الُمقدِّمة :
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولنا مُحمَّدٍ وعلى آله وصحبه ومَن اتَّبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين. أمَّا بعدُ…
سألني بعضُ النَّاس عن أفكار بعض شُيوخ الطُّرق الصُّوفيَّة ومُريديهم، وبعد البحث في تلك الأفكار مُقارِناً إيَّاها بالقُرآن الكريم _الذي يُعتَبَرُ المصدرَ الأساسيَّ لديننا الإسلاميِّ_ رأيتُ أنَّ تلك الأفكار أقربُ إلى الخُرافة والأوهام من أنْ يكونَ لها أيَّةُ علاقةٍ بديننا الإسلاميِّ الحنيف.
رغبْتُ في أن أُجريَ حِواراً مع أحدِ شيوخ تلك الطُّرق ابتغاءَ الوصول إلى الطَّريق الصَّحيح؛ طريقِ القُرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، لكنَّ الطَّرفَ الثَّاني طلَبَ منِّي بيانَ غرضي وأفكاري في رسالةٍ قصيرةٍ قبل اللِّقاء ليتسنَّى للجميع المُناقشَةُ والوصولُ إلى الحقيقة، وقد أجبتُهم فيما أرادوا.
وبعد ستَّةِ أشهرٍ كانَ اللِّقاءُ بالشَّيخ ومعه رؤساءُ الطُّرق الصُّوفيَّة المشهورة في تركيا، وجرى بيننا حوارٌ طويلٌ سجَّلتُه في رسالةٍ نُشِرَتْ بعد إدخال بعض التَّعديلات اللَّازمة بشرطِ عدم التَّغيير في فحوى الكلام بهدف تسهيل الفهم للقارِئ، وقد لقيَتْ تلك الرِّسالةُ اهتماماً كبيراً، وتَناقلَها النَّاسُ فيما بينهم، كما أنَّها نُشِرَتْ في بعض الصُّحف والمجلَّات، ثمَّ قرَّرتُ أن أطبعها في كتابٍ مُستقلٍ، وقد انتشرَ هذا الكتابُ بشكلٍ كبيرٍ في تركيا وأوربا، ويزدادُ الطَّلبُ عليه حتَّى يومنا هذا.
وقد اقتصرتْ الطَّبعةُ الأولى من الكتاب على اللِّقاء المذكور أعلاه مع بعضِ الإضافات؛ وهي اعتراضاتُ بعض شُيوخ الطُّرق الصُّوفيَّة، وما تَلَقَّيتُه من الأسئلة المُتعلِّقة بالموضوع.
ثمَّ هذَّبتُ الكتاب وأخرجتُه للطَّبعة الثَّانية بعد أن أدرجتُه تحتَ عنوان : “الشِّرك الذي غَرِقَ المسلمون فيه“، كما أضفتُ إليه بعضَ مواقف العُلماء في عهد السُّلطان عبد الحميد الثَّاني، وبعضَ الوثائق المُتعلِّقة بقرار الدَّولة العُثمانيَّة بالدُّخول في الحرب العالميَّةِ الأولى، ثُمَّ غَيَّرتُ اسمَه إلى: “نظرةٌ إلى الطُّرق الصُّوفيَّة على ضوء القُرآن“، ذلك بأنَّ الاسم الأوَّل لم يكن يعكس محتوى الكتاب.
وكذلك فيما يخصُّ الطَّبعةَ الثَّالثةَ فقد نَقَّحتُها وسلَّمتُها للنَّشر بعد أن أعدتُ كتابةَ فصل “التَّعليم في المدارس الدِّينيَّة” من جديد، وسيجدُ القارئ فيه أنَّ المنهجَ الجديدَ يختلفُ تماماً عن المنهج القديم.
أمَّا عن الشُّيوخ المذكورين في الحوار فقد ذكرتُ اعتراضاتِهم باسم “الشَّيخ”، وأمَّا عن الباقينَ من تلاميذهم فذكرتُ اعتراضاتِهم باسم “المُريد”، ثمَّ إنَّني أجبتُ على اعتراضاتِهم باسمي “بايندر”.
والذي كتبتُه هنا هو ما رأيتُه مُخالِفاً للنصِّ القرآنيِّ، فكلُّ ما نُريده هو محاولةُ لفت الأنظار إلى الآيات القرآنيَّة وتطبيقاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للوحي بين أصحابه الكرام ابتغاءَ التمسُّكِ بهما؛ أي القرآنِ الكريم وتطبيقاتِ (سُنَّة) النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لأنَّ ما عداهما لا يعدو كونه أفكاراً وآراءً للبشر ممَّا لا يُمكنُ أن يُفرضَ على أحدٍ.
هذا، ومهما تحرَّيتُ الإتقانَ فلنْ أبلُغَ الكمالَ، ولكنِّي بذلْتُ كلَّ ما في وسعي ليكونَ هذا العملُ ممَّا أبتغي به مرضاةَ الله تعالى، وما توفيقي إلَّا بالله عليه توكَّلتُ وإليه أُنيب.
ممَّا ينبغي الإشارةُ إليه أيضاً أنَّ بعضَ الانتقادات لم تُدرجْ في كتابنا هذا لأنَّها انتقاداتٌ بعيدةٌ عن المنهج العلميِّ، ومَنْ أرادَ أن يُشيرَ إلى مُلاحظاته لما تضمنَّه الكتابُ وفق المنهجِ العلميِّ فسنكونُ مُستعدِّين للاستماع وأخذِ تلك المُلاحظات بعين الاعتبار.
أ.د عبد العزيز بايندر
أضف تعليقا