الخاتمة :
قد تبيَّنَ لنا ممَّا سَبَقَ أنَّ القُرآنَ الكريمَ لا يقبلُ النِّظامَ الثيوقراطيَّ ويعتبرُه شِركاً ، لأنَّ الثيوقراطيَّةَ تعني التصرُّفَ في الأمور نيابةً عن الله تعالى أو المشاركةَ معه في الحكم، هذا من ناحية؛ ومن ناحيةٍ أُخرى، فإنَّ الثيوقراطيَّةَ تُوجِبُ الطَّاعةَ للحُكَّام كطاعة اللهِ تعالى، أي أنَّ طاعةَ الحُكَّام هي طاعةٌ لله، وعصيانُ أوامرهم عصيانٌ لله تعالى، والقرآنُ يعتبرُ كلَّ هذه الادَّعاءاتِ شِركاً.
كما أنَّه لم يأتِ في القُرآن أيَّةُ وصيَّةٍ تتعلَّقُ بشؤون الدَّولة ونظامها، فعالميَّةُ الإسلام تتطلَّبُ ذلك، كما نجدُ ذلك في القرآن الكريم، حيث يطلبُ من الدَّولة تأمينَ المُواطَنة للجميع فهي ليستْ مُختصَّةً بعرقٍ أو دينٍ، وقد بيَّنَّا بعضاً من مُقتضياتها فيما سبَقَ، ومنها القِيَمُ التي لا يُمكنُ أن يتنازلَ عنها قومٌ أو مجموعةٌ ما، ولا يحقُّ لأيِّ إدارةٍ من الإدارات أن تتجاهلَ تلك القيم، وهذا ممَّا يدلُّ على أنَّ الإسلامَ دينٌ يمكنُ التَّعايشُ مع تعاليمه في كلِّ مكانٍ وزمانٍ.
ويُمكنُ تلخيصُ ما يطلبُه علماءُ الإسلام من القوى السِّياسيَّةِ بالتَّالي:
تقومُ القِوى السِّياسيَّةُ بتطبيق القوانين، وتنفيذ العقوبات، وتوفيرِ ما يحتاجُ إليه المجتمعُ، وتجهيزِ الجيش، وتحصيلِ الضَّرائب، ومكافحةِ ما يُفسِدُ أمنَ المجتمع. كما يجبُ على الدَّولةِ توفيرُ المناخ للمواطنين كي يعيشوا حسبَ مُعتقداتهم، وتأمينُ العدالة الاجتماعيَّةِ، وتحقيقُ الرَّفاهية الاجتماعيَّة بتوفير مجالات العمل لأبناء البلد.
وكذلك يجبُ على الدَّولة أخذُ التَّدابير اللازمةِ لحفظِ التَّوازن في توزيع الموارد الماليَّة، كما يجبُ أن تقومَ الدَّولةُ بحماية الأيتام ومُساعدة المساكين والفقراء وغيرِهم من المحتاجين.
وأخيراً يُمكنُنا قولُ مايلي: إنَّ العلمانيَّةَ اسمٌ للنِّضال ضدَّ الثيوقراطيَّة، والثيوقراطيَّة نظامٌ لا يقبلُه القُرآنُ الكريمُ كنظامٍ للدَّولة.
إنَّ النُّصوصَ التي اعتُبِرَتْ كأدلَّةٍ على الثيوقراطيَّة في بعض الأناجيل يجبُ أن تُدرَسَ على ضوء القرآن الكريم، سنرى حينها أنَّ تلك النُّصوص ليستْ من الإنجيل الذي أنزَلَه اللهُ تعالى على عيسى عليه السَّلام، وقد بيَّنَا ذلك سابقاً. ونفهمُ ممَّا سَبَقَ أنَّ الدِّينَ الذي جاء به عيسى عليه السَّلام لا يقبل الثيوقراطيَّة.
أضف تعليقا