
فمن عمل عملا من الصالحات، وهو مؤمن بالله، فهو بسعيه يجازى، ولا جحود لمسعاه، ولا إبطال لثواب عمله، ولا إضاعة لجزائه، وكل شيء قدمه فهو مدون محفوظ. والآية دليل واضح على أن أساس قبول الأعمال الصالحة عند الله: هو الإيمان الحق الذي يشمل التصديق بالله ورسله وبجميع ما أنزل الله في كتبه، وبما شرّع من شرائع وأحكام، وهذا هو المحسن، وقد ذكّره الله بالوعد الحسن وبالمصير المحمود.
ثم ذكّر الله المسيء بالوعيد في قوله: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أي ومحظور ممنوع على أهل قرية، حكم الله بإهلاكها، رجوعهم إلى الدنيا فيتوبون ويستعتبون، أو رجوعهم عن الكفر إلى الإيمان والإسلام، والعودة إلى الرشد والاستقامة، فأولئك لا يؤمنون أبدا بسبب سوء اختيارهم وعنادهم، وتحجر طبائعهم.
وكلمة «لا» في قوله سبحانه: لا يَرْجِعُونَ زائدة للتأكيد، وهو شيء مألوف في لغة العرب.
ويستمر عدم رجوع القوم المهلكين إلى قيام الساعة وظهور أماراتها وهو خروج يأجوج ومأجوج، وهم الناس جميعا، يخرجون من قبورهم، ويقبلون على ساحة الحساب من كل مكان، مسرعين، فقوله تعالى: يَنْسِلُونَ معناه: يسرعون في تطامن، أي سكون أو انخفاض. والحدب: كل مسنّم من الأرض كالجبل والقبر ونحوه.
فإذا خرجت الأمم من القبور، وقرب الوعد الحق، أي يوم القيامة، ترى أبصار الكافرين شاخصة، أي مرتفعة الأجفان، جامدة لا تتحرك، ولا تكاد تنظر من أهوال القيامة وشدة أحداثها. يقولون: «يا ويلنا» أي يا هلاكنا، قد كنا في الدنيا غافلين لاهين. بل كنا في الواقع ظالمين لأنفسنا، بتعريضها للعذاب، لقد كانت بنا غفلة عما وجدنا عليه الآن، وتبيّنا من الحقائق، ونصرح بأننا نحن الظلمة. وهذا اعتراف واضح بما كانوا عليه من تعمّد الكفر وقصد الإعراض.
إن أمر الساعة الوعد الحق سريع الحدوث، رهيب الوقوع،
روى ابن جرير الطبري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: رجلا اقتنى فلوا، بعد خروج يأجوج ومأجوج، لم يركبه حتى تقوم الساعة».
والفلو: المهر أو الجحش يفطم أو يبلغ السنة. (منقول من التفسير الوسيط للزحيلي. من أبي الأنوار).
أتمنى لكم النجاح والسداد و أعز الله الأسلام و المسلمين بكم