تدّعي بعض الفرق من الطرق الصوفية والجماعات الإسلامية أنّ الأولياء من عباد الله الصالحين يعلمون الغيب. وعلى سبيل المثال يقول سعيد النورسي: إنّ أمثال سيدنا علي رضي الله عنه وعبد القادر الجيلاني قد أخبروا عني (أي سعيد النورسي) من قبلُ؛ لأنهم كانوا يعرفون الغيب. وهو يصرح بزعمه هذا بصيغة السؤال والجواب على النحو التالي:
السؤال: إن الأولياء مثل عبد القادر الجيلاني يخبرون أحيانا عمّا مضى بشكل واضح، ويخبرون عن المستقبل بالإشارة والرموز، بالرغم من أنهم يعرفون الماضي والمستقبل على حد سواء؛ فما هو السبب في ذلك؟
الجواب: الله تعالى يعلم جميع الغيب كما أخبر بقوله: “لا يعلم الغيب إلا الله”[1] ولا يظهر على غيبه أحدا. ولكن الله يظهر على غيبه من أراد من الأنبياء.ولم يصرح الأولياء بعلمهم الغيب إلا بالإشارة والرموز تأدبا تجاه الآية التي تخبر أنه لا يعلم الغيب إلا الله. وقد استعملوا الإشارات والرموز ليتبين أنّ معرفتهم بالغيب لم يكن ترجيحا من عند أنفسهم ولم يكن كذلك بنيتهم بل كان بتعليم الله لهم. لأن علم غيب المستقبل لا يكون بترجيح شخص ولي ولا بنيته. وكذلك الخوض فيه بالنية يكون مخالفا لما حرمه الله تعالى.[2]
ولست أدري إلى أي منطق يستندون!، وأيّ خروج عن الحق هذا!
ويظهر بطلان هذا الإدعاء من ثلاث نواحٍ
أ. لا أحد يعلم الغيب
قال الله تعالى: «مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ» (آل عمران، 3 / 179).
وإذا أراد الله تعالى أن يبين شيئا من الغيب فإنّه يبينه على لسان نبيه عن طريق الوحي، ولذلك أصول خاصة. قال الله تعالى: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا. لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (الجن، 72 / 26- 28).
وقد خرجت تلك المعلومات بالوحي من أن تكون غيبا. وقد جعل الله الملائكة حافظين من أمر الله؛ لئلا يشكّ النبي من كونه وحيا من الله تعالى. كما قال الله تعالى: « وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. » (الحج، 22 / 52).
وقد جاء في بعض كتب التفسير في سبب نزول سورة الأنعام عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ وَمَعَهَا مَوْكِبٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَسُدُّ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ، لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ، وَالْأَرْضُ تَرْتَجُّ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ».[3] فيطمئن بذلك أن من جاءه هو ملك الوحي، وأنه لا يمكن للشيطان أن يخلط الوحي بشيء من الوسوسة. وقد استدل سعيد النورسي بالآية التي تبين كيفية الوحي إلى النبي على علم الغيب للأولياء. وهذا زعم باطل ولا يمكن قبوله.
ب. ولا يعلم أحد غيب الماضي
يقول سعيد النورسي: “إنّ الأولياء العظام مثل عبد القادر الجيلاني يعرفون أحيانا غيب الماضي كما يعرفونه في الحاضر…”[4]
كيف يمكن قبول مثل هذا الزعم! والله تعالى يقول: «قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ» (النمل، 27 / 65). وهذه الآية تدلّ بنصّ العبارة أنه لا أحد يعلم الغيب إلا الله، سواء أكان من الإنس أم الجنّ أم الملائكة.
وبعد أن ذكر الله تعالى قصة نوح عليه الصلاة والسلام، أكدّ سبحانه أنّ ذلك غيب ما كان لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا لقومه أن يعلموه قبل هذا، فقال جلّ شأنه: « تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ» (هود، 11 / 49). كما أنّ هناك آيات كثيرة في هذا المعنى. منها آل عمران، 3 / 44، والأعراف، 7 / 101، وهود، 11 / 120-123، يوسف، 12 / 202.
ت. دعوى المحرم المقدس
وقد وصف سعيد النورسي عدم معرفة الغيب لغير الله تعالى بـ ” المحرم المقدس”. ويفهم من زعم سعيد النورسي كأنه تعالى لم يقل «لا يعلمِ الغيب إلا الله» بل قال “لا يجوز لأي أحد أن يصرّح بما سيحدث في المستقبل”. وهذه دعوى سخيفة، وإسفاف في القول. قال الله تعالى: «… وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ» (آل عمران، 3 / 179).
وبناءً على الدعوى السابقة للنورسي، فإنّ الأولياء العظام مثل عبد القادر الجيلاني، يعلمون الغيب بتعليم الله إياهم، وليس بإرادتهم ونيتهم؛ لأن محاولة علم الغيب بإرادتهم يعتبر عصيانا لله تعالى.
ولست أدري كيف يخبرنا الله تعالى أنه لا يعلم الغيب إلا هو، ثم يُظهر على غيبه بعضَ الناس! وهؤلاء لا يمتنعون عن تصريح الغيب الماضي ، وهم ما انفكوا يصرحون بغيب المستقبل ولكن بالرموز والإشارات..؟ يصرحونه بالرموز والإشارات لكي لا يكون هناك عصيان لله تعالى.. ولست أدري أي افتراء على الله هذا؟!.
قرأت في موقعكم الكريم أن الله (حاشاه) لا يعلم المستقبل ولا من يدخل النار او الجنة كيف وعنده علم الساعة وقد ذكر في كتابه الكريم أن ابو لهب من أصحاب النار ألم يكتب في اللوح المحفوظ كل شي منذ أن بدأ الخلق حتي قيام الساعة وأن رزق الإنسان مكتوب له و هو في رحم أمه وبأن ما سيجري له وعليه مكتوب أيضا وبأنه شقي أم سعيد وموعد وفاته كل ذلك مكتوب قبل الولادة وغير ذلك من أمور التسير الإلهي أرجو التوضيح وشكراً لكم وجزاكم الله خيرا
أخي أنور: سلام الله عليك
هناك فرق بين علم تعالى فيما سيفعل ويقرر كعلمه موعد الساعة ومتى يخلق شيئا ومتى يميته وبين علمه بأفعال العباد التي هي محل التكليف والاختبار، فقد اختار سبحانه أن لا يعلم نتيجة الامتحان سلفا تحقيقا لمبدأ نزاهة الامتحان، وهذا ليس نقصا في علم الله تعالى وتنزه عن النقص والعيب، بل هو إرادته بأن يكون الإنسان صاحب إرادة تؤهله أن يختار بين الحق والباطل ثم يحاسبه بناء على اختياره.
لذا توصيفك أنه ورد في موقعنا أن الله تعالى لا يعلم المستقبل غير صحيح بدليل ما أسلفنا،
أما أعمال الإنسان فتكتب عندما يقوم الإنسان بالفعل وهذا بين من خلال قوله تعالى ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18] وقوله ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ. كِرَامًا كَاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: 10-12]وقوله ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف: 80]
فبحسب الآيات السابقة فإن أعمال المكلفين تكتب عند صدور تلك الأعمال/الأفعال منهم، ولا يوجد آية في كتاب الله يفهم منها أن أفعال العباد قد كتبت سلفا قبل أن يخلقوا.
السلام عليكم، كلام سليم، لكن أرجو تبيان ما هو الغيب المقصود في بداية سورة البقرة: (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون). وجزاكم الله عنا كل خير.
وعليكم السلام ورحمة الله
(ال) التعريف في كلمة (الغيب) حلت محل ضمير الإضافة (هم) فيكون المعنى (بغيبهم) . ولا يرى ما بداخل الإنسان غير الله تعالى ، ولا أحد يعرف ما إذا كان يؤمن حقًا أم لا (القصص 28/56 ، ق 50 / 16-18). كما لا يمكن إجبار أحد على قبول أو إنكار اعتقاد ما ، لأن الإيمان مشروط بالقبول من القلب.
جزاكم الله خيرا أخي جمال على التوضيح الآن توضحت الصورة تماما عندي. في ميزان حسناتكم إن شاء الله تعالى.