النبي يأتي بمعنى: من رفع الله درجته بإصطفائه نبيا، فالنبوة لا ينالها الإنسان بالتأمل والتفكر أو بجدّه واجتهاده ، إنّما هي محض اختيار من الله سبحانه يصطفي من شاء من عباده لهذا المقام، وقد ورد في الآية 83 من سورة الأنعام وما بعدها أسماءُ 18 نبيا من نوح الى عيسى عليهم السلام، وبعد أن ذكرت الآيات هؤلاء الأنبياء جاء قوله تعالى:
{وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الأنعام 87)
روي أنّ عدد الأنبياء 124 الفا، وجميعهم من ذرية الأنبياء المذكورين في الآيات السابقة أو من إخوانهم أو من آبائهم. وعليه لم يبق نبي من الأنبياء لم يُشَر إليه، وقد أعقب الإشارةَ إليهم قولُه تعالى:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّة} (الأنعام 89)
الكتب المنزلة هي أربعة: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن. وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم، أنّ الله تعالى أنزل إلى آدم 10 صحف، وإلى شيث 50 صحيفة، وإلى إدريس 30 صحيفة، وإلى إبراهيم 10 صحف، ومجموع هذه الصحف 100، وبذلك تكون الكتب السماوية قد نزلت على 8 أنبياء، والآيات السابقة تعلن بوضوح أن كل نبي قد أوتي الكتاب والحُكمَ، والحكمُ يعبَّرُ عنه في آيات أخرى بالحكمة. وهذه الآية تُفسر كلمةَ الحُكم في قوله تعالى:
{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (البقرة 213)،
فإصدار الحكم وفقا للكتاب هو الحكمة. (موضوع الكتاب والحكمة سيبحث مستقبلا إن شاء الله).
الذي يرفع من شأن النبي نزول الوحي عليه، قال تعالى آمراً نبيه:
{ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (الكهف 110)
النبي ذو شأن عظيم، قال تعالى في حق نبيه الأخير: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (الأحزاب: 33 -6)، والحقيقة أنّه لا يوجد إنسان أعزُّ ممن جاء بكتاب الله للإنسانية يبلغهم إياه ويطبقه سلوكا عمليا بينهم. الله تعالى لم يقل لأحد نبيا إلا لمن اصطفاه لهذا المقام الرفيع. ولكنه تعالى قال لأنبيائه رسولاً ومرسلاً، وهاتان الكلمتان بمعنى رسول.
النبوة مقام, والرسالة وظيفة. الرسول أو المرسل شخص مكلف بإيصال كلمة أحد لآخر. قال الله تعالى: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (النحل-16/35) {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (المائدة: 5/67).
القرآن لم يطلق كلمة النبي على غير الأنبياء، بخلاف كلمة رسول، فقد ذكر القرآن الكريم هذه الكلمة(الرسول), في وصف مبعوث ملك مصر ليوسف عليه السلام:
{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} (يوسف:12/50)
وكذلك الحال في الرجال الذين أرسلتهم بلقيس لسليمان عليه السلام، فقد وصفهم الله تعالى بـ(المرسلون). {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (النحل،35).
هذه الآيات تدلّ على أنّه ليس كلُّ رسول نبيا. لكن معظم علمائنا القدامي ذهبوا إلى أنه يقال لكل من أُنزل عليه كتابٌ وشريعةٌ خاصة به رسول, ولكل من عمل بكتاب رسولٍ وشريعته نبي. ولذلك يقولون بأنّ إسماعيل عليه السلام نبي؛ لأنه ليس له كتاب ولا شريعة خاصة به. إذاً هو ليس برسول بل نبي. لكن هذه الآية تخبر أنه نبي ورسول {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} (مريم:12/54 )
النبوة مقام شريف ومع ذلك ليس في القرآن آيةٌ واحدةٌ تأمرُ بطاعة النبي. لوكان هذا لدخل النبي بين الله وعباده, ولأصبح يدعو الناس إلى نفسه، مما يؤسس قاعدة للشرك في قلوب العباد. لهذا السبب لم تكن الطاعة للنبي, بل للآيات التي بلغها بصفته رسولا، وكون هذه الآيات كلام الله, فإنّ الطاعة تكون لله. قال الله تعالى {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (النساء 4/80).
رسول الله لا يزيد ولا ينقص في كلام الله. قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ. لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} (الحاقه 44-47)
الله تعالى بين لنا كلامه عن طريق رسوله. لذلك كلام الرسول هو كلام الله، والرسولُ لا يُحلُّ إلا ما أحلَّ الله، ولا يحرِّمُ إلا ما حرّم الله. قال الله تعالى :
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف: 157 )
النبوة عنوان؛ فالأنبياء دائما كذلك، وصفة النبوة لا تنفك عنهم، ولكنهم بوصفهم رسلا ليسوا كذلك ،فهم رسلٌ عندما يبلغون آيات الله تعالى, يبلغونها كما أنزلها الله عليهم، وهم لا يخطؤون في التبليغ. ولكنهم قد يخطؤون عندما يطبقون، لأن التطبيق يختلف عن التبليغ.الآيات التي تبين خطأهم لا تستخدم كلمة رسول أبداً. فقد جاء في حق أسرى بدر قوله تعالى:
{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (الأنفال: 8/67-68)
يتبين مما سبق أن الأعمال التي قام بها عليه الصلاة والسلام بصفة النبي هي أعمال شخصية. وهي بهذه الصفة لا تكون تشريعا ملزما. قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (تحريم : 66/1)
ومن لم يفهم الفرق بين النبي والرسول لم يفهم السنة كما ينبغي،ولا يستقيم له فهم العلاقة بين الكتاب والسنة.ونتيجة لهذا الخلط اعتبر كثير من العلماء محمداً صلى الله عليه وسلم شارعا ثانيا مع الله تعالى. (سيبحث هذا الموضوع تحت عنوان الكتاب والحكمة إن شاء الله).
هناك رسلٌ ولكنهم ليسوا أنبياء، ولا ينزل عليهم الوحي, يبلغون فقط الآيات التي أُنزلت على الأنبياء. هذه خصوصية مهمة جدا. هذه الآيات تتحدث عنهم: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ}. (الشعراء 26-105) {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ}. (الشعراء 26-103)
أرسل الله نوحا إلى قومه نبيا ورسولا. كما أرسل هودا لقوم عاد، ولم يرسل الله تعالى لكلا القومين غيرهما. أما الرسل المُكَذَّبين ما كانوا غير الذين بلَّغوا الآيات التي أُنزلت على نوح وهود عليهما السلام.
حسب الرواية فإنّ الآيات التالية متعلقة بالرسل الذين أرسلهم عيسى عليه السلام إلى أهل أنطاكيا. قال الله تعالى {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} وكان جوابهم {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ. قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ. وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}: (يس 13-17) بين هذه الأيات والمعلومات الواردة في إنجيل يوحنا في قسم أعمال الرسل توافق.
إنَّ وجود الرسل ضروري دون النبوة. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (إبراهيم 14/4)
رسالة القرآن الكريم هي للبشرية كافة، أمّا كون القرآن عربيا فذلك متعلق بنزوله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو عربي النشأة اللسان. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ 34/28)
وإذا كانت رسالته صلى الله عليه وسلم للناس كافة فلا بد من تبليغها لهم جميعا على اختلاف ألسنتهم، وهنا تبرز أهمية وظيفة التبليغ، لذلك على من يتصدرون هذه المهمة الجليلة أن يتعلموا القرآن جيدا ويبلغوه بألسنة أقوامهم. يقول النبي صلي الله عليه و سلم: (بلغوا عني و لو آية.)(البخاري- 3202)
ولسموّ هذه الوظيفة ولكي تستمر الدعوة إلى شرع الله في كل آن فقد كلّفَ الأنبياءُ _عليهم السلام_ أقوامَهم والمؤمنين بهم بوظيفة التبليغ. والقرآن الكريم يبيّنُ العاقبة السيئة لمن أهمل هذه الوظيفة في الآيات التالية:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة-2/159-160 ) {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة-174)
ينبغي أن يُتَرجم القرآنُ الكريم لكل اللغات بشكل صحيح، وأن ينهض لتبليغه من انفتحت قرائحهم لفهم الكتاب العزيز وامتلأت قلوبهم بنور الإيمان به، يبلغونه لأقوامهم بلغاتهم. وهؤلاء الأشخاس القائمون لهذه المهمة الجليلة يلزمهم أن يدركوا بأنَهم يمثلون محمدا صلى الله عليه وسلم وعليهم أن يتأسوا بسيرته وسلوكه. حينئذ يتعين على هذه المجتمعات الإيمان بخاتم الأنبياء والعمل بالكتاب الذي جاء به. قال الله تعالى:
{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران-3/81/82). قيل في الآيات لمن أُنزل إليه كتابٌ وحكمة (نبيٌ) ولمن صدّق وناصر (رسولٌ).
لننظر إلى أقوال عيسى عليه السلام كما وردت في إنجيل يوحنا لنرى أثر هذه الآيات.
“ ولم أَقُلْها لَكم مُنذُ البَدْءِ لِأَنِّي كُنتُ معَكم. أَمَّا الآنَ، فإِنِّي ذاهِبٌ إِلى الَّذي أَرسَلَني وما مِن أَحَدٍ مِنكُم يسأَلُني: إِلى أَينَ تَذهَب؟ لا بل مَلأَ الحُزنُ قُلوبَكم لأَنِّي قُلتُ لَكم هذهِ الأَشياء. غَيرَ أَنِّي أَقولُ لَكُمُ الحَقّ: إِنَّه خَيرٌ لَكم أَن أَذهَب. فَإِن لم أَذهَبْ، لا يَأتِكُمُ المُؤيِّد. أَمَّا إِذا ذَهَبتُ فأُرسِلُه إِلَيكُم. وهو، مَتى جاءَ أَخْزى العالَمَ على الخَطيئِة والبِرِّ والدَّينونَة: أَمَّا على الخَطيئَة فَلأَنَّهم لا يُؤمِنونَ بي. وأَمَّا على البِرّ فلأَنِّي ذاهِبٌ إِلى الآب فلَن تَرَوني. وأَمَّا على الدَّينونة فَلأَنَّ سَيِّدَ هذا العالَمِ قد دِين. لا يَزالُ عِنْدي أَشْياءُ كثيرةٌ أَقولُها لَكم ولكِنَّكُم لا تُطيقونَ الآنَ حَملَها. فَمتى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدكم إِلى الحَقِّ كُلِّه لِأَنَّه لن يَتَكَلَّمَ مِن عِندِه بل يَتَكلَّمُ بِما يَسمَع ويُخبِرُكم بِما سيَحدُث سيُمَجِّدُني لأَنَّه يَأخُذُ مِمَّا لي ويُخبِرُكم بِه. جَميعُ ما هو لِلآب فهُو لي ولِذلكَ قُلتُ لَكم إِنَّه يأخُذُ مِمَّا لي ويُخبِرُكم بِه”.(يوحنا 16/5_14، موسوعة نور الحق). إذا وضعنا كلمة محمد بدل هو، فإننا نفهم الموضوع كما ينبغي.
لا نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام، فهو خاتم الأنبياء.قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (أحزاب33\40)
وبعد هذا فإنّ كل من يدعي نزول الوحي عليه أو يُظهر كتابا بأي شكل من الأشكال على أنّه كتاب الله، فهو يدخل _لا محالة_ في شمول هذه الآية، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} (الأنعام 6/93).
الرجاء إيضاح موقفكم من سنة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم
أرجو الاطلاع على المقالات في الروابط أدناه، ستتعرف من خلالها على علاقة القرآن بالسنة أن شاء الله تعالى
الحكمة في القرآن وطريقة الوصول إليها http://www.hablullah.com/?p=2691
إنكار السنة http://www.hablullah.com/?p=2690
تقييد السنة بالكتاب http://www.hablullah.com/?p=2244
جزاكم الله خيراً أخي جمال
اذا اريد ترجمة القرآن لتبليغه للناس الذين لا يعرفون اللسان العربي فهل سيكون بنصه ام بمعناه ، واذا كان بمعناه فكيف سيعترف الذي يتلقى رسالة القرآن الكريم وهو يريد سماع القرآن بنصه ، وفي حالة تبليغ القرآن الكريم بنصه للغة الانكليزية كيف سيكون ذلك لأنه قد لا توجد في اللغة الانكليزية كلمة موافقة بنصها للكلمة المراد ترجمتها .
وكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب بالقرآن الكريم الذين لا يجيدون اللغة العربية .
الجواب: تساؤلك مهمٌّ للغاية، وقد أشكل على كثير من النَّاس قضيَّة تبليغ القرآن لغير العرب؛ حيث انقسم أهل العلم فرقين، الأول: اعتبر تبليغ القرآن لا يتمُّ إلا باللغة التي نزل بها محتجِّين بأنَّ عمليَّة التَّرجمة لا يمكن أن تقوم مقام الأصل. والثَّاني: اعتبر ترجمة القرآن لازمة لتبليغه لغير النَّاطقين بالعربية؛ لأنَّ القرآن كتاب الله الخاتم الذي كُلِّف به النَّاس جميعا. ولا يوجد أمرٌ بأن يتعلَّم النَّاس اللغة العربيَّة حتى يعلموا ما في القرآن، بل إنه يتعذَّر على كثير من الناس تعلُّم لغة غير لغتهم، فاقتضى أن يُترجم القرآن للغاتهم حتى يعوه.
والرأي الثاني هو ما نراه صوابا، لأنَّ اختلاف الألسن آيةٌ من آيات الله تعالى، وهو جزء من الفطرة التي خلق الله عليها البشر، فلا يمكن بعدئذ إلزام النَّاس بتعلُّم العربيِّة وترك لغاتهم، حيث لا يوجد أمرٌ إلهيٌّ واحد يتعارض مع الفطرة والطبيعة الإنسانية. بل إن الله تعالى يقول:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (إبراهيم 4)
وأول رسول يبلغ كتاب الله هو النبي الذي أوحي إليه، وإذا كان النَّبيُّ محمد صلى الله عليه وسلم رسولَ الله إلى البشريَّة كافة فهمنا لازمةَ أن يكون لديه رسلٌ يبلغون القرآن لكلِّ قومٍ بلغتهم، لأنه لا يمكنه تبليغ الكتاب لجميع البشر، ومهمة هؤلاء الرسل لا تنقضي بموت النبي، بل تدوم إلى قيام الساعة، فكلُّ من بلَّغ كتاب الله فهو رسول، والرَّسول يبلِّغ كلَّ قوم بلسانهم، فاقتضى أن يكون منهم.
لقد كان عليه الصلاة والسلام يقرأ القرآن على قبائل العرب كلٍّ بلهجته، ومن هنا تعدَّدت وتنوعت قراءات القرآن، وقد فعل ذلك النَّبيُّ بنفسه لأنَّه كان يعلم لهجات العرب، أمَّا اللغات الأخرى فلم يكن نبيُّنا على علم بها، لذلك كان بحاجة لمن يبلغ القرآن لتلك الأقوام ممَّن يتقنون تلك اللغات.
وفي العصر الحديث برزت إشكاليَّة اختيار التَّرجمة التي ستُعتمد في التَّبليغ، فمثلا هناك عشرات التَّرجمات باللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات. واختلاف تلك التَّرجمات نابع _في الأصل_ من اختلاف التَّفاسير العربيَّة، حيث إنَّ كتب التَّفسير الرائجة كتفسير الطَّبري وابن كثير والرَّازي وغيرها لم تراع أصول تفسير القرآن كما بيَّنها الله تعالى في كتابه ، وبدلا من السَّير على منهج القرآن في ردِّ المحكم إلى المتشابه أو المطلق إلى المقيد، وغير ذلك، ابتدعوا أصولا جديدة كالتَّفسير بالرِّواية أو بالرَّأي، فخرجوا لنا بتصوِّر مختلفٍ كليَّا عن القرآن الكريم، حتى إنهم ليذكرون في الآية الواحدة وجوها كثيرة من التَّفسير بعضُها لا يقبل به عاقل.
اعتماد أصول التَّفسير الصَّحيحة هو الحلُّ لترجمة القرآن إلى اللغات الأخرى، أمَّا هامش الخطأ الذي لا يخلو منه جهد بشريٌّ فمعفوٌ عنه، ومداومة التَّدبر والتَّمحيص والتَّدقيق كفيل بتصحيح تلك الأخطاء، وفي النَّهاية لا سبيل أمامنا سوى تبليغ القرآن لكلِّ قوم بلغتهم. وقد تكفَّل سبحانه بهداية من يجاهدون في سبيله ويعملون على نشر كلمته بقوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت، 69)
أما قضيَّة التَّرجمة بالنَّصِّ أو بالمعنى فالخلاف فيها لفظيٌّ وليس حقيقيَّا، حيث إنَّ النَّتيجة واحدة، فالتَّرجمة لا يمكن أن تكون كالنَّص الأصلي، بل هي معنى النَّصِّ، والخلافُ _ربما_ حول إمكانية إضافة مزيد بيان بحسب تصوُّر المترجم. والحقُّ أنَّه لا يصحُّ لأحد أن يزيد على النَّصِّ ما ليس منه، بل يُترجم الآية كما هي، لكنَّه يستطيع أن يشير _في الحاشية مثلا_ إلى ما يتعلَّق بالآية من متشابهاتها، وينبِّه على المناسبات بين الآيات، ويشير إلى الحكمة فيها، فمثلا عند ترجمته لقوله تعالى {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} (نوح، 14) يستطيع أن يشير إلى قوله تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون، 12-14) فهذه الآيات من سورة “المؤمنون” تبيِّن الأطوار المذكورة في سورة نوح.
كما يجب على المترجم اختيار معاني المفردات كما استخدمها القرآن وليس _بالضرورة_ كما تعاهدها النَّاس، إذ تختلف دلالة بعض مفردات القرآن عن دلالتها في الاستخدام اليومي، فمثلا كلمة “القضاء” في القرآن تعني الأداء في الوقت، أما القضاء في الاستخدام التَّقليدي فتعني الأداء خارج الوقت. فالقرآن الكريم يصلح أن يكون معجما لغويا قائما بذاته، وهو المعبِّر _حقَّا_ عن لغة العرب وقت النُّزول، أمَّا الاستخدام اليومي للكلمات العربية فقد تغيرت دلالات بعض الكلمات نظرا لتطوُّر اللغة واختلاطها بغيرها من اللغات.