إلى إخوتنا
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة الكرام! قال تعالى: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً"[1] وأمر الناس جميعا أن يتبعوه بقوله: "اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم"[2]، وجعل اتباع القرآن وعدم مخالفته شرطا لا بد منه لنيل رحمته تعالى قائلا: "وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"[3].
من استمع لهذه الأقوال الإلهية وأذعن لها حصل على الرحمة. فالمسلمون الأولون لما تمسكوا بالقرآن تحت زعامة الرسول صلى الله عليه وسلم تخلصوا من عبادةِ العباد كما تخلصوا من عبادة الأصنام، فبلغوا ذروة الحرية التي هي عبادة الله وحده.
وتكوّن منهم أمة تجاهد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فدخلوا بالتوحيد قلوب الناس الذين ما فتئوا يتخبطون في ظلمات الشرك، كما جسدوا العدل في ديارهم التي كانت تئن تحت أنواع الظلم، فدخل الناس في دين الله أفواجا وصاروا إخوة لهم، وفُتحت بلاد كثيرة وصارت ديارا للإسلام.
ولكن يا للأسف! إختلف المسلمون بينهم بعد مرور زمن قليل من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وافترقوا فرقا وأحزابا، واستحدثت مذاهب شتى في كل أمر من أمور الدين مع أن القرآن بين أيديهم يناديهم بلسان حاله: "إليَّ عباد الله! أنا كتاب الله؛ عندي حل للمشاكل التي تقاسونها!".
وترك منتسبوا كل مذهب من هذه المذاهب وظيفتهم المقدسة التي هي تبليغ القرآن إلى الناس كافة في أي أنحاء الأرض كانوا، وبدأ كلٌ يعمل للغلبة على منتسبي مذهب آخر. حتى بلغ الأمر بينهم إلى القتال فأهريق دمآء الألوف من الطرفين، ودعواهم واحدة.
فذهبت العزة التي وعدها الله تعالى للمؤمنين بقوله: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ"[4] وترك مكانها الذلة التي توعدها الله تعالى للذين يحددون حدودا تخالف حدود الله ورسوله بقوله: "إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ"[5]، فخرجت بلادهم من أيديهم واحدة تلو أخرى، وبدأ الأعداء الذين كانوا يخافونهم يُخَوِّفُونَهُمْ. وماظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. لأن الله تعالى قد وعد الغلبة للمؤمنين بقوله "وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"[6] وهذا الوعد لمن آمن بالقرآن وعمل بمقتضاه، لا للذين يسمون مؤمنين لكونهم أولاد المؤمنين، أو لكونهم يعيشون في أرض الذين خلوا من قبلهم من المؤمنين.
ثم بعدت المسافة بين القرآن والمسلمين يوما بعد يوم، وصارت الكتب التي ألفها الناس بعد مرور عدة قرون من وفاة الرسول صلى الله وسلم، دساتير يجعلها المسلمون حكما بينهم. واتخذوا ما فيها كـ (مبادئ التمسك بها واجب) بدل أن يزنوها بميزان القرآن فيأخذوا منها ما صفا ويَدَعوا ما كدر.
وأمّا القرآن فاتخذوه مهجورا، فهم يقرؤون ألفاظه فقط بأصوات حسنة في المقابر والمآتم والمراسم… ولكن لا يتحاكمون إليه. حتى بلغ الأمر بهم إعتبار الدعوة إلى الإذعان لوصايا القرآن والقول بأنه هو الحل للمشاكل، بأنها دعوة "لا دينية" أو "كفر" أو "ضلالة". فأصابهم ما أصابهم من البلايا والمحن. وقد صرح الله تعالى أنه لا يظلم أحدا و لا يخلف وعده.
فلذلك شرعنا _ في مركز أبحاث الدّين والفطرة _ نجتهد في تحقيق مشروع يهدف إلى إنجاز البحوث العلمية على ضوء القرآن الكريم وما وافقه من السنة، لتوجيه المسلمين المعاصرين إلى التمسك بالقرآن من جديد كما تمسك به المسلمون الأولون لحل مشاكلهم التي يعانونها.
كما أنشأنا مواقع إلكترونية على الشبكة العنكبوتية بعدة لغات ليسهل لنا الوصول إلى الهدف المنشود. وهي كالتالي:
www.muselmanlar.com
فبلغ عدد زوارها بالملايين، وأرسلت إلينا أسئلة كثيرة في مسائل شتى فأجبناها بدقة، ونشرنا بعض الأجوبة التي حسبنا أن غير السائلين يحتاج إليها في قسم "بنك الفتاوى" لمواقعنا هذه.
أيها الإخوة! إن أمامنا سبيلا واحدا فقط للتخلص من الأمراض السابق ذكرها والأزمات كلها؛ هو الرجوع إلى القرآن والتمسك به، لأن "هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ"[7]، " وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ"[8]، " إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ. وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ"[9].
وجملة القول: لا بد لنا أن نلتمس سعادة الدارين من القرآن، لأنه هو الهدى الذي أتى الناس جميعا في كل عصر وفي كل مصر من ربهم. وعلينا أن لا ننسى أن الله تعالى قد أنزل القرآن تبيانا لكل شيء وأنه تعالى قد بين لنا فيه سر النّجاة.
تعالوا نمشي معا في هذا السبيل، فلنتوجه جميعا إلى القرآن. لتكن عقيدتنا صحيحة وأعمالنا صالحة وأخلاقنا فاضلة ومعاملاتنا عادلة على ضوء القرآن. فنستحق النعم التي وعدها الله تعالى المؤمنين في الدنيا والأخرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله خيرا
واعانكم على هذه المهمة الصعبة والأمانة التي تعظم عظم الجبال الشاهقات .
ويتقبل الله منكم سلفاً ..
جزاكم الله عنا خيرا واعانكم واعاننا على الصبر والتبليغ جمعنا وإياكم في جنة الخلد